رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الدول الإسلامية سبقت أوروبا في‮ ‬اكتمال عنصري‮ ‬الإقليم والشعب

يقوم النظام الدولي‮ ‬في‮ ‬شكله الحاضر علي‮ ‬تقسيم أرض المعمورة إلي‮ ‬وحدات إقليمية‮ ‬يطلق عليها اسم الدول،‮ ‬والدولة هي‮ ‬حجر الزاوية في‮ ‬نظام القانون الدولي،‮ ‬فهي‮ ‬نظام قانوني‮ ‬وسياسي،‮ ‬يمكن تعريفها بأنها جمع من الناس‮ ‬يعيش علي‮ ‬سبيل الاستقرار علي‮ ‬إقليم محدود،‮ ‬ويدين بالولاء لسلطة حاكمة،‮ ‬لها السيادة علي‮ ‬الإقليم وعلي‮ ‬أفراد هذا الجمع،‮ ‬وقد نصت المادة الأولي‮ ‬من الاتفاقية الخاصة بحقوق الدول التي‮ ‬عقدتها الولايات المتحدة الأمريكية في‮ ‬26‮ ‬من ديسمبر سنة‮ ‬1933‮ ‬علي‮ ‬أنه‮ ‬يجب لكي‮ ‬تعتبر الدول شخصاً‮ ‬من أشخاص القانون الدولي‮ ‬أن تتوافر فيها الشروط التالية‮:‬

‮(‬1‮) ‬شعب دائم‮. (‬2‮) ‬إقليم محدود‮. (‬3‮) ‬حكومة،‮ ‬وعلي‮ ‬أساس هذا النص‮ ‬يمكن القول بأن هناك ثلاثة أركان رئيسية‮ ‬يجب توافرها لكي‮ ‬يصدق وصف الدولة علي‮ ‬وحدة إقليمية وسياسية معينة،‮ ‬وهذه الأركان هي‮: ‬الشعب والإقليم والسيادة‮.‬

ومادامت الدولة تتكون من جمع من الأفراد،‮ ‬وهم الذين‮ ‬يؤلفون شعبها،‮ ‬ويقطنون إقليمها،‮ ‬ويخضعون لسلطانها فإنهم بالتالي‮ ‬يخضعون لدستورها وأحكام قوانينها،‮ ‬بما تقرره لهم من حقوق وحريات،‮ ‬وما تفرضه عليهم من تكاليف والتزامات‮.‬

ويبين قانون الجنسية في‮ ‬كل دولة الأشخاص الذين‮ ‬يستمتعون بجنسية الدولة،‮ ‬وتربطهم بها رابطة الولاء،‮ ‬علي‮ ‬أنه‮ ‬يوجد عادة علي‮ ‬إقليم كل دولة أشخاص آخرون،‮ ‬يعرفون بالأجانب تربطهم بالدولة رابطة الإقامة أو التوطن‮.‬

أما إقليم الدولة فإنه ذلك الجزء المحدود من الكرة الأرضية الذي‮ ‬يخضع لسيادة الدولة،‮ ‬وتربط الإقليم الآن بالدولة رابطة وثقي‮ ‬تجعلهما لا‮ ‬يفترقان‮. ‬فإن كان الإقليم سابقا علي‮ ‬ظهور الدولة الحديثة من حيث تاريخ الوجود فإن أغلب الظن أنه سوف‮ ‬يبقي‮ ‬موجوداً‮ ‬حتي‮ ‬بعد زوال الدولة في‮ ‬صورتها الحالية‮.‬

والرابطة التي‮ ‬تربط بين الدولة وبين الإقليم رابطة حديثة النشأة‮ ‬يرجع وجودها إلي‮ ‬القرن التاسع عشر،‮ ‬وتوثقت في‮ ‬القرن العشرين،‮ ‬فالإقليم لم‮ ‬يكن عنصراً‮ ‬أساسياً‮ ‬من عناصر الدولة عند اليونان وعند الرومان،‮ ‬ثم بدأت هذه الرابطة تظهر في‮ ‬العصور الوسطي،‮ ‬فعندما أنشأت الأمم الجرمانية الدول في‮ ‬غرب أوروبا ووسطها كان مظهر الدولة هو مظهر الجماعة الوطنية التي‮ ‬لا ترتبط بإقليم معين محدد برابطة دائمة‮.‬

وفي‮ ‬أواخر العصور الوسطي‮ ‬بدأ الإقليم‮ ‬يظهر في‮ ‬الإدراك القانوني‮ ‬للدولة،‮ ‬بوصفه عنصراً‮ ‬من عناصر تكوينها‮. ‬ومن هنا‮ ‬يتبين لنا أن السيادة الإقليمية هي‮ ‬أساس جميع العلاقات الدولية الآن،‮ ‬وأن كل الالتزامات الدولية تتعلق بالحقوق العينية علي‮ ‬إقليم الدولة‮.‬

