رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

جواسيس أمريكا بالقاهرة ‬بدرجة‮ سفراء


كان مبارك مرتاحاً‮ ‬ومزاجه معتدلاً‮.. ‬قام بسهولة من علي الكرسي عدة مرات مشيراً‮ ‬إلي بعض النشاطات في ملعب الجولف،‮ ‬ولكي يأخذ صوراً‮ ‬مع الزوار‮. ‬أشرك الزوار بشدة في موضوع الطعام،‮ ‬وأمر بطبق كبير مليئ بالطعمية الساخنة لوجبة الغداء،‮ ‬وأكل عدة شطائر بنهم‮«.‬

استغرب الكثيرون عندما قرأوا هذا الخطاب الذي أرسله السفير الأمريكي السابق بالقاهرة ريتشارد دوني إلي وزير خارجيته،‭ ‬ومصدر الاستغراب أن اللقاء الذي جمع مبارك ودوني فضلا عن عضو الكونجرس ستيفن إسرائيل كان هدفه المعلن التشاور حول القضايا المشتركة وليس أبدا مراقبة الرئيس والتجسس عليه في كل حركة أو همسة‮.‬

هذا الخطاب الذي سربه موقع‮ »‬ويكيليكس‮« ‬مع عشرات الخطابات الأخري طرح سؤالاً‮ ‬مهما حول سفراء الولايات المتحدة في القاهرة،‮ ‬وهل هم سفراء بالمعني الدبلوماسي والأخلاقي،‮ ‬أم جواسيس بالمنطق التآمري والانتهازي،‮ ‬ففي نفس الخطاب وبتاريخ‮ ‬6‮ ‬يناير‮ ‬2008‮ ‬قال السفير الأمريكي‮ »‬خلال اجتماع دام لساعتين ونصف في ملاذه بملعب الجولف في شرم الشيخ،‮ ‬حيث يجلس في شرفته ذات النسيم،‮ ‬بدا أن مبارك لديه مشاكل في السمع أكثر من المعتاد‮. ‬إلا أنه أجري عدة مكالمات تليفونية‮. ‬كما أن الذاكرة خانته وهو يخبر عضو الكونجرس بأن جمال يبلغ‮ ‬من العمر‮ ‬41‮ ‬سنة،‮ ‬والحقيقة أنه يبلغ‮ ‬من العمر‮ ‬44‮ ‬سنة وفقا لملفه الشخصي الذي يحمل رقم‮ »‬20320807‮«. ‬هذه المعلومات التي تبدو عادية للكثيرين قد تصدم الرئيس مبارك نفسه،‮ ‬لأنها تؤكد أن ما ينقله سفراء أمريكا ليس فقط ما يدور في الغرف المغلقة من أحاديث لكن أيضا أقل حركة ونظرة تصدر منه،‮ ‬كما أنها تكشف صراحة وجود ملف شخصي باسم نجل الرئيس في أروق المخابرات أو الخارجية الأمريكية‮.‬

وبتاريخ‮ ‬11‮ ‬أكتوبر‮ ‬2005‮ ‬أرسل ريتشارد دوني خطاباً‮ ‬آخر سجل فيه ملاحظاته علي المؤتمر العام للحزب الوطني نقلاً‮ ‬عن أحمد المغربي وزير السياحة وقتها‮: »‬أعضاء الحرس الجديد يحظون بتصفيق طويل وعال كلما اعتلي أحدهم المنصة في اجتماع الحزب‮. ‬بينما يستقبل الحضور أعضاء الحرس القديم،‮ ‬علي العكس تماماً،‮ ‬بالصمت والتأدب‮«.. ‬وبناء عليه،‮ ‬قال المغربي‮: »‬لا تعتقدون أن الحرس القديم سيستمر معنا لفترة طويلة‮«.‬

السفيرة الأمريكية الحالية مارجريت سكوبي لم تكن أقل نشاطاً‮ ‬من سابقها إذ أرسلت خطاباً‮ ‬وافياً‮ ‬لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بتاريخ‮ ‬9‮ ‬فبراير‮ ‬2009‮ ‬بعد عام واحد فقط من تعيينها سفيرة لبلادها في القاهرة،‮ ‬والغريب أن هذا الخطاب رغم قصر المدة التي قضتها في مصر حمل تحليلا كاملا لموقف مصر والرئيس مبارك تحديدا من القضايا المختلفة،‮ ‬كما حملت توصيات حول الطريقة التي يجب التعامل مع مصر من خلالها والأساليب التي يمكن بها الضغط علي القاهرة ويقول الخطاب فيما يتعلق بالموقف من إيران‮: »‬الرئيس مبارك يكره ايران كرها عميقاً،‮ ‬فهو لا يشير إليهم في حديثه إلا بالكذابين،‮ ‬معتبراً‮ ‬أنهم يحاولون دائماً‮ ‬زعزعة استقرار مصر والمنطقة‮«‬،‮ ‬كذلك فهو يري أن السوريين والقطريين يتملقون طهران،‮ ‬كما أنهم كاذبون أيضاً‮.‬

