دمعة في عيون مصر
لم تمض دقائق علي أحداث سيدي بشر، وطرحت وسائل الإعلام الغربية اسم تنظيم القاعدة كمتهم رئيسي في هذا الحدث، فالقاعدة هي منظمة متعددة الجنسيات تأسست سنة 1988، تدعو إلي الجهاد الدولي، وهي ترتكز حالياً في المنطقة الجنوبية والقبلية من اليمن.
وهدف التنظيم هو إنهاء النفوذ الأجنبي في البلدان الإسلامية، وإنشاء خلافة إسلامية، وهذا التنظيم هاجم أهدافاً مدنية وعسكرية في العديد من الدول، كان أبرزها هجمات 11 سبتمبر سنة 2001، وتشمل التقنيات التي تستخدمها القاعدة، الهجمات الانتحارية والتفجيرات المتزامنة في أهداف مختلفة، ويقوم بها أحد أعضاء التنظيم الذين تعهدوا بالولاء لأسامة بن لادن، أو بعض الأفراد الذين خضعوا للتدريب في أحد مخيمات السودان أو أفغانستان.
وأسامة بن لادن ولد سنة 1957 في مدينة مكة لأم سورية، وكان ترتيبه بين إخوته الثالث والأربعين وترتيبه بين الذكور الحادي والعشرين،وقد وصل والد أسامة الي جدة من حضرموت في منتصف سنة 1930 ويذكر عنه من عرفه أنه كان في قمة المثابرة والعصامية والاعتماد علي النفس.
وقد نشأ أسامة نشأة صالحة، وتزوج عندما كانت سنه سبعة عشر عاماً، وحصل علي بكالوريوس الهندسة من جامعة الملك عبدالعزيز سنة 1979، وبدأ العمل في شركة والده مع بعض إخوته، وأسس معهم فرعاً للشركة في القاهرة.
وقد بدأت علاقة أسامة مع أفغانستان منذ الأسابيع الأولي للغزو السوفيتي حين صدمه خبر احتلال بلد مسلم وتشريد أهله من قبل الملحدين الشيوعيين فذهب إلي كراتشي ومنها إلي بيشاور، وهناك قابل مجموعة من المجاهدين واستغرقت هذه الرحلة شهراً كاملاً بعدها اقتنع أن قضية أفغانستان تستحق أن تكون موضع اهتمامه!!
سجل القاعدة
وقد تعددت بعد ذلك زيارات أسامة لأفغانستان، وفيها عرف أماكن توجه قادة المجاهدين الأفغان، واتهمته بعض الأوساط في تلك الفترة بعلاقة وثيقة مع المخابرات الأمريكية،و أنها عهدت إليه مهمة تجنيد المتطوعين المسلمين من العالم كله.
وقيل إن الناقلات التي كان يستخدمها أسامة في السعودية كانت تستخدم في نقل الأسلحة والذخائر من باكستان إلي جبال أفغانستان القريبة من الحدود الباكستانية، وفي عام 1985 أقام أسامة بشكل دائم في بيشاور وهناك أقام عدة مشروعات كبري، ثم أنشأ معسكر صدي في المنطقة المتاخمة للحدود الأفغانية، وخصصه للتدريب الأولي السابق علي الالتحاق بالجبهة.
وبعد ذلك أنشأ معسكر »جاجي« داخل الأراضي الأفغانية بين سلسلة من الجبال والكهوف.. وتزامن ذلك مع تأسيس الشيخ عبدالله عزام لمكتب خدمات في بيشاور، فأدي تأسيس المكتب الي نوع من التكامل، حيث يؤدي المكتب المهمة الإعلامية وجمع التبرعات وحث المسلمين العرب علي الجهاد بالنفس والمال،وتؤدي المعسكرات التي أنشأها أسامة المهمة العملية واستقبال وتوجيه وتدريب الراغبين في الجهاد.
