رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

السياسة التعليمية "لعبة" الوزراء

«لخبطة.. فوضي.. ارتباك» هذا هو أدق وصف يمكن إطلاقه علي السياسات التعليمية في مصر،

هذه السياسات التي انعكست بالسلب علي أوضاع التعليم، وكانت النتيجة فساد العملية التعليمية، وشروخاً في جدران المجتمع كله الذي أصبح التعليم فيه كارثة تخضع للتخبط والرؤي الشخصية، حتي أصبح التعليم حقل تجارب لكل وزير، كل يفعل ما يريد ومع كل تغير يبدأ الوزير الجديد من حيث بدأ سابقه، وكانت النتيجة انهيار منظومة التعليم، وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن تطوير التعليم أسوة بباقي الدول وعلي نفس المنهج الأمريكي، وجدنا أمريكا وغيرها تتقدم في حين أن التعليم في مصر ينهار وتأخر معه المجتمع كله.
شهدت العقود الثلاثة الماضية حالة غريبة من التضارب والفوضي في اتخاذ القرارات التي تخص السياسات التعليمية، فبدلاً من اتباع استراتيجية واحدة لتطوير التعليم وجدنا قرارات متعارضة بل ومتضاربة في كثير من الأحيان وخير دليل علي ما حدث مع الصف السادس الابتدائي الذي قام الدكتور فتحي سرور إبان توليه وزارة التربية والتعليم، بإلغائه بزعم تخفيف الأعباء علي المدارس، وكان من نتيجة ذلك تخريج متعلمين أقل من المستوي المطلوب، وفجأة ودون سابق إنذار وبعد عدة أعوام تمت إعادة الصف السادس رغم أن الظروف التي ادعي الوزير ـ وقتها ـ أنها السبب في الإلغاء، لم تتغير كثيراً> فنقص عدد الفصول مازال قائماً ومشكلة نقص المدارس مازالت أزمة في الكثير من المحافظات وتكدس الفصول الدراسية بالتلاميذ مازال مشكلة مزمنة تعاني منها مدارسنا، وبعد عودة الصف السادس، خرجت أصوات منذ عامين تقريباً تطالب بإلغائه مرة أخري، وتم تسريب شائعات بإلغائه رغم أهمية هذا العام في العملية التعليمية، وكان من نتيجة هذا الإلغاء تغيير المناهج الدراسية، وبعد عودة الصف السادس تم تغيير المناهج مرة أخري.
أما النموذج الأكثر جدلاً في الأوضاع في مجال تخبط السياسات التعليمية فهو ما يحدث في الثانوية العامة التي تم تغيير نظامها القديم ليحل محله نظام العامين، ولتتحمل الأسرة أعباء الدروس الخصوصية لمدة عامين كاملين، وإدخال نظام التحسين ثم إلغائه، ثم التفكير مرة أخري في عمل نظام جديد للثانوية العامة يقضي بتقسيمها علي الأعوام الثلاثة، ثم آخر كلام قبل الثورة هو إقرار نظام السنة الواحدة، بعد الثورة انتهي كل الكلام ومازالت الثانوية تسير علي نظام العامين حتي إشعار آخر.
