رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حوار أمريكا و«الإخوان».. مَنْ يحتاج مَنْ؟!


لم يحدث شيء من ذلك حتي الآن» .. هكذا نفي الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة ما قالته هيلاري كلينتون عن «اتصالات محدودة» مع الاخوان في مصر، خلال المؤتمر الأول لحزب الحرية والعدالة بمدينة المنصورة، مؤكدا أن ما حدث من لقاء سابق عام 2007 كان علي مستوي الوفود البرلمانية وبعلم رئيس مجلس الشعب المحبوس حاليا فتحي سرور، و«اللقاء انتهي بانسحاب الوفد الأمريكي عندما أكد ممثل الإخوان انه لا حل لقضية فلسطين إلا بعودة اليهود من حيث جاءوا»!.

ومع هذا يظل السؤال : لماذا أعلنت كلينتون ذلك التصريح الذي يمثل انقلابا في السياسة الأمريكية القائمة علي رفض الحوار مع الإخوان المسلمين برغم الاعتراف بتميزهم وإعتدالهم مقارنة بغيرهم من التيارات الإسلامية؟ لماذا الآن؟ وما هو الهدف من وراء هذا التصريح؟

ربما بالتفتيش بدقة في نص تصريح هيلاري كلينتون نعرف الاجابة ضمنا، فهي قالت إن (من مصلحة واشنطن التعامل مع الأطراف الملتزمة بالأنشطة السياسية التي لا تتسم بالعنف) واعتبرت أن الأمر لا يتعلق «بسياسة جديدة» بل بمبادرة «تم اعتمادها قبل خمس أو ست سنوات، وواشنطن تستعيدها»!.

وقيل إنه أصبح مسموحاً لممثلي السفارة الأمريكية بالقاهرة التواصل مع الإخوان علناً بعدما كان هذا ممنوعا، ما يشير ضمنا إلي ان هناك حاجة أمريكية لفتح حوار مع الإخوان ليس فقط باعتبار انهم قوة سياسية كبيرة في الساحة المصرية كما أظهرت ثورة 25 يناير، ولكن أيضا لأن هناك إحتمالات قوية لفوز الإخوان بنسبة مقاعد كبيرة في الانتخابات واحتمال أن يشكلوا حكومة ائتلافية مع حزب الوفد وقوي أخري، وبالطبع الرغبة في معرفة آراء الاخوان عن قرب فيما يخص مصالح أمريكا في المنطقة ومعاهدة السلام مع إسرائيل.

فالمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية «مارك تونر» قال إن الهدف الأمريكي من الحوار هو الرغبة في التعرف علي الإخوان وأفكارهم عن قرب، وأن الولايات المتحدة تهدف من هذا استكمال اتصالاتها المحدودة التي بدأتها في ٢٠٠٦ مع جماعة الإخوان المسلمين، لأنها تريد صورة واضحة عن المشهد السياسي في مصر، وأشار إلي أن مسئولي السفارة الأمريكية بالقاهرة، وغيرهم في واشنطن، مسموح لهم بالتعامل مع أعضاء الجماعة، وترحب الإدارة الأمريكية بهذا الاتصال.

هل الهدف حرق الإخوان!

هناك سبب آخر يعتقد أن هيلاري كلينتون سعت لتحقيقه وتمريره ضمنا من وراء هذه الرسالة هو بوضوح : محاولة حرق جماعة الإخوان أمام باقي القوي السياسية المصرية، وتصويرها أنها تتحاور سرا مع الأمريكان شأنها شأن القوي الليبرالية، لعلمها أن هذه تهمة لدي الشارع المصري من جهة وسلاح يمكن أن يستفيد به خصوم الإخوان في النيل من الجماعة.

فالظاهر أن هناك سهاماً تنطلق من كل حدب وصوب تجاه الإخوان خشية أن يحكموا مصر أو يكون لهم اليد العليا في سياستها الداخلية والخارجية مستقبلا، وبعض هذه السهام انطلق تجاه تحالف الوفد مع حزب الحرية والعدالة (ضمن تحالف الأحزاب الـ 18) باعتبار أنهما القوي الأكثر شعبية علي الساحة، والأمريكان يدركون أنه في عهد الحرية وصناديق الانتخاب يفوز الاسلاميون، كما تشير دراساتهم، ولهذا من الطبيعي أن تكون هناك – بحكم الطبيعة البرجماتية المصلحية للسياسة الأمريكية – اتصالات للتفاهم مع المرشح لحكم مصر.