وفي عام 1986 قرر أسامة أن يتوسع في تنظيم العملية الجهادية، وتمكن من تشييد ستة معسكرات،ومن خلال خبرته في مجال الإنشاءات فقد تمكن من نقلها أكثر من مرة تبعاً لظروف الحرب.
وقد تمكن أسامة من تبني المجاهدين العرب منذ وصولهم الي تدريبهم ثم الي إشراكهم في المعارك، وأصبحت فكرة المشاركة في الجهاد ذات جاذبية شديدة لديه،و قد أقبل علي هذه المعسكرات عدد هائل من المجاهدين العرب كان من بينهم طالب الثانوي،و الطالب الجامعي، والأمي، والتائب من بعض الكبائر، وكان من بينهم أيضاً المهندس والطبيب والضابط المتمرس في القتال.
وشارك العرب الأفغان في مناوشات عديدة وقتال محدود، ثم دخلوا في معارك طاحنة كان أشهرها معركة جاجي التي هزم فيها علي يد العرب وحدات من أفضل وحدات الروس تدريباً وأفضلها تسليماً، وقتل فيها عدد من خيرة رجال الكوماندوز الروس!
وخلال الفترة من سنة 1986 حتي 1989 دخل العرب الأفغان في خمس معارك كبري مع الروس ومئات من المناوشات الصغيرة، كانت تلك الفترة من أجمل الفترات للعرب الأفغان بسبب توافر الفرصة للجهاد دون أية مضايقات من حكام السعودية أو الحكومة الباكستانية، وقيل إن أسامة قضي معظم هذه الفترة في أفغانستان جهاداً وتدريباً وإشرافاً.
وحين لاحظ أسامة خلال هذه الفترة أن حركة العرب الأفغان قدوماً وذهاباً قد ازدادت دون أن يكون لديه سجل عن هذه الحركة فأحس أسامة أن نقص هذه المعلومات أمر مخجل، فقرر إنشاء سجلات يدون فيها تفاصيل كاملة من كل شخص جاء لأفغانستان بقصد الجهاد.
وقد رتبت هذه السجلات بحيث تتضمن تاريخ وصول الشخص،وتاريخ التحاقه ببيت الأنصار،وتفاصيل كاملة عن التدريبات التي تلقاها، ثم يدون فيها تاريخ التحاقه بالجبهة، وأصبحت لهذه السجلات إدارة مستقلة، وكان لابد من إطلاق اسم عليها، وهنا اتفق أسامة مع معاونيه أن يسموها سجل القاعدة، علي أساس أن القاعدة تتضمن كل التركيبة المؤلفة من بيت الأنصار ومعسكرات التدريب والجبهات.
حركة جهادية
وفي سنة 1989 قرر الاتحاد السوفيتي الانسحاب من أفغانستان بعد خسائر فادحة في معارك خاضها ضدهم العرب الأفغان بقيادة أسامة بن لادن، وعاد أسامة الي السعودية، وبعد فترة من وصوله علم أنه ممنوع من السفر، بعد أن عرف انه كان يخطط لجبهة ضد اليمن بحركة جهادية تنطلق من السعودية!!
ولم تكتف الحكومة السعودية بمنعه من السفر، بل وجهت إليه تحذيراً بعدم ممارسة أي نشاط وإلا وضعته قيد الإقامة الجبرية، ورغم التوجه العدائي من قبل الدولة تجاهه، فقد أرسل الي الأمير أحمد بن عبدالعزيز خطاباً ضمنه توقعاته بأطماع الرئيس العراقي صدام حسين في المنطقة وضرورة الاستعداد لها، وحين سمع أسامة بغزو العراق للكويت فقد عرض علي الحكومة السعودية وجهة نظره حول الطريقة المثلي لحماية البلد من الخطر العراقي، وعرض جلب كل المجاهدين العرب للمساهمة في عملية الدفاع، لكن بدلاً من أن تستعين السعودية بالعرض الذي قدمه أسامة أعلنت استدعاء القوات الأمريكية!!