وفي كل عام ينتظر المواطنون الجديد في الثانوية العامة، فكل وزير بسياسة، وإن كان هذا لا ينطبق علي الثانوية العامة فقط فهو أمر مسلم به في جميع المراحل التعليمية، فمنذ تولي الدكتور فتحي سرور وزارة التربية والتعليم في أواخر الثمانينيات ومصر تشهد تخبطاً شديداً في سياستها التعليمية، ورغم بقاء الوزير في منصبه لما يقرب من 4 سنوات فقط بدأت من عام 1986 وحتي 1990، إلا أنها كانت من أكثر الفترات التي شهدت تخبطاً في السياسات التعليمية والتي بدأت بإلغاء الصف السادس الابتدائي، والحديث الدائم عن تطوير التعليم، ولأول مرة منذ تمصير التعليم يتم تطويره من خلال خبراء أجانب، ومن هنا بدأ الانهيار، حيث اعتمدت لسياسات التعليمية علي اتباع النموذج الغربي من حيث الشكل فقط، وبما لا يتلاءم مع طبيعة مجتمعنا، وكانت النتيجة تخريج أجيال هشة علمياً
وبعد ترك الدكتور فتحي سرور الوزارة وتوليه منصب رئيس مجلس الشعب في عام 1990، تولي الوزارة الدكتور عادل عز بشكل مؤقت لمدة 5 أشهر فقط، ولم يتخذ خلالها أي قرارات حتي تم تعيين الدكتور حسين كامل بهاء الدين وزيراً للتربية والتعليم، رغم أنه كان طبيب أطفال، وبسبب علاقته الحميمة بآل البيت «المباركي» وتحديداً بنجل الرئيس جمال مبارك، استمر بهاء الدين في منصبه لمدة 13 عاماً كاملة شهدت فيها الوزارة سياسات غير مسبوقة في العالم كله، منها تغيير نظام الثانوية العامة لعامين بدلاً من عام وانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية بشكل مبالغ فيه، واستحداث التحسين ثم تحسين التحسين في الثانوية العامة، ولأول مرة في التاريخ نسمع عن الطلاب الذين يحصلون علي 105٪ في امتحان الشهادة الثانوية، واشتعلت في عهده المجاميع واشتعلت معها نتيجة التنسيق، وتم تخريج دفعات ضعيفة علمياً وخلقياً بعد أن انتشرت ظاهرة الغش الجماعي في عهده.
وتعد فترة تولي الدكتور حسين كامل بهاء الدين هي الأطول والأشهر في مجال تخبط السياسات التعليمية، وظهرت في عهده لأول مرة فكرة تدريس الثقافة الجنسية كمادة في المدارس وفكرة إلغاء مادة الدين وإحلال مادة الأخلاق محلها.
وبعد خروجه من الوزارة عام 2004 تولي المنصب بعده الدكتور أحمد جمال الدين موسي، الوزيرالحالي، لمدة عام واحد، ليخرج من الوزارة كما دخلها دون أي بصمة تذكر، ليتولي بعده الدكتور يسري الجمل، الذي جاء ليمحو إنجازات سابقه الدكتور بهاء الدين، حيث قرر إلغاء نظام التحسين دون إبداء أسباب، وساء في عهده أحوال المدرسين أكثر، وثاروا ضده ليبدأ إقرار مبدأ كادر المعلمين، وإجراء اختبار للمعلمين للحصول علي الكادر، وفي عهده انتشرت ظاهرة تعيين المدرسين غير المؤهلين من غير خريجي كليات التربية، وزادت بطالة خريجي الكلية في حين عانت المدارس في عهده معاناة شديدة من نقص المدرسين، ولم يضع الوزير حلاً لكل هذه المشكلات، وخرج من الوزارة بعد 4 أعوام، ليتولي المنصب بعده الدكتور أحمد زكي بدر لتتحول الوزارة في عهده إلي وزارة بوليسية تسعي لإرهاب التلاميذ والمعلمين ومؤلفي الكتب الخارجية، حيث تناسي الوزير مهمته في تطوير التعليم وتنفيذ سياسات تنقذ العملية التعليمية، وتفرغ لصراعاته مع المعلمين والإداريين الذين استكملوا مسيرة الثورة من أجل تحسين أحوالهم، ثم جاءت مشكلة الكتب الخارجية التي عاني منها أولياء الأمور والطلبة، وبدلاً من أن يفكر الوزير في إيجاد كتاب مدرسي جيد

ينافس الكتب الخارجية منع طبع الكتب إلا بعد رفع نسبة للوزارة وشهدت مصر أسوأ عام دراسي في عهده كان مليئاً بالمشاكل حتي قامت الثورة ليتغير معها كل شيء.
هكذا كانت سياسة وزارة التربية والتعليم غير واضحة طوال السنوات الماضية، تعتمد علي التعامل مع الطلاب علي اعتبار أنهم «فئران تجارب» ولم يتول الوزارة وزير له رؤية حقيقية لتطوير التعليم، ومن ثم كانت النتيجة انهيار العملية التعليمية.
