رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ما لا يعرفه الإخوان عن كاهنهم الأكبر (4)

بوابة الوفد الإلكترونية

كان لافتاً للنظر أن الرئيس المعزول محمد مرسي عندما وصل الى سجن برج العرب، أن طلب الحصول على كتب سيد قطب خاصة «معالم في الطريق» لتكون سلواه في سجنه

وهو ما يؤكد مدى تأثر مرسي بالفكر القطبي، وانعكاس ذلك في منظومة سياساته وسلوكياته خلال عام الشؤم الذي حكمت فيه جماعة الإخوان مصر، وقذ ذكرت ذلك بموقف لمرسي جرى في ندوة لقناة الفراعين قبل ثورة 25 يناير بحوالي عام ونصف، دعا لها الباحث الاسلامي ضياء رشوان، وشارك فيها محمود عزت ومحمد مرسي كممثلين لجماعة الإخوان لمناقشة ما أثير حول كتاب «دعاة لا قضاة» هاجم فيه المرشد حسن الهضيبي أفكار قطب عن التكفير، وأيده في ذلك المرشد التالي عمر التلمساني، فعندما سأله رشوان عن مدى مطابقة أفكار الاخوان لما جاء في كتب سيد قطب؟ أجاب مرسي: «عندما قرأت للأستاذ سيد قطب بعد وفاته، عشت في كتاباته فصارت جزءا مني.. لقد وجدت فيه الإسلام بما فيه من السعة والرؤية الشاملة للإسلام، ثم أضاف مرسي قائلا: «وصحيح أن الأستاذ سيد قطب يقول نصوصاً تكفيرية ولكننا لا نعتبرها تكفيرية!! ولكنها نصوص تحرك الوجدان وتتحدى العقل، ويجب لمن يقرأ لسيد قطب أن يتعلم اللغة العربية أولاً»، ثم هاجم القرضاوي الذي سبق أن استنكر الفكر التكفيري لقطب، فقال محمد مرسي: «قلبي على القرضاوي الذي لا يعرف العربية ولا يتقن غير التركستمانية!! فإذا عرف العربية سيعرف أن ما يقوله قطب هو الاسلام، وأنا شخصياً عندما قرأت لقطب تحريت الدقة وسألت الكبار حتى أفهم ما كتبه!!»، وقبل أن تنتهي الحلقة تلقى ضياء رشوان مداخلة تليفونية على الهواء من محمد بديع يؤيد فيها دفاع مرسي وعزت عن أستاذهما وصاحب فكرهما سيد قطب، وعندما أخذ العجب القرضاوي مما قاله قادة الاخوان على رأيه، وسأل سليم العوا عمن هؤلاء؟ أجاب العوا: هؤلاء هم تنظيم العشرات، فرد عليه القرضاوي فاغراً فاه: أهم أهم؟! أهؤلاء من حذرنا منهم التلسماني؟!! أصبحوا الآن قادة للإخوان! إنا لله وإنا إليه راجعون!!

تنظيم العشرات أساس القطبيين
فمن هم تنظيم العشرات؟ يجيب الأستاذ ثروت الخرباوي عن هذا السؤال المهم في كتابه «سر المعبد» ص 300 قائلا: «هى أجيال نهلت من كتاب الظلال ومن «معالم في الطريق»، كرهت هذه الأجيال المعاني الجميلة التي في الكون.. وتربت فكرياً على أن الديمقراطية حرام، والليبرالية كفر، فتحت هذه الأجيال رؤوسها ليتم حشوها بكراهية كل المناهج السياسية والاجتماعية التي ابتدعها الانسان لنفسه، فهمت أننا نعيش في جاهلية أشد ضراوة من جاهلية القرون الأولى، وأن القوانين التي وضعناها لأنفسنا لتنظيم معايشنا هى الطاغوت والكفر، فهمت هذه الأجيال الجديدة «إن الحكم إلا لله» على نحو يخاصم اجتهادات البشر، ليس لنا أن نجتهد لأنفسنا وكيف نجتهد والله هو الحاكم الحكم؟ فهمت الله على غير مراد الله، الله عندهم هو الذي لا يرحم إلا هم، ولا يغفر إلا لهم، ولا يدخل الجنة سواهم، أما النار فقد خلقها لغير الاخوان، الإخوان هم شعب الله المختار»، ثم يصف الخرباوي إخوان اليوم فيقول: «آلاف الإخوان الذين سيقوا إلى الجماعة منذ منتصف التسعينيات يختلفون عن الذين يعرفهم القرضاوي، حتى أولئك
الذين يرفضون أفكار القطبيين أمسوا يمالئونهم ويصانعونهم، وما صانعوهم إلا ليبحثوا لأنفسهم عن مكان على خريطة الإخوان.. القطبية كانت هى الطريق الثاني الذي سار فيه الإخوان بعد طريق حسن البنا»، ثم تساءل بعد ذلك الأستاذ الخرباوي متخوفاً على أصحاب الطريق الثالث «القابع في أغوار الإخوان» وهو تنظيم «جيش الإخوان»!!
- ومما أثار المخاوف حول «جيش الإخوان» أنهم في مكتب الإرشاد قد أعدوا لذلك باحياء «قسم الوحدات»، وهو أخطر أقسام الجماعة لأنه المسئول عن الجانب العسكري في نشاط الجماعة، وكان فيه كوادر من ضباط الجيش الذي اخترقوا صفوفه سراً.. أمثال الرائد محمود لبيب، وصلاح شادي، وأبو المكارم عبد الحي، وابراهيم شرف، وكان المرشد السابق مصطفى مشهور من أكثر قادة الإخوان إصراراً على إنشاء هذا الجيش ودعمه، قائلا في وجه معارضيه: هل تتصورون دولة بلا أمن وبلا جيش؟! نحن أكبر من دولة، نحن أمة الإسلام، ويجب أن يكون لهذه الأمة أمن وجيش، ويوم أن يعود «قسم الوحدات» سيكون شعاره «أعدوا» وكانت تقديرات مصطفى مشهور أن الإخوان سيصلون الى الحكم في عام 2018، وأن لديهم خطة سيصلون الى الحكم من خلالها، واشار مرة في حديث له إلى كلمة «أعدوا» التي بين السيفين في شعار الجماعة قائلا: «نحن نعمل بها من سنوات طويلة»!!
