رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"المحسوبية ".. آفة مصر في كل العصور

بوابة الوفد الإلكترونية

ورث الرئيس عبدالفتاح السيسي تركة ثقيلة من الفساد الذي كانت الوساطة والمحسوبية أهم أسبابه، فعلي الرغم من أن تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية كان من أهم متطلبات ثورة 25 يناير،

إلا أنه حتي الآن لم تقم الحكومة بوضع معايير للقضاء علي تلك الظاهرة، التي استفحلت في المجتمع المصري، وأصبحت كالخلايا السرطانية التي رسختها الأنظمة السابقة في كافة أوجه الحياة، فجني أبناء البسطاء اليأس والإحباط وحاز أبناء الأغنياء علي الوظائف المرموقة، فاختل ميزان العدالة وتكافؤ الفرص، وكان تدخل الوساطة في تعيينات النيابة الإدارية مؤخرا خير دليل علي استمرار الوضع كما هو عليه، فمتي تتاح الوظائف للجميع، وهل تنجح الحكومة في اقتلاع جذور الفساد؟ أم سيظل الوضع كما هو عليه؟ هذا ما سيناقشه هذا التحقيق!
أثارت تعيينات النيابة الإدارية مؤخراً غضب العديد من المستبعدين من تلك التعيينات بعد أن تم الكشف عن تعيين عدد كبير منهم عن طريق الوساطة من أبناء القضاة، فضلا عمن تربطهم صلة قرابة بمن يعملون بجهات سيادية بالدولة وكبار المسئولين، وذلك رغم تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي برفضه التام الوساطة والمحسوبية، الأمر الذي نفاه المسئولون بهيئة النيابة الإدارية حيث جاء تصريح للمستشار عناني عبدالعزيز، رئيس هيئة النيابة الإدارية مؤكدا أن أبناء المستشارين المعينين من الذكور والإناث لم يحظوا بأي استثناءات أو مميزات، وان تعيينهم جاء وفقا لمجموع درجاتهم، وان الأولوية في التعيينات كانت للتفوق العلمي، وأكد ان القرار الجمهوري شمل تعيين 302 معاون نيابة إدارية من دفعة عام 2009 الماضي، منهم 57 من أبناء المستشارين المتفوقين، كما تم رفض 87 من أبناء المستشارين لعدم حصولهم علي المجموع المطلوب للالتحاق بالوظيفة، وأوضح ان من تم استبعادهم بخلاف المجموع كان بسبب التحريات الأمنية أو صدور أحكام قضائية في حق أقاربهم مما يعوق تعيينهم في النيابة الإدارية.
يرجع تاريخ الوساطة والمحسوبية في مصر إلي عقود طويلة، فعندما قامت ثورة 1952 التي حملت قيماً سياسية بالقضاء علي الاستعمار وأخري اجتماعية بالمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية، تغيرت أوضاع المجتمع المصري فساهمت في التحاق أبناء الطبقة الوسطي بالعمل الحكومي، والتي قام الرئيس جمال عبدالناصر بتحقيقها، فاعتمد علي مبدأ تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص، وأتيحت الوظائف لجميع أبناء الشعب المصري طبقاً لمؤهلاتهم ودون تمييز، إلي ان تبدلت الأوضاع بمجئ الرئيس أنور السادات فكان لعصر الانفتاح الاقتصادي مساوئ عديدة أبرزها تدخل الوساطة في التعيينات الحكومية، وترسخت تلك السياسات في عهد الرئيس مبارك الذي حمل أشكالاً متعددة للفساد وانتشرت الوساطة والمحسوبية التي أصبحت المفتاح السحري لتعيين أبناء الأغنياء والقادرين، خاصة في وظائف الشرطة والقضاء والشركات المهمة لتضيع أحلام البسطاء من ذوي المؤهلات لينحاز النظام الحاكم للقادرين فقط، الأمر الذي جعل أمام الرئيس عبدالفتاح تحديات كثيرة تحتاج لتدخل حاسم لانهاء معاناة المجتمع من مساوئ الأمر الذي جعل الرئيس عبدالفتاح السيسي يؤكد مؤخرا أنه لا مجال للوساطة والمحسوبية، هذا الأمر الذي أكده أيضا المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء في تصريحاته مؤخرا، حيث أشار إلي أنه تلقي تعليمات مشددة من رئيس الجمهورية بألا يكون هناك أي وساطة حتي لا يفقد المواطن المصري الشعور بالوطن، مؤكداً انتهاء عصر الفساد الذي يهدد أركان الدولة منذ عقود مضت.
