عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الثوار والمعارضة أول ضحايا قانون «الغدر»


لم يعد خافياً علي أحد الجدل المشتعل الآن حول تطبيق قانون الغدر، الذي تباينت الرؤي والأطروحات بشأنه. من القوي والتيارات السياسية ، سواء عن طريق المؤتمرات أو التصريحات، التي ترمي إلي إبعاد رموز عهد مبارك عن المشاركة السياسية باعتبارهم متورطين رئيسيين فيما وصلت إليه البلاد من فساد سياسي وخراب اقتصادي جراء احتكارهم للسلطة والثورة، والعمل علي توسيع دائرة نفوذهم في جميع مناحي الحياة، وداخل العديد من المؤسسات الفاعلة في الدولة. أما تباين الآراء حول هذه القضية فله أسباب عدة لا يمكن فصل أحدها عن الآخر، لأنها مرتبطة بما هو أبعد من إقصاء الرموز الذين شاركوا في صناعة القرار السياسي، وامتدت إلي القاعدة الأكثر عدداً من المنتمين للخراب الذي كان يحكم البلاد ويعبث بمصائر العباد. فهذه الشريحة الأوسع لم تكن مشاركة بشكل أو بآخر في إدارة التباين السياسي بقدر ما كانت أدوات، وغالبيتهم انضم لهذا الحزب كنوع من الضمانات التي تحمي من أساليب بعض ضباط الشرطة. وربما لتلك الأسباب ظهر الجدل علي السطح لأن الأمر يتعلق بقطاع لا يمكن إغفال تواجده أو قدرته علي التكيف. ولذلك اتسعت دائرة المناقشات في شأن تطبيق قانون الغدر. فهناك من يري ضرورة الإقصاء الجماعي، وآخرون يرفضون باعتبار أن ذلك ضد التوجهات التي نادت بها ثورة يناير.. وجماعات أخري لديها تحفظات باعتبار أن ذلك يندرج تحت مظلة القوانين الاستثنائية، إلا أن هناك بعض الرؤي مفادها إجراء تعديلات علي شكل ومضمون قانون الغدر ذاته.

وما بين هذا وذاك، كان من الطبيعي أن تتسرب المخاوف من أن ينال القانون ذاته في حالة تطبيقه، بعض التيارات السياسية، التي كانت تعارض نظام مبارك، بما فيهم القوي التي شاركت في صناعة ثورة يناير. وهو ما يعني أن أول ضحاياه هم هؤلاء الموجودون في ميدان التحرير، وهنا تكمن المفارقات العجيبة.

لم تبتعد تلك الأطروحات عن جدل آخر أكثر أهمية وهو المرتبط بفاعلية القانون، الذي يتضمن قرارات العزل السياسي، بأحكام استثنائية من محاكم مختلفة من رجال القضاء والعسكريين، فهذا القانون صدر في ظل ثورة يوليو 52، وكان يهدف إلي إقصاء كل الذين شاركوا في صياغة الحياة العامة في الفترة من 1939 إلي 1953. وفي إطار مدي صلاحية قانون العزل السياسي، للتطبيق الفعلي في ظروف ثورة يناير. يري سامح عاشور نقيب المحامين السابق ورئيس الحزب الناصري أن هذا القانون بطبيعته قانون مرحلي ولا يصلح تطبيقه، فهو صدر في فترة معينة ولظروف كان فيها الفساد السياسي وصل إلي مرحلة تهدد مسيرة ثورة يوليو.. وإذا كانت هناك ضرورة لتطبيقه لابد من تحديد الفترة الزمنية التي يسري عليها لأن القانون بطبيعته لا يستمر في فئة معينة، لكنه يطبق علي أفعال يعاقب كل من يرتكبها. والمشكلة هنا هو ربطه بفترة زمنية. والحديث عن أنه يخص فئة معينة، فهذا كلام غير صحيح، لأن ذلك لو حدث لم يعد قانوناً.