- ولكن ماذا عن هذه الخطة؟ هى خطة التمكين التي وضع خيرت الشاطر لمساتها الأخيرة في عام 2005 تحت اسم «فتح مصر»، وتقوم على السيطرة على الجيش والاعلام والقضاء، بعد السيطرة على النقابات المهنية والعمالية والنوادي واتحادات الطلبة، وأن سيطرة الإخوان على هذه الركائز الثلاث هى ضمان وصولهم للحكم ميسراً، لذلك تم مع إنشاء قسم الوحدات إنشاء قسم القضاة، وهو الأمر الذي توقع معه مصطفى مشهور في عام 1999 أنهم سيدخلون في صدام مع النظام الحاكم في غضون عشر سنوات بعد أن قطع الإخوان أشواطاً في طريق تنفيذ خطة التمكين.

جذور التكفير
- حقيقة الأمر أن نوازع تكفير المجتمعات الإسلامية كانت عند حسن البنا، ظهر ذلك واضحاً في البند الخامس، والعشرين من رسالة التعاليم، وهو يوجه تعليماته للإخوان وما يجب أن يفعلوه في حياتهم قائلا: «أن تقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير اسلامي، والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الاسلامية مقاطعة تامة»، ويضيف البنا في التعليمة رقم 38 «أن تتخلى عن صلتك بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرتك وخاصة إذا أمرت بذلك»، إذن فكر التكفير كان مختبئا في ضمير البنا لم تظهر منه إلا بعض فلتات، لذلك وجد التنظيم السري الخاص في الاغتيالات وأعمال التخريب التي قام بها في عهده وبعد ذلك تبريرات شرعية عند الاخوان وحتى اليوم.
ويزداد الأمر تفاقماً عندما يخبرنا الشيخ محمد الغزالي أنه استمع الى أحد خطباء الجمعة من الجماعة وهو يؤكد: «أن الولاء لمرشد الاخوان حسن الهضيبي يُكفر السيئات، وأن الخروج على الجماعة يمحق الفضائل، وأن الذين نابذوا المرشد عادوا للجاهلية الأولى لأنهم خلعوا البيعة»، وكانت الجماعة فصلت الشيخ الغزالي منها عندما رفض تعيين الهضيبي مرشدا للجماعة متهما إياه بأنه «عميل الماسونية»!! فتسلم خطاباً يقول فيه الإخواني مرسل الخطاب «هل تظن نفسك مسلما بعدما خرجت من صفوف الجماعة؟».
- أما الكاتب الإخواني سعيد حوي فإنه يؤكد في كتابه «المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين» أن جماعة الإخوان هى فقط هى «جماعة المسلمين» دون غيرها من المسلمين، وذلك طبقاً للنصوص التي وضعها حسن البنا، وإذا انتقلنا الى محمد قطب فسنجده يدور في كتابه «جاهلية القرن العشرين» حول تكفير المجتمعات الإسلامية مسترشداً بكتاب سيد قطب «في ظلال القرآن» الذي يقول فيه مفسراً آية من آيات القرآن: «وهنا يرشدنا الله الى اعتزال معابد الجاهلية التي هى المساجد التي نعبد الله فيها، واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي».
ويضيف سيد قطب: «لانجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن تنفصل عقدياً وشعورياً ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها حتى يأذن الله بقيام دار اسلام تعتصم بها»، ويعلق الخرباوي على ذلك قائلا: «لقد أصبحت أفكار التكفير غالبة على الجماعة، لقد صارت جماعة الإخوان «مدينة التكفير» في عالم مضطرم بالصراعات الفكرية والعقائدية والسياسية».. ثم يتساءل: كيف أصبحت أمواج التكفير عند الإخوان بهذه القوة الهادرة وهذا العنفوان المتكبر؟
التكفير والحاكمية في الخطاب القطبي
- تدور الرؤية العامة لسيد قطب للاسلام حول اعتبار الصراع البشري عقائدياً في الأساس، وأن الحالة المثلى للمجتمع الاسلامي المنشود في نظره ستستدعي بالضرورة أن يكون في صراعات مستمرة مع باقي المجتمعات بما في ذلك التي تدعي انها مسلمة، لذلك حدد قطب مفاهيمه عن سبعة عناصر أساسية هي: الجاهلية وتعني التكفير، الحاكمية، الجماعة، المنهج، الثقافة، الأمة، والمجتمع، وسنناقش في هذه المقالة العنصرين الأولين، والباقي في مقالات قادمة انشاء الله.
- أولاً: جاهلية المجتمعات الإسلامية، فالجاهلية تمثل في نظره الانحراف عن نهج الاسلام سواء في الماضي أو الحاضر، فيقول: «نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الاسلام أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية.. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم  وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، وحتى الكثير مما نحسبه ثقافة اسلامية.. هو ما صنع هذه الجاهلية» ثم يمضي معتبراً المجتمعات الاسلامية القائمة حالياً تدخل في إطار هذه الجاهلية، فيقول: «يدخل في اطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها «مسلمة».. لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده ولأنها تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله، فتدين بحاكمية غير الله، فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها».
ولكن يبرر سيد قطب لقيام «الجماعة المؤمنة» - التي هى جماعة الإخوان في مفهومه - التي ستقود البعث الاسلامي الجديد، ركز على اعتبار الجاهلية صيغة حركته في الأساس، وليست مجرد نظرية، بل متمثلة في تجمع حركي خاضع لقيادة هذا المجتمع الجاهلي، ولمواجهته ينبغي قيام تنظيم حركي مسلم مضاد خاضع لقيم الاسلام، يتحرك تحت قيادة إسلامية مستقلة عن المجتمع الجاهلي وقياداته، وأن يحصر ولاءه للقيادة الاسلامية فقط، ويكون تحركهم باتجاه تفويض المجتمع الجاهلي، والدفاع عن المجتمع الاسلامي الجديد.
