عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

95 عاما على ثورة 1919

بوابة الوفد الإلكترونية

95 عاما مرت على أعظم ثورة، تلك التى فتحت الطريق لمصر الوطنية، جيل عظيم من الساسة والقادة تخرج فى مدرسة ثورة 1919 ليرسم الدعائم الأساسية لبناء مصر الحديثة.

كان الوطن ملاكا يرفرف بحثا عن أبنائه وأحبائه ليحتضنهم شغفا وشوقا لبدء رحلة تحرر واستقلال عظيمة فى تاريخ مصر،
فى يوم 9 مارس قبل خمس وتسعين عاما كان المشهد فى صباح اليوم هادئا تماما، لا اضطربات أو غضب ظاهر ينبئ بعاصفة كاسحة ستلتهم غطرسة الامبراطورية البريطانية العظمى، قبل ذلك بيوم وصل ضابط بريطانى برتبة صاغ ومعه جنديان وضابط مصرى ومترجم إلى دار سعد زغلول وألقوا القبض عليه وكانوا قد قبضوا قبله على محمد محمود باشا، ثم اسماعيل صدقى باشا ، وحمد الباسل باشا.
وقبل ذلك بيومين تلقى سيرم تشيتام المعتمد البريطانى فى مصر برقية من ايرل كيرزون وزير الخارجية برقم 309 عام 1919 نصها :
«عليكم أن تتخذوا على الفور إجراء يضع حدا للأعمال التى يقوم بها سعد زغلول وأتباعه فى محاولة لمنع السلطان والوزراء من ممارسة مهامهم ومسئولياتهم على الوجه الصحيح ، لذلك فقد خولناك السلطة للاتفاق مع القائد العام على إلقاء القبض على سعد وأتباعه فورا إلى مالطة بدون تحذير آخر لسعد وللمقربين المتصلين به عمليا فى حملته المتعمدة للاثارة ونرى ألا يشمل الابعاد أكثر من عدد الأشخاص الذين تحتم الضرورة ابعادهم وأن يكون عبد العزيز فهمى واحدا منهم».
لكن ماذا فعل سعد وزملاؤه من قبل حتى يصدر ذلك القرار؟ فى نوفمبر 1918 ذهب سعد ورفيقاه عبدالعزيز فهمى وعلى شعراوى إلى دار المعتمد البريطانى السير ريجنالد وينجت يطلبون وفاء بريطانيا بتعهداتها بعد الحرب العالمية الأولى باستقلال مصر ودارت مناقشة واسعة حول حق المصريين فى الحرية انتهت إلى قول وينجت أنهم يتحدثون بصفة غير رسمية.
إن الوثائق البريطانية تسجل ذلك اللقاء فى الوثيقة رقم 1710 لسنة 1918:
«من وينجت إلى حكومة صاحبة الجلالة
استقبلت 3 من المصريين هم سعد باشا زغلول وعبدالعزيز فهمى وعلى باشا شعراوى وجميعهم من السياسيين ذوى الآراء المتقدمة، وقد جاءوا يدعون للاستقلال الذاتى التام لمصر وهم لا يلتزمون بوسائل مصطفى كامل ومحمد فريد وان كانوا يتفقون مع مبادئهما وقد أعربوا عن رغبتهم فى السفر إلى لندن ليتقدموا بمطالبهم.
لقد نددت بأقسى الألفاظ بالحركة الوطنية السابقة وأبديت لهم نقدا صريحا لمختلف وجهات نظرهم الحالية وكررت لهم التحذير من أن عليهم أن يتحلوا بالصبر وأن يضعوا موضع الاعتبار الكثير من التزامات حكومة صاحب الجلالة».
وقد رفعت الخارجية البريطانية تقريرا إلى الوزير محفوظ برقم 16 فى الوثائق البريطانية يستغرب توجه الوطنيين الثلاثة ويقول:
«ليس بين الوطنيين المصريين الثلاثة من يستطيع أن يزعم أنه ممثل لللشعب المصرى، فسعد زغلول وفهمى محاميان وسجلهما معروف وربما كانا يمثلان طبقة معينة من المثقفين الانتلجنسيا لكن سعد قد حط من شأنه كثيرا . أما فهمى فخطيب قدير وله بعض الاتباع فى الجمعية الترسيعية وقد أدهشنى ان أرى على باشا شعراوى متصلا بهذين الرجلين، فهو من اصحاب الأراضى الواسعة فى المنيا وهو متعصب لا يتكلم الا بالعربية وغير محبوب لدى الفلاحين.
ومما يؤسفنى ان السير رينجت لم ينبذ هؤلاء الوطنيين بطريقة اشد حزما من الطريقة التى استخدمها. إن علينا أن نجعل سياستنا واضحة تمام الوضوح والا تعرضنا لكثير من المشاكل فى المستقبل». 
لكن سعد زغلول ورفاقه كان لهم رأى آخر، تشكيل الوفد المصرى وجمع توكيلات من المصريين فى مختلف ربوع مصر للتفاوض باسمها طلبا للاستقلال، ونجحت الفكرة نجاحا عظيما أقلق السلطان فؤاد والسلطات البريطانية، ودفعها إلى اتخاذ قرار اعتقال سعد وأصحابه ونفيهم إلى مالطا.
المشهد كان هادئا فى صباح 9 مارس كما أسلفنا . وفى الصباح عقد الوفد اجتماعا برئاسة على شعراوى وأرسل كتابا إلى السلطان يعترضون فيه على قرار اعتقال سعد وصحبه ونفيهم إلى مالطا. وفى الخفاء كان هناك رجل آخر يعمل فى صمت لاشعال الثورة واجبار الارادة البريطانية على التخلى عن صلفها وغرورها وهو ضابط سابق بالجيش المصرى اسمه عبد الرحمن فهمى.
كان «فهمى» قد عرض على سعد باشا فكرة إنشاء جهاز سرى للثورة يعمل لمقاومة الاحتلال وإلحاق خسائر به وإلهاب حماس المصريين للثورة، لقد أنشأ هذا الضابط الذى قل ذكره فى المراجع رغم أهمية الدور الذى لعبه جهازا عنقوديا يضم وطنيين من مختلف الفئات، واعتمد «فهمى» على التلغراف لتعريف خلايا التنظيم فى مختلف أنحاء مصر بخبر القبض على سعد زغلول والذى لم تنشره الصحف بسبب الرقابة البريطانية.
فى يوم 9 مارس بدأ اضراب الطلبة وخرجوا من مدارسهم فى مظاهرات سلمية تتقدمهم أعلامهم وهم يهتفون باستقلال مصر وبالوفد وبحياة سعد ، وانضم اليهم طلبة الأزهر والمدارس العليا وطافوا بدار المعتمد البريطانى وسقط منهم بعض القتلى والجرحى، واستمر الاضراب فى اليوم التالى ثم تعطلت حركة سير الترام وأضرب سائقو السيارات ثم أضرب المحامون عن العمل وانضم إليهم المحامون الشرعيون .

