عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بالصور.. سمية زيدان أول لحامة معادن تحت الماء تروي قصص أطلال السفن الغارقة

سمية زيدان
سمية زيدان

تمارس طقوسها كعروس بحر خرجت من كتاب أساطير عتيق، أميرة من عالم الخرافات ترتدي بدلة سوداء فاحمة من الـ "النيوبرين" المطاطي، وتنتعل زعانف سميكة تضرب بها المياه بقوة فيما تخفى عيونها التي تحتضن ملاحة سكندرية أصيلة خلف نظارات خفيفة تكاد تطمس ملامح وجهها الذي خضبته شمس النهار، تحتضنها سترة نجاة خاوية من الهواء، ويلتقم فمها طرف "الريجيوليتر" وحدة التنفس، تتشابك أنبوبه على ظهرها ليحكم وثاق ربطاها بالأرض ويذكرها بجذورها، تتجرد من هواجسها وثقل عالم البشر محلقة بين نسائم بحر أكتوبر المنعشة قبل أن تهوي إلى البحر مثيرة دوامة من الأمواج تبتلعها في ثوانٍ، فتحتجب عن الأنظار قبل أن تنطوي صفحة الماء الفيروزية على حكاية مغامرة جديدة ترويها أول غواصة لحام تحت الماء بمصر والعالم العربي.

تبوح أشباح السفن والبواخر الهاوية بأسرارها إلى "سمية زيدان"، قصص مآسي تدب الرعشة بالأبدان، وتسرد أطلالها حكايات الحب والحياة والألم، التي تسري ذكراها من البحر إلى المحيط، ترافقها في رحلاتها إلى غياهب الأزرق، فيما تستل كاوي اللحام من مكمنه فتمزق أوصال تلك الجثث قطعًا وتفرج عما تخفيه من خبايا، صور لحياة شتى طواها النسيان ووشت بها الهياكل الضخمة التي تقف كجنود مرابضة في الأعماق، تعيد سمية اكتشاف عوالمها الخفية التي سكنها الصمت تحت الماء، وأيقظها لهيب اللحام، قبل أن تتولى مهمة جديدة للوصل بين أنابيب "ألياف" الإنترنت، تؤلف فيها بين أوصال العالم وتحيك جسورًا لأبطال قصص جديدة، أيام تليها يلقي الحظ إليها بمهمة أخرى للتنقيب عن ثروات الوقود المكنونة داخل جوف الأعماق.

تشير عقارب الساعة إلى السادسة صباحًا فيصدح المنبه بالرنين معلنًا عن نهار جديد، تنهض "سمية زيدان" على عجل لتعد طعام الإفطارلأسرتها الصغيرة وتودع طفلها بقبلة قبل أن تستهل صباحها الباكر بجولة تطوي فيها كورنيش البحر ركضًا يصاحبها فيها زوجها ورفيق مغامراتها أسفل الماء يتجهان بعدها إلي صالة الألعاب الرياضية لاختبار مرونة مفاصلهما وشحذ قوة عضلاتهما استعدادًا لمشاق يوم عمل مقبل يحمل في طياته مفاجآت جديدة، كحورية بحر تعود "سمية" إلى وطنها الأصلي الذي انتزعت منه عنوة قبل أن تتقاذفها دروب الحياة على الأرض عقب اجتياز عتبات كلية التكنولوجيا جامعة الأسكندرية، فتتلقفها الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا من بين أمواج التجربة، وترشدها الصدفة نحو موطن شغفها ومصدر عشقها الذي تجلى في هيئة إعلان لدورات تدريبية بالغوص التجاري، أعاد النبض لحلمها القديم بالعودة لموطنها العزيز.

 

استقبلتها يد الدكتور عصام البكل رئيس الأكاديمية، بدد شكوكها، وطغى رنين تشجيعه على أصداء الخوف داخلها، توسم بها روح صلدة لاتخشى المستحيل وقدرة فطرية على

الغوص تناهز أطول الغواصين باعًا في عالم البحار، فأحاطها بعنايته وأغدق عليها من نصائحه قبل أن يلقي بها على طريق التجربة التي لازمتها فيها كلماته، حتى نجحت في أول اختباراتها الشاقة، محطمة حاجز الغوص الآمن بإجتياز عمق 40 متر الذي يصاب البشر عنده بـ "سكر الأعماق"، فيصبح بقائهم أحياء معادلة يصعب التكهن بنتائجها.

يقف الموت على مقربة متربصًا يتوعد بالاقتراب في كل مرة تعتمر فيها خوذتها الفلاذية الضخمة، "الكيربي"، وتحكم وثاق أنبوب الهواء إلي بذلة "الهيرنس" التي تحيط بخصرها حاملة أسطوانة الأكسجين، و"كابل" هاتف التواصل مع حجرة القيادة فوق الماء التي تمدها بالتعليمات، وتؤنس وحشتها خلال ساعات العمل الطويلة، تتلقى إشارة الإنطلاق إلى عالم الأزرق الغامض في مهمة جديدة يحيطها دعاء والدتها ويد أباها التي تشد عليها في كل مرة يجد اليأس سبيلاً إليها، تستعيد صوته الدافئة يطمئنها ويستودعها بترتيل آيات من الذكر الحكيم، بعد أن أطمئن على ما أودعه في نفس صغيرته الحبيبة من دروس في الصلابة أفاضتها عليه سباقات الركض الطويل التي اعتزلها قبل عشرات السنين.

تزين خزانة من الخشب الزان بواجهة زجاجية حجرة استقبال الضيوف بمنزلها المتواضع، وتروي القليل عن قصة شغف "سمية" بالغوص وأسراره المكنونة تحت الماء، تتراص بها شهادات التقدير بداخل أطرها الذهبية تجاورها دروع الشرف التي حازتها بصدق عزيمتها وثبات خطاها على طريق حلمها الأثير، وتكلل مجموعتها درع ضخمة حفرت عليها بأحرف ذهبية غائرة كلمات قليلة لخصت تميزها بمجال الغوص التجاري واللحام تحت الماء ووثقت السنوات العجاف التي تقاذفتها خلالها الصعاب حتى أوصلها الحلم إلى ميناء سلام متوجة بلقب أول سيدة غواص تجاري وفني لحام تحت الماء، بإعتماد الأكاديمية البحرية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري.