رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أمهات يسهرن للدعاء وأبناء مؤهلون للتعازي

بوابة الوفد الإلكترونية

تسوى إيه إن الولاد يتيتموا؟ والحبايب كل يوم يتكفنوا؟ «الشهادة» حلم لكل مناضل فى سبيل الحق والواجب.

لكن من يقول إن الأم «تسعد» بفراق ضناها.. حتى ولو كان من أجل الوطن.. فهى الوطن، تبكيه قبل الأرض المرتوية بدمه، من يقول إن الولد «يفرح» لأنه لن يرتمى فى حضن أبيه، حتى لو أصبح ابن الشهيد، ومن يصدق «ادعاء ثبات» زوجة فقدت الظل والسند حتى لو كرمها الحصى تحت أقدامها.
لا أحد يعوض الأحباب.. يموتون فيتركون اللوعة والأسى والحسرة، وأصداء أحلام مذبوحة على حوائط البيت الحزين.
وعندما يكون عمل الزوج أو الأب أو الابن «ضابط» فإنك أمام أسرة مرشحة بقوة لاحتواء «شهيد».. بيوت ضباط وجنود الشرطة أو الجيش تعيش حالة «استثنائية» فى هذه الفترة بعد أن أصبح «حماة الوطن» هدفاً يومياً للإرهاب فى كل يوم تشرق فيه شمس يغيب قمر من سماء محبيه.
فى كل يوم يلقى ضابط أو عسكرى التحية ويقبل جبين أمه، قد يوارى الثرى آخر النهار، وعقب صلاة فجر جديد يودع الأب الضابط أبناءه ويتلو عليهم وصيته يؤهلهم لتقبل العزاء فيه بحلول الليل.
واقع «مرعب» شديد القتامة يعيشه أهالى هؤلاء الرجال فرجل الشرطة أو الجيش عندما يذهب إلى مأموريته قد يترك وراءه أرملة «فى عزل الصبا» وأيتام «فى عمر الزهور» وأمهات ينتظرن «حد السكين»!
ليس بحكم مهنتى ولكن مدفوعة بمصريتى فقط قدمت العزاء لأكثر من أسرة شهيد شرطة وجيش.
انتزع صراخ أمهات شهداء جنود رفح روحى من جسدى وهن يقفزن فوق الأرض كأن أقدامهن يأكلها اللهيب.
ارتعدت أوصالى وأنا أتابع انهيار زوجة اللواء نبيل فراج وهى تتسلم جثمانه من مستشفى الشرطة محتضنة أطفالها الذين تيتموا تواً.
وبكيت كيوم موت أمى، وأنا أرى زوجة الشهيد إيهاب مرسى تصرخ «همّا فاكرين ضباط الشرطة كفرة، ده عارفين ربنا أحسن منهم!!»
وتوحدت تماماً مع أم الشهيد أحمد سمير الذى استشهد وهو يؤدى واجبه للقبض على قتلة الشهيد محمد مبروك، كانت الأم تبكى «ضناها» وتقول كنت عارفة إنه هيموت، راح ياخد حق شهيد وشهيد يودع شهيد.
زوجة اللواء الشهيد مصطفى الخطيب، كانت تواسى رفيقتها ألم زوجة الشهيد نبيل فراج التى قالت والدموع تخنقها كان «رايح ياخد تار دفعته وصديقه وحبيبه وربنا نوله الشهادة» تواسى زوجة الشهيد وهى تعلم بحرقة قلبها «الله يكون فى عونها والأيام اللى هتشوفها».
لكنه كأس يدور على كل أسرة فيها رجل يؤدى واجبه المقدس، وما رأيته فى عزاء النقيب أحمد سمير كأنه ملحمة زوجات ضباط الشرطة وأمهاتهم يواسين زوجة الشهيد وأمه وينظرن إلى الأطفال وكأن كل واحدة منهن فى انتظار قضاء تدعو الله أن يلطف فيه ويجعل فيه رحمة وصبراً.
ما قالته لى السيدة «ن» والدة أحد ضباط الشرطة وحماة ضابط آخر، كاد يشق صمت الحدث الجلل:
«لا أنام الليل عندما يكون ابنى فى مأمورية، أسهر طول الليل أدعو الله أن يقر عينى برؤيته ثانية وعندما يقبل يدى أكاد أتشبث به فى أحضانى كأننى لن أراه، وأرتعد عندما أعزى أم زميل له استشهد كأننى أرى نفسى مكانها «كلنا فى الهم واحد».
قالت الأم وقد ترقرقت الدموع فى عينيها: لا أستطيع أن أثنيه عن عمله فهو واجبه وأقسم على أن يؤديه حتى ولو كان الثمن حياته.