وعن ترشيح وزير الثقافة فاروق حسني لمنصب مدير عام اليونسكو،‮ ‬قالت السفيرة الأمريكية الحالية في القاهرة‮: ‬بدأت مصر حملة دولية كبيرة لدعم مرشحها لمنصب مدير عام منظمة اليونسكو فاروق حسني وزير الثقافة،‮ ‬وأعلنت كل من المنطقة العربية والاتحاد الافريقي بالفعل مساندتها لحسني،‮ ‬كذلك يعتقد المصريون أنه يجب الحصول علي دعم عدة دول أوروبية،‮ ‬خاصة فرنسا،‮ ‬وسيقوم أبو الغيط بالبحث عن الدعم الأمريكي أو علي الأقل عدم المعارضة بشكل قوي،‮ ‬لقد أخبرته الولايات المتحدة العام الماضي أنها لن تستطيع دعم حسني،‮ ‬ودعت مصر إلي اختيار اسم آخر‮.‬

وسيجادل أبو الغيط بحجة أن حسني سيتصدي للإسلاميين المتطرفين الذين يحاولون تضييق مساحة التعبير الفني الموجودة في مصر،‮ ‬وأن رفض الولايات المتحدة لترشيح حسني سببه تصريحاته التي قال فيها‮: »‬إسرائيل بلا حضارة فهي تستولي علي حضارة الآخرين لتقول إنها صاحبة تلك الحضارة‮«‬،‮ ‬بالإضافة إلي وجود ملاحظات أخري تبرر رفض الولايات المتحدة،‮ ‬وإذا كانت هناك خطط لإبعاد حسني فيجب علينا طرح بديل معقول ويفضل أن يكون عربي ومسلم أو مسلماً‮.‬

علي صعيد آخر،‮ ‬كشفت مصادر رفضت الإفصاح عن هويتها عن أن سياسة السفارات الأمريكية في البلدان العربية عموما،‮ ‬ترمي إلي دراسة الوضع الاقتصادي لهذه البلدان،‮ ‬لبناء معطيات تساهم في إنشاء شركات تجارية لتسويق منتجاتها،‮ ‬حيث تعتمد السفارة علي دراسة الملفات التقنية لكل المشاريع من خلال معرفة صاحب المشروع المتقدم للمناقصة،‮ ‬وكذا المؤثرات التقنية لكل مادة والبلد الأصلي للمنتج،‮ ‬لتحديد قدرة أي بلد أو ضعفه في مختلف المجالات،‮ ‬وقالت المصادر إن السفارة الأمريكية بالجزائر مثلا،‮ ‬أعادت بناء جدارها الخارجي سبع مرات بمواد مختلفة،‮ ‬ودون مبرر واضح لمعرفة مدي قدرة الجزائر علي إنتاج مواد البناء ودرجة تطورها في ذلك‮.‬

والسؤال الذي تطرحه كل هذه الحوادث خاصة أن هناك خطابات من السفارة الأمريكية تتعرض لأجهزة سيادية ومؤسسات حساسة في الدولة‮: ‬هل تخشي الدول العربية عموما ومصر علي وجه الخصوص محاولة الحد من نفوذ السفراء الأمريكيين في مصر؟ وهل يستطيع سفير مصري في الولايات المتحدة أو‮ ‬غيرها ممارسة مهامه علي الصورة التي يسمح بها لسفراء أمريكا في القاهرة؟

السفير عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية الأسبق يقول إن الخارجية الأمريكية أصدرت بيانا رسميا قبل أيام أكدت فيه بشكل قاطع أن ما حدث في تونس لن يمتد لأي دولة عربية أخري في الوقت الحالي،‮ ‬فمن أين جاءت بهذه الثقة إن لم تكن تمتلك معلومات مؤكدة عبر سفرائها في الدول العربية وهي معلومات بالطبع لم تحصل عليها بالطرق الشرعية المعروفة‮. ‬وعن الخط الفاصل بين ممارسة العمل الدبلوماسي والتجسس،‮ ‬قال في حسم‮: ‬إذا زار أي سفير محافظة المنوفية مثلا وسألت المواطنين عن رأيهم في النظام الحاكم فهو تجسس وليس عملا دبلوماسيا‮. ‬

ويضيف الأشعل أن كل ما يحصل عليه سفراء الدول الكبري من مصر

يدخل في نطاق الجاسوسية علي اعتبار أننا في مجتمع مغلق لا يعرف حرية تداول المعلومات،‮ ‬وعليه يبحثون عن طرق أخري للوصول إلي هذه المعلومات،‮ ‬ويستدعي مساعد وزير الخارجية السابق واقعة حدثت في سبعينيات القرن الماضي عندما حاولت السفارة الأمريكية معرفة مدي استعداد السادات لعقدالسلام مع إسرائيل،‮ ‬ولاستحالة معرفة ذلك بالطرق العادية أعلنت الجامعة الأمريكية عن مشروع بحثي عن اتجاهات النخبة المصرية أدخلت فيها جزءا عن السلام مع إسرائيل،‮ ‬وبعد انتهاء المشروع أرسلت السفارة إلي الخارجية الأمريكية أن الجو مهيأ في مصر للسلام مع تل أبيب‮.‬