- في كتابه «في ظلال القرآن» تقرأ لسيد قطب «الجاهلية ليست اسماً لمرحلة تاريخية سابقة على الاسلام، بل إنها تنطبق انطباقاً حرفياً على كل وضع بصرف النظر عن اعتبارات الزمان والمكان،إذا كان الوضع مشابها لتلك المرحلة التاريخية السابقة على الاسلام».
- ثم يمضي في كتابه «في ظلال القرآن» ليبرر اتهامه المجتمعات الاسلامية «بالشرك»، فيقول «إن الشرك بالله يتحقق بمجرد إعطاء حق التشريع لغير الله من عباده، ولو لم يصحبه شرك في الاعتقاد بألوهيته، ولو قدمت الشعائر التعبدية له وحده»، ولا يكتفي قطب بذلك بل يتهم المجتمعات الإسلامية اليوم بترك الاسلام وهجرته، فيقول: «إن المشقة الكبرى التي تواجه حركات الإسلام الحقيقية تتمثل في أقوام من الناس من سلالات المسلمين في أوطان كانت في يوم الأيام داراً للاسلام يسيطر عليها دين الله و«تحكم بشريعته» ثم إذا هى تتنكر لمقومات الإسلام اعتقاداً وواقعاً وإن ظنت أنها تدين بالاسلام اعتقاداً»، ثم يمضي في إلحاحه نافيا عن المسلمين اليوم إسلامهم، فيقول في نفس الكتاب «وفي الأرض اليوم أقوام من الناس أسماؤهم أسماء المسلمين وهم من سلالات المسلمين، وفيها أوطان كانت في يوم من الأيام داراً للاسلام، ولكن لا الأقوام تشهد أن لا إله الا الله بذلك المدلول، ولا الأوطان تدين لله بمقتضى هذا المدلول، وأيما فرد لم يشهد ان لا إله إلا الله بهذا المدلول «أي المدلول الذي يعتقده سيد قطب» فإنه لم يشهد ولم يدخل الاسلام بعد، كائنا من كان اسمه ولقبه ونسبه،وأيما أرض لم تتحقق فيها شهادة أن لا إله إلا الله بهذا المدلول فهى أرض لم تدن بدين الله ولم تدخل في الإسلام بعد».
- وينفي سيد قطب عن الأمة الاسلامية اليوم إسلامها فيقول: «إن الأمة الاسلامية قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعاً» ثم يضيف: «ووجود الأمة الاسلامية يعتبر قد انقطع منذ قرون، فالأمة الإسلامية ليست «أرضاً» كان يعيش فيها الاسلام، وليست قوماً كان أجدادهم في عصر من عصور التاريخ يعيشون بالنظام الاسلامي، إنما الأمة الاسلامية جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الاسلامي، وهذه الأمة بهذه المواصفات قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض».
- ويرجع سيد قطب وصمه للمجتمعات القائمة اليوم في الأرض بالجاهلية لأنها تقنن لنفسها من القوانين والتشريعات التي تتلاءم وظروف العصر ومتطلبات الحياة، ويحقق لها الأمن والأمان ويصون مصالحها ويحقق أهدافها، ويعتبر سيد قطب ذلك اعتداءً على سلطان الله في الأرض، فيقول: «إن العالم اليوم يعيش في جاهلية من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها» وهذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض، وعلى أخص خصائص الألوهية وهى الحاكمية لأنها تسند الحاكمية للبشر لتجعل بعضهم لبعض أربابا»، ثم يفصح سيد قطب صراحة عن مكنون مذهبه الذي يتهم فيه المسلمين اليوم بالكفر صراحة، فيقول: «وإذا بدا للبشر يوما أن مصلحتهم في مخالفة شرع الله لهم فهم واهمون أولاً، وهم كافرون ثانيا»!! ثم يزيد أمر تكفيره للمسلمين، فيقول «والمسألة في حقيقتها مسألة كفر وإيمان، مسألة شرك وتوحيد، مسألة جاهلية واسلام.. إن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة الجاهلية.. ليس هذا إسلاماً وليس هؤلاء مسلمين.. والدعوة اليوم إنما ترد هؤلاء الجاهلين إلى الاسلام لتجعل منهم مسلمين من جديد»، وهنا يجب أن نتوقف لننتقل الى عام 2005 عندما وضع خيرت الشاطر خطته لتمكين جماعته من حكم مصر تحت عنوان «فتح مصر»، أي ليعيد للمصريين إسلامهم من جديد، ونتوقف أيضاً أمام كلمات محمد مرسي في أول مؤتمر له يُعقد بعد انتخابه في أول يوليو 2012، وقد اختار مكانه جامع عمرو بن العاص، وكان اختيار هذا المكان مقصوداً لذاته لأن عمرو بن العاص هو الذي فتح مصر، لذلك اختار محمد مرسي مسجد فاتح مصر ليوجه من عنده رسالة للمصريين جميعاً قال فيها: «إن عمرو بن العاص دخل مصر في وقفة العيد، وها نحن سنعيد الفتح الإسلامي من جديد»!! وهو في ذلك يشبه مصر بإسبانيا «الأندلس» عندما خرج منها الإسلام بعد سقوط الدولة الإسلامية هناك في القرن السادس عشر بعد حكم اسلامي دام فيها ثمانية قرون، وأن جماعة الإخوان اليوم في القرن الحادي والعشرين بقيادة نعيم والشاطر ومرسي هى التي ستعيد للمسلمين في مصر إسلامهم من جديد، ألا يدل ذلك بوضوح لا لبس فيه على نظرتهم التكفيرية للمصريين اليوم؟!
- ثم ينتقل سيد قطب - بعد أن وصم المجتمعات الموجودة على ظهر الأرض اليوم بالجاهلية والكفر، بما فيها المجتمعات الاسلامية الى تحديد مهمة جماعة «الإخوان المسلمين» في تقويض أنظمة الحكم فيها ليقيم على أنقاضها ما يطلق عليه المجتمع الإسلامي أو «الرباني»، فنجده يقول في كتابه «معالم في الطريق»: «ومن ثم تواجه الحركة الاسلامية هذا الواقع كله بما يكافئه وتواجهه بالقدوة والبيان لتصحيح المعتقدات والتصورات، وتواجه بالقوة والجهاد لإزالة الأنظمة والسلطات القائمة عليها»، ثم يمضي في تحريضه على تقويض الأنظمة الحاكمة، فيقول: «لابد لنا من التخلص من ضغط المجتمع الجاهلي والتصرفات الجاهلية والتقاليد الجاهلية والقيادة الجاهلية، ومهمتنا الأولى هى تغيير هذا الواقع الجاهلي من أساسه.. أن القانون الوضعي لا يستحق السيادة والسمو».
