رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"إيمان قطب" عاشقة التراث تروي قصص نساء خالدة على الأكواب الخزفية

أكواب الخزف بعد أن
أكواب الخزف بعد أن أضفت إليها إيمان بصمتها

من خلف حفيف الستائر الحريرية تلاطفها نسائم الفجر الصحوة تبدو معالمها جلية للرائي، وجهها المخضب بقبلات أشعة الشمس، وقسماتها المنحوتة كمجرى ضفتي النيل، تتهادى رأسها طربًا على رنين أشجان جارة القمر تشدو رائعتها "بتذكرك بالخريف"، قابعة على مقعد وثير إلى طاولة عريضة تتجاور عليها الأواني الفخارية وأكواب القهوة جنبًا إلى جنب مع فرش الرسم والألوان التي مارست ألغازها على الأكواب والطاولة في دفقات لونية فريدة تتشتت ثم ماتلبث وتتلاقى أمامها.

يداعب هواء الخريف الرطب زهور الياسمين المتراصة داخل أصيصات صغيرة تتوج لوحة من الجمال الإلهي تحتضنها، يعبث صوت "فيروز" الحاني بخيال "إيمان قطب" السارح وتتلاعب خيوط الألون بمستودع ألغاز التصميم في فؤادها فثير تموجات من الخواطر عبر وجدانها، تلضمها موهبتها الشجية بأناملها الذكية، التي تراقص أوعية الألوان بسلاسة فتمارس الفرشاة طقوسها السحرية على وجه كوب خزفي عتيق يلف كراقص صوفي بين أصابعها، وبينما تنساب آيات الفن عبر الكوب الخوفي، يرتفع أزيز مرجل صغير يتخذ له ركنًا منزوي بحديقة منزلها، فقد حان موعد لقائها اليومي المنتظر مع "مفتاح الصباح".

يعبق المكان بأريج الحبوب الآسرة، معلنًا نضوج معشوقتها السمراء، وتعم رائحتها الشهية الأرجاء، ترتشف منها القليل فتنتعش أوصالها بالنشاط تحملها بين أصابعها الرشيقة استجداءًا للدفء في "روتين" صباحي مقدس، يذيب هواجسها مع دوامات القهوة، وتعود لمواصلة وضع اللمسات الأخيرة على أحدث مجموعاتها الخزفية "بنت من مصر"، تتراص أكواب "إيمان" تتطلع منها وجوه عشرات الفتيات الحسناوات بملامحهن المشربة بفتنة خالصة أودعتها به تدرجات ألوان "طمي النيل"، وتركت مسحة من البهاء الفرعوني عليهن لاترجعها العين يسردن قصة العشق الخالص التي ملكت قلب "إيمان" خريجة كلية الآداب فاختارت التراث الشعبي مستودعًا لإلهامها واختارها التراث المصري رسولًا عنه.

تضوي أكواب إيمان بجمال قسمات الجمال النوبي الآخاذ، الذي يحاكي في غموضه أحجية فرعونية تليدة لم تفلح القرون في فك طلاسمها، ينساب فيض الذكريات وقصص الماضي العتيق من عينيها النجلاوتين، التي تشي بفطنة "حتشبسوت" وحنكة قائد عتيد، يبدو وجهها جليًا كقرص الشمس "آمون" ينسدل عن جبينها "فضة الرحمن" وحلية "الرسان"، وتحيط بشرتها المخضبة بلون الطمي بالـ "شبار"، وبجمال فيكتوري خالص امتزج بأصالة الملامح المصرية تطالعك إحدى أميرات العصور الوسطى بنظرات هامسة، من على إحدى أكواب "إيمان". 

يتدلي قرط "المخرطة" عن أذنيها الدقيقتين، ويحجب طرف "الملس" جبينها المزين باليشمك، تتماوج أسفله عينيها بالأسرار بين ضفتين مكحلتين بلون الأرض الطيبة، ويرجح ذقنها البارز الذي يتوجه وشم "السياليه" كفة ميزان الحسن الفلاحي الغض بمجموعة "إيمان"، فيما تدعوك "كيلوباترا" بدهاء عن إحدى الأكواب لخوض حديث مبهم بلغة العيون عن تاريخ آسر توحدت فيه إلهة الجمال الإغريقي "أفروديت"، مع إلهة الحب الفرعوني

"حتحور" لتنسجا لغزًا مبهمًا في العذوبة والحسن، مزجتهما "إيمان" في فسيفساء تراثية تتلاقى عبرها أمواج التاريخ.

تمشط "إيمان" شعيرات فرشاة الرسم بعناية قبل أن تؤدي رقصتها الغامضة على وجه كوب خزفي، بينما يصدح صوت فيروز بترانيم العشق يذكرها بـ "ماضيها العنيد" تستدعي حنجرة فيروز الدافئة ذكريات حبها الأول ومهوى فؤادها "كلية فنون الجميلة" التي تحطم دونها قارب أحلامها، فقذف بها بحر الحياة إلى قسم المكتبات بكلية الآداب رغمًا عنها بعد أن شغلها الرسم عن الدراسة واستقطعت من وقتها لتلبي فروض شغف موهبتها الطروب، لكن الحظ وحده لم يكن كفيلاً لكبح لجام جوادها أمانيها وروحها التواقة إلى الجمال التي استردتها على عتبات كلية "الفنون" بعد أن أوصلها مجداف الحياة إلى برها من جديد، طالبة بقسم الدراسات الحرة، هناك التقى شغفها مع مفاتيح الخبرة فنضجت موهبتها.

 قادها تردد الخطى إلي وجهتها الأخيرة، بعد أن شحذت رياح الحياة أقلام البوص خاصتها وأصقلت السنون التسع الماضية فرش ألوانها التي تنقلت بين رسم البورترية وتصميم الأزياء التراثية والحقائب والنحت على الجلود، حتى أهتدت إلى الأواني لتودعها خفايا الرسم، وبأفضل خامات الألوان الآمنة على الصحة، تطبع ببصمتها النسوية الغنية بالتفاصيل على سطح لوحاتها الخزفية، فتحيلها إلى اقتباسٍ فريد عن روحها وحالة مزاجية لاتتكرر.

وكعرض السماء التي تظلل ركنها الدافئ تبسط جناحي أحلامها يجوب بها في عالم الأماني سعيًا وراء تصميم المزيد، تتخطى البحار والبلاد والعباد؛ مبعوثة للتراث  المصري بشتى صوره في العالم، تلبي فروض عشق زبائنها الأوفياء للفلكلور المصري من شتى دول العالم، فلاتبارح مقعدها بالساعات غارقة في دوامة الإلهام التي لاينتزعها منها سوى أفول شمس العصاري وهبوط آية المغيب، تطمح أن يشرق شمس يوم تضم فيه عدد من ذوي الأيادي الذهبية لمشروعها الوليد.

شاهد الفيديو..