وصُدم أسامة من قرار حكومة السعودية، وأعلن لحظة سماعه هذا الخبر انه أكبر صدمة في حياته لأن هذه المرة الأولي منذ البعثة النبوية يهيمن الكفار علي جزيرة العرب، وكانت صدمته أكبر لأن القوات الأمريكية لم تدخل السعودية باحتلال أو رغم أنف الحكام، بل دخلت بطلب منهم!!
وأيقن أسامة ان مخاطبة حكومة السعودية أسلوب عديم الجدوي ففكر في اتجاهين:ـ
الاتجاه الأول: استخراج فتوي بوجوب استعداد كل مسلم للقتال، وقد صدرت فعلاً هذه الفتوي واستطاع اسامة أن يستخدمها في تشجيع الشباب من جديد في السفر للجهاد.
الاتجاه الثاني: جمع أكبر عدد من العلماء في مؤسسة شرعية مستقلة حتي تكون مرجعاً للناس بعد أن تحولت هيئة كبار العلماء في نظره لمجرد أداة في يد الدولة!!
ورغم ان حركة أسامة كانت مقيدة في وضع الاقامة الجبرية إلا أنه استطاع فعلاً انجاز شيء مما أراد انجازه خاصة الاتجاه الأول، لكن محاولاته في جمع العلماء لم يحالفها النجاح.
ولم يكن أسامة ملتزماً بالتقييد المفروض عليه، فاستدعته السلطات الأمنية طالبة منه تجميد نشاطه، ومن اجل تخويفه أرسلت له مجموعة من الحرس الوطني قامت بتفتيش مزرعته واعتقلت بعض عماله، ومضت الأيام علي أسامة في وضع لا يحتمله، وإذا به يجد نفسه في وضع آخر لم يطقه هو: هذه القوات المقيمة في جزيرة العرب، وظن أنه يتناقض مع نفسه، فقد حارب الكفار في أفغانستان لاحتلالهم بلداً مسلماً بينما هم الآن في جزيرة العرب التي لها حرمة إضافية علي باقي أرض المعمورة.
عاصفة الصحراء
وتحمل أسامة فترة عاصفة الصحراء، ثم وصل الي قناعة: أنه لا يمكن ان يكون صادقاً مع نفسه إذا استمر في المملكة، واستطاع أسامة أن يغادر السعودية بإذن من السلطة المختصة، وحين وصل باكستان أبلغ أسرته بعدم رغبته في العودة إلي السعودية لأن رسالته تستدعي هذا الأمر.
ولما علم أسامة أن وجوده في باكستان لن يكون آمناً بسبب التعاون الأمني السعودي الباكستاني فعجل بالدخول الي أفغانستان مرة أخري، وصادف وجوده هناك انهيار النظام الشيوعي وسقوط كابول، وبداية التناحر بين الفصائل الأفغانية.
واتخذ أسامة أول إجراء للتعامل في هذا الموقف فأصدر توجيهاته للشباب العرب بعدم التورط في الصراع الدائر، ورفض الميل لأي جهة من الجهات، واستمر مصراً علي هذا الموقف الي أن دخلت طالبان كابول حينها قرر الوقوف مع طالبان، وثاني اجراء اتخذه أسامة هو الدخول بقوة في محاولات للصلح بين هذه الفصائل لكن جهوده لم تحرز أي نتيجة تذكر.
وخلال بقاء أسامة في أفغانستان كانت المخابرات السعودية تتعاون مع المخابرات الباكستانية لقتله أو اختطافه، لكن كل هذه المحاولات فشلت، لأن المتعاطفين مع أسامة من جهاز الأمن الباكستاني كانوا يعجلون بتسريب المعلومة له فيأخذ حذره.
