رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سكان المقابر.. يفرحون بـ «طلعة العيد»

العيد فرحة.. والفقر يفسد أي فرحة والفقراء في بلدنا لا يغير العيد في حالهم.. فيأتي دون أن تجد كثيراً من الأسر ما تشتري به ملابس جديدة ليفرح الأطفال

.. ويعجز رب الأسرة عن شراء «كيلو كعك» بعد أن اشتعلت الأسعار وأحرقت أحلام الغلابة في شراء أقل القليل.. إنهم مصريون يعيشون علي أرض هذا الوطن وعلي طريقتهم الخاصة يفرح ستات المقابر بـ «طلعة العيد» حيث تنهال زيارات أهالي الموتي ويوزعون ما يجود به كل منهم من فطير الرحمة والعيدية لكنهم مختبئون في عشش وقبور ومساكن لا آدمية وتأتي الأعياد عليهم وبعضهم جوعي، فقد تعاقبت الأنظمة والحكومات ولم تتبدل أحوالهم وفي مثل هذه الأيام ينتظرون.. وتتعلق أحلامهم بمن يعطف عليهم «لينوبهم» من «فرحة العيد» نصيب.
أكثر من 5.1 مليون مواطن يعيشون في مقابر القاهرة بمناطق الجبانات بباب النصر والدويقة وصلاح سالم والدراسة ومنطقة التونسي بالإمام الشافعي..
كيف يقضي هؤلاء الغلابة أيام العيد؟.. وهل هرب هؤلاء من ظلم الأحياء ليختاروا رفقة الأموات رحمة بهم من الظلم والفساد اللذين يواجهنهم في حياتهم لكي ينعموا براحة البال مع إخوانهم الأموات، وهل مازالت قلوبهم نابضة بالحياة والأمل في حياة كريمة أم إهمال الحكومة لهم سببا في أن أصبحوا علي هامش الحياة.. فأين دور الحكومة في رعاية سكان المقابر؟.. ومن المتسبب في فقر وحرمان أطفالهم من فرحة العيد؟
فهؤلاء الغلابة يسكنون المقابر وتتسلل إليهم خدمات المياه والكهرباء خلسة وتدريجياً بدون علم أحد.
العلاقة بين سكان المقابر تتسم بالعزلة الاجتماعية وعدم الأمان والخوف إلي أن أصبحت من سمات سكان المقابر الأساسية.
أطفال مقابر الإمام الشافعي مثال صارخ علي البؤس والحرمان الشديد؛ بالإضافة إلي الأمراض النفسية نتيجة انتشار أساليب الضرب والتحرش الجنسي والسباب في تلك المناطق، مثلما يحدث في المناطق الأخري، فالأطفال يفضلون البقاء في الشارع مما يؤدي إلي التعرض للانحراف ومنه تعاطي المخدرات والسرقة وتهديد أمن الغير.
وتشير دراسة متخصصة إلي أن سكان المقابر بها فريق «يعمل» وفريق «لا يعمل»، فهناك الحرفيون، وهذه الفئة تبلغ 73٪ وتنخفض نسبتهم للموظفين إلي 4.9٪ وتبلغ نسبة 5.5٪ لأصحاب الأعمال المتصلة بمنطقة المقابر وتصل إلي نسبة 7.1٪ للمشاركين في أعمال التجارة.
وتشير دراسة اجتماعية إلي أن 06٪ من أطفال العشوائيات محرومون تماماً من أي من الخدمات التعليمية، بجانب انخراطهم في سوق العمل في سن مبكرة لإعالة أسرهم، حيث نجدهم يعملون في الورش أو كباعة جائلين وعادة ما تلتقطهم العناصر القريبة من المخدرات سواء للتعاطي أو الاتجار.
«الوفد» قامت بجولة في مقابر الإمام الشافعي لترصد استعدادات سكان المقابر للاحتفال بعيد الفطر المبارك.. فماذا كان عليه حالهم؟
«العين بصيرة.. واليد قصيرة».. بهذه الكلمات القليلة بدأت مريم يوسف - التي تجاوزت الخمسين من عمرها الحديث - قالت: إنها تعول 4 أبناء منهم شابان عاطلان ولديها طفلان في مراحل تعليمية مختلفة، وتقوم ببيع سلع هامشية أمام حوش «القرافة» وعبرت عن استيائها الشديد من الارتفاع الجنوبي في أسعار الكعك وملابس العيد هذا العام بشكل واضح وعدم ملاءمة هذا مع المعاش البسيط الذي لا يتجاوز الـ 041 جنيهاً من الشئون الاجتماعية لظروف الحياة الصعبة، خاصة أن عيد الفطر المبارك علي الأبواب وما يزامنه من دخول المدارس.
