رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

4 ثغرات تضمن البراءة لمبارك

تتعاظم المخاوف من نقص الأدلة المادية التي تثبت الكثير من الجرائم التي ارتكبها رموز نظام الرئيس المخلوع ، وتصل هذه المخاوف الي الحد الذي يجعل الكثيرين يخشون من إفلات هؤلاء من العقاب الرادع والمستحق نتيجة نقص هذه الأدلة المادية. ولا يشك أحد للحظة في نزاهة وعدالة القضاء المصري، لكننا نعرف ان القاضي يصدر حكمه بناء علي ما يتوفر أمامه من أدلة مادية حاسمة تدين المتهم، وأن مجرد نقص هذه الأدلة أو عدم القطع بصحتها يجعل القاضي مضطراً لتبرئة المتهم حتي وان كان القاضي مقتنعاً بارتكاب المتهم للجرائم المنسوبة اليه، وكثيراً ما نقرأ عن احكام بالبراءة علي متهمين يعرف الجميع انهم ارتكبوا الجرائم التي يتهمون بارتكابها ونقرأ جميعاً في مثل هذه الحالات العبارة الشهيرة التي يبرر بها القاضي حكم البراءة وهي عبارة «نقص الأدلة».

 

لوائح وقرارات تسمح بالنهب

هذه الحقيقة كانت ماثلة أمام رموز نظام الرئيس المخلوع وهم يرتكبون جرائمهم البشعة سواء الجرائم السياسية أو جرائم نهب المال العام بالتربح أو بوسائل كثيرة برعوا في استخدامها، وكانوا جميعاً حذرين تماماً وهم يرتكبون جرائمهم، فحرصوا علي ارتكاب هذه الجرائم بطرق وأساليب لا تورطهم في وجود أي أدلة مادية تثبت اشتراكهم في هذه الجرائم، واعتمدوا في تحقيق ذلك علي عدة وسائل.

أولاً: إصدار القرارات واللوائح الداخلية التي تسمح بنهب المال العام بطريقة مباشرة كما رأينا في اللوائح التي كانت تسمح لبعض رؤساء التحرير بالصحف الحكومية بالحصول علي أكثر من مليون جنيه شهرياً بقرارات ولوائح تم تفصيلها بواسطة المستشارين القانونيين.

ثانياً: تمرير التشريعات التي تتضمن ثغرات تسمح بنهب المال العام مثل منح الوزراء حق اتخاذ قرارات «للصالح العام» بشكل منفرد ويتجاوز القواعد المقررة.

أما «الصالح العام» فيترك بعبارة مرسلة غير محددة ويصبح الأمر كله رهناً بتقدير الوزير الشخصي وفي مثل هذه الحالة فليس لأحد أن يحاسبه علي «تقديره الشخصي» حتي ولو كان تقديراً خاطئاً.

ثالثاً: انشاء الشركات التي تتعامل مع الوزارات والمصالح المختلفة لأبناء وأقارب الوزراء المختصين واختيار «واجهة» لإدارة هذه الشركات، وتفتح كل الأبواب لهذه الشركات لنهب الملايين سواء بالأمر المباشر أو بمناقصات «صورية» ومثل هذه الشركات تعددت بطريقة ملفتة في مجال «الإنتاج الدرامي» و«الإعلانات» وأكثرها كان ملكاً لابن صفوت الشريف ولأبناء العديد من قيادات وزارة الإعلام، ويكفي أن نعرف مثلاً أن أحد الأطباء من أصحاب هذه الشركات عندما أراد أن يحصل علي نسبة محترمة من ملايين اتحاد الإذاعة والتليفزيون أنشأ شركة للانتاج الدرامي مع «منير ثابت» شقيق السيدة سوزان مبارك حرم الرئيس المخلوع، وكان مجرد وجود اسم منير ثابت هو جواز المرور للحصول علي عدد كبير من المسلسلات بنظام المنتج المنفذ وبأسعار تصل الي ضعف التكلفة الحقيقية.