وبقي أسامة في أفغانستان فترة شعر خلالها ان وجوده فيها عديم الفائدة خاصة أن المتربصين به كثيرون وسيستمرون في محاولات خطفه أو اغتياله، وتدارس الأمر مع عدد من المقربين اليه وانتهي به التفكير الي البحث عن مكان آخر يقدم فيه نفعاً للإسلام بدلاً من أفغاستان.
وتوجه أسامة الي السودان بعد أن سمع الكثير عن هذه الدولة التي بدأ الإسلاميون يتحدون عنها وعن حماس للاسلام والمسلمين وحرصها علي تطبيق مشروع اسلامي، وفي السودان استقبلته الحكومة بترحاب فهو لم يكن في حاجة الي أي دعم مادي فأمواله كثيرة، وتمكن من نقل جزء من أرصدته ومعداته من المملكة العربية السعودية الي السودان، وساهم أسامة بقوة في مشاريع الطرق والإنشاءات والمزارع وغيرها.
اليمن!
وتورطت العلاقة بين أسامة والترابي، بعد أن تدفق العديد من العرب الافغان »بيشاور الي السودان، ويومها قال له الترابي: إن الحكومة الايرانية ورطت النظام السوداني بهؤلاء الأفغان، ووعدت الحكومة السودانية بالدعم المادي لتوفير سبل العيش لهم،ولكن الحكومة الايرانية أخلت بوعدها حيث ان الحكومة السودانية لاتستطيع تحمل عبء المجاهدين، فأصدر أسامة شيكاً بمبلغ كبير من المال تبرعاً منه لهؤلاء الأفغان مسحوباً علي بنك فيصل الإسلامي.
وفي سنة 1996 أعلن الرئيس السوداني في مؤتمر صحفي عقده ان السودان لن يسمح بأن تستغل أراضيه في ممارسة أي نشاط معادٍ لأي دولة جارة خصوصاً السعودية، وأضاف أنه أكد للملك فهد ثوابت سياسة السودان النابذة للإرهاب، وبأن أسامة بن لادن دخل السودان كرجل أعمال وأنه ملزم بتقييده بعدم ممارسة أي نشاط إرهابي يمس أي دولة شقيقة.
وفهم أسامة أن السودان استجاب للضغوط المتزايدة عليه، فأخذ يضيق الخناق عليه فاضطر الي مغادرة السودان الي أفغانستان، وفي أوائل سنة 1997 أعلنت حركة طالبان منحه حق اللجوء السياسي،
وفي اليمن يعتبرون أسامة بن لادن من أكبر الممولين للحركات الاسلامية، فقد ساهم في إنشاء سبعة معاهد تعليمية، كما تبرع لبناء الجامعة الاسلامية في تعز. كما تربطه علاقة صداقة بزعيم المتطرفين الاسلاميين في اليمن، وعلاقته بالحكومة اليمنية متوترة وذلك بسبب اتهامه هو ورفاق له بتفجير المنشآت النفطية والهجوم علي فندق عدن، لذلك قرر أسامة نقل المجاهدين العرب الي الصومال في رحلة كلفته ثلاثة ملايين دولار.
والمعروف ان الحكومة السعودية فشلت في إعادة أسامة بن لادن إلي السعودية، وأصدرت قراراً بسحب الجنسية السعودية منه، وحين هز مدينة الخبر انفجار كبير أودي بحياة عشرين من العسكريين الأمريكيين وجرح مئات آخرين أصدرأسامة بيانه الأول بعنوان: اعلان الجهاد لاخراج الكفار من جزيرة العرب، كان البيان في اثنتي عشرة صفحة معتبراً وضع الجزيرة بوجود القوات الكافرة فيها وضعاً غريباً لم يحصل منذ عهد النبي.
وفي سنة 1997 نجح أسامة في استصدار فتوي من حوالي أربعين عالماً من علماء أفغانستان وباكستان تؤيد إخراج القوات الكافرة من جزيرة العرب، وأصدر بياناً بقتل كل أمريكي في أي مكان.