وتقول بحسرة: إحنا هنا بنعتمد علي «قُرص» القرافة مثلها عندنا مثل كعك العيد، وإذا فكرنا في شراء كعك نشتري ربع كيلو علي القدر، علشان أفرح الأولاد.. أما عن ملابس العيد فنحن ننتظر فلوس الأعياد والبركات من الآخرين علشان أشتري لي ولأولادي ملابس العيد.
وتتابع: إنها لم تترك المقابر أبداً ولم تذهب لأي مكان سواء في العيد أو في أي يوم عادي، لأنها أباً عن جد في المقابر.
كانت علامات العجز والإعياء واضحة علي ملامح الحاج زهران نافع - الذي تجاوز الـ 67 من عمره - قائلاً: عندي 5 صبيان، جميعهم شباب عاطل، وليس لي أي مصدر للانفاق علي نفس حالي مثل أهل منطقتي، عايشين علي الحسنة من الآخرين التي عادة ما تتأخر علينا كثيراً، فالمواسم والأعياد مثل الأيام العادية، يجيء وتمشي ولا نشعر بها ولا بنحضر لحاجة سواء الكعك أو الملابس الجديدة ولم نسافر لأي مكان، لكننا نطلب من الله أن يرزقنا من حيث لا نحتسب، حتي يمكننا أن نشتري احتياجاتنا المعيشية ولا يحرموا أطفالنا من ملبس أو مأكل.
الطفل محمد - وشهرته «أبو عرموس» - الذي تجاوز 6 سنوات - من سكان المقابر - يقول: نفسي يكون معايا فلوس علشان أجيب هدوم العيد زي الأطفال الآخرين، وأشتري بالونات ملونة كتيرة وأروح أشوف الأسد والفيل في حديقة الحيوان، لكي أشعر بفرحة العيد.
عم حسين - الذي تجاوز 05 عاماً - قال: الرجل العجوز مفيش حاجة أمامنا إلا السكن والعيشة في المقابر، علماً بأنه سيجئ يوم ونمشي لما صاحب المقبرة يحتاجها في أي وقت، فأنا مثل سكان المقابر أتمني أن ينظر الآخرون إلينا نظرة عطف ورحمة، خاصة في عيد الفطر المبارك.
وأضافت حسنات محمود - «ربة منزل» - ولديها «3 أولاد» - طوال السنة لم نتحرك من محل إقامتنا في المقابر، لكننا نخرج وأبناؤنا في العيد إلي الجناين علشان فرحة الأولاد.
أحمد عمر - أب لـ «3 أولاد» - قال: إن الحياة أصبحت صعبة للغاية وعبء المعيشة يتزايد مع دخول المواسم والأعياد، فجميع الغلابة من سكان المقابر يعيشون أزمات مستمرة بسبب ارتفاع أسعار جميع السلع الغذائية والاستهلاكية والتي لا تتناسب مع معاشي الذي لا يتعدي 031 جنيهاً من التضامن الاجتماعي؛ والتي لا تسد إلا جزءاً بسيطاً للغاية من الاحتياجات المعيشية ويتم تكملة باقي الشهر سلفيات وديون من الأقارب والأصدقاء.. وعندما سألته عن شرائه للكعك والملابس الجديدة لأطفاله؟.. فأجاب: أيام العيد مثل الأيام العادية، ننتظر الإحسان من الآخرين لكي نعيش وبس، أما عن كعك العيد.. فلا يختلف تماماً عن قرص القرافة لدينا.. و«الشكوي لغير الله مذلة».
وأضافت فاطمة عيسي - سيدة عجوز تجاوزت 56 عاماً ولديها «بنت وشاب عاطل» - زوجي متوفي منذ زمن طويل؛ ولا أحد يعطف علينا؛ لكننا نسمع من التليفزيون وما تنشره الجرائد اليومية أن مرشحي رئاسة الجمهورية يقولون: «مش هنخلي واحد في مصر ينام من غير عشاء»؛ وهذا طبعاً كلام فاضي وفرقعة إعلامية ساذجة، وحالنا السيئ هو دليل قاطع عن مدي الكذب الذي يسلكه هؤلاء الأشخاص المرشحون للرئاسة، وذلك ليس إلا من أجل الحصول علي كراسي الحكم برضاء الجميع، بخلاف المنح والمزايا من وراء التربع علي كراسيهم فقط.