وفكرته هي التي تدور في إطار تطبيق قرارات العزل السياسي.. التباين في وجهات النظر تزايدت في الآونة الأخيرة، خاصة بين أصحاب الرؤي العقائدية والسياسية، حيث يذهب صلاح عفيفي الكاتب الصحفي إلي أن هذا القانون جري تطبيقه بأثر رجعي علي كل الذين تولوا وظائف عمومية أو نيابية منذ عام 1939 وما بعدها، وهي فترة الفساد السياسي، فالقانون ذاته موجود لكنه معطل. إضافة إلي وجود قوانين أخري صدرت في عهد السادات، وهي قوانين فرض الحراسة وتأمين سلامة الشعب، وحماية الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، وقوانين حماية القيم من العيب، وجميعها تساءل عن جريمة الفساد السياسي، وتقضي بعقوبات الحرمان من تأسيس الأحزاب والانتخابات والترشح، والعمل في الإعلام والصحافة لكل من يثبت عليهم الإخلال بالوحدة الوطنية أو نشر مقالات أو تشويه سمعة مصر في الخارج. أما قانون الغدر فلا يقدم عقوبات رادعة، ولذلك عملت قوانين محكمة الثورة لإقصاء الوفد من الساحة السياسية، فالغدر قانون استثنائي فيه عيوب كثيرة فطبقاً لهذا القانون تتشكل المحكمة من 3 قضاة مدنيين وأربعة عسكريين والادعاء فيه ليست النيابة العامة. وثورة يناير اشتركت فيها قوي كثيرة، وتبادلوا الاتهامات فيما بينهم وإذا تولي جناح من تلك القوي للسلطة والحكم فإنه سوف يقوم بتطبيق القانون علي الآخرين.

ويري صلاح عيسي أن نظام مبارك انهار ولم يعد لأفراده وجود، فيجب تركهم للقانون العادي، الذي يتضمن الكثير من العقوبات الرادعة، وهو الأمر الذي يدعو إلي عدم المطالبة بقانون الغدر، الذي هو في الأساس بداية القوانين الاستثنائية، التي وضعت عقوبة العزل السياسي، لكن الجدل الأكثر اشتعالاً حول هذا القانون، الذي يشغل الرأي العام الآن، خاصة بين النخب السياسية وخبراء القانون وجود القانون من عدمه.. فهناك من يري أن القانون ليس موجوداً، وذلك بانتهاء الأسباب التي صدر من أجلها.. ومن يري أيضاً أن القانون موجود وسار ولديه وجهات نظر في تعديله ليتماشي مع طبيعة التوجه للديمقراطية، الرأي العام يدعمه عبدالله خليل المحامي بالنقض والخبير في مجال حقوق الإنسان والرأي الثاني يتبناه ويطالب بدعمه المستشار بهاء الدين أبو شقة المحامي بالنقض ونائب رئيس حزب الوفد وجهة النظر التي يتبناها عبدالله خليل. تقول إن قانون الغدر صدر وفقاً للإعلان الدستوري في 10 فبراير 1953 إبان ثورة يوليو لمحاكمة الذين أفسدوا الحياة السياسية، بدءاً من سبتمبر 1939، وبالتالي فإن القانون حدد تاريخ سريانه علي أن يطبق ضد الأشخاص والأفعال في فترة زمنية معينة ومحددة. هذه الفترة زالت بزوال المحاكمات. وأعقب ذلك إنشاء محكمة الثورة ثم محكمة الشعب، فتوالت عبر تاريخ الثورة في الحقبة من 1952 إلي 15 مايو 1971 تشكيل الثورة الصادر في 1971 يصلح لمحاكمة رموز نظام «مبارك» لأن مثل هذه القوانين وقتية تنتهي بزوال سبب إنشائها، دون حاجة لوجود نص بإلغائها. وهذا بخلاف القانون العام، فهو سار من حيث الزمان والمكان. عكس القوانين الاستثنائية. وعلي سبيل المثال فإن الأوامر العسكرية يزول بزوال حالة الطوارئ.. وهو الأمر الذي ينطبق علي المرسوم بقانون الصادر من مجلس الوزراء، ومجلس قيادة ثورة يوليو. المسمي بقانون الغدر. وأنا أري - الكلام

لـعبدالله خليل - أن الغدر الحقيقي هو القضاء علي شعارات ثورة يناير بإصدار هذا القانون أو إعادة تفعيله لأن الثورة تنادي بالحرية والعدالة والديمقراطية، وقانون الغدر يتنافي مع أبسط قواعد العدالة لأن المحكمة المنصوص عليها في القانون قضاء مختلط عسكري مدني، ولا يجوز الطعن علي أحكامها لأنه لا توجد محاكمة عليا.

