رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حارة اليهود.. آخر ذيول إسرائيل في مصر

لم تعد هناك من معالم تذكر بأن سكان هذه المنطقة كانوا ذات يوم أغلبية مغلقة علي ذاتها من اليهود، غير شعار نجمة داود المحفورة علي كثير من منازل حارة اليهود بقلب

القاهرة.. بينما خلت الحارة منهم تماما, وأصبحت مأوي لفقراء مسلمين وملاذا لتجار مسيحيين، وتلاشي مع مرور الوقت كل ما يدل علي مرورهم هنا عدا بعض المعابد كمعبد موسي بن ميمون، التي بقيت كأثر علي زمن انتهي.
الجيتو اليهودي هنا ليس حارة واحدة، فهو عبارة عن مجموعة أزقة تزايد عددها علي 360, تعاني الضيق الشديد، فلا يزيد عرض الواحد منها علي مترين، وتتصل بها ممرات كثيرة تتميز بالمحلات الصغيرة المقامة علي الجانبين، والتي تبيع منتجات مختلفة أغلبها لعب اطفال ومستحضرات تجميل, ويتجول بها مئات المواطنين الراغبين في الشراء، مما يزيد من ضيق الحارة.
رغم الازدحام وضيق الحارات والممرات.. تبدو المنازل قديمة أغلبها آيل للسقوط، إلي جانب محلات انشأها اليهود قبل أن يتنازلوا عنها لبعض العاملين معهم وشركائهم من سكان المنطقة.
تحدثت إلي كثير من سكان المنطقة وأصحاب المحال التجارية المختلفة، وبدأ كبار السن في استعادة ذكرياتهم مع جيرانهم القدامي وكشفوا بعضًا من أسرارهم وعاداتهم سابقا..
«ماشفتش من سنة 2005 ولا واحد منهم» هكذا بدأ محمد، صاحب محل قريب من بيت أيتام بالحارة حديثه قائلاً: إنه متواجد بالمكان منذ منتصف الستينيات وتعاملات اليهود مع قاطني المنطقة الآخرين كانت بسيطة يميزها الاحترام والكلمة الجيدة.


ويضيف: قبل 2005 كان هناك أكثر من 15 يهوديا أغلبهم سيدات يعيشون بهذا الملجأ، وكان يتردد عليهم في شهري مارس وإبريل من كل عام عدد لا يقل عن 30 يهوديا, تستمر زيارتهم أكثر من أسبوع، وبشكل عام كانت نسبتهم في التركيب السكاني للمنطقة تقريبا 5% حتي عام 2003، وكان المسيحيون يشكلون 55%، والمسلمون يمثلون 40% من السكان، أما الآن فورث المسيحيون نسبة اليهود وأصبحوا يشكلون أغلبية الجيتو ويملكون معظم المحلات خاصة المتعلقة بصناعة الذهب.
«لم أعاصرهم لكن جدي حكي لي عنهم وعن معاملتهم الطيبة خاصة في شهر رمضان مع المسلمين». محمد بحر أحد سكان الحارة بدأ بهذه الكلمات وأضاف: بشكل عام كانوا في حالهم ويكرهون المشاكل وغالبا ما يتجنبون الكلام مع أحد غير للضرورة خاصة في السياسة, كاشفا عن أن بعض سكان الحارة لم يكونوا يهودا بل من بلدان مختلفة خاصة اليونان.
ومن العلامات المميزة لحارة اليهود «الأوديش» أو مجمع إيواء فقراء اليهود, ويعد الركن الوحيد بالحارة الذي لايزال يحمل رائحتهم، وللعلم الجيتو يحتوي علي أكثر من عشرة أوديشات بعضها يسكنها الأهالي والبعض الآخر تحول لورش خراطة.
والأوديش عبارة عن فناء واسع مربع الشكل يتكون من طابقين, بكل طابق مجموعة غرف متناهية الصغر, وبالفناء تجد بقايا الشجر الذي خلفه اليهود, وبعضًا من الآثاث المتبقي من رائحتهم.
جمال حسين، صاحب أحد هذه الأوديشات حاليا يقول: ورثت المكان عن جدي اللي اشتراه من الجالية اليهودية سنة 1970وسكنته أسر فقيرة للمسلمين باستثناء 4 غرف مازالت الجالية اليهودية تدفع إيجارها، فكل أربعة أشهر كانت تحضر رئيسة الطائفة اليهودية كارمن انيشتين إلي هنا لزيارة المكان ودفع الإيجار.
وأضاف: كل ما أعرفه عن المكان أن أغنياء اليهود بنوه لفقرائهم قديما، وسكنته 30 أسرة تقريبا، كانوا حريصين علي نظافته وزرعوا به عددا من الأشجار وتركوا مساحات فارغة لوضع الدراجات.. وتميزت غرفهم بالبساطة فلن تجد داخلها شيئا ضخما أو زائدًا عن حاجاتهم واستخداماتهم.
جمال يؤكد أنه لم يبق بالمكان سوي سيدة كبيرة تدعي ماري ترقد حاليا في المستشفي الايطالي, ويقول: هي لا تتذكر شيئا تقريبا ولا نعلم عنها أي شيء ، ولكن كل فترة كان يأتي يهود إلي المكان لزيارته، والتقاط صور له خاصة الشباب الذين تربوا هنا، وأتوا لاستعادة ذكرياتهم مع المكان، وأذكر أن رئيسة الطائفة «كارمن» كانت تأتي بصحبة