والمعروف أن هذا الوضع كان مقصوراً‮ ‬علي‮ ‬دول أوروبا المسيحية التي‮ ‬طبعت قواعد القانون الدولي‮ ‬بطابعها،‮ ‬وقصرت العضوية في‮ ‬الأسرة الدولية علي‮ ‬الدول الأوروبية التي‮ ‬تدين بالدين المسيحي‮ ‬دون‮ ‬غيرها من الدول‮.‬

لذلك نجد أن الوضع السابق فيما‮ ‬يتعلق بالإقليم كان محدودا بالنظم التي‮ ‬سادت أوروبا،‮ ‬أما في‮ ‬غيرها كالنظام الإسلامي‮ ‬مثلاً،‮ ‬فقد كان الإقليم فيه مرتبطاً‮ ‬بنظام الدولة برابطة حتمية،‮ ‬ذلك أن النظام الإسلامي‮ ‬يقسم المعمورة إلي‮ ‬دارين‮:‬

دار الإسلام هي‮ ‬تلك الدار التي‮ ‬تمتد إليها ولاية المسلمين،‮ ‬أي‮ ‬تلك الدار التي‮ ‬تسودها أحكام الشريعة الإسلامية،‮ ‬وظاهر أن العنصر الذي‮ ‬يميز دار الإسلام من دار الحرب هو عنصر الإقليم،‮ ‬فالإقليم الذي‮ ‬تسوده أحكام الشريعة هو العنصر المكون لدار الإسلام،‮ ‬وهو الذي‮ ‬يحدد تلك الدار‮.‬

ولما كان النظام الإسلامي‮ ‬وغيره من الأنظمة‮ ‬غير المسيحية قليل التأثير علي‮ ‬النظام القانوني‮ ‬الدولي‮ ‬الذي‮ ‬صنعته الحضارة الأوروبية المسيحية،‮ ‬فقد ظل وضع الإقليم في‮ ‬القانون الدولي‮ ‬مطبوعاً‮ ‬بالطابع السالف بيانه‮.‬

وقد ثار النقاش في‮ ‬شأن الطبيعة القانونية لإقليم الدولة،‮ ‬وطبع هذا النقاش منذ قيامه بطابع الظروف التاريخية،‮ ‬ونظم الجماعات الإنسانية،‮ ‬وأسس العقائد الدينية التي‮ ‬لابست تطورات الجماعات الإنسانية في‮ ‬مختلف العصور‮.‬

ولعل أهم النظريات في‮ ‬الطبيعة القانونية للإقليم هي‮ ‬نظرية الملكية،‮ ‬ونظرية المساحة،‮ ‬ونظرية الاختصاص‮. ‬وأنصار النظرية الأولي‮ ‬يذهبون إلي‮ ‬أن الحق في‮ ‬الإقليم هو حق عيني‮ ‬يماثل حق الملكية،‮ ‬وقد نشأت هذه النظرية في‮ ‬بادئ الأمر متأثرة بالعقائد الدينية التي‮ ‬كانت سائدة حينذاك‮.‬

وكان مظهر نشأتها الأولي‮ ‬أنه كان لكل من مختلف الآلهة نطاق إقليمي‮ ‬محلي،‮ ‬وكان الآلهة المحليون‮ ‬يشكلون آلهة بكل معاني‮ ‬الكلمة،‮ ‬ويعدون فوق ذلك الأصحاب الحقيقيين للأراضي التي‮ ‬تخضع لسلطانهم الديني‮ ‬المحلي‮.‬

وإذاما ارتقي‮ ‬بعض هؤلاء الآلهة المحليين إلي‮ ‬مرتبة الآلهة الوطنيين،‮ ‬فإن معني‮ ‬ذلك أن دائرة ملكهم وملكيتهم قد اتسعت كل الإقليم الذي‮ ‬يحيا عليه المؤمنون بهم،‮ ‬العابدون لهم‮!‬

وقد ظلت هذه الظاهرة الدينية الإقليمية قائمة مدة طويلة من الزمان،‮ ‬وبدت واضحة المعالم بعد ذلك فيما ورد من بعض الأقوال في‮ ‬العهد القديم،‮ ‬وفيما ادعاه بعد ذلك رؤساء الكنيسة الكاثوليكية من الحق في‮ ‬التصرف في‮ ‬مختلف قطاعات الكرة الأرضية بإصدار المراسيم بتحويل ملكيتها للأسبان وللبرتغاليين إبان عصر الاكتشافات الجغرافية،‮ ‬وذلك‮ ‬يوصف أن البابا هو ممثل الرب المالك للأرض‮!‬