رابعاً: ابتكر عباقرة الفساد ما سمي «بالصناديق الخاصة» التي يتدفق اليها كل عام مئات الملايين من الجنيهات في العديد من المحافظات والمؤسسات، ويتم الإنفاق من هذه الصناديق بقرارات من المحافظ أو المسئول عن المؤسسة أو الوزير وهذه القرارات تمنح المسئول سلطة مطلقة في الانفاق من هذه الصناديق، ويقدر الخبراء موارد هذه الصناديق الخاصة بمليارات الجنيهات سنوياً، من هذه الصناديق الخاصة كان الوزراء ورؤساء المؤسسات يمنحون «المستشارين» الذين يتم تعيينهم بالمئات بغير حاجة حقيقية، كانوا يمنحون مكافآت شهرية بمئات الآلاف من الجنيهات.

هذه نماذج من الفساد المالي الذي لن تستطيع جهات التحقيق أن تدين مرتكبيه لأن جرائمهم هذه تمت تحت غطاء من «شرعية شكلية» قام بوضعها عدد من المستشارين القانونيين الذين حصلوا بالمقابل علي مكافآت سخية مقابل تفصيل القرارات واللوائح التي تضفي شرعية قانونية شكلية علي نهب وإهدار المال العام.

القرارات الشفوية لاخفاء الجرائم

هذا عن الفساد المالي.. أما الفساد السياسي فكانت أساليبه بالغة الشذوذ.

أولاً: تشكيل مجالس تشريعية «مجلس الشعب والشوري».. بانتخابات مزورة يتم اختيار الأعضاء فيها ممن يثبتون أن لاءهم لشخص الحاكم وحاشيته، وأنهم علي استعداد لتمرير التشريعات والقوانين التي يري الحاكم انها تحمي تصرفاته وتسمح له باتخاذ القرارات والسياسات التي يريدها حتي وان ألحقت أضراراً بالغة بمصالح الوطن والمواطنين.. وكان التزوير يتم بطريقة فجة ورغم وجود احكام قضائية تدين هذا التزوير وتثبت وصول العديد من الأعضاء الي مقاعد بالتزوير الفاضح فقد تم التغاضي عن هذه الأحكام القضائية وابتكر سدنة النظام من أمثال المرحوم. رفعت المحجوب والدكتور فتحي سرور ابتكر هؤلاء ما أطلقوا عليه عبارة «المجلس سيد قراره» وهو الأسلوب الشاذ الذي يجعل الأعضاء الذين شغلوا مقاعدهم بالتزوير هم أصحاب الكلمة النهائية في قبول أو رفض قرارات محكمة النقض، وهكذا تمت حماية جريمة التزوير بتفسير قانوني شاذ.

ثانياً: حول نظام حكم الرئيس المخلوع مصر الي «عزبة خاصة» تدار بأسلوب لا علاقة له مطلقاً بأسلوب الإدارة في أي دولة حتي الدول شديدة التخلف، فجميع الوزارات والمؤسسات تدار بمكالمات تليفونية في العديد من الموضوعات الهامة، وكما يتلقي الوزير الأوامر «شفوياً» فإنه يصدر الأوامر والتعليمات للقيادات التنفيذية بنفس الطريقة أي «شفوياً».

هذا الأسلوب الذي لا يمت بصلة الي الأساليب المتبعة في

أي دولة سمح لشخصيات لا تملك أية صلاحيات دستورية بأن تغتصب صلاحيات وان تصدر الأوامر والتعليمات الي الوزراء في العديد من الموضوعات الهامة والحساسة، وفي هذا المناخ كانت سوزان ثابت حرم الرئيس المخلوع تصدر التعليمات للوزراء وكانت أوامرها وتعليماتها تنفذ بأسرع مما تنفذ به قرارات الرئيس المخلوع خاصة في سنواته الأخيرة، أما النجل المدلل جمال مبارك فكانت إشاراته أوامر، وتعليماته لا تقبل البطء في تنفيذها.