- ويعتبر سيد قطب أن الانقلاب على الأنظمة الحاكمة وإزالتها بالقوة هو عين الجهاد في سبيل الله، فيقول: «والذي يدرك طبيعة هذا الدين يدرك معها حتمية الانطلاق الحركي الاسلامي في صورة الجهاد بالسيف الى جانب الجهاد بالبيان»، ولكن متى يتعين على الجهاد أن يبدأ؟ يجيب قطب عن هذا السؤال قائلا: «وحين يبلغ المؤمنون بهذه العقيدة ثلاثة نفر فإن هذه العقيدة ذاتها تقول لهم: أنتم الآن مجتمع، مجتمع اسلامي مستقل منفصل عن المجتمع الجاهلي» ثم «والثلاثة يصبحون عشرة، والعشرة يصبحون مائة، والمائة يصبحون ألفاً»، وقد سبق لسيد قطب أن أكد فكرة أن «العقيدة» تقوم بذاتها الى الحركة الواقعية ومن ثم للجهاد بالسيف». وهذا ما يؤكد حقيقة مهمة أثبتتها العمليات الإرهابية للإخوان أن «الإرهاب يبدأ فكراً».
وعندما برز السؤال المهم: كيف يمكن لهذه الجماعة المحدودة العدد أن تواجه العالم بأسره؟ وهو سؤال تردد بقوة عندما تصور أسامة بن لادن - زعيم تنظيم القاعدة الارهابي - أنه قادر على هذه المواجهة بهذه المجموعة التي تحيط به، فأجاب سيد قطب في كتابه «المعالم» قائلا: «المؤمنون أجراء عند الله أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا عملوا، وقبضوا الأجر المعلوم، وليس لهم ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير، فذلك شأن صاحب الأمر لا شأن الأجير»، وهو ما يؤكد مبدأ السمع والطاعة الذي زرعه حسن البنا في أتباعه، وتنفيذ كل ما تُمليه قيادة الجماعة عليهم من أوامر دون مناقشة، حتى وإن كان أمراً بالانتحار، وكل ما عليهم هو الثبات مؤكداً «الثبات هو بدء الطريق الى النصر، وأثبت الفريقين أغلبهما».
ثانيا: الحاكمية
يمثل شعار «الحاكمية لله» حجر الزاوية في الخطاب القطبي، حيث يعتبر قطب أنه بمقتضى «لا إله إلا الله.. فإنه لا حاكمية إلا لله، ولا شريعة إلا من الله، ولا سلطان لأحد، لأن السلطان كله لله»، ثم يزعم أن الحاكمية لله لا تقوم اليوم والمجتمعات الاسلامية لأن الحكام لا يطبقون القوانين المأخوذة من الشريعة الاسلامية، وبناء على ذلك أسس حكمه بتجهيل وتكفير هذه المجتمعات الإسلامية، وبناء عليه دعا أتباعه الى الانضمام للتنظيم الحركي السابق الإشارة إليه للاستيلاء على الحكم تحت شعار إعادة «الحاكمية لله» في المجتمع، وسيد قطب في هذا الزعم قد تأثر بصيحة الخوارج الأولى عشية تأسيس الدولة الأموية «لا حاكمية إلا لله» والتي خلطوا فيها بين «حكم الله» بمعنى الاحكام الإلهية السارية في الوجود كله والتي يرجع فيها الأمر إلى المولى عز وجل، وبين «الحكومة» والحكم الدنيوي، فجعل قطب وجماعته الدولة والامارة والسياسة، ديناً خالصاً،  ومن ثم رفضوا أن يكون للبشر دخل في السياسة والحكومة، وفي كتابه «السلام العالمي والاسلام» ص 170 نجده يقفز إلى مطالبة جماعته بالجهاد من أجل تحقيق الحاكمية فيقول «ضرورة الجهاد لحماية الآمنين ونشر الدعوة والقضاء على أي ظلم في الأرض حتى تسود الحاكمية وتتحقق ربوبية الله في الأرض»، وهذا تطاول وسوء أدب على المولى عز وجل، فهل الله تعالى في حاجة الى جماعة الاخوان - حاشا لله - لكي تتحقق ربوبيته في الأرض؟! إن حكم الله، في الوجود وربوبيته قائمة من الأبد وإلى الأزل، وليست في حاجة لمن يحققها أو يعيدها وهذا من بديهيات إيمان أي مسلم.
- ثم يزعم قطب أن الحاكمية لا تتحقق إذا خرجت القوانين المطبقة عن الشريعة الاسلامية، ومن ثم يدعو الى ضرورة الثورة الشاملة والتمرد الكامل على كل حكم للبشر بدعوى جعل «الحاكمية لله» فيقول في ص 67 من كتابه «معالم في الطريق» «إن اعلان ربوبية الله وحده معناه الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها، وأنظمتها وأوضاعها والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض يكون فيها الحكم للبشر بصورة من الصور»، كذلك تأثر سيد قطب في مفهوم الحاكمية بأفكار الكاتب الباكستاني أبو الأعلى المودودي، وإن كان قطب أهمل ما ذكره المودودي عن وجود «حاكمية بشرية مقيدة» فيما لا نص فيه، وفي كتابه «العدالة الاجتماعية في الاسلام» يقول قطب: «ليس لمخلوق على مخلوق سلطان، فهذا السلطان لله وحده وليس بين الانسان والله توسط، ولذلك فإن السلطة للأمة لا للحاكم، لا يبتكر من عنده القوانين، فهى مفروضة من الله.. وما علي الحكومة إلا تطبيقها والمحكومين تنفيذها».
