رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"النوبيون" الخاسرون في قضية السد العالي


حالة من الانتعاش الـحقوقي يعيشها أكثر من ثلاثة ملايين من أبناء النوبة في مختلف أنحاء مصر، فمنذ اندلاع ثورة 25 يناير، حيث عادت مطالبهم للظهور علي الساحة السياسية مرة أخري، والتي كانت ممنوعة من الظهور والتداول الاعلامي تنفيذاً لأوامر القيادات الأمنية في العهد السابق، والتي راحت تكيل لهم الاتهامات بالسعي للانقسام عن مصر، واعلان دولة النوبة المستقلة، مستغلين في ذلك اعلان النوبيين رغبتهم في العودة للعيش في مكان يتسع لهم جميعاً.

ولعل هذه الرغبة كانت القاسم المشترك الذي اعتمدت عليه الدولة في تفريق النوبيين وتذويبهم في المجتمع المصري، والسبب في رفض الاستماع الي مطالبهم ومعاملتهم علي أنهم «مواطنون من الدرجة الثانية» علي مدار المائة عام الماضية.

وعلي ما يبدو أن اجهزة الدولة قد وجدت في بناء السد العالي فرصة سانحة للقضاء علي أهل النوبة حيث ألزمت من تبقي منهم بعد بناء خزان اسوان بضرورة التهجير وهددتهم بالاعتقال اذا أبدوا رغبتهم في البقاء، وفي الوقت الذي استفاد فيه جميع أبناء مصر من بناء خزان أسوان والسد العالي، كان ابناء النوبة المصريون الخاسر الوحيد.

مشاكل النوبيين ترجع الي أكثر من 112 عاماً وتحديداً منذ عام 1898 عندما بدأت المرحلة الأولي لبناء خزان أسوان وتفاقمت هذه المشكلات مع بناء المراحل الأخري منه، وكان بناء السدالعالي الطامة الكبري للنوبيين، حيث فقدوا الأمل في العيش علي ضفاف النيل خاصة ببحيرة (النوبة) «ناصر» حالياً مرة أخري، واتجهوا للهجرة الي المحافظات المختلفة وخاصة محافظتي الأقصر والاسكندرية، وبات الأمل في العيش بجوار مياه النيل شبه معدوم بالنسبة لهم، وراحوا يبحثون عن حلول لمشكلاتهم الجديدة التي تواجههم في أماكن تهجيرهم، ولكن دون فائدة.

وتعتبر مشكلة «التهجير» هي أكبر الأزمات التي تعرض لها النوبيون، حيث أجبرتهم الدولة علي إخلاء أماكنهم من علي ضفاف النيل، دون صرف تعويضات لهم، لا عن منازلهم ولا عن أرضهم ودون اقرار بحق العودة، مثلما حدث مع بدو سيناء أثناء حرب 1967، وعلي الرغم من استفادة المصريين جميعاً من بناء السد العالي، لم يجن النوبيين سوي التضحية بقبور أجدادهم كطعام للأسماك في بحيرة ناصر، وتم تجاهل الحضارة النوبية المتمثلة في الآثار النوبية والتراث والثقافة واضافتها الي حضارة الفراعنة علي الرغم من أن «النوبية» سبقتها بأكثر من 3200 عام، بالاضافة الي انتشار الجهل بين أبناء النوبة بسبب عدم مقدرتهم علي التعايش مع ثقافة المصريين التي تختلف عن ثقافتهم بعض الشيء، وعدم وجود ثقافة خاصة بهم كما كان في السابق.

وأخيراً: اتجه الاعلام المصري الي تصويرهم بالخدم والبوابين فقط، الأمر الذي ادي الي انزعاج الغالبية العظمي منهم، وتجاهل رموزهم من المثقفين والعلماء والفنانين ولاعبي الكرة الذين يعرفهم الجميع.

لذلك اتجاه النشطاء النوبيون الي رفع قائمة المطالب الخاصة بهم الي المسئولين، ليس من أجل تحقيقها الفوري ولكن لوضعها في الاعتبار ووضع الخطط الكافية لتنفيذها فور استقرار مصر.