وعلي‮ ‬الرغم من أن نظرية الملكية في‮ ‬مظهرها الديني‮ ‬قد اندثرت تماماً،‮ ‬وانهارت أسسها إلا أن الصهيونيين قد استندوا إليها فيما جاء من أقوال في‮ ‬العهد القديم لتأسيس حقهم في‮ ‬العودة إلي‮ ‬فلسطين أرض الميعاد،‮ ‬بوصف أن الرب قد منحهم ملكيتها‮.‬

ويري‮ ‬الصهيونيون أن العهد القديم‮ ‬يثبت حقهم في‮ ‬ملكية فلسطين تأسيساً‮ ‬علي‮ ‬بعض ما ورد في‮ ‬العهد القديم‮.. »‬وقال له أنا الرب الذي‮ ‬أخرجك من أور إلي‮ ‬الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها‮ - ‬سفر التكوين‮: ‬الإصحاح ‮٣٢ -‬،‮ ‬ومنها كذلك ما جاء في‮ ‬سفر‮ ‬يسوع بن نون في‮ ‬الآيات من ‮١ ‬إلي ‮٦ ‬علي‮ ‬النحو التالي‮: ‬وكان بعد موت موسي‮ ‬عبدالرب أن الرب كلم‮ ‬يسوع بن نون خادم موسي‮ ‬قائلاً‮: ‬موسي‮ ‬عبدي‮ ‬قد مات،‮ ‬فالآن قم اعبر هذا الأردن أنت وكل هذا الشعب إلي‮ ‬الأرض التي‮ ‬أنا معطيها لهم أي‮ ‬لبني‮ ‬إسرائيل،‮ ‬كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمت موسي‮ ‬من البرية ولبنان هذا إلي‮ ‬النهر الكبير،‮ ‬نهر الفرات جميع أرض الحتين وإلي‮ ‬البحر الكبير نحو مغرب الشمس‮ ‬يكون تخمكم،‮ ‬لا‮ ‬يقف إنسان في‮ ‬وجهك كل أيام حياتك كما كنت مع موسي‮ ‬أكون معك لا أهملك ولا أتركك تشدد وتشجع لأنك أنت تقسم لهذا الشعب الأرض التي‮ ‬حلفت لآبائهم أن أعطيهم‮.‬

نظرية الملكية‮!!‬

وقد بدت نظرية الملكية في‮ ‬المرحلة الثانية من مظاهرها عندما بدأت روما تقيم إمبراطوريتها بالاستيلاء علي‮ ‬الأقاليم المجاورة لها،‮ ‬وعلي‮ ‬أقاليم ما وراء البحار سواء بالفتح أو بطريق الخضوع الاختياري،‮ ‬فأخضع علماء روما ملكيتها لهذه الأقاليم لأحكام القانون العام الروماني‮ ‬فصارت أقاليم الإمبراطورية الرومانية ملكية مشتركة للرومانيين‮.‬

ولما دخل عهد الإقطاع في‮ ‬الأفول،‮ ‬وتركزت السلطات في‮ ‬يد الملك وبدأ ظهور الدولة في‮ ‬شكلها الحديث زالت ملكية الأمراء لمقاطعاتهم الإقليمية،‮ ‬وبقي‮ ‬حق ملكية الملك لها،‮ ‬وتكيف هذا الحق بأوصاف الملكية الخاصة،‮ ‬وصار التصرف فيه بوسائل التصرف في‮ ‬الملكية الخاصة‮!‬

وعلي‮ ‬أثر قيام الثورة الفرنسية وزوال النظم الفردية في‮ ‬الحكم،‮ ‬تحولت الملكية الفردية لإقليم الدولة من الحاكم إلي‮ ‬مجموع الشعب‮.‬

أما نظرية المساحة فإن أنصارها‮ ‬يذهبون إلي‮ ‬أن الدولة لا تستطيع أن تمارس سلطانها إلا بالنسبة للأفراد ذوي‮ ‬الإرادة،‮ ‬وذلك لتنظيم تصرفاتهم وضبطها وفقاً‮ ‬لما تضعه الدولة من أحكام،‮ ‬وما الإقليم إلا المساحة التي‮ ‬تمارس فيها الدولة هذا السلطان‮.‬