ونجد قطب ينعي على الاجيال التالية للمسلمين الأوائل عدم تطبيقهم هذه القاعدة بعد انتقال الرسول بثلاثين عاماً: فيقول: «بدأ الانحراف عن سنة الاسلام الرفيعة بسبب سرعة إسلام شعوب المنطقة التي أدت الى عدم جدية اسلامهم إذ أنهم لم يتحرروا من بقايا عقائدهم السابقة»، ولا يخفى قطب في كتابه «معالم في الطريق» حقيقة ما يهدف اليه من دعوته كلها وهو الاستيلاء على الحكم، فيدعو صراحة الى عدم الالتفات والاهتمام بوضع خطط وبرامج الاصلاح ووسائله، وإنما الجهد يجب أن يركز على إسقاط الأنظمة القائمة واستيلاء الجماعة على السلطة، وفي ذلك يقول: «وألف كتاب عن الاسلام وألف خطبة في مسجد أو قاعة أو ميدان، وألف فيلم في الدعاية للاسلام، وألفى بعثة من الأزهر أو غير الأزهر في كل مكان، كل أولئك لا يغني عناء مجتمع صغير يقوم في ركن من أركان الأرض يعيش بمنهج الاسلام.. وتتمثل فيه خصائص هذا المنهج وصورة الحياة في الاسلام» أليس ذلك تماما فكرة الامارة التي أقامتها طالبان في أفغانستان ودعمها تنظيم «القاعدة» الارهابي، ثم يزيد قطب الأمر إيضاحا فيقول «كل فقه تراد تنميته وتطويره في وضع لا يعترف ابتداء بحاكمية الاسلام هو عملية استنبات للبذور في الهواء، وهو عبث لا يليق بجدية الاسلام»، ثم ينتقد من يطالب الإخوان بالكشف عن منهجهم وبرامجهم للحكم فيقول: «إن الجاهلية التي حولنا كما أنها تضغط على أعصاب بعض المخلصين من أصحاب الدعوة الاسلامية فتجعلهم يتعجلون خطوات المنهج الإسلامي، هى كذلك تتعمد أن تحرجهم فتسألهم.. أين تفصيلات نظامكم الذي تدعون إليه؟» ثم يجيب قطب علي سؤاله: «إن منهج أصحاب الدعوة الإسلامية أن تتبلور النظرية من خلال الحركة وتتجدد ملامح النظام من خلال الممارسة». أليست هذه هي نفس إجابة الرئيس المعزول محمد مرسي وعشيرته عندما سُئل عن تفاصيل خطة «النهضة» التي زعم أن مئات من المتخصصين في كافة المجالات قد وضعوها للنهوض بمصر، ثم انكشف حقيقة الأمر بأنها خطة وهمية لا وجود لها، وهو ما اعترف به خيرت الشاطر نفسه عندما نفي وجودها، زاعما أن مثل هذه الخطة تتبلور من خلال الممارسة، وهو ما يؤكد أن الأمر لا يخرج من وجهة نظر قطب وأتباعه حتي اليوم عن المطالبة بالحكم بأي ثمن وتحت أي مبرر بعيدا عن أي منهج جاء للإصلاح، بل عندما دخل الإخوان مجلس الشعب في عام 2005 وكان السؤال الملح المطروح عليهم هو عن برنامجهم للتعامل مع قضايا المجتمع ومشكلاته ردوا بتلك العبارة الفضفاضة «الإسلام هو الحل» تهربا من أي رد موضوعي علي هذا السؤال.
أما عن اختيار سيد قطب لكلمة «الحاكمية» كمبرر لهدم المجتمعات القائمة واستيلاء جماعته، فلذلك قصة طريفة يكشف عنها عادل حمودة في كتابه «سيد قطب من القرية إلي المشنقة» ص144 فيقول عن فترة وجود قطب في السجن «في تلك الأيام كان سيد قطب مهموما بالبحث عن الوصف الذي يريحه لنظام عبدالناصر، وفي رواية تحيط بها هالات مقدسة وتمنحها دعم السماء، يقول البعض إن زميل وحليف سيد قطب في عنبر العلاج محمد حواش أنقذه من الحيرة، وألهمه الوصف المناسب لنظام حكم عبدالناصر، قال له حواش إن سيدنا يوسف عليه السلام جاءه في المنام وطلب منه أن يبلغ قطب أنه سوف يجد ما يبحث عنه في سورة يوسف وتحديدا في الآيات 35 - 41 والتي تروي حديث سيدنا يوسف مع فتيين كانا معه في السجن «ما تعبدون من دون الله إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون» فالتقط منها سيد قطب جملة «إن الحكم إلا لله» واعتبر ذلك هو الشعار الملهم واشتق منه لفظ «الحاكمية لله».
التناقض في دعوات سيد قطب
حفلت كتب سيد قطب بالتناقضات في أفكاره، ففي الوقت الذي حفلت كتبه بتحريم أن  يُشرع المسلمون لأنفسهم قوانين وضعية تتفق وروح العصر وتتواءم مع مصالحهم وأهدافهم، بل ويعتبر ذلك «جاهلية» و«كفرا» نجده في كتابه «نحو مجتمع إسلامي» يقول: «إن الصور التاريخية للمجتمع الإسلامي ليست الصور النهائية لهذا المجتمع، بل هناك صور متجددة أبدا، فكيف إذن لفكرة ثابتة أن تواجه حاجات وأصولا مجددة؟ وكيف يمكن لهذه الحاجات والأحوال أن تتحرك وتنمو

في ظل حركة فكرة ثابتة؟ ثم يقول: «إن تشريعات الفقه كانت تلبية لحاجات زمنها، وأي نقل منها من زمن لفرضها علي زمن آخر ليس من شرع الله ولا من عمل سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم، فهي لا تحصل إلا للاسترشاد والاستشهاد بها في الحالات المشابهة التي تشهدها الأجيال المتجددة، ولكنه لا يبلغ حد الإلزام المطلق».