وتشمل هذه القائمة: العودة الي ضفاف بحيرة النوبة، وتملك الاراضي لبناء المساكن وإعادة تخصيص دائرة انتخابية لهم.

مخطط النظام السابق للاستيلاء علي أراضي النوبة

في الوقت الذي رفض فيه النظام السابق تمليك الأراضي لأبناء النوبة في محافظة أسوان بحجة عدم توافرها، اتجه المسئولون لمجاملة بعضهم وأقاربهم بآلاف الأفدنة من أراضي النوبيين لاقامة مشروعات استثمارية خاصة بهم، وحصلت «الوفد» علي خطة الحكومة والنظام السابق للسيطرة علي أراضي النوبة، حيث كشف خطاب أرسله وزير الاسكان السابق «أحمد المغربي» الي اللواء «مصطفي السيد» محافظ أسوان الحالي عن اقتراح الوزير بعمل إحلال كلي وآخر جزئي لمباني المواطنين في منطقة النوبة وذلك بناء علي توجيهات رئيس الجمهورية بحجة حل مشاكلهم عن طريق تعويضهم بمبالغ مالية بدلاً من نقلهم الي قراهم الأصلية.

 

وتبدأ الخطة بالعرض علي المواطنين أنشاء مساكن بديلة لهم خارج مركز «نصر النوبة» الذي يسكنه أكثر من 105 آلاف اسرة مقابل تعويضهم في حالة الاحلال الكلي عن الغرفة الواحدة بمبلغ 25 الف جنيه ليصل التعويض عن أكبر بيت البالغ أربع غرف 100 ألف جنيه فقط مقابل إخلاء المنزل، أما عن البيوت التي تحتاج لعملية إحلال جزئي فنسبتهم منح 10 آلاف جنيه لكل غرفة بحد أقصي 25 ألف جنيه للمنزل، وهناك عرض ثالث تحت مسمي «الترميم» حيث سيتم دفع سبعة آلاف جنيه عن كل غرفة تحتاج للترميم داخل القرية بحد أقصي 20 ألف جنيه عن المنزل كله.

ويشترط «الخطاب» أخذ تعهد كتابي علي المواطنين بحصولهم علي جميع حقوقهم المالية والأدبية مقابل استلام التعويض وليس علي الدولة أي التزام تجاههم، وعلي المواطن فيما بعد أن يقوم هو بترميم منزله أو إحلاله في حالة تعرضه مرة أخري للتصدع، وذلك لعدم تحميل موازنة الدولة أي اعباء مالية جديدة.

بالمقابل أرسل اللواء مصطفي السيد محافظ أسوان خطاباً الي رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة نصر النوبة «صابر سند» يكلفه فيه بتنفيذ تعليمات «الوزير»، وعليه قام سند بإرسال تقرير الي المجلس الشعبي المحلي لمركز نصر النوبة.

وبناء علي ذلك: اجتمع المجلس لوضع ضوابط لتنفيذ الاحلالات برئاسة «الحسين عوض محمود سالم» رئيس المجلس، وانتهوا إلي عدة توصيات من شأنها الاضرار بمصلحة الوطن النوبي أهمها:

وضع جميع المبالغ المخصصة للاحلالات بجمعيات تنمية المجتمع بالقري ويفتح لها «حساب خاص» بعيد عن حساب الجمعية الأساسي.

تحرير عقد ثلاثي بين الجمعية بمعرفة القرية والمقاول والمهندس الاستشاري، وهو بند يجبر صاحب المنزل علي مقاول يحدده مسئول القرية، علي أن يتم تحديد مدة البدء في الاعمال داخل العقد وتاريخ التسليم ومدة صلاحية المنزل بعد الانتهاء من الأعمال المطلوبة.