ويذهب أنصار نظرية الاختصاص أن مبدأ السيادة الإقليمية الذي‮ ‬تمارسه كل دولة،‮ ‬وهذه السيادة في‮ ‬واقع الحال سلطة آمرة،‮ ‬هي‮ ‬مجموعة حقوق السيادة التي‮ ‬تزاولها الدولة في‮ ‬كل حالة معينة،‮ ‬كالسيادة التشريعية والسيادة العسكرية والسيادة القضائية،‮ ‬ومجموع هذه الحقوق‮ ‬يكون الاختصاص الفعلي‮ ‬لكل دولة،‮ ‬لتعيين هذا الاختصاص‮ ‬يجب تحديد المخاطبين بهذا الأمر،‮ ‬والمكان الذي‮ ‬ينفذ فيه الأمر‮.‬

والحقيقة أن الطبيعة القانونية لإقليم الدولة هو خليط من هذه النظريات وبالتالي‮ ‬فإنه‮ ‬يمكننا القول إن الإقليم هو النطاق الذي‮ ‬تمارس الدولة سيادتها في‮ ‬حدوده،‮ ‬فكل من‮ ‬يوجد علي‮ ‬الإقليم‮ ‬يعد جزءاً‮ ‬منه،‮ ‬إعمالاً‮ ‬للقاعدة المأثورة‮: ‬من‮ ‬يكون علي‮ ‬إقليمي‮ ‬فهو خاضع لسلطاني‮!!‬

وتقضي‮ ‬قواعد القانون الدولي‮ ‬بأنه ما من سلطة أجنبية تستطيع أن تمارس سلطانها داخل إقليم الدولة المستقلة،‮ ‬إذ إن سلطان الدولة علي‮ ‬إقليمها مانع ومنفرد،‮ ‬هذه هي‮ ‬الحقوق الثابتة لكل دولة مستقلة علي‮ ‬إقليمها وهي‮ ‬حقوق تمارسها الدولة منفردة لا تشاركها فيها سلطة أجنبية‮.‬

وإذا كان إقليم الدولة هو ذلك الجزء من الكرة الأرضية الذي‮ ‬تمارس الدولة عليه سيادتها ويسود سلطانها فإنه‮ ‬يتكون أصلاً‮ ‬من قطاع‮ ‬يابس وما‮ ‬يعلوه من الفضاء وما‮ ‬يحيط به من الماء،‮ ‬والعنصر الأصلي‮ ‬فيه هو القطاع اليابس،‮ ‬ولا‮ ‬يشترط في‮ ‬الإقليم أن‮ ‬يكون ذا مساحة واسعة،‮ ‬إذ لا‮ ‬يوجد في‮ ‬مبادئ القانون الدولي،‮ ‬ولا فيما جري‮ ‬عليه العرف المتواتر بين الدول حد أدني‮ ‬أو حد أعلي‮ ‬لمساحة الإقليم،‮ ‬وعلي‮ ‬هذا الأساس فإنه متي‮ ‬وجد عنصر الشعب وعنصر السيادة فإن عناصر الدولة تكتمل بوجود عنصر الإقليم‮.‬

ولكن‮ ‬يشترط في‮ ‬إقليم الدولة أن‮ ‬يكون معيناً‮ ‬محدوداً،‮ ‬صحيح أن الإقليم من الناحية القانونية كان‮ ‬يعتبر في‮ ‬المرحلة الأولي لتطوره ملكيته خاصة من أملاك الملك،‮ ‬أو الأمير،‮ ‬أو صاحب الولاية عليها مهما‮ ‬يكن لقبه‮.‬

ولذلك كان علماء القانون قديماً‮ ‬يذهبون إلي‮ ‬أن ملكية الإقليم تكتسب وتنتقل بالأسباب ذاتها التي‮ ‬تنتقل بها الملكية الخاصة،‮ ‬وكانت الأوضاع القائمة بين الدول الأوروبية في‮ ‬العصور الوسطي‮ ‬لا تعرف سوي‮ ‬الأسباب المكسبة لملكية الإقليم والأسباب الناقلة لهذه الملكية التي‮ ‬يقررها القانون الخاص في‮ ‬نطاق الملكية الفردية،‮ ‬كالبيع والشراء والتنازل بعوض أو بغير عوض والهبة‮.‬

وكان الإقليم أو جزء منه من

الممكن أن‮ ‬ينتقل من ولاية ملك أو أمير إلي‮ ‬ملكية ملك أو أمير آخر علي‮ ‬أسالس نظام الدولة في‮ ‬الزواج الذي‮ ‬كان‮ ‬يتم بين البيوت المالكة المختلفة،‮ ‬وإلي‮ ‬جانب هذه الأسباب التي‮ ‬كان‮ ‬يقرها القانون الخاص لاكتساب الملكية كان‮ ‬يوجد سبب آخر‮ ‬يدخل في‮ ‬نطاق القانون العام وهو ضم الإقليم بالقوة العسكرية بعد القتال،‮ ‬وقد شاركت هذه الأسباب في‮ ‬تكوين الصورة التي‮ ‬ظهرت بها دول أوروبا في‮ ‬العصور الوسطي‮ ‬وفي‮ ‬القرون التي‮ ‬تلتها مباشرة‮.‬