والأمر الثاني أن إجراءات التحقيق وتحريك الدعوي الجنائية يقوم بها اثنان من السياسيين يختارهم المؤتمر المنصوص عليه في المادة 11 من الإعلان الدستوري 1953. والمؤتمر مشكل من أعضاء مجلس الوزراء ومجلس قيادة الثورة، ومعني ذلك أن الذي يقوم بالتحقيق سياسيون، وليس سلطات التحقيق القضائية وقد أعطي لهم الحق في الضبطية القضائية والتسجيلات بدون إذن وضبط المراسلات في مكاتب المحامين، وهي سلطات لا تمنح إلا لقاضي تحقيق مستقل. والغلو في العقوبات لا يمتد فقط لحرمان الشخص من العمل السياسي، لكنه يذهب إلي أسرته. ومصادر رزقه، لأن العقوبات مهنية. وهذا القانون يعطي الحق في إسقاط الجنسية ويفيد ذلك بعض الهاربين أمثال حسين سالم ورشيد محمد رشيد ويوسف بطرس غالي، كما أن الإجراءات الاستثنائية هي سهام في صدور الجميع فحوكم صدام حسين بذات القوانين التي ابتكرها ضد خصومه. والقوانين التي لا تحمي الديمقراطية تفتح الطريق للسيطرة علي الحكم والانتقام من المعارضين لها.

ولذلك فإن الثوار انتزعوا حق التظاهر والتجمهر والإطاحة بالنظام، رغم وجود قوانين كانت تقابلهم بالإعدام. والبلاد في حاجة إلي إنتاج القوانين التي تحمي التوجه للديمقراطية، وليس إعادة القوانين الاستثنائية لأن ثقافة الديمقراطية والشفافية هي السبيل الوحيد..

لا يختلف «أبو شقة» فيما يخص الحديث عن ضرورة التوجه إلي الديمقراطية، لكن الفقيه القانوني يختلف حول هذا القانون، ويري أنه كان يهدف للعزل السياسي والإقصاء عن المجالس النيابية والوظائف العامة المؤثرة لحماية ثورة يوليو من النفوذ الوظيفي والنقابي والتشريعي، وعلي هذا الأساس فإن القانون واضح لأنه حدد الأشخاص الذين يطالهم، فالمادة الأولي فيه تقول إنه يعد مرتكباً لجرائم الغدر كل من كان موظفاً عاماً أو وزيراً أو عضواً في البرلمان والمجالس المحلية. والمكلفين بالخدمة العامة من ارتكب أفعالاً من شأنها إفساد الحكم أو الإضرار بالبلاد أو التهاون فيها. وتطرقت المادة الثانية إلي استغلال النفوذ والحصول علي مميزات خاصة بالحصول للنفس أو الغير علي وظيفة في الدولة أو منصب في شركة أو مؤسسة استثناءً من القواعد المعمول بها، وتتواصل مواد القانون إلي استغلال النفوذ وإجراء تصرفات وأفعال تؤثر علي البورصة والأوراق المالية.

ولذلك يري المستشار بهاء الدين أبو شقة أن القول بزوال العلة ألغي القانون، ليس صحيحاً لأن القانون لم يتم إلغاؤه، وأن الظروف الحالية تستوجب تفعيله لأننا مقبلون علي ديمقراطية وليدة، ومجالس تشريعية جديدة، وهناك تابعون للنظام السابق مازالوا في مواقعهم المؤثرة. ومن هنا تأتي أهمية تفعيل القانون، لكن «أبو شقة» يطالب بتعديل يرفض الشرعية الدستورية وحتي لا يكون القانون محلاً للطعن بعدم الدستورية.

ويتلخص التعديل بأن تكون النيابة العامة أو قاضي التحقيق هم فقط من لهم حق الإحالة.. وأن تكون الجهة التي تجري أمامها المحاكمة لابد أن تكون من القضاة الطبيعيين ليس من بينهم عسكريون وأن هذه التعديلات لا تمس شرعية النصوص لأننا لا ندخل أشخاصاً جدداً وهذا التعديل في مصلحة المتهم، وله جميع الضمانات بعدم المحاكمة بالقانون الاستثنائي.

وحول الأطروحات التي تري أن قانون العقوبات العادي فيه جميع الجزاءات يقول «أبو شقة» إن قانون الغدر لا يشترط أن يقدم الشخص بتهمة جنائية، فهو قانون يمثل عقوبة احترازية لحماية المجتمع من بعض الأشخاص الذين يمثل وجودهم خطراً علي الحياة السياسية الجديدة ولحماية الديمقراطية والمجالس النيابية، كما أن هذا القانون لا يخص الحزب الوطني وقياداته لأنه يخص كل من فعل فعلاً وهو يتضمن قواعد عامة مجردة، ولذلك هناك ضرورة علي تفعيل القانون وإجراء التعديلات عليه قبل الانتخابات، لأنه قانون استثنائي من الناحية الإجرائية وليس من الناحية الموضوعية. انتهي كلام الخبراء والمتخصصين في الشأن القانوني والسياسي لكن لم ينته الجدل حول هذا القانون والأطروحات المشتعلة حوله.