وشهدت طنطا اشتباكات واسعة بين المتظاهرين وجنود الاحتلال أسفرت عن سقوط بعض القتلى . وفى اليوم التالى انقطعت المواصلات بين المدن وقطع الثوار قضبان السكك الحديدية لتعطيل نقل الجنود البريطانيين وعتادهم وسقط 12 متظاهراً فى المشهد الحسينى.
وخرجت السيدات فى مظاهرة تتزعمهن هدى شعراوى لأول مرة تهتف بسقوط الاحتلال وبحياة سعد وسقطت إحداهن شهيدة برصاص الجنود البريطانيين، وهى شفيقة محمد.
وامتدت الثورة ككرة من الثلج فى مختلف المحافظات والمدن والقرى وبين مختلف الفئات . واضطرت بريطانيا فى البداية إلى المواجهة العنيفة واطلاق الرصاص على المتظاهرين ومحاكمتهم عسكريا فأدى ذلك إلى الرد على العنف بالعنف حيث قتل المتظاهرون الجنود البريطانيين وحطموا المنشآت الأجنبية ووصل الأمر أن أعلن المحامى يوسف الجندى فى 18 مارس 1919 استقلال مدينة زفتى وانزال العلم البريطانى واذاعة منشور باعتبارها جمهورية مستقلة.
إن بريطانيا لديها خزائن للتاريخ ومنها تلك الوثيقة  التى تبرهن على تراجع القوة البريطانية أمام سطوة الثورة الوطنية العظيمة.
وثيقة رقم 410 وثائق بريطانية عام 1919
عاجل جدا
تلغرافيا
القاهرة 19 مارس
من سير م تشيتام إلى ايرل كيزون
«الحالة فى شمال الصعيد خطيرة جدا، ومديريات البحيرة والغربية والمنوفية والدقهلية فى حالة ثورة سافرة، وفى بنها نهبت الحوانيت اليونانية . وفى دمنهور هوجم محافظ البحيرة وقيل أنه ضرب حتى الموت وسلبت دوائر المحافظة، ان الفوضى قد سادت والبوليس عجز عن مواجهة الثائرين».
وتستمر الاضرابات والمظاهرات وتبدأ أجهزة الثورة السرية السيطرة الحقيقية على الشارع ويتواصل سعد زغلول مع عبدالرحمن فهمى عن طريق الحبر السرى، وتتوالى المواجهات وتقوم بريطانيا بإبعاد المعتمد البريطانى وتعيين اللورد اللنبى محله ، ثم تضطرإلى التراجع والتهدئة وطلب التفاوض وهو ما تكشفه الوثيقة التالية:
برقية رقم 205
فى 4 مايو 1919 
من السير اللنبى إلى ايرل كيرزون