أوروبا المسيحية

بيد أن هذه الحالة كانت مقصورة علي‮ ‬دول أوروبا المسيحية وحدها،‮ ‬أما في‮ ‬دار الإسلام فقد كانت الحال تجري‮ ‬علي‮ ‬خلاف ذلك،‮ ‬فدار الإسلام بدت أول ما بدت في‮ ‬الصورة الحديثة للدولة كما هي‮ ‬معروفة الآن،‮ ‬ذلك أن الدولة الإسلامية سبقت نشوء الدول الأوروبية من حيث اكتمال عنصر الإقليم وعنصر الشعب،‮ ‬وعنصر الولاية الذاتية فيها،‮ ‬وقد كان الأمر في‮ ‬أسباب دخولهم الإقليم في‮ ‬ولاية الدولة الإسلامية تجري‮ ‬وفق المبادئ التالية‮:‬

‮١‬ـ كل ما هو من الملكية العامة‮ ‬يكون حقاً‮ ‬لشعب الدولة الإسلامية،‮ ‬ويعد في‮ ‬حكم ملك الله تعالي‮ ‬ويتولي‮ ‬إدارته ولي‮ ‬الأمر المختار اختياراً‮.‬

‮٢‬ـ‮ ‬يدخل في‮ ‬عموم الدولة الإسلامية كل إقليم إسلامي،‮ ‬ذلك لأن الولاية من الله،‮ ‬وعلي‮ ‬ذلك فإن كل إقليم إسلامي‮ ‬يعد من الدول الإسلامية،‮ ‬وأي‮ ‬إقليم‮ ‬يختار أهله أو أكثرهم الإسلام ديناً‮ ‬ينتقل من وصف أنه دار حرب إلي‮ ‬أنه دار إسلام،‮ ‬وإذا أسلمت أقلية فإن ولايتها من حيث الحكم الشرعي‮ ‬ولاية إسلامية‮.‬

‮٣‬ـ أجاز الإسلام‮ »‬الفتح‮«‬،‮ ‬ولكنه‮ ‬يشترط في‮ ‬تسويغه أن تكون الدولة المفتوحة قد اعتدت علي‮ ‬الإسلام،‮ ‬أو بثت لدي‮ ‬المسلمين أنها تأخذ الأهبة للاعتداء،‮ ‬وذلك بألا تكون بينهم معاهدة تمنع الاعتداء،‮ ‬ويشترط قبل الفتح أن‮ ‬يعرض علي‮ ‬الدولة الأجنبية أحد أمور ثلاثة‮: ‬إما الإسلام،‮ ‬وإما العهد،‮ ‬وإما الحرب،‮ ‬فإذا لم‮ ‬يكن عهدا ولا إسلاما،‮ ‬تكون الحرب،‮ ‬والفتح‮ ‬يضم الدولة المفتوحة إلي‮ ‬دار الإسلام،‮ ‬علي‮ ‬أن‮ ‬يكون الخاضعون لهذه الدولة لهم ما للمسلمين،‮ ‬وعليهم ما علي‮ ‬المسلمين‮.‬

‮٤‬ـ تعد الصحاري‮ ‬والغابات،‮ ‬والجبال والبحار التي‮ ‬تتاخم الدول الإسلامية جزءاً‮ ‬من الدولة الإسلامية،‮ ‬وعلي‮ ‬المسلمين أن‮ ‬يحيوا مواتها،‮ ‬وأن‮ ‬يستغلوها من‮ ‬غير ظلم‮ ‬يقع علي‮ ‬سكانها الذين لا تحكمهم دولة أخري،‮ ‬فإن كانوا في‮ ‬حكم دولة أخري‮ ‬فإن أرضهم تأخذ حكم الأرض المفتوحة بشرط أن‮ ‬يكون الفتح شرعياً‮.‬

النظرية التقليدية

وقد ترتب علي‮ ‬التطور التاريخي،‮ ‬وعلي‮ ‬الطابع الأوروبي‮ ‬المسيحي‮ ‬الذي‮ ‬طبعت به أحكام القانون الدولي‮ ‬منذ نشأتها،‮ ‬أن ظهرت في‮ ‬الفقه الدولي،‮ ‬وفي‮ ‬العرف المتواتر بين الدول،‮ ‬نظرية تقليدية فيما‮ ‬يتعلق بأسباب دخول الإقليم في‮ ‬سيادة الدولة وفي‮ ‬ولايتها‮.‬