أضاف أبو عمر - 74 عاماً - عندي 4 أولاد، كلهم مازالوا في مراحل تعليمية وليس لي أي مصدر دخل ثابت لكي يساعدني علي الإنفاق عليهم، مصاريف الحياة غالية، وللأسف صحتي متعبة للغاية وأقسم الرجل الحمول أنه لم يتذوق طعم كعك العيد «هو وأولاده» منذ سنوات طويلة، لأن سعره وصل إلي 06 جنيهاً في بعض المناطق، وحتي إذا اشترينا ربع كيلو.. لا تكفي إطعام «4 أولاد» و«أب وأم»، لكننا هنخسر في النهاية 51 جنيهاً، ونحن في أشد الاحتياج إليها لكي نأكل ونشرب والحكومة اللي المفروض ترعي الغلابة آخر طناش!!

أطفال الشوارع لا يعرفون «الفطر» ولا «الأضحي»

تحقيق: دينا توفيق
من رصيف إلي رصيف يتنقلون وفي كل إشارة تجدهم فجأة يظهرون.. إنهم أطفال ضالون وضائعون، حفر الفقر خطوطه علي أجسادهم وانتهك الجوع والحرمان براءتهم فتحولوا بفعل الزمن إلي أشباح أطفال تؤرق ضمير المجتمع، وسواء كانوا مسيرين أو مخيرين، وسواء كانوا مطرودين أم هاربين، فهم في النهاية لم يجدوا أمامهم سوي الشارع ملجأً وملاذاً، فصار الرصيف فراشهم والسماء غطاءهم، وفي الوقت الذي ينتظر فيه كل الأطفال العيد بلهفة، لا يعرف هؤلاء للعيد طعمًا، فالمرارة التي تملأ حلوقهم تغطي علي أي طعم للسعادة، حتي بعد قيام الثورة، حلم هؤلاء الصغار بغد أفضل، حلموا أن يلبسوا جديداً في العيد، أن يجدوا لهم مأوي، أن يصبحوا مواطنين من الدرجة الأولي، ولكن الأحلام تبددت، وظل الحال علي ما هو عليه.
ويأتي العيد لا يفرحون يلبس جديد وانتشروا في الشوارع أمام الحدائق والمتنزهات يتسولون العيدية.
هم أكثر من مليون ونصف المليون طفل مشرد - كما أكدت منظمة الصحة العالمية - يجوبون الشوارع نهاراً للسرقة أو التسول. وفي الليل ينامون في المباني المهدمة وعلي الأرصفة أو أسفل الكباري.
الحياة في نظر طفل الشارع لا تحمل بارقة أمل في المستقبل، فهو يترك بيت أسرته ويفر إلي الشارع بين الحين والآخر ليقضي بعض الليالي بعيداً عن قسوة الأهل أو هروباً من الفقر، وبدلاً من أن تري الابتسامة علي وجه طفل وبيده دُمية يلعب بها، ستجده عابس الوجه بعد أن وجد نفسه دون مأوي ولا مكان يرحب به سوي الشارع ولا أذان تستمع له سوي من هم مثله.. إنه طفل الشارع الذي يعمل من أجل البقاء.


كانت رحلتنا في أعماق هؤلاء الأطفال الضالين مليئة بالصعوبات، فقد كانت نفوسهم تمتلئ بمساحات كبيرة من الخوف تمنع أي شخص من الاقتراب منهم، وتغلق أمامنا كل الأبواب التي نحاول الدخول منها إليهم، لذا حاولنا الاقتراب بحذر، وكان لقاؤنا الأول مع يوسف.. البالغ من العمر 01 سنوات، إلا أنه يبدو عليه أنه قد شاخ قبل الأوان. فقد كان يتنقل وسط الشارع من سيارة إلي أخري يحاول إقناع أصحابها بشتي الطرق بشراء علبة مناديل. ويحكي يوسف قصته قائلاً: إنني أعمل منذ الصباح الباكر وحتي الساعة الحادية عشرة مساء، فوالدي متوف وعندي 7 إخوات، لذا توقفت عن الدراسة واضطررت إلي العمل لمساعدة والدتي في مصاريف البيت.
استكملنا رحلتنا لنلتقي بعد ذلك بطفل لا يزيد عمره علي 11 سنة. ظهر أمامنا وهو يمسك بفوطة كانت يوماً ما صفراء اللون ولكنها تحولت إلي السواد كوجه صاحبها الذي انقض علي «كابوت» السيارة يحاول جاهداً تنظيف الزجاج أو بمعني أصح تلطيخه فسألته عن حكايته، فقال: إنني كنت أعيش مع أمي وزوجها لكنه كان دائماً يشتمني ويضربني فهربت وقلت لنفسي رزقي علي الله والآن أحاول كسب قوت يومي، وكثيراً ما أثير شفقة أولاد الذوات فيعطونني فلوساً كثيرة وفي آخر اليوم أنام في أي مكان أجده.