وأسامة كانت تلقبه الصحف الاجنبية بالرجل الطائر فهو دائم التنقل من مكان الي مكان، وتقول مجلة التايم الأمريكية، ان اسامة يدير حرباً مقدسة عبر الفضائيات ويتخذ من الكهوف مقراً له، ويقول عنه مريدوه انه زاهد في الطعام، ويعيش تقريباً علي الخبز والجبن، ولا يشغله سوي هدف واحد هو نشر الثورة الاسلامية في كافة بقاع الأرض.
ومشوار بن لادن حافل بالعديد من المغامرات والمخاطرات، فقد تم الكشف عن محاولات عديدة لاغتياله من أجهزة مخابرات دول إسلامية، وشنت الولايات المتحدة هجوماً بصواريخ كروز علي ماوصفته بمعسكرات التدريب التي أقامها داخل أفغانستان بعد الهجوم علي سفارتيها.
وقد فاجأ أسامة العالم، وأذهل المخابرات الأمريكية حين ظهر علي شاشات التليفزيون وهو يحضر زفاف ابنه في قندهار، ومرة أخري وهو يقوم بتدريب اسلاميين، وقتها قال جورج تينيت المدير الاسبق لوكالة المخابرات الأمريكية إن ابن لادن الطويل النحيف هو أكبر خطر يهدد أمن أمريكا!!
قوي الكفر
والأهم من هذا وذاك أن أسامة بن لادن يتبني فلسفة خاصة تقوم علي أساس فكر أهل السنة، وتدعو تلك الفلسفة الي ضرورة الجهاد للتصدي لقوي الشرك والكفر، ونبذ الفرقة بين المسلمين في كافة أنحاء الأرض، وجمع شملهم تحت راية لا إله الا الله.
وفي نهاية التسعينيات نشرت صحيفة القدس اعلاناً وجهه أسامة بنفسه الي وزير الدفاع الأمنريكي في ذلك الحي، قال فيه: ياويليام ستعرف غداً أي شباب يواجهكم أيها المضللون، شباب يقاتل وعلي وجهه ابتسامة، ويرجع برمحه وقد خضبته الدماء، أدعو الله ان يجعلني قريباً من هؤلاء الفرسان الذين هم بشر في حالة السلام وشياطين في حالة الحرب..
هذا الشعر الملحمي هو الذي دعا محمد عطا ومروان الشحي وغيرهما من مختطفي الطائرات الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر الي مصيرهم المأساوي، ودفعهم الي الاصطدام بمركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك وبعد هذه المأساة أصبح من الطبيعي أن يشعر الغرب ان اسامة يحمل كراهية شديدة للغرب!
وقد اشاد اسامة بمنفذي هجمات 11 سبتمبر، وقال في شريط بثته قناة الجزيرة إن ضربات هؤلاء الطلاب التسعة عشر المحمودة هزت العرش الامريكي، وكانت رداً علي ما يحدث في فلسطين والعراق، وأكد اسامة أن هؤلاء الشبان قاموا بعمل عظيم ورفعوا رأس المسلمين عاليا، واعطوا أمريكا درسا لن تنساه.
وأشار اسامة إلي اهمية استمرار العمل ضد امريكا عسكرياً وأقتصادياً وقال: إن أمريكا تراجعت ونزيفها الاقتصادي
وقد اعلن جورج بوش عن تسخير كل موارد امريكا وامكانياتها المالية لمحاربة اسامة بن لادن، وقد تساءلت مجلة التايم الامريكية عن أنه اذا كان اسامة المسئول الاساسي والرئيسي عن الجماعات الارهابية فإن من اهم الاشياء هو معرفة من يكون ابن لادن، وكيف نجح في توجيه أقوي ضربات ارهابية للولايات المتحدة.