وتقضي‮ ‬هذه النظرية بأن أسباب دخول الإقليم في‮ ‬ولاية الودلة علي‮ ‬نوعين‮: ‬أسباب أصلية وهي‮ ‬الاستيلاء والإضافة،‮ ‬وأسباب ناقلة هي‮: ‬التنازل والفتح والتقادم‮.‬

والاستيلاء في‮ ‬حكم النظرية التقليدية هو‮: ‬فرض سيادة الدولة وولايتها علي‮ ‬إقليم هو في‮ ‬الأصل‮ ‬غير خاضع لسيادة أية دولة أخري،‮ ‬وذلك بقصد إدخاله في‮ ‬ممتلكاتها الإقليمية،‮ ‬فالإقليم الذي‮ ‬يجوز أن‮ ‬يكون محلاً‮ ‬للاستيلاء هو إذن الإقليم المباح،‮ ‬الذي‮ ‬لا تمتد إليه ولاية دولة أخري‮.‬

والتنازل هو الاتفاق الدولي‮ ‬الذي‮ ‬ينتقل به إقليم ما أو جزء منه من

ولاية الدولة المتنازلة ليدخل في‮ ‬سيادة الدولة الأخري‮ ‬المتنازل لها عنه،‮ ‬وأطراف التنازل‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون من الدول أي‮ ‬من أشخاص القانون الدولي‮. ‬وعلي‮ ‬ذلك فإن التنازل الذي‮ ‬يكون أطرافه أفراداً‮ ‬عاديين أو شركات أو قبائل لا‮ ‬يصدق عليه وصف التنازل الدولي‮ ‬حتي‮ ‬لو كان طرف من أطرافه دولة،‮ ‬وذلك مادام أن الطرف الآخر لا‮ ‬يصدق عليه وصف الدولة‮!‬

وإذا كان الوضع في‮ ‬الدول الأوروبية كان‮ ‬يعتبر أن الإقليم‮ ‬يدخل في‮ ‬الملكية الخاصة للملك أو للأمير وكان صاحبه‮ ‬يتصرف فيه في‮ ‬ملكه الخاص،‮ ‬علي‮ ‬أنه بعد ظهور السلطات النيابية تحول الوضع فيها،‮ ‬وصارت دساتيرها تنص علي‮ ‬أن انتقال الإقليم أو جزء منه بواسطة الاتفاقات الدولية‮ ‬يشترط لصحته أن‮ ‬يصادق عليه برلمان الدولة‮.‬

 

الفتح

والفتح هو احتلال إقليم الدولة‮ - ‬كله أو بعضه‮ - ‬بواسطة القوات العسكرية لدولة أخري‮ ‬في‮ ‬أثناء الحرب القائمة بينها،‮ ‬وضم الدولة المنتصرة للإقليم المحتل بعد انتهاء الحرب،‮ ‬ويتبين من هذا التعريف أنه‮ ‬يشترط‮:‬

أولاً‮: ‬أن تقوم حرب بين الدولتين،‮ ‬وهذا شرط جوهري،‮ ‬إذ بدونه لا‮ ‬ينتقل إقليم من ولاية إحدي‮ ‬الدول إلي‮ ‬ولاية دولة أخري‮ ‬عن طريق الفتح‮.‬

ثانياً‮: ‬أن تحتل القوات العسكرية لإحدي‮ ‬الدولتين المتحاربتين إقليم الدولة المعادية كله أو بعضه،‮ ‬وأن‮ ‬يستمر احتلالها له طوال المدة التي‮ ‬تكون الحرب فيها قائمة،‮ ‬أو أن‮ ‬يكون احتلالها له قائماً‮ ‬وقت انتهاء العمليات العسكرية‮.‬

ثالثاً‮: ‬أن تقوم الدولة بعد انتهاء العمليات الحربية باتخاذ إجراء ضم الإقليم المحتل إلي‮ ‬إقليمها هي،‮ ‬وإعلان الضم‮ ‬يجب أن‮ ‬يتم بعد انتهاء العمليات العسكرية،‮ ‬وإجراء الضم إجراء انفرادي‮ ‬تتخذه الدولة المنتصرة وحدها‮.‬

فالقوات العسكرية البريطانية مثلاً‮ ‬احتلت مصر في‮ ‬سنة ‮٢٨٨١ ‬علي‮ ‬إثر عمليات عسكرية اتخذتها ضد القوات المصرية وقتذاك،‮ ‬ولكن بريطانيا لم تتخذ إجراء ضم الإقليم المصري،‮ ‬الذي‮ ‬كان تحت السيادة العثمانية في‮ ‬ذلك الحين لتشمله بالسيادة البريطانية،‮ ‬ولذلك ظل الإقليم المصري‮ ‬خاضعاً‮ ‬علي‮ ‬الرغم من الاحتلال للسيادة العثمانية إلي‮ ‬أن فصل عن تركيا بإعلان بريطانيا الحماية الانفرادية علي‮ ‬مصر،‮ ‬وفصلها عن الإمبراطورية العثمانية في‮ ٥ ‬من نوفمبر سنة ‮٤١٩١‬،‮ ‬وقد أقرت تركيا هذا الانفصال في‮ ‬معاهدة لوزان المنعقدة في‮ ‬سنة ‮٣٢٩١.‬

