رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

وثائق العلاقة بين الجماعة وأمريكا

بوابة الوفد الإلكترونية

أضاعت جماعة الإخوان فرصة ذهبية للعب دور تاريخي كبير، عندما وصل أحد أعضائها إلى منصب رئيس الجمهورية. اختار البعض محمد مرسي ممثل

الإخوان من منطلق أن أبناء الجماعة متدينون، وبالتالي فإنهم أقرب إلى تحقيق العدالة الاجتماعية التي تنادي بها ثورة يناير. لكن، عند أول اختبار، اكتشف الناس أن حكم الإخوان لا يختلف كثيرا عن حكم الحزب الوطني، وكانت الكارثة عندما ظهر أنهم الأسوأ، لحرصهم على احتكار كل شيء في الدولة. ولاحظ المصريون أن الجماعة لديها استجابة شديدة لغواية السلطة ونهم كبير لاقتناص كل الفرص والوظائف دون النظر إلى مصلحة الوطن. ولأنهم لا يثقون في الآخرين، فإنهم جاءوا برئيس للوزراء غير مؤهل للمنصب، ولم تكن هناك مقدمات أثناء توليه وزارة الري تدل على تميزه، ولكنهم كانوا يريدون رئيسا للحكومة يلتزم بمبدأ «السمع والطاعة» الذي اعتادوا عليه. ورئيس الجمهورية نفسه كان يصدر معظم قراراته بعد العودة إلى مكتب الإرشاد، أي أنه لم يكن مستقلا في قراره، وإنما منفذ لأوامر جماعته، لنصل إلى الكثير من الكوارث التي أتى بها، وأخطرها معاداة الكثير من فئات المجتمع، وزرع الكراهية والفرقة بين أبناء الوطن.
لقد شعرنا أن الوطن يضيع منا في العام الذي حكم فيه الإخوان مصر، وأننا نسير إلى منزلق خطير. وتساءل المصريون: ما هذا الذي يحدث؟ ولماذا؟ وهل يمكننا أن نتحمل هذا الوضع لمدة 4 سنوات؟ وكيف يمكن الخروج من هذا المأزق؟. ولما أراد المصريون، أعلنوا التمرد، وتخلصوا من الكابوس الإخواني في 30 يونية 2013.
لن يكون غريبا أن ندرك لماذا فعل الإخوان ما فعلوا إذا أرجعنا السبب إلى غياب فكرة «الوطن» لدى الجماعة، وهذا ما جعلها تتحالف مع أي قوة خارجية إذا كان هذا يصب في مصلحة الإخوان.
ارتباط الإخوان بالقوى الخارجية وصل إلى حد التحالف مع أجهزة مخابرات أجنبية. وهذا الأمر لم يحدث منذ وقت قريب، وإنما يعود إلى زمن بعيد يصل إلى عشرات السنين. وهذا ما يكشف عنه بالوثائق الكاتب الكبير عاطف الغمري في كتابه الجديد «وثائق البيت الأبيض تتحدث.. أمريكا والإخوان منذ خطة اغتيال عبدالناصر» الصادر عن دار نهضة مصر.
من بداية الكتاب حتى نهايته، نلاحظ أن جميع القضايا التي يطرحها ترتبط بمصلحة الوطن وما تفعله الدول من أجل المحافظة على التقدم أو تجاوز مرحلة التخلف والتعثر إلى التنمية والرخاء. ومن القضايا التي يتناولها الكتاب قضايا ما زالت قائمة حتى الآن، منها مجلس الأمن القومي الذي تم تشكيله مؤخرا، لكننا -من خلال الكتاب- نكتشف أنه مخالف للقواعد التي يجب أن ينشأ عليها.

                                                                             

 