وكذلك ابنتى التى تعيش نفس مأساتى مع زوجها الذى يقف فى مواجهة العنف منذ أحداث قصر الاتحادية، ونظل نصبّر بعضنا البعض ونحبس أنفاسنا حتى يعود كل منهما وقد تستغرق المأمورية أياماً عديدة لا تستطيع خلالها حتى الاطمئنان بالتليفون لأن ذلك ضد صالح العمل وعندما احتضنه من جديد أشعر كأنما أرده الله لى وساعتها فقط أستطيع أن أنام لأعاود المأساة نفسها فى كل مأمورية.
ولأننا عشنا هذه الأجواء الصعبة قررنا ألا يلتحق حفيدى بكلية الشرطة وكفانا ما نعيشه الآن، ونسأل الأم المسكينة: ما ذنب أولادنا أن يموتوا؟ إنهم يؤدون واجبهم بشرف ويتقون الله فى كل خطواتهم ولديهم ضمائر نظيفة فأنا ربيت ابنى على حب الله والخير ووالده رجل «تربوى» ما ذنب أبنائنا ليقتلهم إرهابيون لا يعرفون الله، وإلى متى تستمر الحكومة فى هذا الارتعاش والسلبية ونحن وأبناؤنا ندفع الثمن. نبهتنى أكثر من أم وزوجة لضابط شرطة وجيش إلى أن الإعلام يساهم فى اغتيال أبنائهم كيف؟
لأنهم يستمدون معلوماتهم من هذه الوسائل فيعرفون أماكن سكنى الضباط ومواعيد الذهاب لعملهم وهذا خطر شديد عليهم، هكذا أجابتنا زوجة عقيد شرطة وأب لثلاثة أبناء وقالت: زوجى حريص على سرية عمله حتى إنه لا يقول لى عن قيامه بأية مأمورية وأفاجأ به يغيب عن البيت بالأيام، وأظل أنتظر تليفون منه لأطمئن أولادى الذين تعودوا على ذلك، لكنى بصراحة أحياناً أخاف ألا يأتينى منه اتصال وأعرف أخبار إصابته أو استشهاده «لا قدر الله» من المواقع الإخبارية التى أدمنها ابنى الأكبر «10 سنوات» لمجرد متابعة أخبار العمليات الإرهابية.. وعقب كل عملية يتابع تفاصيلها بخوف شديد ثم يجرى علىّ ويرتمى فى حضنى: «الحمد لله بابا لسة عايش».
زوجة مقدم شرطة فى الأمن المركزى تقول: تعودت أن أدير البيت أرعى ابنى وابنتى لأن حياة أبيهم كلها للعمل ويستغرقه عمله بالكامل وقته وأعصابه واهتمامه، نكاد لا نراه إلا كل شهر، ونبقى على اتصالات للاطمئنان وأنا أقدر ذلك وعودت أبنائى أن يتقبلوا هذا الوضع، لكننى أمنعهم من مشاهدة عمليات اغتيال الضباط أو حتى جنازاتهم لأنهم أصلاً مرعوبون من فقدان أبيهم للأبد.
أخبرتنى إحدى الأمهات لضابط مباحث أن ابنها وكثير من زملائه لا يرتدون البدلة «الميرى» كنوع من التأمين بل ومنهم يترك الكارنيه الخاص به ويكتفى بكتابة بيانات فى ورقة يحتفظ بها فى ملابسه حتى إذا تعرض لحادث أو اعتراض من إرهابيين يتعرف أولاد الحلال على شخصيته ويسلمون جثمانه لذويه، قالت أم أخرى إن ابنها وكثير من زملائه يكتبون بياناتهم على أذرعهم للسبب نفسه.
زوجة مقدم بالمباحث قالت لى: ليس من الذكاء أن يكشف الضابط عن هويته وشخصيته وهو يعلم أنه هدف لمن لا يعرفون الله ويحاربون أشخاصاً يدفعون حياتهم

ثمناً لحماية الشعب كله، لذلك فزوجى وبعض زملائه حريصون أن يتحركوا فى مجموعات وألا يسيروا فرادى تحسباً لمواجهة أى هجوم.