تخطيط الحدود‮!‬

والأمثلة علي‮ ‬انتقال الأقاليم من سيادة دولة إلي‮ ‬سيادة دولة أخري‮ ‬عن طريق الفتح أمثلة عديدة في‮ ‬تاريخ العلاقات بين الدول،‮ ‬ولعل الفتح كان من أهم الأسباب التي‮ ‬أعادت المرة تلو المرة تخطيط الحدود السياسية بين الدول‮.‬

وكان الفتح سبباً‮ ‬جائراً‮ ‬ومشروعاً‮ ‬علي‮ ‬أساس أن الحرب ذاتها كانت نظاماً‮ ‬قانونياً‮ ‬معترفاً‮ ‬بوجوده،‮ ‬ومعترفاً‮ ‬بآثاره،‮ ‬علي‮ ‬أنه علي‮ ‬إثر انتهاء الحرب العالمية الأولي‮ ‬رأت الدول المنتصرة أن تقيم هيئة تشرف علي‮ ‬تنظيم العلاقات بين أعضاء الأسرة الدولية‮.‬

ومن هنا نشأت عصبة الأمم المتحدة،‮ ‬وتضمن عهد هذه الهيئة أحكاماً‮ ‬تضيق من نطاق الحرب ومن حالاتها،‮ ‬وفي‮ ٥٢ ‬من‮ ‬يونيه سنة ‮٥٤٩١ ‬انعقد ميثاق الأمم المتحدة وبانعقاده صارت الحرب أمراً‮ ‬محظوراً‮ ‬في‮ ‬نطاق العلاقات الدولية،‮ ‬وترتب علي‮ ‬ذلك أن الفتح فقد علته،‮ ‬ولم‮ ‬يعد سبباً‮ ‬تنتقل السيادة علي‮ ‬الإقليم بمقتضاه من دولة إلي‮ ‬أخري‮.‬

والمعروف أن‮ »‬أبا إيبات‮« ‬ممثل إسرائيل لدي‮ ‬الأمم المتحدة كان قد زعم أمام المجلس أن جزء الإقليم الذي‮ ‬احتلته قوات إسرائيل في‮ ‬فلسطين‮ ‬يدخل بمقتضي‮ ‬حق الفتح في‮ ‬سيادة إسرائيل‮..!!‬

كما أعلن‮ »‬بن جوريون‮« ‬رئيس وزراء إسرائيل في‮ ‬الكنيست عقب العدوان الثلاثي،‮ ‬واحتلال القوات العسكرية الإسرائيلية لجزء من سيناء ضم سيناء إلي‮ ‬إقليم إسرائيل،‮ ‬ولكن هذا الإعلان الإسرائيلي لم‮ ‬يحدث أي‮ ‬أثر في‮ ‬نطاق القانون الدولي‮ ‬بعد أن اضطرت القوات الإسرائيلية إلي‮ ‬الانسحاب إلي‮ ‬داخل خطوطها العسكرية التي‮ ‬عينتا لها اتفاقية الهدنة وبقيت سيناء في‮ ‬سيادة مصر بوصفها جزءاً‮ ‬من إقليم الدولة‮.‬

الترك والتخلي‮!‬

إن مباشرة حقوق السيادة من جانب إحدي‮ ‬الدول علي‮ ‬قطاع إقليمي‮ ‬تابع لدولة أخري‮ ‬علي‮ ‬صورة مستمرة وهادئة مدة طويلة وبنية اكتساب السيادة عليه‮ ‬يكفي‮ ‬سبباً‮ ‬لإدخال هذا القطاع الإقليمي‮ ‬في‮ ‬سيادتها،‮ ‬وذلك وفقاً‮ ‬لما‮ ‬يجري‮ ‬عليه العمل في‮ ‬نطاق العلاقات الدولية‮.‬

ويطلق علي‮ ‬هذا السبب وصف التقادم،‮ ‬والتقادم في‮ ‬نطاق القانون الدولي‮ ‬يختلف عن التقادم المكسب الذي‮ ‬نص عليه القانون الروماني،‮ ‬وذلك في‮ ‬أنه لا‮ ‬يفرق بين وضع اليد القائم علي‮ ‬حسن النية ووضع اليد القائم علي‮ ‬سوء النية‮.‬