ثم يواصل كلامه مبيحا لكل جيل أن يضع نظمه الاجتماعية التي تلبي حاجات زمانه، فيقول: «أما فيما يتعلق بالمجتمع وأطواره فإن الصورة التاريخية للمجتمع الإسلامي لا تجدد ولا تستوعب كل الصور الممكنة للمجتمع الإسلامي، ولكل جيل أن يبدع نظمه الاجتماعية في حدود المبادئ الإسلامية وأن يلبي حاجات زمانه باجتهادات فقهية قائمة علي الأصول الكلية للشريعة الإسلامية، بل ويزيد الأمر تأكيدا في ضرورة أنيقنن الناس لأنفسهم ما يرونه من فقه، فيقول: «الفقه من صنع البشر استمدوه من فهمهم وتفسيرهم للشريعة، فالشريعة ثابتة والفقه متغير» ثم يقول: «ويمكن التجاوز عن الفقه».
بل وينتقد عدم تجديد الفقه الإسلامي، فيواصل قائلا: «لقد استمر نمو الفقه الإسلامي وتطوره الي نحو القرن الثاني بعد انتقال الرسول صلي الله عليه وسلم الي الرفيق الأعلي، وكان في نموه وتطوره متابعا لنمو المجتمع الإسلامي وتطوره، وملبيا لحاجاته المتجددة بسبب بروز تلك الحاجات ثم  ركد الفقه تبعا لركود المجتمع الإسلامي حتي إذا قفزت الحياة قفزاتها الواسعة في القرون الثلاثة الأخيرة وتجدد المجتمع الإسلامي لم يكن الفقه الإسلامي علي استعداد لمسايرة الحياة المتوثبة ، وبذلك وجدت فجوة تاريخية في تسلسل هذا الفقه ومسايرته للحياة الجديدة وحاجاتها التي تضاعفت أضعافا كثيرة».
ورغم أن سيد قطب نجده في كلامه السابق يؤكد الحاجة الي فقه جديد يتماشي مع المعطيات الجديدة أو بالدقة الي فقه يتجدد دوما، بل وينعي علي الحضارة الغربية خلوها من النزعة الإنسانية وامتنانها بالتقدم التكنولوجي، نجده لا يلبث أن يتراجع عن كل ذلك معتبرا أن التجديد في الفقه الذي سبق أن طالب به أصبح يعني «العودة أربعة عشر قرنا الي الخلف»، وينقد الحضارة الغربية وجعلها هي وكل الدول الإسلامية التي تتعامل معطيات هذه الحضارة ديار حرب وجاهلية وكفر، وهكذا نري سيد قطب ومنذ البدايات كان يسير بالقارئ في طريق ثم لا يلبث أن ينحني به عكس ما يتوصل إليه القارئ من معان، بل نجده أيضا في كتاب «السلام العالمي والإسلام» ص36 يحض المسلمين علي التعامل بسلام ليس فقط مع حكوماتهم بل وبالطوائف والدول الأخري، فيقول: «الإسلام يبدأ بمحاولة السلام أولا في ضمير الفرد، ثم في محيط الأسرة، ثم في وسط الجماعة، وأخيرا يحاول في الميدان الدولي بين الأمم والشعوب، إنه ينشد السلام في علاقة الطائفة بالطوائف، وفي علاقة الأفراد بالحكومات ثم ينشده في علاقة الدولة بالدول الأخري، وإنه ليسير في تحقيق هذه الغاية الأخيرة في طريق طويل يعبر فيه من سلام الضمير الي سلام البيت، الي سلام المجتمع الي سلام العالم في نهاية المطاف!! أين هذا الكلام من دعواته في كتاب المعالم عن هجرة المجتمع والحكومة واعتزالهما وعدم العمل كخلايا حية في هذه المجتمعات ونبذها وعدم ولائها؟!
ومن مظاهر التناقض أيضا في الخطاب القطبي أنه يقول في كتابه «الإسلام ومشكلات الحضارة»: «ليس الذي ينقص البشرية لقيام مجتمع إسلامي هو وجود فقه إسلامي منظور «نلاحظ أنه قال من قبل بضرورة وجود هذا الفقه المتطور» إنما الذي ينقصها ابتداء هو اتخاذ الإسلام نهجا وشريعته شريعة، إن الفقه الإسلامي لكي يتطور ينبغي أن يجد التربة التي يتطور فيها وهي مجتمع إسلامي يعيش في العصر الحاضر»!!
الرد علي افتراءات وأباطيل سيد قطب
وفي مواجهة الدعوات الباطلة التي أطلقها سيد قطب حول تكفير وتجهيل المجتمعات الإسلامية وصارت مع مرور السنين عقيدة ثابتة تنعكس في عقائد وسلوكيات جماعة الإخوان، علينا أن نرجع الي كتاب الله والسنة الشريفة لنرد بهما علي هذه الافتراءات والأكاذيب وما حوته من تضليل ودعوة الي فتنة تقضي علي الأخضر واليابس في المجتمعات الإسلامية، وهو ما يحقق أهداف أعداء الإسلام في الداخل والخارج.
أ - إن تكفير المسلمين بدعوي خروج الحاكم عن الالتزام بالشريعة الإسلامية هو سلوك يتعارض تعارضاً كاملاً مع قوله تعالى «ولا تزر وازرة وزر أخرى» (الأنعام 164)، فإيمان أو كفر أي إنسان هو أمر شخصي يرتبط به وحده ويتعلق فقط بما يستقر في قلبه من معتقد في أركان الإيمان، وليس له علاقة بإيمان أو كفر الحاكم أو غيره من الناس، وأن تردِّي أي إنسان في الكفر -بما في ذلك الحاكم- لا ينقص من إيمان غيره، ولا يضار المؤمن مطلقاً في إيمانه بضلال أي إنسان آخر، مصداقاً لقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم» (المائدة 105).