وفي ظل هذا الأسلوب بالغ الشذوذ حرص الجميع  علي أن تدار مؤسسات الدولة بالأوامر والتعليمات «الشفوية» التي يستحيل علي أي محقق مهما بلغت براعته أن يعرف الحقيقة، وأن يحدد بشكل دقيق من أصدر القرار ومن هو صاحب التعليمات؟! وفي مثل هذه الظروف تصبح «المسئولية» مشاعاً بين أطراف عديدة ويستحيل ان يعثر أي محقق علي أدلة مادية يستند اليها لتحديد من ارتكب الجريمة.

ويكفي ان نقرأ صفحات التحقيق مع الرئيس المخلوع ووزير داخليته وقيادات الشرطة حول أوامر اطلاق الرصاص علي ثوار يناير، يكفي قراءة التحقيقات لتكتشف مهزلة إدارة شئون الدولة وفي أخطر وأكثر الأزمات حرجاً بأسلوب «الأوامر الشفوية» التي تسمح للجميع بانكار التهم الموجهة لهم، واحتمال الصاق التهمة «بمجهولين» تصرفوا باجتهاد شخصي؟! وتضيع التهمة لعدم كفاية الأدلة؟!

ثالثاً: تصرفت وزارة الداخلية بوسائل لا تسمح بالحصول علي أي دليل مادي في أكثر الموضوعات خطورة وهي عمليات التعذيب، وعمليات اختفاء مواطنين، وعمليات القبض علي المواطنين، واصبحت عمليات تلفيق التهم للمواطنين أمراً يمارسه العديد من قيادات وأفراد الشرطة سواء في قضايا سياسية أو حتي قضايا شخصية، بل وصلت الجرائم الي حد الزج بمواطنين في السجون دون اثبات ادخالهم السجن، وعندما فاجأت الثورة الجميع كان الكثير من أسرار هذه العمليات،سواء أسماء الضباط وأفراد الشرطة الذين كانوا يقومون بأبشع عمليات التعذيب، أو أسماء من تم اختطافهم من المواطنين، أو عمليات التجسس والتنصت علي المواطنين وبشكل عام تفاصيل كثيرة عن جميع العمليات «القذرة» التي كان يقوم بها جهاز أمن الدولة وغيره من أجهزة الشرطة، كانت الأدلة الدامغة عن كل هذه الجرائم مكدسة في خزائن «أمن الدولة» وعندما بدا واضحاً أن القضاء سوف ينظر في الكثير من هذه القضايا ارتكبت وزارة الداخلية أبشع جريمة وهي «حرق جميع الأدلة والمستندات» التي تكشف تفاصيل هذه الجرائم وأسماء من مارسوا الجرائم ضد المواطنين والقيادات التي أصدرت الأوامر بارتكاب هذه الجرائم.

هذه هي الصورة التي تثير الفزع وتحرك المخاوف المشروعة  من تبرئة رموز نظام المخلوع «لعدم كفاية الأدلة»، وما أخشاه لو حدث ذلك أن يحدث انفجار شعبي بالغ العنف وأن تدخل مصر في دوامة من الفوضي التي تهدد بانهيار الدولة.

ولا يمكن لعاقل ان يطلب من القضاء أن يحكم بغير أدلة أو أن يتخلي عن تقاليد القضاء المصري، لكننا نطالب بالنظر الجاد في تعديل «قانون الغدر» بتشكيل هيئة المحكمة من عناصر قضائية فقط حتي لا يطعن في أحكامها، فقانون محكمة الغدر يسمح بمحاكمات سياسية أدلتها وقرائنها كثيرة وليست مقيدة بالأدلة المادية وحدها التي تعيد المحاكمة الجنائية.

ولا ادعي معرفة بالقوانين، ولكنني أريد من خبراء لهم باع في القانون ان يبحثوا عن صيغة تسمح بمحاكمة عادلة لرموز نظام المخلوع، ولا يسمح لهم بأن يفلتوا من عقاب مستحق لجرائم بشعة يعرفها جميع المواطنين حتي وان غابت وأحرقت الأدلة المادية.