عادل صبرى يكتب.. ارفع رأسك..فأنت صحفى
لا أحب عادة أن أفرغ متاعب المهنة في المساحة المخصصة لخدمة الجمهور، لكن الظروف الأخيرة التي مرت بها نقابة الصحفيين خلقت مستحيلا لا يمكن تجاهله. فالانتخابات التي أجريت خلال الأسبوع الماضي،
أفرزت واقعا جديدا، يستدعي منا أن نبرزه في وقت تقبل فيه البلاد على انتخابات برلمانية، تتصارع فيها القوى السياسة. نعلم أن صورة المهنة في أذهان كثير من الناس سلبية للغاية، فقد شهدتُ تعليقات وسمعت كلمات من الناس جعلت المرء يخفي هويته المهنية في كثير من الأحيان. فالمهنة تعرضت لأبشع ما شهدته البلاد من ممارسات غير أخلاقية، وشابها الكثير من الفساد. وأطلق الناس على كثير من الصحفيين ألقاب الفلول والمتحولين وفئران المراكب وغيرها من الألفاظ التي تجعل المرء يتوارى خجلا من مهنته خاصة أن كثيرا من تلك الاتهامات لها جذور وواقع ملموس أمام أعيننا. الغريب في الأمر أن تلك الأوصاف ليست أقل جرما من أفعال ذلكم النفر الذي يريد أن يستمر في كذبه على الناس ويدعي بطولات جوفاء بأنهم كانوا من المبشرين بزوال النظام، بينما كانوا في حقيقة الأمر سدنته ومنفذي خططته بأسوأ السبل. تلك الحقائق عن الواقع المؤلم للمهنة جعلت المرء يتريث كثيرا في الكتابة عن المعركة التي خاضها أهل المهنة. فرغم وجود الفلول وعملاء أمن الدولة وأنصار النظام السابق، ودعاة التوريث ومدعي الثورية، وحملة المباخر والذين أفسدوا أموال المؤسسات العامة، وغيرها من الصفات الدنيئة، فإن الصحفيين استطاعوا أن يخرجوا من تلك المعركة بأفضل المكاسب للمهنة بل لمصر كلها. ويعلم القاصي والداني أن التلوث الذي أصاب مهنة الصحافة لم يكن فريدا في نوعه بل نستطيع القول إنه الأقل قيمة، نظرا لعدد الصحفيين بالنسبة للمجتمع، وعدم وجود مقدرات ضخمة تحت أيديهم ترفع من معدلات السرقة والنهب كالتي في القطاع العام أو الجهات الحكومية الأخرى. ونظرا لوجود هالات ضوء مركزة على الإعلام وأهله، وتطاول الإعلاميين على بعضهم في كثير من الأحيان بما يضع ذلك على مساحات واسعة أمام أعين القراء والمشاهدين ويبين الصورة أكبر من حجمها بكثير.وسط تلك الظلمة التي يعيش فيها أهل المهنة، وحالة عدم الثقة المتبادلة بين الصحفيين أنفسهم وبينهم وبين مجتمع يرى المتحولين والمفسدين يقودون بعض الصحف والمجلات والفضائيات، فإن المعركة الانتخابية أفرزت أملا ورٌقيا في الأداء المهنى، يدعو الجميع إلى التمسك به، وتطبيق مبادئه في المرحلة المقبلة. فلم تكن معركة الانتخابات سهلة، فعادة يتصارع المرشحون لانتخابات نقيب الصحفيين على التفاهات. فهناك طرف يسعى لابعاد النقابة عن قبضة السلطة، فيأتي طرف آخر ويلقي بها في أحضان النظام. وتتوقف قدرة المرشح الحكومي على وضع النقابة رهن السلطة، على حجم الرشوة التي يأتي بها، فيسيل لعاب الأغلبية. وعادة الأغلبية الصامتة هى التي تتحرك وتغير موازيين القوى، في الصحفيين أو غيرهم، فهي التي تبحث عن زيادة البدلات النقدية والمميزات الاجتماعية التي تلقى لهم طوعا أو كرها. لذا فإن الرهان على التغيير داخل نقابة الصحفيين، من الأمور التي تكاد تكون مستحيلة، فهناك أغلبية مازالت تبحث عن الأب الذي سيوفر لها الخدمات والبدلات المالية التي تدفع للنقابة من الموازنة العامة للدولة،خاصة أن نقابة الصحفيين من النقابات المفلسة وتملك موراد سيادية، إلا ما يلقى إليها من فتات يأتي بتأشيرات المسئولين. انتابت تلك الأغلبية الحيرة، مع اختفاء المرشح الحكومي المحتمل، وغياب دور السلطة في تحريك الأمور، فلم يعد هناك أمن دولة يستطيع أن يغير مجريات الأمور، ولا حكومة تريد الصدام مع أي من التيارات السياسية لحساب طرف بعينه. من هنا برز التحدي أمام الصحفيين، فالنقيب المرشح، أحدهما ينتمي للتيار الناصري واليسار، وآخر ينتمي للتيار الوسطي المتدين، يحظون باحترام الناس، وإن اختلفوا معهم في التوجه والرؤى، فهم يعلمون أن الطرفين لا يملكان من الدنيا سوى الستر. فلا علاقة ليحيى قلاش برجال الأعمال أو الحكومة،ولا قدرة لممدوح الولي على ابتزاز السلطة والمسئولين. وغابت مصالح الأغلبية الصامتة مع خوض نحو 100 مرشح الانتخابات على مقاعد المجلس الاثنى عشر، ورغم كثرة الوعود الانتخابية فإن أغلبها جاء من شخصيات رقيقة الحال، غير قادرة على تلبية طموحات طالبي الرشاوى الانتخابية. مع غياب الأب وسطوة الحكومة وسلطة الأمن، كاد السباق ينفض قبل تحضير جلسة