في تقرير لمنظمة الشفافية الدولية الصادر العام الماضي، والذي يستند إلي آراء خبراء في مجال فساد القطاع العام، احتلت مصر المركز رقم 114 من بين 177 دولة بدلاً من المركز 118 في عام 2012 الماضي، وذلك فيما يتعلق بمستويات الرشوة، وإساءة استغلال السلطة، والتعاملات السرية، وتشير الأرقام إلي آن عدد موظفي الدولة يبلغ نحو 6٫5 مليون موظف في الوقت الذي لا تحتاج فيه الدولة سوي مليون ونصف المليون موظف، مما يساعد علي انتشار البطالة المقنعة بالجهاز الإداري للدولة.
تحقيق العدالة
ويعلق علي ذلك الدكتور عبدالمطلب عبدالحميد أستاذ الاقتصاد وإدارة الأعمال بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، فيؤكد ان الوساطة والمحسوبية موروثات في المجتمع، فقد كان جزء من أهداف ثورة 23 يوليو هو القضاء علي الواسطة، وقد حاول بالفعل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، القضاء عليها، من خلال الاعتماد علي مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة، فبدأت الدولة وقتها في توظيف الخريجين، وتمت إتاحة الفرصة أمام الجميع من خلال وضع معايير للتعيينات، فتولي الشباب وظائف عليا طبقاً لمؤهلاتهم، واتجهت ثقافة المجتمع وقتها إلي تعيين ذوي المؤهلات العليا، وليس أبناء الأغنياء، فضلاً عن الاعتماد علي عمل المسابقات في الوظائف المهمة، ثم جاء الرئيس الراحل أنور السادات، وبدأ سياسة الانفتاح الاقتصادي بكل سياسته، وبدأت القضية تتغير، حيث ظهر التعليم الخاص، ونمت المحسوبية بقوة، إلي أن رسخها نظام مبارك بكل ما فيه من سياسات وإجراءات، فكان النظام يعتمد علي مبدأ «إنت ابن مين في مصر»، ووصلنا لقمة المحسوبية، في عهده، حتي وصل الأمر إلي تحكم أعضاء مجلس الشعب في توظيف الشباب مقابل دفع مبلغ مالي، فانتشر الفساد في كافة مظاهر الحياة وأصبحت الوظائف للتجارة وتم وضع تسعيرة لكل وظيفة حسب أهميتها، وهنا تخلت الحكومية عن تعيين الخريجين، وأصبحت الواسطة هي الأساس، حتي أصبحنا أمام ظاهرة مستفحلة في المجتمع، ويضيف: علي الرغم من قيام ثورة 25 يناير ورفع شعار العدالة الاجتماعية، إلا أنها

لم تغير الأوضاع، ووصل عدد العاطلين إلي 13 مليون عاطل، وتراجع الاستثمار المصري والأجنبي، وانعكس ذلك علي زيادة عدد العاطلين عن العمل، ومع الأسف ظل الوضع كما هو عليه ولم يتطرق أحد من المسئولين لمعالجة تلك الظاهرة لعدم وجود سياسات واضحة أو استراتيجية للقضاء عليها، في الوقت الذي يرفع فيه رئيس الوزراء اليوم شعار «لا وساطة ولا محسوبية» إلا انها مجرد شعارات بلا تفعيل، فالرئيس عبدالفتاح السيسي ورث ما يقرب من 30 سنة محسوبية، لذا فإن الأمر سيحتاج لبعض الوقت لكي يتم وضع منظومة استراتيجية ذات آليات محددة، مع ضرورة ان يكون هناك جهة مسئولة من قبل اللجان الوزارية، تتولي معاقبة كل من يمارس المحسوبية فضلا عن تنمية الوعي لدي الناس بتعميق مبادئ العدالة، وتنمية مهارات الشباب الخريجين، لان الكفاءة هي معيار الوظيفة، ويجب علي الحكومة أن تقضي علي الفجوة بين احتياجات سوق العمل، ومؤهلات الخريجين.