ب - كما أن هذا المنهج الذي يدعو له سيد قطب بتكفير المسلمين يتعارض مع أحاديث سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم القائل فيها: «إذا كفَّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما». لذلك يحذرنا الولى عز وجل ورسوله من أن يرمي المسلم غيره بالكفر لأن الإيمان أو الكفر محله القلب، وما في قلوب العباد لا يعلمه إلا خالق العباد «يعلم خائنة الأعين ما تخفى الصدور»، لذلك فإن لنا ظاهر الإنسان، فإن أعلن وأظهر الإسلام قلنا إنه مسلم، وأن أعلن وأظهر كفره قلنا إنه كافر، أما تكفير المسلم -أو مجتمع إسلامي كله- رغم نطق الشهادة وإقامة فروض الإسلام الخمسة، فذلك مما لا يرضي عنه الله ورسوله، بل ويعد من الكبائر. ومن ذلك كله نستنبط أن الحكم علي إيمان الناس أو كفرهم مرجعه إلي الله تعالى، ومن ثم فإن كل من يزعم أن له حق الحكم علي كفر أو إيمان الناس فهو في حكم الشرك بالله تعالى، لأنه يشارك المولى عز وجل فيما اختص به نفسه سبحانه وتعالى، كما يدل علي ذلك قوله تعالى: «أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله» (الشورى 21).
ج - وفي مواجهة شعار الحاكمية لله التي يزعم سيد قطب أن هذه الحاكمية لا تتحقق ولا تقوم إلا إذا كان الحاكم يطبق قوانين الشريعة الإسلامية، ثم يؤسس علي ذلك حكمه بتكفير مجتمعنا المصري، فإننا نود بداية التأكيد علي أن لفظ الحاكمية لم يرد بأي آية في القرآن ولا في أي حديث للرسول صلي الله عليه وسلم، وغالبية الإخوان ينطقون بهذا المصطلح الذي زرعه قطب في عقولهم وهم لا يعرفون حقيقة مراد واضعيه إلا عبارات مبهمة سمعها هنا أو هناك، لذلك فهم يعتقدون بمصطلح يرتكزون عليه في ممارساتهم الهدامة من كلام بشر غير معصوم وارد عليه الخطأ والوهم.
د - ونلاحظ أن سيد قطب يقتطع من الآيات القرآنية ما يخدم أهدافه الهدامة، مثل قوله تعالي «إن الحكم إلا لله» في أنها تعني الحكم الدنيوى الذي يمارسه الحاكم، فإذا رجعنا إلى قراءة هذه الآيات بشكل كامل فسنجد أنها تتحدث عن أحكام أخرى غير الحكم الدنيوى الذي يقصده سيد قطب. فإن في قوله تعالى: «ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلى الكبير» (غافر 12) حيث تبين هذه الآية أن الحساب وما ينزل بالكافرين من النقمة والعذاب إنما بيد المولى عز وجل الذى يحكم بين عباده ويفصل بينهم، ومن ثم فليس للفظ (الحكم) هنا أية علاقة بالحكم الدنيوى، وإنما هو (الحكم الإلهي) للمولى عز وجل بين عباده.. وفي قوله تعالى في سورة الأنعام «قل إني علي بينة من ربى وكذبتم به ما عندى ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقضى الحق وهو خير الفاصلين» حيث تبين لنا هذه الآيات أن الرسول قد رد الحكم فيما يستعجل به المكذبون إلى الله تعالى لأن هذا الحكم مرده إليه سبحانه، وليس له من علاقة بالحكم الدنيوى. وفي قوله تعالى أيضاً من سورة الأنعام «ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون. ثم ردّوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين». وفي هذه الآية الكريمة ورد قوله تعالى (ألا له الحكم) ليصف الحكم الإلهى السارى في الوجود والذي لا تملك نفس أن ترده أو تنفك عنه، وهو أيضاً ما لا علاقة له بالحكم الدنيوى، ومن البديهى أن الناس سواء طبَّقوا الشريعة أو لم يلتزموا بها فإن ذلك ليس له علاقة بالآيات التي تتحدث عن الحكم الإلهى السارى في الوجود ويتاجر بها أصحاب شعار الحاكمية لله، ذلك لأن الله غني عن العالمين مؤمنهم وكافرهم.
هـ - وفي مواجهة دعوة سيد قطب لتخريب المجتمعات الإسلامية للاستيلاء علي السلطة بزعم إقامة الحكم الربانى، فهي دعوة إلي الفتنة وليس فيها أي صالح للإسلام، لأن الدعوة إلي الإسلام لا يمكن أن تقوم علي أساس الاستيلاء على الحكم، وإنما التأسى برسل الله واتباع منهجهم في الهداية إلى الله، الذي أمرهم به المولى عز وجل والقائم علي أساس قوله تعالى: «أدعو إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة». وذلك بعيداً عن أي صورة من صور الإكراه، على حكم قوله تعالى «لا إكراه في الدين». هذا فضلاً عن أن الدعوة إلي الاستيلاء علي الحكم لابد أن تنتهي حتماً إلي صراعات تبدأ فكرية وسياسية وتنتهي مسلحة ودموية، حيث تتصارع الجماعات والأحزاب والطوائف، كل يريد أن يأخذ الحكم لنفسه بدعوى تطبيق شرع الله، كما هو الحال اليوم في مصر قبل وبعد ثورة 30 يونية 2013 بعد أن طرد الشعب المصري الإخوان من الحكم، فأشاعوا القتل والتخريب والفوضى في جنبات المجتمع المصرى حتي يعودوا مرة أخرى للحكم.
و- أما ما يروج له سيد قطب من تقسيم البلاد إلى دار حرب ودار إسلام، حيث يستبيح سيد قطب حرمات المسلمين من أرواح ودماء وثروات وأعراض بدعوى أنها دار حرب، فإن ذلك تقسيم باطل ليس له أي دليل من كتاب الله وسنة رسوله، بل يخالف ما جاء في القرآن الكريم من أن ثواب أو عقاب أهل القرى إنما يكون نسبة إلي سلوك أهلها وعقيدتهم من إيمان أو كفر «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدى الناس»، كما يتعارض مع الحديث الشريف «كل المسلم علي المسلم حرام. دمه وماله وعرضه»، وأيضاً حديث حضرته «من خرج علينا بالسلاح فليس منا».
ز- كما أن دعوة سيد قطب للقتل وسفك الدماء تحت شعار الجهاد في سبيل الله، بعد أن دمغ المجتمع المصرى بالكفر والشرك مستنداً إلي قوله تعالى «وقاتلوا المشركين كافة» فإنه قطع متعمداً سياق الآية متجاهلاً باقى الآية «كما يقاتلونكم كافة» كما تتعارض دعوته مع قول المولى عز وجل: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا. إن الله لا يحب المعتدين»، ومتجاهلاً أيضاً حقيقة وجوهر الجهاد، وهو جهاد النفس الذي وصفه رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديثه الشريف: «عدنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر، قالوا وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال: جهاد النفس».