هدم الوطن
يشير «الغمري» إلى أن محاولات الإخوان لهدم الوطن تشبه ما صرح به اللورد كرومر منذ نحو 130 عاما، عندما أطلق مشروع إلغاء الجنسية المصرية وفتح حدود مصر أمام الجنسيات الأخرى. ويأتي مرشد الإخوان السابق ليعلن أنه لا مانع لدى الجماعة من فتح الحدود المصرية، ويقول: «الإخوان لا يرون هناك مشكلة بين حدود الأقطار العربية الإسلامية». وأكد هذا الأمر في تصريح آخر عندما قال: «لا مانع من أن يحكمنا شخص من ماليزيا». وهذا ما كانت تسعى إليه الجماعة بعد ثورة 25 يناير، عندما شنت حملات معادية لمؤسسات الدولة، ومنها الجيش والشرطة والقضاء والصحافة والإعلام، وإنشاء كيانات موازية لهذه المؤسسات، فقد كان الهدف تفكيك الدولة وإنشاء كيانات جديدة تتوافق مع أهداف الجماعة. وهذا يرجع إلى أن الإخوان لا يؤمنون بفكرة استقلال الوطن بالمعنى المتعارف عليه، وهم لا يعرفون وطنا سوى الجماعة. ولذلك أحدثوا الانقسام داخل الوطن، ووصفوا المعارضين لهم بصفات مختلفة، منها أنهم كفار أو عملاء أو فلول أو أعداء الوطن «ومنذ اليوم الأول لتوليهم الحكم لم يظهر لهم أي  مشروع لبناء الدولة وحل مشاكلها والنهوض بها، باستثناء مشروع طائفي الملامح، وخطط للتمكين من الدولة ونشر كوادرهم في مفاصلها، حتى ولو كانت تنقصهم الكفاءة، وهو ما نتج عنه تدهور في كافة قطاعات الإنتاج والحياة المعيشية».

العلاقات بالوثائق
يشرح المؤلف بالوثائق بدايات العلاقة بين الإخوان وأمريكا من خلال وثائق البيت الأبيض الأمريكي، ومنها وثيقة في أرشيف مكتبة أيزنهاور تقع في 1400 صفحة مقسمة حسب السنوات «وفيها شرح تفصيلي لبداية العلاقة بين أمريكا والإخوان. وكيف أقام الإخوان ترتيبات عمل منظمة مع أجهزة المخابرات الأمريكية. بدأت مع دعوة سعيد رمضان زوج ابنة المرشد حسن البنا، لحضور مؤتمر في أمريكا عام 1953م، ومن يومها أخذت هذه العلاقات تتطور وتتسع».
ومن المهتمين بهذا الموضوع الصحفي روبرت دريفوس الذي ألف كتابا بعنوان «كيف ساعدت أمريكا على إطلاق العنان للمتشددين الإسلاميين». ويورد المعلومات من خلال وثائق البيت الأبيض، ويوضح أنه «في عام 1953م قبل قرار عبدالناصر حل جماعة الإخوان المسلمين، بدأت الولايات المتحدة برنامجا سريا تولت تنظيمه الوكالة الأمريكية للإعلام، ودعت لحضوره ثلاثين من الدارسين والقيادات المدنية معظمهم من دول إسلامية، للاشتراك فيما تم تعريفه رسميا بمؤتمر أكاديمي بجامعة برينستون. لكن السبب الحقيقي وراء هذا المؤتمر، كان القيام بجهود لنيل إعجاب هؤلاء المشاركين بالقيم المعنوية والروحية للولايات المتحدة، اعتقادا من الأمريكيين، بأن هؤلاء يستطيعون التأثير على الرأي العام في بلادهم، بطريقة أفضل مما يستطيعها حكامهم». وقد حضر المؤتمر سعيد رمضان زوج ابنة المرشد حسن البنا، والذي يوصف بوزير خارجية الجماعة.
ونشر «دريفوس» عام 2005 أول تحقيق استقصائي عن الجوانب السرية في السياسة الخارجية الأمريكية. ونقل عن وثيقة سرية أمريكية ما يشير إلى الغرض من مؤتمر برينستون، فقد «كان الهدف الظاهر على السطح من مؤتمر برينستون، أنه أشبه بدورة تعليمية بحتة. وكان المطلوب أن يكون هذا هو الانطباع عن المؤتمر. لكن الهدف الفعلي هو جمع عدد من الأشخاص معا، ليؤدوا دورا يمارسون به نفوذا كبيرا على صياغة توجهات الرأي العام الإسلامي في بلادهم، في مجالات مثل التعليم، والبحث العلمي، والقانون، والفلسفة، وكذلك السياسة». وكشف من خلال الوثائق، بدايات العلاقة بين الإخوان والإنجليز. وأوضح أن شركة قناة السويس قدمت للمرشد حسن البنا تمويلا قدره 500 جنيه لإنشاء جماعة الإخوان.
ويشير ضابط المخابرات الأمريكية روبرت باير في كتابه «النوم مع الشيطان» إلى أن بريطانيا هي التي بدأت لعبة استخدام التنظيمات الإسلامية. ويؤكد أن رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن كلف ضابطا في جهازالمخابرات البريطاني Mi6 باغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وهذا الضابط هو جورج يانج الذي كان يعمل في مقر الجهاز بالقاهرة، وتوضح وثائق الجهاز أنه اتصل «بالإخوان المسلمين، لكي يتولى الجهاز الخاص في الإخوان تنفيذ خطة الاغتيال».
ومن أصحاب الدراسات المهمة عن الإخوان الكاتب الأمريكي إيان جونسون صاحب كتاب «مسجد في ميونيخ» الذي أشار إلى أن بعض الوثائق السرية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية تتضمن ما ذكره محللو الوكالة عن أن سعيد رمضان «شخص جامد الحس وفاشي، وأن كل اهتمام جماعته مركز على السلطة». ويشير إلى الدور الذي لعبه فترة الخمسينيات والستينيات، والذي يمكن من خلاله وصفه بأنه «عميل أمريكي»، فقد ساعدته الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على إدارة مسجد ميونيخ في ألمانيا عام 1958 وتحويله إلى أهم المراكز التي يسيطر عليها الإخوان في أوروبا، وذلك بعد إبعاد مسلمي ألمانيا عن إدارته. وكان مهدي عاكف المرشد السابق للجماعة واحدا من أنشط من أداروا المسجد في فترة الثمانينيات، وشهدت فترة إدارته صعودا غير مسبوق للجماعات الإسلامية في أوروبا.