وقد يفسر هذا ضمنا لماذا الحوار مع جماعة الاخوان فقط ؟ وليس باقي القوي الاسلامية مثل السلفيين أو «الطرق الصوفية» التي كانت العنوان المفضل للسياسة الأمريكية في العهد السابق بسبب الرغبة في تشجيع هذا النموذج للإسلام الذي يسمونه «المعتدل»، وكان سفيرهم الأسبق فرانسيس ريتشاردوني يحرص عليه سنويا في زياراته المتكررة لمدينة طنطا حيث مقر مولد «السيد البدوي» يلتهم قطع حلوي المولد ويشارك في جلسات الذكر!؟.

فالأمريكان يدركون حجم القوة المنظمة للإخوان، ويدركون أنهم الأكثر فاعلية في الساحة، وأنهم ربما يصبحون القوة السياسية الأساسية في مصر بعد الثورة، ومن الطبيعي بالتالي أن يتحاوروا معهم ويفتحوا طرق اتصالات، وفي الوقت نفسه يحاولون حرق صورة الاخوان بتلميحات وجود حوارات مستمرة معهم أو عبر طرح أفكار يؤكدون أنهم سيناقشونها مع الاخوان مثل حقوق المرأة والأقباط والحريات، وكأن الإخوان لا يؤمنون بهذه الحقوق .

بعبارة أخري يبدو الهدف الأمريكي من الحوار هنا مكملاً لأهداف أطراف سياسية داخلية وخارجية تخطط لحرق وتشوية صورة جماعة الاخوان المسلمين باعتبارها أكبر وأقوي الجماعات المتوقع لها أن تستحوذ علي أكبر عدد من مقاعد البرلمان المقبل وربما تشارك في الحكومة المقبلة ووضع الدستور الجديد الشامل.

هل يريد الإخوان الحوار؟

ولكن هل يرغب الاخوان في هذا الحوار ؟ واقع الأمر أن الاخوان يرغبون في الحوار لأسباب تتعلق برسالة الجماعة التي أشار لها الدكتور محمد مرسي بقوله: (أن الأصل عندنا الحرص علي التواصل مع الجميع ولا يتصور عاقل أن ننعزل عن العالم فهذا مرفوض فالأصل في الدعوة الإسلامية نقل الخير للناس ومن يود نقل الخير من مصلحته التواصل يكون بينه وبينهم علاقات وجسور غير مقطوعة).

كما أن الجماعة ترغب في هذا الحوار بقوة – بعد الثورة - لضمان عدم اعتراض واشنطن علي وصول الإخوان للسلطة في البلاد في حالة حدث هذا، وتسعي لتوصيل رسائل طمأنة للأمريكان بشأن المستقبل وموقفهم من قضايا عديدة تتعلق بالحريات والالتزام بما أبرمته مصر من اتفاقيات دولية بما فيها معاهدة السلام مع إسرائيل.

قد يكون هدف الاخوان أيضا هو الضغط علي الإدارة الأمريكية من أجل حل عادل للمشكلة الفلسطينية وعدم السير في ركاب تل ابيب، وربما ترتيب حوار مستقبلي بين الأمريكان وحماس أو التوسط بينما في نقل رسائل هدفها التأثير علي وجهة النظر الأمريكية وجعل موارد معلومات الادارة الأمريكية متنوعة لا

اسرائيلية فقط.

إسرائيل والمحافظون يعرقلون الحوار

والمشكل هنا - بالنسبة لأمريكا - أن حوارهم مع التنظيم الرئيسي للإخوان في مصر ومن ثم اعترافهم رسميا بالإخوان وإكسابهم الشرعية الدولية، يثير غضب إسرائيل لأنه قد يكون مقدمة طبيعية لحوار أمريكي مع حركة حماس مستقبلا باعتبارها فصيلاً إخوانياً أيضا، كما يثير غضب اليمين المسيحي المحافظ المتشدد.