                                                                                                                           
القاهرة فى 4 مايو 1919
«لى الشرف أن أبلغكم انى تسلمت برقيتكم رقم 136 بتاريخ 12 ابريل 1919
ومما لا جدال فيه أن اعمال العنف والاضطرابات الأخيرة التى وقعت بصورة مفاجئة فى مصر كانت مفاجئة للسلطات المدنية والعسكرية ، كما كانت مفاجئة للسكان غير الرسميين الذين يعرفون البلاد خير معرفة.
فى الوقت الذى كتبت فيه برقية سير ميلن تشيتام يوم 24 فبراير كانت شعبية سعد زغلول فى هبوط وأحس الذين وقعوا العريضة أنهم خدعوا وقد جرت محاولة تشكيل حزب من المعتدلين الذين يريدون ترك مسألة الحماية جانبا ، وتركيز اهتمامهم على المسائل ذات الطابع العملى المتعلقة بشئون التعليم والرى والزراعة وقد تعرض سعد زغلول لهجوم شديد من جانب رجال الحزب الوطنى القديم.
لقد كانت الآثار السلبية المترتبة على اعتقال سعد زغلول ورفاقه أنهم اصبحوا ابطالا شعبيين والأهم من هذا أن اعتقاله تسبب فى سد الثغرة بين الوطنيين من ابناء المدرسة القديمة وحزب الباشا».
وتتوالى انتصارات المصريين ويصدر ترصيح 24 فبراير سنة 1922 ويتم وضع دستور لمصر عرف بدستور 1923 ويخوض الوفد الانتخابات وينجح باكتساح ليتولي  سعد زغلول رئاسة الوزراء من عام ١٩٢٣م واستمر حتي عام ١٩٢٤م حيث تمت حادثة اغتيال السير لي ستاك قائد الجيش المصري وحاكم السودان والتي اتخذتها سلطات الاحتلال البريطاني ذريعة للضغط علي الحكومة المصرية والتدخل فى شئونها وهو ما رفضه سعد وقدم استقالته، بعد ذلك ظل سعد قائدا وزعيما للأمة  إلى أن رحل فى 23 اغسطس  عام 1927.