وأوضحت الوثيقة صيغة التوكيل الذي يعطيه صاحب المنزل المضار للمقاول والمهندس الاستشاري والتي تكمل خطة الاضرار بمصلحة المواطن النوبي، حيث يتعهد صاحب المنزل بتوكيل هذا الشخص لصيانة الوحدة السكنية بصفة دائمة وعدم مطالبة المحافظ أو مديرية التضامن الاجتماعي مستقبلاً بتنفيذ عملية الاحلال أو الترميم لهذه الوحدة أو الحصول علي أي مبالغ اخري، والتوقيع علي عقد التمليك الخاص بالوحدة السكنية، الأمر الذي يعطي المقاول صلاحيات تفوق المخصصة له، ويلزم المواطن بترميم المنزل وإحلاله فيما بعد علي نفقته الخاصة مع نفس المقاول، ممايشكل ضغطاً مادياً علي أهل النوبة يضطرهم في النهاية للتنازل عن منازلهم وأراضيهم مقابل مبلغ مادي قدرته وزارة الاسكان بمبلغ 75 ألف جنيه فقط للمنزل الواحد، ليترك النوبة متجهاً الي المدينة او العاصمة أو السفر للخارج بحثاً عن وطن جديد وعمل في مكان آخر.

وأنفقت وزارة الاسكان والمحافظ والمجلس الشعبي المحلي لمركز نصر النوبة علي أن يكون المجلس هو المفوض الرسمي من جانب الاهالي لتنفيذ عملية الاحلال والترميم وأن تحول الأموال علي حساب خاص به، كما هو المبين في البندين الثاني والثالث في العقد، في حين رفض الأهالي توكيل أو تفويض المجلس لهذه المهمة.

- ويوضح البند الرابع أن الوزارة والمحافظة وافقا علي إيداع المبالغ المخصصة لتنفيذ خطة إحلالات مساكن القرية، وفي البند الخامس يتعهد المجلس المحلي بأنه ليس علي الدولة أي التزام آخر تجاه المواطنين أصحاب مساكن الإحلالات بمجرد أن يتم تنفيذها،-

علي جانب آخر أرسل بعض الأهالي مذكرة إلي النائب العام تؤكد فساد وزير المالية السابق يوسف

بطرس غالي، واستغلاله نفوذه لخدمة مصالحه، ومصالح أصدقائه في المنطقة، حيث منح 10 آلاف بمنطقة وادي النقرة لـ «نعيم ناشد معوض يوسف» الذي يمتلك ستة محلات في منطقة الساحل وعضو الغرفة التجارية بالقاهرة وشريكه «عزت عزيز معوض» الصديق الشخصي للوزير، بالإضافة لذلك قام «نعيم ناشد» بالاستيلاء علي قطعة أرض بالأقصر في طريق المطار تصل مساحتها إلي نحو 200 فدان، كما استولي علي أرض خلف الشونة حتي حدود الجبل.

الحكومات المصرية أممت ممتلكات «دابود».. ورفضت تعويض أبناء «نصر النوبة»

«الوفد» قامت بجولة بين أبناء النوبة في محافظة أسوان في منطقتي «نصر النوبة» و«عزبة الحدود» ورصدت رغبتهم في العودة مرة أخري للعيش علي ضفاف النيل وسط مجتمع نوبي ممزوج بالمصرية تسوده عاداتهم وتقاليدهم، ويستطيعون فيه إعادة إحياء تراثهم الذي اختفت ملامحه منذ عام 1898 وحتي الآن، ورغبتهم أيضاً في فتح المجال أمام كل المصريين لمشاركتهم العيشة ولكن هذه المرة تحت الشعار النوبي، مؤكدين عدم ورود فكرة الانفصال عن مصر في أذهان أي منهم، لأنه ليس من المعقول أن ينفصل أحد عن نفسه ـ علي حد قولهم.

 

«نادي صيام»، كبير قبيلة دابود، في منطقة عزبة الحدود، قال: النوبيون يتعرضون للظلم منذ عام 1902 بدءاً من التعلية الأولي لخزان أسوان، حيث ذهب كل منا إلي مكان مختلف عن الآخر، والأسر توزعت بين الجبال بعد أن كان مشهد مياه النيل لا يفارق عيوننا، وتم تهجيرنا إلي أماكن لا نملك فيها شيئاً، لا منزل وأو زرع، سعي أبناؤنا وأجدادنا لشراء الأرض التي نعيش عليها من الحكومة وبعد اندلاع ثورة 1952 قامت الحكومة بتأميم هذه الأراضي وأخذوها منا مرة أخري مقابل دفع 100 جنيه فقط عن الفدان، مما أجبرنا علي الرحيل من كل المنطقة المحيطة بالنيل لتفادي اضطهاد الحكومة لنا، وأضاف: حتي الآن لم ينصفنا أي رئيس جمهورية وعلي الرغم من أننا ضحينا من أجل بناء السد العالي، إلا أننا لم نستفد منه.