قوانين صارمة
أحمد بهاء الدين شعبان الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري، والمنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير، يري أن للرشوة والوساطة أسباباً موضوعية منها جانب فكري وآخر سياسي فضلا عن الجانب الاقتصادي، ويرجع الجانب السياسي لضعف البنية القانونية، وعدم وجود أحكام في القانون أو إدارة لتنفيذها، ومعاقبة المجرمين القائمين عليها، والأمر يحتاج لقوانين صارمة، وتطبيقات حاسمة للقانون، ومن ناحية أخري فإن الأزمات الاقتصادية، وتردي الأحوال، وانخفاض الأجور يفتح الباب أمام الموظفين ومحدودي الدخل لتقاضي الرشاوي لتسهيل أي مهمات للمواطن، أما الجانب الفكري والثقافي فيتمثل في ضعف مستوي الوعي لدي الكثيرين، وهنا لابد من رفع مستوي وعي الموظفين، حتي لا يمنح حق لمن ليس له حق، وتحرم فئات أخري من حقها وهذا الأمر مع الأسف يرسخ لخطوات تنتهي إلي كوارث في المجتمع، حيث يتم وضع موظفين في مكان غير مناسب، فالمحسوبية هي نقطة ضعف تؤدي لانهيار الحضارات وتفكك الأمم. وبات من الضروري القضاء عليها حتي نحقق مبدأ تكافؤ الفرص.
نظام أكثر فساداً
ويشاركه الرأي الدكتور صلاح الدسوقي مدير المركز العربي للإدارة والتنمية، فيقول: بعد رحيل الزعيم جمال عبدالناصر، وصعود السادات ومن بعده مبارك أصبح النظام أكثر فساداً، فبعد أن استطعنا التخلص من الوساطة والمحسوبية في عهد الرئيس جمال عبدالناصر لنزاهته وقدرته علي محاربة الفساد، ظهرت مجموعة من القيم التي سادت في عهد الرئيس مبارك، وبدأت مصر تشهد نظاماً لا يتسم بالنزاهة أو العدالة، فمنح المزايا للأقارب والمحاسيب سواء أراض أو وظائف أو توكيلات، وسارت القيادات الوسطي أيضا علي نفس النهج، وشاعت الوساطة والمحسوبية، كما انتشرت الرشوة، وتوقفت عملية التنمية وسادت الخصخصة، وأصبح العرض أقل من حجم العمالة، وكان لابد من وجود طريقة لوقف تلك المهازل، إلا أن الأمر ظل كما هو، ولم يستطع أحد اتخاذ أي موقف جاد، موظفو الجهاز الإداري بالدولة، وجدوا أنفسهم أمام نظام فاسد فأفسدهم، لذا شاع الفساد وانتشر في المجتمع طيلة السنوات الماضية، ويري أن الحل يكمن في التنمية فهي ضرورة لخلق وظائف كافية للخريجين لغلق الباب أمام الوساطة والمحسوبية، ولابد أيضاً ان تتسم القيادة السياسية بالنزاهة، ويمتنع المجلس التشريعي منح تأشيرات التعيين لكل من يدفع أكثر، مع ضرورة وجود نظام صارم لمحاسبة المخالفين، وتفعيل دور الرقابة الإدارية، وتطهير كافة الأجهزة الإدارية من القيادات الفاسدة، ووضع نموذج للنزاهة من خلال حزمة تشريعات يمكن من خلالها وضع عقوبة صارمة علي المرتشين وضرورة اختيار القيادات بدقة وشفافية حتي نحقق العدالة الاجتماعية.