التحالف مع أوباما
يكشف «الغمري» عن التحالف المبكر بين الإخوان والرئيس الأمريكي باراك أوباما عقب ثورة يناير، وأشار إلى مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز يوم 4 فبراير 2011، أي قبل تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك بأيام، وجاء في المقال: «لو جرت انتخابات حرة في مصر، فإن هدف أوباما سيكون التعامل مع حكومة مصرية تضم أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين».
ويختلف موقف أوباما عن موقف شعبه، فقد أجرت منظمة جون زغبي استطلاعا، تبين منه أن 13٪ فقط من الأمريكيين يشعرون بنظرة إيجابية تجاه الإخوان، في حين أن 53٪  يحملون نظرة سلبية للإخوان. وفي عام

2011 كانت النظرة الإيجابية لمصر تبلغ 60٪، وفي عام 2013 هبطت إلى 36٪ أثناء حكم الإخوان.
ومن الأمور الخطيرة، التي إن صح أنها حدثت فإنها تكون جريمة في حق الوطن، ما نشرته صحيفة Post Deveille عن اتفاق سري بين إدارة أوباما وتنظيم الإخوان، ووقع الاتفاق عن الجانب الإخواني خيرت الشاطر، وبموجب الاتفاق فإن مصر تتنازل عن 40٪ من مساحة سيناء وضمها إلى قطاع غزة في خطوة تمهيدية لعقد اتفاق سلام نهائي بين إسرائيل والفلسطينيين. وهذا الأمر أشارت إليه –أيضا- شبكة التليفزيون الأمريكية Channel TV 14 وأوضحت أن المفاوضات حول هذا الاتفاق تمت خارج القنوات الدبلوماسية الطبيعية، ومن أجل تنفيذ الاتفاق تم تحويل 8 مليارات دولار إلى حساب الإخوان ولم يدخل منها دولار واحد خزينة الحكومة.
وربما كان مشروع قناة السويس الذي أعلنته حكومة الإخوان هو التطبيق العملي للاتفاق السري مع الأمريكان. ويشير «الغمري» إلى أن فكرة المشروع مطلوبة، لكن المشكلة في عدم الوضوح والشفافية في طرحه، إضافة إلى أن المادة الأولى من مشروع قانون تنمية إقليم قناة السويس تكشف عن محاولة عزل سيناء لتنفيذ المخطط الأمريكي- الإسرائيلي، فقد تضمنت هذه المادة «تحديد حدود أرض المشروع بما لا يمنع من امتدادها إلى سيناء، وبما يمكن لمن يتحكم في إدارته أن يفصل سيناء عن بقية أرض مصر، لما يسمح به مشروع القانون، من جعل هذا الإقليم منطقة عازلة بين سيناء وبقية الأراضي المصرية».