واضافت: إن الحرب ضد ابن لادن سوف تكون حربا طويلة ومعقدة لسبب بسيط هو أن العدو هنا غير واضح، وغامض، فلا توجد بنية عسكرية واقتصادية لتدميرها، فأسامة ليس أكثر من قاعدة ارهابية، وان نشر قوات ضخمة في أراض ذات طبيعة جغرافية معقدة، يعني أن الحرب ستكون اكثر تعقيداً.
ولا شك أن اسامة ليس عدوا عادياً، هو شخص وليس دولة، وليس من السهل القضاء عليه بوسائل الحرب التقليدية، كما أنه يصعب حصد الاشخاص الذين يعملون معه، أنهم شبكة ضخمة تضم جماعات كثيرة من انحاء العالم تمتد من غرب الصين مرورا بالفلبين والعراق والجزائر واليمن وقد تكون مصر احداها.
ونشرت التايم تقول انه اذا كانت العمليات الارهابية إبان الحرب الباردة قد اعتمدت علي دعم وتأييد عدة دول، ولكن ابن لادن ينفذ عملياته بدون الاعتماد علي أي دولة، هو شخص مستقل في عملياته، قادر علي تمويل هذه العمليات، وقادر علي نقل عملياته إلي أي دولة.
وان كانت امريكا قد قصفت افغانستان في اكتوبر سنة 2001، وحددت امريكا هدفها الرئيسي هو القضاء علي الارهاب، والقبض علي اسامة بن لادن حياً أو ميتاً، واعتمدت امريكا في حربها علي الضربات الجوية والصاروخية المكثفة وسقطت مزار الشريف وبعدها كابول وقندهار وتورا بورا، واستسلمت طالبان، فقد اصبح من المستحيل ان يواصل اسامة قيادة شبكة القاعدة وذلك بعد أن سدت امامه منافذ الهرب إلي مكان يصلح لان يكون قاعدة آمنة يستأنف فيه نشاطه.
صحيح أنه يتردد حالياً تواجد اسامة في باكستان في منطقة الحدود مع افغانستان، وتشير دول اخري إلي هروبه إلي ايران، وسواء هرب اسامة إلي ايران أو باكستان فانه سيكون لزاما أن يخلفه شخص أخر في قيادة شبكة القاعدة المنتشرة في كثير من دول العالم.
اقول ان اخطر فتوي اصدرها تنظيم القاعدة كانت عام 1996 حيث اعتبرت اعلان حرب ضد الولايات المتحدة وحلفائها فرضاً فقال فيها: إن حكم قتل الامريكيين وحلفائهم مدنيين وعسكريين فرض عين علي كل مسلم في كل بلد من تيسر له ذلك حتي يتحرر المسجد الاقصي والمسجد الحرام من قبضتهم، وحتي تخرج جيوشهم من كل أرض الاسلام مسلولة اليد كسيرة الجناح عاجزة عن تهديد أي مسلم وذلك وفقاً لقوله تعالي: »وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة« وقوله »قاتلوهم حتي لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله«.
سيد قطب
والمعروف أن تنظيم القاعدة تطور خلال فترة الصحوة الاسلامية، وقد ذهب البعض إلي أنه بدون كتابات المفكر الاسلامي سيد قطب لما تواجدت القاعدة، لان سيد قطب قال: إن بسبب عدم تطبيق الشريعة في العالم الاسلامي فإنه لم يعد إسلاميا وعاد إلي الجاهلية.
وانه لكي يعود الاسلام، فالمسلمون بحاجة لاقامة دولة اسلامية حقيقية مع تطبيق الشريعة الاسلامية، وتخليص العالم الاسلامي من أي تأثيرات لغير المسلمين.
