رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بالصور.. نور خضر عاشقة محمد صلاح تشتهر ببيع الأعلام في وسط البلد

نور خضر
نور خضر

 

 

ببشرة خمرية خضبتها أشعة شمس يونيو الثاقبة بسمرة خلابة، فأحكمت لضم جذورها بالأرض الطيبة، وجدت زخات العرق لها مجرى على جبينها، تقف بعودها الفارع تتابع لقاء المنتخب الوطني بنظيره الأوراجوي، تكسو وجهها هالة من الترقب الممزج بالخوف، فيما تلهث أنفاسها مع كل تمرير توشك أن تخترق قلب شباك المرمى.

تسعى "نور الخطيب" ابنة العشرينات، بين مقاعد وطاولات مقاهي وسط البلد المكتظة عن آخرها بالرواد، حاملة الرايات والأعلام بروح جندي باسل يحمل آلام وآمال بلاده على قماش بلون سمار الأرض، وبياض قلوب الأهل والأحباب، وجذوة الإرادة المستعرة للفوز، التي تلهبها رفرفة علم مصر بين أيادي المشجعين.

بوجه يعلوه التحدي وتكلله مسحة من جدعنة أهل البلد تراقب "نور"، عن كثب مجريات المباراة من خلف صفوف مقاعد الزبائن المتراصة على امتداد الشارع من مصب الألفي وحتى شارع شريف، لاينتزعها من أمواج حلم تأهل المنتخب سوا سؤال بعض الشباب عن سعر الأعلام والأبواق، فترد بصوت تكسوه بحة مميزة خلفتها سنوات المناورة مع الزبائن.

تتقدم في ثبات بين صفوف الشباب والرجال في دهاليز وأزقة وسط البلد التي لا تخلو من الخبايا والمفاجآت التي تقف مترصدة عند كل منعطف، فلا تلبث إلا وتولي مدبرة أمام هيبة شخصيتها التي تطل مع كل نظرة تفلت منها، ترعاها سمعة والدها "الشيخ خضر"، الشهير بملك الأعلام في العتبة وضواحيها، تسير آمنة بين تلامذته ووسط صبيانه فلايجرؤ أحدهم على المساس بابنة الشيخ الكبير.

في العاشرة من العمر، زجت بها الحياة طفلة بين ميادين الرجال فألفت خشونتهم، وشحذت الأيام حجتها ليتوارى خجلها خلف ستار هش من الصلابة واللامبالاة، تشي بزيفه مسحة من مستحضرات الزينة التي تعلو وجهها ورشاقة خطوتها فيما تنساب بهدوء بين الجموع، في كتاب الحياة تلضم الأيام ببهجة مساعدة أباها الذي لم يعقر عن إنجاب البنين، وجني قوت يومها أسوة بأشقائها، بل مجابهتم حنكة في كسب المزيد، والجد في الادخار أثناء المواسم والأعياد.   

بسماره ولحيته الكثة التي أوقعت في شباكها أجمل فتيات بريطانيا والعالم، وقعت "نور" في غرام الفرعون الشاب "محمد صلاح" من النظرة الأولى، تتلألأ عينيها ببريق آخاذ كلما همت العدسات بمحاصرته جالسًا في ترقب يقاوم أشباح أوهام الخسارة على مقعد البدلاء بينما ينتظر إشارة واهنة ليهب تاركًا خلفه وخز الإصابة وتحذيرات الأطباء لرسم البسمة على شفاه 100 مليون مصري وأضعافهم من المشجعين حول العالم بإحدى تمريراته الساحرة التي لاتخطئ طريقها صوب مرمي المنافس.

يتخلل الهواء شعره المشعث المنساب بعفوية فيتورد وجهها بالسعادة، يبارح خيالها المكان إلى حيث يشغل حلمها بالالتحاق بإحدى كليات أو معاهد الإعلام موضعًا آمنًا من وجدانها، فعشق "مو صلاح" بث الحياة في مشاعرها الجامدة وأعاد النبض لقلبها الغض ليخفق بالأحلام من جديد، لاتنقضي دقائق قبل أن تأفل عائدة إلى زبائنها لتدخل في شوط آخر من المناورة

مع الزبائن.

خمسة عشر دقيقة بين الشوطين، لم تكن كافية لتطفئ حمو التشجيع المشتعل على أوجه  رواد المقاهي، ووسط مئات الرجال الذين تجمهروا لمتابعة المباراة راضخين لفشلهم الحصول على مايجلسوا عليه، تنخرط "نور" في سجال مع بعض الزبائن اللاهين فلا تتوانى عن زجرهم، قبل أن تنشغل بمساوة آخرين على بيع عدة أعلام بسعر بخس فتكيل إليهم الحجج، بثروة من قاموس اكتسبتها من الباع الطويل، مراهنة في ذلك على جودة خامة بضاعتها الرائجة المذيلة بأحرف اسم والدها ككلمة شرف تحمل وثيقة ضمان، فيتراجعون راضيين بالمهادنة.

تصطك المقاعد وتتداخل الأقدام وتجثم سحابة من الترقب المحفوف بالرعب على الصدور، فتلهس أنفاس "نور" مع إعلان الحكم "فاول" لصالح أوراجوي سدده "كافاني" خطيرًا من منطقة الجزاء، مهددًا مرمى الشناوي قبل أن ينجح الأخير في صدها بيده لتصيب العارضة ويغرق الجميع في صخب عارم وتتضج أبواق "خضر" بالنفير لتحجب صيحات الآلاف.

عدد من الفرص الضائعة يقاتل حارس مرمى أوراجوي لصدها، قبل أن تنتاب قلب "نور" وخزة من الحزن مع تسديدة قوية يخفق الشناوي في منعها من الوصول للشباك فتحرز الهدف الأول ضد المنتخب الوطني، وتجر ذيول الخيبة على الملايين، فتعلو الهمهمات بين المئات من رواد المقهى، قبل أن يظهر "محمد صلاح" على الشاشة منكس الرأس فعتصر الأسى القلوب، وتأتي صفارة الحكم معلنة نهاية المباراة، لتضع حدًا لأماني "نور" في إحراز هدف التعادل يزيل هذا العبوس الذي كسا وجه "صلاح"، فلا يمر إلا كعابر سبيل.

ينفض الجميع مغمومًا في جلبة مدوية، حاملين على صدورهم وسام شرف المحاولة الذي أخرس ألسنة الشامتين، ومتسلحين بصدق عزم منتخبهم على انتزاع فوز غالي يعوض السنيين العجاف، بينما تلوح "نور" في الأفق يبتلعها الزحام فيما تغرق في خيالات العثور على فتى أحلامها شبيه "محمد صلاح" في التواضع وحسن الخلق، لعله يكون طوق نجاة ينتشلها من دروب الشقى.