وأكد ضرورة قيام الدولة بفتح باب العودة للنوبيين للعيش حول بحيرة السد العالي والتي تبدأ من السد العالي وحتي منطقة حلفا التي تقع في بداية حدود السودان.

واتفق «عبدالنور صفر دهب» مع سابقه علي وجود خطة من الدولة لتذويب النوبيين، وعدم إعطائهم فرصة للتجمع في مكان واحد لأسباب غير معلومة، علي الرغم من اعتزاز النوبيين بمصريتهم والتي لا يستطيع أحد التشكيك فيها، وخاصة أنه لم يبق وجود لأي خائن للوطن من أبناء النوبة.

أما «حسن عبدالعال شاطر»، فيري أنه آن الأوان لعودة النوبيين ولم شملهم حول ضفاف النيل الذي يعتبرونه واحداً منهم، لا يستطيعون العيش بعيداً عنه.

عبدالمنعم الشوفي، قال: لماذا ترفض الدولة تحقيق مطلبنا بالعودة إلي ضفاف النيل؟ ولماذا تصر علي إذلالنا علي الرغم من أننا من رعاياها؟ فعلي مدار تاريخ النوبيين، لم يشهد أن قدمت الدولة لهم أي خدمات، ولم تعاملهم بطريقة آدمية، ولم تسمح لأحد منهم الصعود أو الظهور.

ويعتبر النوبيون الذين يعيشون في مركز نصر النوبة هم الأكثر تضرراً من أبناء النوبة، حيث أجبرتهم الدولة علي التهجير إليها وسط الصخور والجبال وبعيداً عن مياه النيل دون أن توفر لهم بيوتاً يعيشون فيها أو أراضي صالحة للزراعة، علي الرغم من معرفة أجهزة الدولة بأنهم لا يمتلكون مهنة أو حرفة تعينهم علي الحياة غير الزراعة، وبعد إلحاح شديد منهم استمر لعدة سنوات منحت الدول لبعضهم أراضي زراعية في «وادي الأمل» الذي يبتعد عنهم ما يقرب من 30 كم.

«أحمد عكاشة»، قال: الدولة أصرت علي تهجيرنا وإلصاق تهمة الانفصال عن مصر بنا، لتبرير موقفها غير المشرف تجاهنا، وحتي لا يحق لأحد فينا أن يرفع صوته بأي مطلب، والنتيجة أننا أصبحنا غرباء في أوطاننا دون أن نرتكب أي ذنب غير أننا ضحينا بأنفسنا من أجل بناء السد العالي الذي استفاد منه جميع المصريين ما عدا أبناء النوبة.

«مهني حسين موسي» قال: تركت منزلي وأرضي أثناء بناء السد العالي، وصدقت كلام المسئولين وانتقلت إلي هنا، وعندما جئت لم أجد شيئاً غير صخور الجبال، ورغم ذلك لم تكتف الدولة بتهجيرنا، بل اتجهت لتشويه صورتنا بأحاديث كاذبة لا نعلم عنها شيئا.

«عماد القوسي» قال: النظام السابق كان يخشي من تجمعنا في مكان واحد علي ضفاف النيل لأسباب لا نعلمها، علي الرغم من أننا نرغب في ذلك لأننا أبناء النيل ولا نستطيع العيش بعيداً عنه، وفي تراثنا كان يتم غمس المولود بعد ولادته بـ40 يوماً في مياه النيل كدعوة للارتباط معه.

«محمد الجميل»: اتفق مع سابقيه في اتهام النظام السابق للترويج لهذه الخرافات، علي حد وصفه، وأكد أن النوبيين لم ولن يسلكوا مثل هذا التفكير لأنه ليس من المعقول أن ينقسم أحد علي نفسه.