وعلي الرغم من أن الهيكل التنظيمي لتنظيم القاعدة غير معروف فإن القدر المتيقن أن اسامة بن لادن هو الامير وهو رئيس هيئة عمليات القاعدة، او ان يكون أبو أيوب العراقي هو الذي يشغل هذا المنصب ويعاونه مجلس الشوري الذي يتألف من كبار اعضاء القاعدة، والذي قدره مسئولون غربيون بحوالي عشرين إلي ثلاثين شخصا، ويتولي ايمن الظواهري نائب رئيس عمليات القاعدة وتتوزع المهام داخل التنظيم كالأتي:
- اللجنة العسكرية: وهي المسئولة عن عمليات التدريب وتوفير الاسلحة والتخطيط للهجمات.
- اللجنة المالية: هي التي تمول العمليات من خلال الحوالات، وتوفر تذاكر الطيران وجوازات السفر، وتدفع الاموال لاعضاء القاعدة وتشرف علي أرباع الاعمال.
- اللجنة الشرعية: ومهمتها تقدير مدي مطابقة مسارات العمل لاحكام الشريعة.
- لجنة الدراسات الاسلامية: هي التي تصدر الفتاوي.
- لجنة الاعلام: وقد شكلت هذه اللجنة في عام 2005 ومهمتها اصدار نشرة اخبارية، وتوفير المواد المرئية والمسموعة.
اختراع امريكي!!
وقد ثار التساؤل ما هي القاعدة بالظبط؟ وعلي هذا السؤال اجاب الصحفي أدم كورنيس ان فكرة القاعدة بوصفها منظمة غير رسمية، هي اختراع امريكي في المقام الأول، وان اسم القاعدة عرض لأول مرة عام 2001 في محاكمة اسامة بن لادن والرجال الاربعة المتهمين في تفجير سفارة الولايات المتحدة في شرق أفريقيا عام 1998.
ويقول الكاتب الامريكي »أدم كورتيس« أن اسم المنظمة وتفاصيل هيكلها قدمه جمال فضل في شهادته التي زعم خلالها أنه عضو مؤسس لها وانه كان موظفا سابقا لدي اسامة وذكر ان الواقع الان ان اسامة وايمن الظواهري اصبحا محوراً لمجموعة مفككة من المتشددين الاسلاميين، كانوا فقط نشطاء اسلاميين خططوا لعملياتهم، وبدأ ابن لادن التمويل والمساعدة، ولم يكن قائدهم، وانه لا يوجد دليل علي ان ابن لادن استخدم مصطلح القاعدة للاشارة إلي اسم المجموعة حتي بعد 11 سبتمبر عندما أدرك أن هذا المصطلح من صنع الامريكيين!!
وقد ثار التساؤل حول مصداقية هذا الرجل بسبب تاريخه الطويل في التضليل، وانه أدي بتلك الشهادة كجزء من صفقة بعد إدانته بالتأمر لمهاجمة المنشآت العسكرية الامريكية، وعم هذا التساؤل اجاب المحامي الامريكي سام شميث: اعتقد ان هناك اجزاء انتقائية في شهادة فضل، واعتقد أيضا انها غير صحيحة، وذلك للمساعدة في تأكيد صورة أنه ساعد الامريكيين واعتقد أنه كذب أيضا في عدد من اقواله حول ماهية المنظمة، هذا جعل القاعدة مثل مافيا جديدة، وجعل منهم جماعة، وبالتالي فمن السهل مقاضاة أي شخص مرتبط بتنظيم القاعدة علي الاعمال أو التصريحات التي أدلي بها ابن لادن.
سجل طويل
والمعروف أنه في 1992/9/29 قامت القاعدة بأول هجماتها الارهابية بتفجير قنبلتين في عدن واعتبرت القاعدة التفجير انتصارا اثار خوف الامريكيين.
وفي عام 1993 استخدم رمزي يوسف مففخة لمهاجمة مركز التجارة العالمي، اهتزت الابراج ولكن الاساس تماسك، ونجح رمزي في قتل ستة وتسبب في الحاق اضرار قدرت بأكثر من 300 مليون دولار في الممتلكات.