أما أميرة - بائعة المناديل وتبلغ من العمر 31 سنة - فهي تعمل كل يوم منذ الصباح الباكر وحتي الواحدة صباحاً، فوالداها مريضان ولديها 4 إخوة، فكان يجب عليها أن تعمل من أجل الإنفاق علي نفسها، تلك الظروف السيئة دفعتها إلي الشارع، ورسمت سنين طويلة علي وجهها الصغير فهي تجوب الشوارع بحثاً عن الرزق وتعود في النهاية إلي منزلها منهكة، تبحث عن لقمة عيش تسد بها جوعها لتستكمل في الغد رحلة العذاب التي لا تنتهي وهي تعبر عن رأيها قائلة: نفسي أكون مثل بقية البنات، أرتدي ملابس نظيفة وأتناول «لقمة» نظيفة.. بتلك الكلمات القصيرة ختمت أميرة حديثها قبل أن تبتعد عنا لاستكمال رحلتها.
بعيداً عن هؤلاء، وقف طفل آخر أمام الباب الزجاجي لأحد المطاعم الشهيرة في منطقة «الدقي» ينظر بعيون يملؤها الجوع والحرمان إلي رواد المطعم، وهو يأمل أن يمد أحدهم يده إليه ويعطيه ولو بعضاً من فتات الطعام ولكن يبدو أن انتظاره قد طال دون فائدة، فراح يجر قدميه بعيداً عن هذا الشارع الذي لا يجد فيه من يتعاطف معه.
وفي أحد شوارع القاهرة المزدحمة، وقفت «فلة» التي لم تتجاوز العشر سنوات وقد بدت علامات الذبول واضحة علي جسدها النحيل ووجهها الشاحب تستجدي عطف المارة وتتلاعب بمشاعرهم مستخدمة أرق الكلمات وأعذب التعبيرات، وهي لا تريد من المارة سوي «نصف جنيه» حتي تشتري به طعاماً، كما أن «فلة» لا تتحدث مع الغرباء حتي لا تعرض نفسها للمشاكل، لذا اكتفت بأن تنظر لنا بعيون كلها حزن وأسي تكشف عن واقع أليم تعيشه.
علي كورنيش النيل وأسفل أحد الكباري، افترش الأرض جسد هزيل لطفل لا يزيد عمره علي 31 سنة حافي القدمين يرتدي ملابس ممزقة شبيهة بحياته التي يعيشها. اكتفينا بتأمل هذا المشهد دون أن نحاول إيقاظ هذا الطفل حيث يبدو أنه كان يستمتع بالنوم بعد يوم شاق.
هذا هو حال كثير من الأطفال الذين تمتلئ بهم شوارع القاهرة وهم عاجزون عن التعبير عن أنفسهم، فهل يمكن أن تتغير أوضاعهم خاصة أن كثيرا منهم حلم بغد أفضل بعد الثورة، حلموا أن يأتي أول عيد بعد الثورة يتباهون فيه بملابسهم الجديدة مثل باقي الأطفال، حلموا بأن يشعروا بفرحة العيد مثل باقي الأطفال، ولكن هذا لم يحدث، فالعيد لم يأت إليهم بجديد، ومع ذلك فهم مازالوا يحلمون!
بحثنا عن حل لهذه المشكلة، فجاء الحل علي لسان الدكتور سعيد صادق - أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية قائلاً: في البداية يجب أن نشير إلي أن هناك ما يقرب من 5.1 أو 2 مليون طفل يعيشون في الشوارع هم نتاج التفكك الأسري وتدني الأحوال الاجتماعية، وعجز بعض الأسر عن رعاية أطفالها.. ولا شك أن أطفال الشوارع اليوم هم مجرموا الغد وليس من المستبعد أن نراهم في المستقبل وهم يهاجمون البيوت والأماكن العامة لسرقتها.
وأضاف: السبب في ذلك النشأة العنيفة التي تربوا فيها وسط الإهمال والفقر ونتيجة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة، لذلك: فلابد من تفعيل دور المجلس القومي للطفولة والأمومة، وعمل دوريات طبية مجانية يكون من شأنها مساعدتهم علي تحمل أعباء الحياة، ووضع برامج خاصة لتخفيف معاناة هؤلاء الأطفال، بالإضافة إلي خلق دور حقيقي للجمعيات الأهلية لرعاية هؤلاء الأطفال خاصة في مواسم الأعياد لتخفيف معاناتهم وإدماجهم في المجتمع.