المملكة لا تودع ملكا.. بل مواطنا!
تصوروا لو أن العرب لا يمتلكون البترول.. ماذا كان سيفعل الغرب وأمريكا بهم؟!.. ولو أن السعودية ليست أكبر منتج للبترول، ولا تمتلك أكبر احتياطي منه في العالم.. ماذا كانت ستفعل إسرائيل بالعرب (وهي تسعى للسيطرة وللهيمنة على العالم بقوة الاقتصاد والسلاح) ومن ورائها أمريكا (وليس العكس)؟!
فهذه الحكمة الإلهية التي جعلت من الغرب وأمريكا، رغم كل ترسانتهم المسلحة.. والديمقراطية، يحتاجون للعرب صاغرين الي حد المهانة، ويأتون مضطرين الي حد الإذلال، مع أن صورة العربي في الثقافة الغربية، وفي الضمير السياسي الغربي.. وحتى في الأفلام السينمائية بشعة ومتخلفة، وقد لا ترقي الي مستوى البشر (الغربيين)!!
وإنني اعتقد أنه لولا البترول العربي لكانت أمريكا والغرب أطلقا إسرائيل علينا، بكل ما تمتلكه من سلاح (أمريكي وغربي).. وأن احتلال إسرائيل دولة فلسطين وطرد شعبها من أراضيه كان سيتكرر في أكثر من دولة عربية، وأن حرب 67 كانت الموجة الثانية من الاحتلال الإسرائيلي للدول العربية، تمهيدا لاحتلال كل الدول العربية بلا استثناء.. وكان العالم سيقف متفرجا، مثلما يقف الآن عاجزا امام ما تفعله إسرائيل من مجازر في الفلسطينيين.. ولكن منذ ان استخدم الملك فيصل بن عبد العزيز البترول كسلاح لمواجهة الانحياز الأمريكي الغربي لإسرائيل في حرب 73، وردا على امدادها بالسلاح اثناء المعركة حتى تتمكن من هزيمة الجيش المصري والقوات العربية على الجبهة المصرية والسورية.. والعرب عرفوا قيمة هذا السلاح، بل عرفوا الوجه الآخر الاستعماري للغرب الذي يخفيه وراء تحضّره المزيف ودفاعه المصطنع عن حقوق الانسان.. وبرغم أن العرب لم يستخدموا البترول بصورة مباشرة كسلاح في مواقف أخرى، بعد ذلك، الا ان صورة البترول كسلاح رادع، أقوى من الأسلحة النووية، ظلت راسخة في الذهنية الغربية لا تفارقها أبداً حتى الآن، حتى في ظل تحويل العرب، بذكاء، هذا السلاح الي نفوذ، وإلى سياسات ومصالح ضاغطة ونافذة داخل دوائر الحكم والسياسة الغربية!!
وقد تجلي هذا النفوذ السعودي، كقوة اقتصادية مؤثرة في قلب الاقتصاد الأمريكي والغربي، والعالم، في ثورة 30 يونيو المصرية، وانحياز الملك عبد الله ممثلا للدولة السعودية والشعب السعودي للشعب المصري لعزل مندوب الاخوان المسلمين من الرئاسة، والتخلص من هذه الجماعة، التي كانت تحتمى وراء أمريكا والغرب، وتتوسل إليهم، ان يتدخلوا لإعادتها الي حكم الشعب المصري حتى ولو بالقوة.. وكلنا نتذكر الهجمة السياسية والاعلامية الأمريكية والغربية ضد الثورة المصرية، والتي كان من الممكن ان تصل، في ابشع صورها الي حد استصدار قرار من مجلس الأمن بتفويض أمريكا للتدخل في مصر، مثلما حدث في العراق، وليبيا، بدعوى الحفاظ علي الديمقراطية وعودة الإخوان إلي الحكم.. إلا أن الموقف السعودي المنحاز لاختيارات وقرارات الشعب المصري أوقف بقوة هذه الممارسات والألاعيب الأمريكية والغربية، ورأينا كيف تحول الموقف الأمريكي والغربي 180 درجة إيجابيا لصالح الشعب المصري، تحت ضغوط النفوذ السعودي.. ولهذا كانت المساندة السياسية الدولية السعودية للثورة المصرية، في بدايتها، أكبر وأهم بكثير من الدعم المادي في أولويات السياسة المصرية!!
ولذلك كان رحيل خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز.. حزناً سعودياً ومصرياً واحداً، فقد كان شخصية حكيمة ورحيمة.. وشهدت سنوات حكمه للمملكة، قرارات غير مسبوقة في تنويع مجالات الاقتصاد، ومصادر الدخل، وفي توزيع جميع خدمات الدولة