طالبة ثانوى وابنة لواء شرطة قالت لى لماذا يتركون لنا على «يوتيوب» والمواقع الأخرى مشاهد تعذيب الضباط فى كرداسة بعض أصدقائى من أبناء ضباط الشرطة أصيبوا بصدمة عصبية بسببها صحيح إنها دلالة على وحشية وكفر تلك الجماعات الإرهابية لكن بقاء هذه المشاهد متاحة تذبحنا وهى ليست إنسانية بالمرة، وأعتقد أن أبناء هؤلاء الشهداء يموتون كل مرة يشاهدون فيها هذه اللقطات اللاآدمية وقالت أيضاً: نعلم أن أبناءنا يؤدون واجبهم وأن الموت قضاء وقدر لكننا بالفعل نعيش فى ظروف سيئة، ولابد أن تدعم الدولة رجال الشرطة والجيش وتقف بحزم ضد الإرهابيين، فالشعب كله فوض الجيش فى هذا الأمر والشرطة تقوم بواجبها ويقدم رجال الجيش والشرطة كل يوم شهداء يضحون بأرواحهم لكن لا نعلم سر هذا الارتعاش فى مواجهة هذه الأعمال الإجرامية ولماذا لا يتم دعم رجال الشرطة لوقف نزيف هذا الدم الغالى؟!
ضباط الجيش وجنودهم يرسمون كل يوم لوحة شرف، يقدمون على الموت ونصب أعينهم إعلاء مصلحة الوطن، «مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا» قالتها لى «منة الله» ذات الـ13 عاماً ابنة ضابط جيش برتبة عقيد حكت لى عن أبيها الذى يحارب الإرهاب فى سيناء، وقالت: لقد أصر على نقله إلى سيناء بعد ثورة 30 يونية وجمعنى أنا وأخى فيما خاصمته أمى وغضبت بشدة لقراره.. لكنه قال لى: أنا عارف إنك صغيرة لكن مخك كبير، لو أنا مارحتش وخفت عليكم وزميلى أبوحبيبة صاحبتك رفض يروح سينا، وكل أم خافت على ابنها، نسيب البلد لمين؟!
وقالت الطفلة إنها ردت على أبيها بكل قوة لكن دموعها غالبتها قائلة: صحيح يا بابا انتم هتقبضوا على اللى قتلوا العساكر «الغلابة» وهما صايمين فى رمضان واللى كانوا راجعين لبلدهم إجازة؟ فقال الأب العساكر مش غلابة دول أسود زى أبوكى وضحك الأب واحتضن ابنته كأنه لن يفعلها بعد ذلك.
«سامح»، تلميذ بالصف الأول الإعدادى، قال ببراءة الأطفال: «أنا بابا (عند القلق كله) ده فى المخابرات وأكثر من كدة ماعرفش عنه حاجة.. باشوفه مرة كل أسبوعين أو أكثر واتعودت أنام من غير ما يقولى تصبح على خير وبعدما شفت إن ضباط كثير بيموتوا قلت له طيب سجل على الموبايل أى كلمة اسمعها قبل النوم وبالفعل بابا قال كلمتين «ربنا يحميك يا سامح وتبقى جدع زى أبوك».
والدة «سامح» قالت لى إن ابنها كبير وفاهم لكن إحساسه إن أبيه فى خطر دائم يجعله أحياناً يبدو أصغر من سنه كأن يصر أن ينام فى حضنى ويقول: «أنا خايف ماشوفش بابا تانى».
سألتها: وكيف تتعاملين مع هذه الكلمات القاسية؟، ابتسمت ابتسامة يكتنفها شجاعة وألم فى الوقت نفسه: أنا عاوزة اللى يطمنى.. لكنى أحاول أن أبدو «جامدة ومتماسكة علشان ولادى وخاصة أن لدى طفل آخر عمره عام ونصف يعنى المشوار طويل».
سيدة وقورة وتحتل منصب فى مدرسة ثانوية بإحدى مدارس الجيزة ولها ابن ضابط شرطة يؤدى خدمته بالإسماعيلية انهارت أمامى فجأة وهى تقول: أكثر ما يؤلمنى أن أجد شخصاً يسب ويلعن فى ضباط الشرطة بل إن مدرس إخوانى قالها فى وشى يارب تشربى ناره زى ما قتلوا بتوع رابعة.
وتساءلت: موقعى المهنى كان يحتم علىّ أن أتخذ إجراء ضد هذا المدرس، لكننى تعاملت بعقلانية ورجوته ألا يقول هذا الكلام ثانية وبكيت لأنه ابنى الوحيد وقلت له: إذا مات هل تستريح.. هل رأيت منه شىء سيئ. فقال كلهم واحد يا أبلة مجرمين.
ولولا تدخل زملائنا فى الحوار لتطور الأمر، لكنى دعوت الله أن يقوينى ويحمى ابنى حتى لا يشمت هؤلاء الأغبياء الذين يفرحون لأحزاننا كأننا أعداء ولسنا أبناء شعب واحد.
وأردفت السيدة: ابنى الوحيد أنتظره كل إجازة وكنت أنوى أن أخطب له ابنة عمه، لكنه يرفض هذا الموضوع بشدة ويقول لى يا ماما أنا مش ضامن أعيش، ليه أتجوز وأجيب عيال يتيتموا؟!