ح - أما زعم سيد قطب بأن الحكام والناس قد اعتدوا علي سلطان الله، وسلبوه -حاشا لله ونستغفره- أخص خصائص الألوهية، فإن ذلك تطاول وسوء أدب علي المولى عز وجل، لأن من بديهيات الإيمان أن نؤمن بالقدرة المطلقة للمولى عز وجل في الوجود، «له ملك السموات والأرض يحيي ويميت وهو علي كل شيء قدير». فمن ذا الذي يستطيع أن يسلب سلطان الله في الوجود أو يعتدي علي أخص خصائص الألوهية كما يزعم «قطب»؟ إن حكم المولى عز وجل للوجود قائم ومستمر ومرتبط بالإرادة الألوهية الصرفة والقدرة الإلهية المطلقة ولا علاقة له بإرادة الناس ولا بقدرتهم علي إيمانهم أو كفرهم «والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب». أما التكاليف الإلهية لعباده من عبادات ومعاملات، فإن المولى عز وجل يترك للناس حرية الالتزام بها، فيفعلونها بإرادتهم الحرة ليفوزوا برضوان الله، أو يخالفوها بإرادتهم الحرة فيبوءوا بغضبه مصداقاً لقوله تعالى: «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» والمحاسب هو الله تعالي وهو سريع الحساب في الدنيا قبل الآخرة.

خلاصة القول:
- تثبت السنون والأيام منذ ظهور سيد قطب علي مسرح الأحداث في مصر في أربعينيات القرن الماضى، أن كل ما شهده العالم الإسلامي وليس مصر فقط من أعمال عنف وفوضى وإرهاب كانت نتيجة البذرة الشريرة التي زرعها هذا الرجل في عقول الإخوان وحلفائهم حول تكفير المجتمعات الإسلامية ورميها بالجاهلين واستحلال حرماتها من أجل وصول جماعته إلي السلطة والحكم، وما الدين إلا الغطاء الذي يتدثر به هؤلاء الإرهابيون لإخفاء حقيقة هويتهم الفاشية التي ظهرت جلية بكل ما مارسوه من قتل وتخريب وتدمير وسحل وتعذيب وترويع الآمنين عبر عام من الحكم الظلامى لهذه الجماعة وما تلاه حتي اليوم بعد أن أزاحها الشعب المصرى عن صدره ولفظها في 30 يونية الماضى. وأكبر دليل علي ذلك أن من يفتش في دماغ محمد مرسى يكشف ارتباطه الوثيق بسيد قطب، وأنه تلميذ مُتيَّم باستاذ لم يره ولم يعرفه إلا عبر أفكار ملغمة تركها لأجيال من الإخوان لتصبح مانفيستو حركى لأعمالهم الهدامة ومبرراً شرعياً لإنتاجهم العنف والفوضى.
- ورغم ما ثبت من فاشية سيد قطب وماسونيته ومن قبله حسن البنا، نري جماعته يخلعون على البنا لقب (الإمام الشهيد) وعلي قطب لقب (الشهيد)، في حين أن تاريخ حسن البنا وممارساته يثبتان أنه ليس بإمام ولا بشهيد، بل هو نهّاز فرص حيث استغل سقوط الخلافة العثمانية في تركيا، فنادى بعودة دولة الخلافة ليجعل من نفسه خليفة للمسلمين، كما لم يثبت له أي اجتهاد في الدين يمكن أن يجعل منه إماماً، بل إن كل ما جاء في رسائله وخطبه يعكس رؤية سياسية ونظام حكم ثيوقراطى (دينى) وتشكيل مجتمع عصابى، وهو ما ليس من الدين في شىء، فأين الاجتهاد في الدين الذي يؤهله إلي مستوي الإمامة؟ كما أننا ننفى عنه أيضاً لقب الشهيد لأنه قُتل في صراع علي السلطة مع الملك فاروق، ولم يُقتل في سبيل الله. نفس الأمر مع سيد قطب، فهو ليس أيضاً بشهيد لأنه قُتل في صراع علي السلطة مع عبدالناصر.
- ولكن بفضل الله تعالى وحماية رسوله صلي الله عليه وسلم لهذا البلد، نجد أن كل مخططات وأعمال الإخوان وتنظيمهم الدولى حتي اليوم وغداً باءت وستبوء -إن شاء الله- بالفشل والخيبة.. فقد فشلوا في حكم مصر، وفشلوا في محاولات أخونة الدولة، وفشلوا في محاولات اعتصامهم في رابعة والنهضة وغيرها، وفشلوا في أن تحقق مظاهراتهم أياً من أهدافها، وفشلوا في الإيقاع بين الجيش والشرطة والشعب، بل علي العكس أدت ممارسات الإخوان إلي تلاحم هذه القوي الثلاث في وجه الإخوان بشكل لم يسبق له مثيل. لذلك فشل تنظيمهم الدولى في إثارة الدول الغربية ضد مصر.. فها هي أمريكا وبريطانيا وألمانيا يتراجعون عن قراراتهم السابقة بوقف التعاون العسكري والاقتصادى مع النظام الجديد في مصر، خاصة بعد أن أعادت مصر التوازن في علاقاتها الدولية بالانفتاح علي روسيا والصين. ومن فضل الله أيضاً علينا ما اتسمت به جماعة الإخوان من غباء سياسي جعلها تنفصل عن الواقع.. وتعيش في عالم افتراضى خاص بها، ولا تستوعب دروس وعبر اللطمات والضربات التي توجه لها، مما أدى إلي زيادة انعزالها وكراهية وبغض المصريين لها، واعتبارهم أن الإخوان ورم سرطاني ينبغي استئصاله نهائياً من الجسد المصرى، وهو ما سيتحقق بإذن الله قريباً حتي تنجو مصر من شرورهم وآثامهم، والله من ورائهم محيط.