رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

15 ألف مصرى يقومون ببناء الهرم الرابع

بوابة الوفد الإلكترونية

على هضبة من الرمال تهدر الآلات ويدق العمال بالمعاول ، بينما ترتفع الأعمدة على خلفية من أشجار النخيل عند المنحدر المؤدي إلى ضجيج المدينة.

إنها عملية بناء أضخم متحف للفراعنة بالعالم في غرب القاهرة. وفي الجانب الآخر يمكن أن ترى أهرامات الجيزة الثلاثة وهي متجاورة ، لأول مرة، في مشهد لم يظهر من قبل لا في الصور ولا في الأفلام.

إنها حياة جديدة يعيشها نحو 15 ألفا من المصريين يوميا ، وهم يعملون في دأب بعيدا عن الاضطرابات السياسية والجدل الذي لم ينتج غير مزيد من التدهور الاقتصادي في البلاد ، رغم مرور أكثر من عامين على الإطاحة بالنظام السابق.
بكل بساطة ، وبأسنان بيضاء على خلفية بشرته السمراء ، يقول العامل «محمد» وهو يوصل قضبان الحديد الملتوية على قبة جديدة ترتفع من وسط الرمال الصفراء: «نقوم ببناء الهرم الرابع»، ويشير بيديه لأرض المشروع المعروف باسم «المتحف المصري الكبير»، ثم يمضي لأنه لا وقت لديه لمزيد من الحديث. ومن الجانب الآخر يصيح رئيس العمال: «هيا.. هيا. شد الرافعة». ثم يتحرك ذراع الونش ، ومن ورائه يبتعد قرص الشمس الأحمر ، لينتهي يوم آخر من أيام العمل هنا.
وفي الصباح التالي بدأ التفكير في الطريقة التي سيتم بها إعادة استخراج وترميم وبناء واحدة من أقدم المراكب الخشبية في العالم ، بعد أن تم العثور عليها تحت الكثبان الرملية قرب الأهرامات. إنها ثاني مركب للملك "خوفو" (2566 ق.م) تظهر بعد آلاف السنين من النسيان. وتتعاون وزارة الدولة لشؤون الآثار المصرية مع جامعة "واسيدا" اليابانية في أعمال الترميم. وبالإضافة لعمليات البناء المعماري تجري أيضا قياسات من جانب متخصصين لفحص القطع الأثرية ومعالجة ما بها من تلف بسبب الرطوبة والأملاح والفطريات.
ورغم أهمية هذا الحدث فإن الرأي العام في مصر مشحون بقضايا السياسة، ولا يلتفت إلى ما يدور في صحراء الأهرامات. ويضع أحد المهندسين، ويدعى أحمد عبد الله، الأوراق على طاولته وفوقها، قطعة من الحديد حتى لا تطير، ويشرع في قياس المسافات على جهاز الحاسوب، ومن بعيد يظهر رأس أبو الهول. والرجل متخصص في ترميم الأخشاب. ويقول إن المطلوب التوصل لطريقة يتم بها إخراج مركب خوفو أولا. وتوجد ملفات أخرى على حاسوب المهندس عبد الله تخص ترميم تمثال عمره نحو 4 آلاف سنة لطائر «أبو منجل» المشهور.

ويبعد المشروع عن منطقة أهرامات الجيزة الأثرية بكيلومترين فقط، وتسمح تصميماته بنفاذ الضوء عبر الواجهة إلى داخله من خلال أشكال هندسية دقيقة يتم تضفيرها بتقنيات حديثة تعكس ألوانا مستوحاة من التاريخ القديم. وتوجد آلاف من قطع الآثار التي عانت من الإهمال طويلا. وتسبب المشروع في تقديم العناية بها مجددا. ويقول عبد الله: لا وقت للحديث في السياسة، لأن كل قطعة أثرية هنا تتطلب عملية معقدة سواء كان الأمر يتعلق بترميمها أو نقلها.. لا بد من التركيز. الهدف أن تنتهي كل عملية بنتيجة واحدة هي الحفاظ على الأثر كأنك تحافظ على حياتك، لأنه لا يعوض.
ومن الجانب الآخر قرب الهرم الكبير يبشر مدير فريق العمل الياباني، الدكتور يو شيموره، مَن حوله بأن عملية ترميم مركب خوفو الجديدة «سوف تسير على ما يرام، يا أصدقاء». ويتحتم فحص عشرات الألوف من القطع الأثرية لترميمها في فترة زمنية قصيرة، قبل أن يحل موعد افتتاح المتحف المنتظر أن يزوره 8 ملايين سائح سنويا.
ويقول الدكتور حسين عبد البصير، مدير مشروع المتحف الكبير، لـ«الشرق الأوسط» إن للملك خوفو مركبين، الأولى تم اكتشافها عام 1954 وتم ترميمها، أما هذه المركب (الثانية وتم اكتشافها العام الماضي) فجسمها الرئيسي ما زال تحت الأرض، مشيرا إلى أنها عبارة عن طبقات متعددة، و«نحن نعمل الآن في الطبقات السطحية للمركب، وبعد ذلك سيتم ترميمها ونقلها إلى المتحف الكبير وإعادة تجميعها وعرضها للجمهور».
ومنذ عام 2002 تحددت لمشروع المتحف ثلاث مراحل، الأولى تم الانتهاء منها بالفعل بوضع التصميمات الإنشائية. والثانية انتهت أيضا وتضمنت إقامة مبان للطاقة وإطفاء الحريق والأمن والمخازن. أما المرحلة الثالثة والأخيرة، والتي يجري العمل فيها

