رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قصة يأس لونتها الحياة.. نادية عبدالصمد أول سيدة ديلفري في مصر

نادية عبد الصمد
نادية عبد الصمد

بينما يواصل قرص الشمس القرمزي رحلته إلى آخر السماء حتى تنزوي أشعته بين الأمواج ويبتلعه البحر المتوسط، تضوي شاشة هاتفها المحمول، المرتكز على مسند متين يجاور مقود دراجتها النارية، باسم مبهم، تلقي عليه نظرة خاطفة قبل أن تعيد بصرها إلى الطريق الواسع أمامها، تفسح لفرسها الفلاذي دربًا بين السيارات المارقة، قبل أن تنتزع فوزًا سريعًا في مناورة مع أحد سائقي عربات السرفيس؛ "الميكروباص"، وترسو بدراجتها إلى ناصية شارع جانبي، حيث تنزل حقيبة الظهر عن كتفيها وتنزع قفلها لتخرج الطرد الكامن داخلها ثم ترتقي درج بناية متهكالة إلي طابق معلوم فتقرع جرس إحدي الشقق حيث تنظرها صاحبة العلبة التي تودعها بين يديها وتحصل ثمنها للبائع قبل أن تلف عائدة.

ومع أول لفحة هواء منعشة من نسائم أكتوبر صافحت وجهها وعبثت بردائها الفضفاض فيما تعتلي صهوة حصانها الرماح، اجتازت "نادية عبد الصمد" ربة المنزل الأربعينية حاجز التحفظ المحفوف برهبة التغير، الذي أثقل كاهلها بالهواجس طيلة العشرين عامًا الراحلة وكسا وجهها الغض بالتساؤلات، منذ رجحت كفة منزل الزوجية على عملها الأول، وبدعم من زوجها العزيز عادت البهجة لتشكل قسماتها الحزينة وتصطحب الأمل الراحل إلى بر عينيها اللوزتيين.

خيمت غمام الوحدة على سني "نادية" فحالت ربيع أيامه إلى أوراق متساقطة بعد أن تبدلت حميمية عش الزوجية حديث العهد إلى خواء واعتزلته أصداء الضحكات الرنانة، تجلس قابعة بإحدى الأركان، ينساب شريط جولاتها المترددة على الأطباء ومراكز التحاليل والأشعة أمام عينيها تطوي الطرقات بينهم عبثًا باحثة عن ثقب يتسع لشعاع أمل، يتردد دوي كلمات الأطباء على أذنيها حاملة أثقال اليأس وقلة الحيلة من علاج تعثر الإنجاب التي ظلت أطلاله جاسمة على صدرها حتى قذف القدر إليها بمعجزته الوليدة.

أهدت الصدفة "نادية" نبعًا نابضًا بالحياة، هناك عثرت على موطن شغفها الذي أضاء مغيب شبابها، قادتها إليه وحدتها الرمادية خلال أسفار زوجها الذي يجوب البحر قبطانًا على البواخر التجارية، وأرشدتها نحوه حاجة إحدى صديقاتها إلى "مندوب" توصيل يساعدها على توزيع منتجاتها على الزبائن بشتى أحياء عروس البحر دون الرضوخ لبطش شركات التوصيل وقوائم أسعارها الجائرة، فأزهرت الفكرة بستانًا بداخلها وانقشعت سحب أحزانها وآن الآوان لأمنيتها أن تخطو خارج حدود الوجدان، لتصبح أول سيدة "ديليفري" في مصر.

بملاحة سكندرية ندية أكسبتها المحن مسحة من الطمأنينة يكللها ضياء الرضا، تنفذ قسماتها إلى القلب دون حائل، بسطت جناحيها للهواء الطلق على صهوة جوادها الفلاذي، يحملها بعيدًا عن قفص اليأس الذي ظلت تصارع قضبانه طيلة 8 سنوات، بقيت خلالها بلا شاغل سوا من محاولات مضنية للنهوض واللحاق من جديد بمجرى الحياة الصاخبة بتصميم مشغولات يدوية وترويجها عبر شبكات التواصل الاجتماعي إلا أن فقر باعها بحيل التسويق حال دون

استمرارها، فالمنافسة مستعرة والعائد زهيد.

وجدت نادية مهوى فؤادها بين هيكل دراجتها الفولاذية التي صهرت الألفة صلابته وجمعته معها علاقة فريدة مالبثت إلا وحركت عواطفها الشجية نحوه ليتحول إلى ملجأها الأثير، تدنيه إليها كلما ثقلت عليها وطأة الصمت، ينتزعها إنعكاس ضوي مفاتيح دراجتها من عتمة الأفكار فتهل بشائر السعادة على روحها وتهب لتنفض أنين الذكريات في جولة جديدة تطوي فيها "كورنيش" المدينة، طاردة عنها هواجس الوحدة التي تجتاحها في غياب وليفها، تلبي طلبات صديقاتها من أرباب الأعمال اليدوية لتوزيع منتجاتهن على زبائنهن.

بشهادة مدربتها "منى السهار"، تمتلك "نادية" روحًا مفعمة بالتحدي تواقة للتميز لاتخشى في أحلامها لؤمة لائم، غير عابئة بثرثرات منتقديها ونظرات كاريهيها الثاقبة تمتطي ظهر فرسها وتجوب به أحياء الأسكندرية تنثر البهجة بثغرها الباسم إينما غدت وتزفها صيحات التشجيع عن اليمين وعن الشمال إينما راحَت، انتشلتها صديقتها الوفية من تخبط دروب التجربة إلى ميناء التمكن، بلكنة سكندرية ممطوطة تعلوها نبرة اعتزاز ملؤها الفخر تروي "منى" قصتها مع طالبتها الأنجب وصديقتها الأقرب، مستندتين إلي كتف إحدهما الأخرى لقنت منى متدربتها ومستودع تجاربها الأولى خلاصة خبرتها في القيادة، يتلمسان طريقهما المحفوف بالندوب فيزداد وثاق الرباط وتنموى المحبة.

وبروح شغوف تسخر من المصاعب وذهن تواق للمعرفة بادلتها "نادية" الاستيعاب، حتى نجحت في نيل ثقة مدربتها التي سمحت لها بخوض غمار أولى تجاربها على امتداد طريق الكورنيش من المعمورة وحتى سيدي بشر إثر محصلة تدريب لم تتخطى 6 ساعات، أحكمت خلالها "نادية" زمام سيطرتها على دراجتها فئة محرك "125 سي سي"، وأوحت لـ "منى" بفكرة أكاديميتها لتعليم قيادة الدراجات البخارية، ردًا لحسن صنيعها، دربت مؤسسة "السهار" نخبة من أمهر قادة "الجنس اللطيف" بالأسكندرية قبل أن يجمعهن أول فريق نسائي لقيادة الدراجات في مصر.

صديقتها "منى السهار"

شاهد الفيديو..