شخصيات يهودية للحارة بعد انتهاء عيد شم النسيم بفترة بسيطة، للتجول وتناول وجبات الفول والطعمية.
مضيفا: الكل كان يثني علي شطارتهم في التجارة، ولكن أي جانب غير التجارة في حياتهم لم نكن نعلم عنه شيئا, فقد كانوا يتحاشون الحديث عن أي شيء يتعلق بهم، ولا يحبون أن يعرف عنهم أحد أي معلومات، ورغم سماحهم لأصحاب باقي الديانات بالدخول لمنازلهم وتناول الطعام بها، إلا أن يوم السبت كان يوما مقدسا لا يدخله غيرهم ولا يشعلون فيه نارًا أو إضاءة, بينما تنظف المنازل والشوارع جيدا.
وأضاف: من الغرائب التي حكيت لي أن اليهود كانوا يدعون بعضهم أحيانا خاصة يوم السبت، بشرط أن يُحضر كل شخص طعامه معه، وكانوا يعتدون بالضرب علي من يتجرأ ويدخل حارتهم، كما أن بعضهم كان «فتوات» وبلطجية ويعتدون بالضرب علي كل من يعارضهم.
جلال الشعراوي، أحد أقدم سكان حارة اليهود، أكد أنه تربي معهم ومنحه معلمه «إلي دومدوم» ورشة الخراطة التي يملكها هدية علي حسن تعامله معهم, موضحًا أن آخر سيدة يهودية بالحارة تدعي «خميسة» توفيت الأسبوع الماضي، بعدما تزوجت من رجل مسيحي وتنصر كل أولادها.
فيما قال علي مراد: عشت وسطهم منذ أكثر من 50 عامًا.. كانوا يتعاملون معي بشكل طيب، وكنت أعمل مع صاحب ورشة علمني الصنعة وعندما عزم الهجرة منحها لي مقابل عشرة جنيهات عام 1957.
وأضاف: منذ خمس سنوات كان يهود كثير أعرفهم يأتون إلي هنا في وفود كبيرة لا تقل عن 100 شخص لزيارة معبد موسي بن ميمون، الذي افتتح أواخر العام الماضي، لكن بعد الثورة لم يأت أحد ومنذ شهر تقريبًا بدأت ألحظ فتح المعبد  وفيه بعض التجديدات ولكن لا أعرف هل هناك وفود قادمة إلي المعبد قريبا أم ماذا؟
وقريبًا من المكان الذي التقيت فيه مع «علي» يوجد معبد بن ميمون، وهو آخر المعابد اليهودية التي تم ترميمها وصرف عليها ملايين لا تحصي من ميزانية الدولة علي حد قول أحد سكان المنطقة.
داخل المعبد الوضع مختلف، بيت للصلاة يشمل هيكل سليمان, وكتاب التوراة مكتوب باللغة العبرية, وآبار لمياه جوفية يشربون منها، ونجوم سداسية بكل مكان والشمعدان اليهودي ومقاعد للجلوس مثبتة بجانبي الغرفة.. بالإضافة لغرفة كان ابن ميمون يعالج فيها المرضي، وغرفة للحاخامات، وغرفة علوية للسيدات.
وليس هذا المعبد الوحيد بالحارة، فهناك آخران غيره، فضلاً عن بعض دور المناسبات والملاجئ المغلقة الآيلة للسقوط.. وقد أفاد سكان الحارة المجاورون لها أن مثل هذه الأماكن تزورها وفود يهودية كل فترة، تأتي غالبا في حراسة الأمن.