في الوقت الراهن، فتضم عملية بناء جسم المتحف، وما حوله من مقار عرض ودراسة ومراكز مؤتمرات وسينما، بكلفة تصل إلى نحو 800 مليون دولار. ورغم المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها مصر، فإن المشروع يمضي قدما بمساعدة مسؤولين محليين وأجانب معنيين أساسا بالحضارة الإنسانية، ولا يلتفتون كثيرا إلى تغير نظم الحكم.
ويحظى المشروع باهتمام دول ومنظمات عالمية، خاصة اليابان التي تقوم بتمويله بملايين الدولارات. ولا يمضي أسبوع إلا وتجد مجموعة من السفراء تتفقد اللمسات التاريخية للبناء المتحفي الأضخم من نوعه والأغرب في تصميمه، والمقرر افتتاحه في صيف 2015. وزار الموقع قبل أيام 25 سفيرا من عدة دول حيث قاموا بالتقاط الصورة التذكارية في الموقع.
ومع هذا توجد تحديات كبيرة ينتظر العاملون في المشروع التغلب عليها خلال الأشهر المتبقية من العمل، وهي نقل القطع الأثرية العملاقة من عدة مناطق بجنوب مصر وشمالها إلى موقع المتحف بالجيزة. والتمثال الوحيد الضخم الذي تم نقله بالفعل يعود للملك رمسيس الثاني، البالغ وزنه 83 طنا. جرى ذلك عام 2006، من وسط القاهرة إلى منطقة المتحف الجديد الذي كان وقتها مجرد كثبان رملية قرب صحراء الهرم.
وتم إخلاء خط سير التمثال حيث جرت العملية التي بلغت كلفتها نحو 6 ملايين جنيه بواسطة روافع عملاقة، وتم بث وقائعها عبر شاشات التلفزيون.
ويقول الدكتور عبد البصير: «نعم.. هناك المزيد من القطع الأثرية التي يبلغ وزنها عشرات الأطنان، وسيكون نقلها خلال الفترة القادمة حدثا كبيرا في حد ذاته»، خاصة أنها ستنقل عبر مسافات طويلة، مشيرا إلى أن «معظم القطع الأثرية الكبيرة ستنقل من مناطق مهمة مثل أسوان التي تبعد نحو 800 كيلومتر عن المتحف الجديد.
ومن بين ما سيتم نقله تماثيل تخص ملوك مصر القديمة من بينهم الملك أمنحتب الأول والملك أحمس الثاني في جنوب البلاد، وتماثيل أخرى لرمسيس الثاني في صان الحجر بالدلتا شمالا.
ومن التحديات الأخرى أمام المتخصصين في فروع المتحف الجديد، عملية اختيار المجموعات الأثرية التي لا بد أن تتم بطريقة تعكس ثراء الحضارة المصرية وتنوعها التاريخي، ويقول عبد البصير إن «هذا العمل ليس سهلا»، مشيرا إلى أن «الآثار يبلغ عددها 100 ألف قطعة منها 50 ألفا لقاعة العرض و50 ألفا للدراسة، وهذه من ضمن التحديات، لأن السؤال هو: ما هي المعايير للاختيار من كل هذه القطع الأثرية.. كما أنه لا بد أن يتم اختيار كل ما هو نفيس ورائع لكي يمثل الحضارة دون أن يظلم فترة تاريخية على حساب الأخرى».
ويختم عبد البصير قائلا: «سيكون هناك ربط بين المتحف والأهرامات، وسيكون هناك ممشى بينهما، وستبنى فنادق حول المشروع.. أنت تصنع مدينة سياحية وتصنع هرما رابعا بجوار الأهرامات الثلاثة في الجيزة».