ويتابع الأشعل أن أعضاء بالسفارة الأمريكية في دمشق نجحوا في الحصول علي عينة بول للرئيس السابق حافظ الأسد من الفندق الذي يقيم فيه تأكدت من خلالها أن أيام الأسد باتت معدودة ومن ثم بدأت تستعد للحظة فراغ‮ ‬السلطة في سوريا‮. ‬ثم إن الإعلام بات يتيح كل المعلومات من مختلف أنحاء العالم و»شطارة‮« ‬الدبلوماسي أن ينفرد بمعلومات لا يستطيع أن يصل إليها الإعلام‮.‬

ويشير إلي أن المعلومات التي يراها العوام صغيرة قد تكون مهمة جدة لأجهزة الاستخبارات أو القيادة العليا،‮ ‬فمثلا عندما ترسل السفيرة لوزارة الخارجية أن الرئيس قام لينظر من الشباك عدة مرات سيتم تفسير ذلك بأن الرئيس يمر بحالة توتر،‮ ‬كذلك عندما تلاحظ أنه يكره الإخوان قد تأخذ الإدارة الامريكية الجماعة كورقة ضغط علي مصر،‮ ‬لكن الدبلوماسيين المصريين لا يتم تدريبهم بشكل جيد علي مثل هذه الأمور،‮ ‬ثم إن المجتمعات المصرية مفتوحة ويمكن للسفير الحصول علي أي معلومة بسهولة ودون الحاجة للتحايل‮.‬

وعن موقف الدولة من سفير دولة أجنبية في حالة محاولته الحصول علي معلومات سرية بطرق‮ ‬غير شرعية يقول الأشعل‮: ‬إنه يجوز للدولة المضيفة محاكمته بتهمة الجاسوسية،‮ ‬لكن مصر تخشي اتخاذ هذا الإجراء مع سفراء الدول الكبري وخاصة الولايات المتحدة‮. ‬

السفير محمود شكري المحلل السياسي وسفير مصر الأسبق في دمشق،‮ ‬يؤكد من جانبه أن ممارسة فعل الجاسوسية من جانب سفارة ما يتحدد وفق الطريقة التي تحصل بها علي المعلومة،‮ ‬فلو حصلت عليها عن طريق عميل أو من خلال وثائق يطلع عليها دون وجه حق يكون هذا تجسساً،‮ ‬أما لو اعتمدت علي الأحاديث العادية أو عبر بعض المقربين من الرئيس فهذا مباح‮. ‬فمهمة السفير في البلد التي يعمل بها نقل أي معلومة يري أنها ستفيد بلاده،‮ ‬بمعني أنه إذا وردت إلي‮ ‬معلومة عن أن الرئيس يمر بوعكة صحية ولم يصبح قادرا علي ممارسة مهامه فهذه المعلومة يجب أن تطير فورا إلي بلادي لتستفيد منها بالوجه الذي تراه‮. ‬وهناك أسئلة يجب علي السفير أن يجيب عنها فور توليه المسئولية في بلد ما من نوعية‮: ‬هل رئيس الدولة قادر علي ممارسة عمله أم لا؟ هل يسيطر علي الوضع الداخلي في البلاد؟ وهل هي سيطرة أمنية وعسكرية أم سيطرة شعبية وديمقراطية؟ وأحيانا يكون رئيسا الدولتين صديقين فتصبح أي معلومة عن رئيس البلد المضيف مهمة،‮ ‬خاصة في حالة تعرضه لأي أزمة صحية لأن هذا يستلزم أن يفتح رئيس دولة السفير خطوطا مع المرشحين لخلافة الرئيس المضيف‮.‬

وعن الأساليب التي يمكن اتباعها عند إخلال السفير بقواعد الحصول علي المعلومات،‮ ‬يقول شكري‮: ‬يحق للدولة أن تعلن السفير شخصاً‮ ‬غير مرغوب فيه،‮ ‬لكن هذا لا يحدث علي هذا النحو لأنه يعني قطع العلاقات الدبلوماسية،‮ ‬ولكن يمكن اتباع أساليب أخري منها إبلاغ‮ ‬الدولة الأخري وديا وعبر اتصالات سرية أن أجهزة الأمن كشفت اتباع السفير طرقاً‮ ‬غير شرعية في الحصول علي المعلومات،‮ ‬أو تضيق الدولة الخناق علي السفير ليشعر أنه‮ ‬غير مرغوب فيه،‮ ‬فيتم تجاهله،‮ ‬وعندما يطلب اللقاء برئيس الدولة مثلا يتم تسويف الأمر‮. ‬لكن في كل الأحوال السفراء لايقومون بهذا الدور بأنفسهم،‮ ‬ويسندونه إلي بعض مساعديهم في السفارة،‮ ‬لذلك يصعب إثبات تهمة التجسس علي السفراء‮.‬