وتري الدكتور زينات طبالة، خبيرة التعليم بمعهد التخطيط القومي، أن التعليم لابد أن تحكمه سياسات واضحة، ولا يترك لهوي الوزراء لأن السياسات التعليمية لا تظهر علي المدي القريب، ولكنها سياسات طويلة الأمد وتغيير السياسات بهذا الشكل السريع لا يعطي فرصة لهذه السياسات حتي تؤتي ثمارها، وتطالب بضرورة أن يكون محور السياسات التعليمية هو القائم بالعملية التعليمية لأن المعلم هو العنصر الأهم في العملية التعليمية فمعلم جيد بإمكانيات محدودة أفضل من معلم غير جيد بإمكانيات جيدة، فالمعلم هو الذي يستطيع التغلب علي الثغرات التي تواجه العملية التعليمية، لو كان تربوياً داعياً لكل المتغيرات والمستجدات التي تحدث، كذلك لابد أن تركز السياسات التعليمية علي زيادة التمويل اللازم للتعليم، وزيادة الإنفاق علي العملية التعليمية لأننا نعد متعلماً للعالم، وليس لمصر فقط، فيجب أن يكون الطالب المصري مهيأ للمنافسة العالمية.
وأشارت إلي أن السياسات التعليمية يجب أن تخضع لاستراتيجية بعيدة المدي، أما التجريب الذي يقوم به كل وزير، فيمكن أن يتم ولكن بشروط معينة، وفي قطاعات صغيرة، فإذا ثبتت جدية المشروع يمكن تعميمه فيما بعد، أما السياسات التعليمية فيجب أن تكون شاملة بهدف إعداد إنسان مصري قادر علي التعامل مع العالم كله، كذلك يجب التعامل مع التعليم علي أنه منظومة مترابطة ومتكاملة.
ويلتقط الدكتور محمد الطيب، رئيس رابطة التربية الحديثة عضو المجالس القومية المتخصصة، أطراف الحديث، مشيراً إلي أن وزارة التربية والتعليم لو استمرت علي نفس سياساتها السابقة فلن يصلح هذا للمرحلة المقبلة، فلابد من إعادة النظر في المنظومة التعليمية ككل، وذلك من خلال سياسات واضحة تهتم بكل عناصر المنظومة بدءاً من المعلم والمناهج، وأضاف: ليس من المنطقي أن من أفسدوا التعليم طوال السنوات الماضية هم من يقومون بتطويره الآن، لذلك لابد من تغيير السياسات التي كانت تسير بها الوزارة من قبل، واعتماد سياسات تهدف إلي تشجيع الطلاب علي الالتحاق بكلية التربية التي تعد أول حلقة في إعداد معلم صالح، حيث إن سياسات الوزارة السابقة في الاستعانة بأي خريج ليقوم بالتدريس كان كارثة علي العملية التعليمية، ووصف الدكتور الطيب السياسات السابقة بأنها كانت سياسات هدامة ساهمت في هدم التعليم وبالتالي انهيار المجتمع كله، بدأت هذه السياسة بتقليص أعداد المقبولين في كليات التربية، وقيام الجامعات الأجنبية بإعداد معلمين لهم أهداف أخري، وقد ساهمت هذه السياسات في انهيار التعليم في مصر، ويجب أن يتغير كل هذا الآن واستبدال ذلك بسياسات تبدأ بالاهتمام بإعداد المعلمين وتأهيلهم داخل كليات التربية، وتحسين أحوالهم المادية وزيادة رواتبهم بعد العمل، فليس من المعقول أن يحصل بعض معلمي الحصة علي 30 جنيهاً في الشهر، والمعلم بعقد مؤقت يحصل علي 105 جنيهات وأصحاب العقد المميز يحصلون علي 300 جنيه، بينما يحصل المستشارون علي مكافآت بآلاف الجنيهات، مع ضرورة توفير الموازنة اللازمة للتعليم وزيادة المخصصات المالية له، وإنشاء المزيد من المدارس.
وأضاف: لابد من وضع سياسة تعليمية واضحة، بدلاً من الاستراتيجيات التي كنا نتبعها من قبل، وبعضها كان مطبقاً في بعض الدول الأجنبية وكل ذلك من أجل الحصول علي المعونات الأجنبية، دون مراعاة مدي صلاحية هذه الاستراتيجيات لمجتمعنا.
فإذا كانت الثورة تريد إصلاح التعليم حقاً فلابد من تغيير السياسات المنتجة واستبدالها بسياسات جديدة تهتم بالمعلم وبجميع عناصر العملية التعليمية.