ولهذا ظهر انزعاج صهيوني بعد إعلان هيلاري كلينتون عن هذا الحوار المنتظر وتخوف من أن تكون الخطوة المقبلة هي الحوار الأمريكي الفلسطيني (مع حماس)، وسعي اللوبي الصهيوني عبر أنصاره في الكونجرس لوقف هذا الحوار، مثل النقد الذي وجهه مركز سيمون فيزنتال (اليهودي) لإدارة الرئيس باراك أوباما بزعم أن الحوار مع الإخوان المسلمين في مصر – كما يقول الحاخام مارفن هاير – سيضفي الشرعية علي عداء الاخوان المسلمين لليهود واسرائيل!.

أيضا سعي اليمين المتشدد في الكونجرس بقيادة السناتور (ستيف تشابوت) نائب الحزب الجمهوري الأمريكي، رئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وجنوب آسيا بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الامريكي لتوجيه نقد لاذع لأوباما قائلا: أنه «من المفترض أن تكون إدارة أوباما تفعل كل ما في وسعها لدعم حركات المعارضة الديمقراطية العلمانية بدلا من دعم حركات مثل جماعة الإخوان المسلمين التي تقول إن هدفها الرئيسي هو تطبيق الشريعة الإسلامية«.

وأكد تشابوت «أن الولايات المتحدة يجب أن تعمل علي دفع مصر نحو إصلاحات ديمقراطية ونحو السوق الحر، علاوة علي التأكد من النظام هناك يحافظ ويحترم معاهدة السلام مع إسرائيل».

فاتصال الجماعة بالإدارة الأمريكية يقلق إسرائيل وأنصارها في الكونجرس لأن أضرار هذا لن تتوفق علي الحوار مع الاخوان وإنما سيمثل خطوة ايجابية لصالح حركة حماس قد يترتب عليها فتح باب للمفاوضات السرية أو غير المباشرة بين حماس وواشنطن تلعب الجماعة همزة الوصل فيها.

وقد ذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية أن إسرائيل وأنصارها في أمريكا يشعرون بالقلق عقب إعلان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن وجود اتصالات محدودة بين الولايات المتحدة وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وقالت الصحيفة إن سبب قلق إسرائيل «يعود إلي الأيديولوجية التي تحكم جماعة الإخوان والتي تقوم علي تأييد المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد إسرائيل».

فالانزعاج الصهيوني من هذا التقارب الأمريكي – الذي تفرضه المصالح البرجماتية الأمريكية – من الإخوان في مصر، له عدة أسباب أبرزها أن هذا الحوار لا يصب في خطة (الفزاعة) التي يتبناها الصهاينة – كما العلمانيين في مصر – بشأن تخويف الغرب من كل الإسلاميين بما فيهم الإخوان وعلي رأسهم حماس، فضلا عن أنه سيرفع بالضرورة أسهم حماس مستقبلا ويفرض حوارا أمريكيا معها – كما هو الحال مع فتح - لا تريده تل أبيب!.

رغبة واشنطن المعلنة بالحوار مع الاخوان تبدو بالتالي نوعا من البرجماتية أو لغة المصالح في التعامل مع الأمر الواقع، وربما السعي ضمنا ايضا لحرق وتشية صورة الاخوان، أما قبول الإخوان بالحوار – الذي لم يبدأ فعليا بعد - فهو يتصل برغبة الجماعة في استغلال هذا الحوار في توضيح وجهة نظرها بصورة أفضل دون تشوية، وإجبار واشنطن علي الاعتراف بها دوليا مثلما هو معترف بها في مصر، وقد يفتح هذا الباب لحوارات أخري مع الاخوان في فلسطين (حماس) أو سوريا أو ليبيا أو مناطق الازمات الساخنة عموما .

كلاهما بالتالي (الأمريكان والإخوان) يحتاج الأخر، ولكن الأكثر احتياجا للآخر هو واشنطن، فهي التي تحتاج الجماعة في هذا الظرف الذي تشهد فيه المنطقة ثورة شاملة تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، ويلعب فيها الاخوان في كل دول العالم دورا قياديا فيها، ومن ثم تحتاج واشنطن للتعاون معهم بعدما أثبتت الأحداث أن رهان واشنطن علي القوي الليبرالية العلمانية التي تدعهما بالمال كان رهاناً خاسراً.