رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ذكرى ميلاد.. شهيدة الحب والوحدة

مى زيادة وجبران خليل
مى زيادة وجبران خليل جبران

كانت أديبة وكاتبة، ظلت سنوات طويلة تغرس في القلوب أجمل الشعر وأرفع النثر، تتهادى بروائعها ومؤلفاتها في دنيا العشاق، إلى أن عصفت المنية بروحها وهي في سن الكهولة المبكرة، تاركة وراءها مكتبة نادرة لا تزال محفوظة بالقاهرة وتراثًا أدبيًا خالدًا.

إنها الأديبة والكاتبة مي زيادة، التي يحل ذكرى ميلادها اليوم، التى وُلدت في الناصرة عام 1886، وهي ابنة وحيدة لأب لبناني وأم فلسطينية أرثوذكسية، وتلقت دراستها الابتدائية في الناصرة، والثانوية في عين طورة بلبنان عام 1907، ثم انتقلت مع أسرتها للإقامة في القاهرة.
درست زيادة في كلية الآداب، وأتقنت تسع لغات هي: عربية، والفرنسية، والإنجليزية، والألمانية، والإيطالية، والأسبانية، واللاتينية، واليونانية، والسريانية، ولكن معرفتها بالفرنسية كانت عميقة جدًا، ولها بها عديد من الأشعار.
وعملت زيادة كمُدرسة للغتين الفرنسية والإنجليزية، وتابعت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية، وفي الوقت ذاته عكفت على إتقان اللغة العربية وتجويد التعبير بها فيما بعد.
وتابعت دراساتها في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة بجامعة القاهرة، ونشرت مقالاتها وأبحاثها في كبرى الصحف والمجلات المصرية، مثل: المقطم، والأهرام، والزهور، والمحروسة، والهلال، والمقتطف.

وأبدعت في كتابة المقالات الأدبية والنقدية والاجتماعية منذ صباها فلفتت الأنظار إليها، وكانت تعقد مجلسها الأدبي كل ثلاثاء من كل أسبوع، وامتازت زيادة بسعة الأفق ودقة الشعور وجمال اللغة.
وأصدرت أولى دواوينها عام1911 ، الذي كتبته باللغة الفرنسية وأول تحت عنوان "أزاهير حلم".
كما صدر لها  فيما بعد"باحثة البادية" عام 1920، و"كلمات وإشارات" عام 1922، و"المساواة" عام 1923، و"ظلمات وأشعة" عام 1923، و"بين الجزر والمد" عام 1924، و"الصحائف" عام 1924.
وقامت بعدة رحلات إلى أوروبا وغذت المكتبة العربية بطائفة من الكتب الممتعة موضوعة ومنقولة، وبلغت من غايتها في الأدب والعلم والفن فاستفاض ذكرها على الألسنة، إضافة إلى هوايتها في الموسيقى والتصوير.

ونشأت عاطفة قوية بينها وبين الشاعر جبران خليل جبران، الذي ظل متربعًا على عرش قلبها، رغم أنهما لم يلتقيا، ودامت المراسلات بينهما لعشرين عامًا منذ 1911 حتى وفاة جبران في نيويورك عام 1931.

وتميزت مراسلات مي لجبران بصيغتها الغرامية العنيفة، حيث كان الوحيد الذي بادلته حبًا بحب وإن كان حبًا روحيًا خالصًا وعفيفًا، ولم تتزوج رغم كثرة عشاقها.
وعانت كثيرًا بعد وفاة والدها عام 1929 ووالدتها عام 1932، وقضت بعض الوقت في مستشفى للأمراض النفسية، وذلك بعد وفاة الشاعر جبران خليل جبران فأرسلها أصحابها إلى لبنان حيث يسكن ذووها فأساؤوا إليها وأدخلوها إلى"مستشفى الأمراض العقلية" لمدة تسعة أشهر وحجروا عليها.
واحتجّت الصحف اللبنانية وبعض الكتاب والصحفيون بعنف على السلوك السيئ الذى عاملها به أقاربها، فنقلت إلى مستشفى

خاص في بيروت ثم خرجت إلى بيت مستأجر حتى عادت لها عافيتها، وأقامت عند الأديب أمين الريحاني عدة أشهر ثم عادت إلى مصر.
وعانت زيادة من صقيع الوحدة، وبرودة الفراغ الهائل الذي تركه رحيل  من كانوا السند الحقيقي لها في الدنيا، وحاولت أن تطوى أحزانها وتلمم جراحها، وتنغمس بين أوراقها وبين كتبها، فلم يشفها ذلك من آلام الفقد الرهيب لكل أحبابها دفعة واحدة.
وسافرت زيادة عام 1932 إلى إنجلترا أملاً في أن تغيّر المكان والجو الذي تعيش فيه، على أمل أن يخفف ذلك قليلاً من آلامها، لكن حتى السفر لم يكن الدواء، فقد عادت إلى مصر ثم سافرت مرة ثانية إلى إيطاليا لتتابع محاضرات في "جامعة بروجيه" عن آثار اللغة الإيطالية، ثم عادت إلى مصر.
وعادت زيادة مرة أخرى إلى روما، ومنها إلى مصر حيث استسلمت لأحزانها، ورفعت الراية البيضاء لتعلن أنها في حالة نفسية صعبة، وأنها في حاجة إلى من يقف جانبها ويسندها حتى تتماسك من جديد.
ورحلت زيادة في مستشفى المعادي بالقاهرة عام 1941عن عمر يناهز 55 عامًا، دون  أن يمشي وراءها رغم شهرتها ومعارفها وأصدقائها الذين هم بغير حصر، إلا ثلاثة من أصدقائها هم: أحمد لطفى السيد، وخليل مطران، وأنطوان الجميل.
وعلى الرغم من عدم حضور أحد لجنازة مي، إلا أنه قد رثاها معظم الكتاب والمشاهير، فقد قالت عنها هدى شعراوي في تأبينها:" كانت مي المثل الأعلى للفتاة الشرقية الراقية المثقفة"، وكُتبت في رثائها مقالات كثيرة بينها مقالة لأمين الريحاني نشرت في جريدة"المكشوف" اللبنانية، تحت عنوان "انطفأت مي".

وكتب الدكتور خالد غازي كتابه"مي زيادة .. حياتها وسيرتها وأدبها وأوراق لم تنشر"، الذى نال به جائزة الدولة التشجيعية في مصر.