مجلس الأمن القومي:
من القضايا المهمة التي وجدت إلحاحا خلال السنوات الماضية، ضروة إنشاء مجلس الأمن القومي، وقد شغلت هذه القضية العديد من الكتاب والمفكرين منذ عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. وأخيرا صدر قرار الرئيس عدلي منصور نهاية شهر فبراير الماضي بإنشاء المجلس، لكن بالنظر إلى تشكيله نجد أنه يتكون من: رئيس الجمهورية رئيسا للمجلس وعضوية كل من: رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية والمالية والعدل والصحة والاتصالات والتعليم ورئيس المخابرات العامة ورئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب. وتنص المادة الثالثة من القرار على أنه «يجوز للمجلس أن يدعو من يرى من ذوى الخبرة والاختصاص لحضور اجتماعه دون أن يكون لهم صوت معدود».
ومن هنا نفهم أن ذوي الخبرة والاختصاص يأتون على الهامش وعند الحاجة إليهم، لكنهم ليسوا عنصرا أساسيا في المجلس، ورأيهم لا قيمة له، فقد يؤخذ به أو لا يؤخذ، رغم أنهم قرون الاستشعار التي تستطيع إرشاد الحاكم إلى ما يمكن أن يمثل ضررا على الأمن القومي للبلاد.
خرج كتاب الأستاذ عاطف الغمري إلى النور قبل صدور قرار إنشاء المجلس، وقد أشار فيه إلى ضرورة إنشاء المجلس وكيفية تشكيله في الدول الناجحة، وعندما نقرأ ما عرضه في كتابه نجد أن المجلس قد ولد مقلوبا، فقد تشكل من المسئولين التنفيذيين المشغولين في قضايا أخرى وقد لا يكون لديهم وقت للتفكير ووضع الخطط للمخاطر المحتملة على البلاد، وذلك بدلا من اللجوء إلى أصحاب الخبرة والدراسات في هذا المجال. يشدد «الغمري» على ضرورة ألا يقتصر المجلس على المنتمين فكريا وأيديولوجيا وحزبيا إلى الرئيس، وهذا ما حدث، فقد تشكل المجلس من المنتمين إلى الحكومة لتكون الكلمة كلمتهم، ويمكن الاستعانة بالمتخصصين عند اللزوم، لكن رأيهم استشاري، وقد لا يكون له أي اعتبار أو أهمية. أما التشكيل السليم للمجلس، فهو الذي يرى «الغمري» –وفقا لتجارب الدول الناجحة- أن يكون من تشكيلة مختلفة تضم من «يصلحون للنهوض بالدولة، بانتقاء أقدر العناصر من حيث التخصص، والخبرة، وامتلاك الرؤية الإبداعية، والبعد الاستراتيجي في التفكير والملكات الثقافية التي تتيح لمن يتمتع بها بُعد النظر، واستشراف المستقبل واحتمالاته، والإحاطة بكل ما يجري في العالم من تطورات وتحولات في الفكر السياسي، وفي نظم الحكم والإدارة».
وينبه المؤلف إلى أن تشكيل المجلس من الوزراء والمستشارين المقربين من الرئيس يؤدي إلى التسرع في القرارات ووجود أحادية في الفكر، ولذلك لا بد من وجود أشخاص من أصحاب الرؤى المختلفة في المجلس لمنع حدوث هذه السلبية الخطيرة. ويطلق «الغمري» صيحته الأخيرة، مؤكدا أن «تلك مهمة لم تعد في عصر المعلومات تلقى على عاتق وزراء مهما كانت قدراتهم، أو على مجموعة من مستشارين مقربين من الرئيس، بل هي مهمة يعهد بها إلى أهل العلم والتخصص والمعرفة. وكان هذا هو النموذج الذي نجح في بلاد كثيرة من خلال صيغة مجلس الأمن القومي، بحيث تكون لديه رؤية استراتيجية، ونظرة لها بعد ثقافي شامل، وتنوع في الآراء والتوجهات، ويقوم بصياغة مشروع متكامل للدولة، يستوعب التزاوج الذي يحدث الآن في العالم، بين النهوض الاقتصادي والاجتماعي في الداخل، وبين السياسة الخارجية، باعتبارهم جناحين متلازمين للدولة في هذا العصر».
ونضم صوتنا إلى صوت الأستاذ عاطف الغمري، ونطالب بإعادة النظر في قرار إنشاء مجلس الأمن القومي، ليكون المتخصصون والمفكرون هم أصحاب الرؤية في هذا المجلس، وللتنبيه مبكرا إلى المخاطر التي يمكن أن تحدق بالوطن، ويمكن الاستعانة بدراسات المجالس القومية المتخصصة التي جرى إهمالها مؤخرا، كما يمكن البحث عن الدراسات العلمية التي تتكدس بها مكتبات الجامعات، حتى نخرج من الركود الذي أصاب مصر منذ عصر الرئيس السابق حسني مبارك، وامتد إلى الفترة الكارثية التي حكم فيها الإخوان، ولتكون الكلمة للعلم والدراسات البحثية التي تنقلنا إلى المستقبل.