وفي اواخر التسعينيات أدت عملية تفجير السفارات الامريكية في نيروبي ودار السلام إلي مقتل أكثر من 300 شخص معظمهم من السكان المحليين، وفي اكتوبر 2000 قام أعضاء من تنظيم القاعدة في اليمن بقصف بالصواريخ علي المدمرة الامريكية »يو أس أس كول« مما أسفر عن مقتل 17 جنديا امريكيا وتدمير المدمرة وهي في الميناء.
وتعتبر اعتداءات 11 سبتمبر هي اكثر الاعمال الارهابية تدميرا في تاريخ العالم، حيث اسفرت عن مصرع ما يقرب من 3000 شخص حيث اصطدمت طائرتان بأبراج مركز التجارة العالمي، وطائرة ثالثة في مبني وزارة الدفاع الامريكية.
وفي اعقاب هذه الهجمات قررت الحكومة الامريكية القضاء علي الارهاب، فقامت قوات المشاه الامريكية والقوات الافغانية تحت غطاء مكثف من القصف الجوي الامريكي ودمروا مواقع القاعدة، ومع اوائل عام 2002 واجهت القاعدة ضربة شديدة وبدا وكأن غزو افغانستان قد بدأ يؤتي ثماره.
وفي سبتمبر 2004 اعلن ابن لادن مسئوليته عن الهجمات في شريط فيديو بثته قناة الجزيرة وبحلول عام 2004 أعلنت امريكا ان ثلثي قادة تنظيم القاعة تم القبض عليهم، وعلي الرغم من قتل واعتقال عدد كبير من عناصر القاعدة فان الحكومة الامريكية مازالت تحذر من ان هذا التنظيم لم يهزم بعد!!
ولا يغيب عن الذهن ان القاعدة قامت بعدة تفجيرات في شمال افريقيا، ودعمت عدة أحزاب في حروب أهلية في الصومال وإريتريا، وتحولت الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية الي فروع لتنظيم القاعدة في منطقة شمال افريقيا لتحمل اسم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وقد نفذ ايضا اسلاميون سلسلة من التفجيرات في اسطنبول مما اسفر عن مقتل 57 شخصا واصابة 700 وتم توجيه الاتهام الي 74 شخصا سبق لبعضهم مقابلة اسامة بن لادن وعلي الرغم من أنهم رفضوا الانضمام لتنظيم القاعدة الا انهم طلبوا مساعدتها ومباركتها.
كما شارك تنظيم القاعدة في عدة عمليات في جميع انحاء الشرق الأوسط، وفي العراق ارتبطت القاعدة بشكل مباشر بجماعة التوحيد والجهاد وكان لها دور اساسي في المقاومة العراقية.
الانترنت!
وقد لجأت القاعدة الي استخدام شبكة الانترنت، وأصبح استخدامها لهذه الشبكة اكثر تطورا ويهدد بانتظام امير القاعدة في العراق اشرطة فيديو قصيرة تمجد نشاط الجهاديين الانتحاريين والمعروف ان موجه متصاعدة من الغضب في العالم الاسلامي ارتفعت تجاه القاعدة وفروعها، وحذر علماء دين من تكفير القاعدة للمسلمين كما قام الشيخ سلمان رجل الدين السعودي وأحد آباء الصحوة بتوبيخ اسامة بن لادن وقد شوهد وهو علي تليفزيون الشرق الاوسط وهو يقول له: »أخي اسامة: كم من الدماء أريقت؟ وكم من الابرياء والاطفال والمسنين والنساء قد لقوا مصرعهم.. تحت اسم القاعدة؟ هل ستكون سعيدا للقاء الله وانت تحمل عبء مئات الآلاف أو الملايين من الضحايا علي ظهرك؟!
ويبقي السؤال هل القاعدة وراء أحداث كنيسة سيدي بشر؟!