وعلي‮ ‬هذا الأساس فسواء باشرت الدولة حقوق السيادة علي‮ ‬القطاع الإقليمي‮ ‬التابع لغيرها بحسن نية أو سوء نية،‮ ‬فإن القطاع الإقليمي‮ ‬يدخل في‮ ‬ولايتها إذا توافرت شروط الاستمرار والهدوء في‮ ‬وضع اليد مدة طويلة‮.‬

وبالتالي‮ ‬فإنه‮ ‬يشترط لكي‮ ‬يرتب التقادم آثاره‮: ١‬ـ أن‮ ‬يكون محل وضع اليد ومباشرة حقوق السيادة إقليماً‮ ‬تابعاً‮ ‬لإحدي‮ ‬الدول،‮ ‬أما إن كان الإقليم محل وضع اليد إقليماً‮ ‬مباحاً‮ ‬فإن التقادم لا‮ ‬ينطبق في‮ ‬هذه الحالة‮. ٢‬ـ أن‮ ‬يكون وضع اليد هادئاً،‮ ‬بمعني‮ ‬ألا‮ ‬يكون متنازعاً‮ ‬عليه،‮ ‬أما إذا كانت دولة الأصل قد احتجت علي‮ ‬وضع‮ ‬يد الدولة التي‮ ‬تدعي‮ ‬مباشرة حقوق السيادة علي‮ ‬الإقليم،‮ ‬واستمرت في‮ ‬احتجاجها عليه أياً‮ ‬ما كانت صور هذا الاحتجاج،‮ ‬أو كانت قد احتجت أول الأمر،‮ ‬ثم توانت بعد ذلك،‮ ‬أو وقفت موقفاً‮ ‬سلبياً‮ ‬فإن وضع اليد في‮ ‬هذه الحالة‮ ‬يصبح هادئاً‮!‬

وأخيراً‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون وضع اليد مستمراً‮ ‬مدة طويلة،‮ ‬ويشترط في‮ ‬المدة أن تكون طويلة بحيث لا تعيها الذاكرة،‮ ‬والمعروف أنه في‮ ‬الخلاف الذي‮ ‬قام بين بريطانيا وفنزويلا حول تبعية‮ »‬غيانا البريطانية‮« ‬اتفقت الدولتان في‮ ‬مشاركة التحكيم علي‮ ‬تحديد المدة التي‮ ‬تكفي‮ ‬في‮ ‬وضع اليد ليحدث آثاره بخمسين سنة‮.‬

ويبقي‮ ‬الترك،‮ ‬فهو التخلي‮ ‬الاختياري‮ ‬عن حيازة الإقليم بنية إخراجه نهائياً‮ ‬من ولاية الدولة ومن سيادتها،‮ ‬ويشترط فيها،‮ ‬ليحدث أثره في‮ ‬فقد السيادة،‮ ‬توافر العنصر المادي‮ ‬وهو التخلي‮ ‬عن الحيازة،‮ ‬والعنصر المعنوي‮ ‬وهو النية في‮ ‬التخلي‮ ‬عن السيادة‮.‬

وبالتالي‮ ‬فإن اجتماع العنصرين معاً‮ ‬أمر لازم قانوناً‮ ‬كي‮ ‬يعتبر الترك سبباً‮ ‬لنقد السيادة علي‮ ‬الإقليم‮.‬

أما التخلي‮ ‬عن حيازة الإقليم بنية العودة إليه فيما بعد فلا‮ ‬يترتب عليه فقدان السيادة علي‮ ‬هذا الإقليم‮.‬

والمعروف أن بريطانيا ادعت في‮ ‬وقت ما أن انسحاب القوات المصرية من السودان في‮ ‬أثناء ثورة المهدي‮ ‬كان‮ ‬يعد تركاً‮ ‬له،‮ ‬بحيث صار السودان في‮ ‬وجهة النظر البريطانية إقليماً‮ ‬مباحاً‮ ‬يتيح لها أن تكتسب السيادة المشتركة عليه مع مصر عن طريق الفتح‮.‬

غير أن وجهة النظر هذه لا تتفق مع الوضع في‮ ‬القانون الدولي،‮ ‬لأن انسحاب القوات المصرية وقتها كان استجابة لتعليمات بريطانيا التي‮ ‬كانت تحتل مصر وقتذاك،‮ ‬كما أنه لم‮ ‬يتوافر فيه نية التخلي‮ ‬عن السيادة المصرية‮.‬

ولاشك أن الانتقاص من الإقليم‮ ‬يعد سبباً‮ ‬آخر لفقد السيادة،‮ ‬والانتقاص من الإقليم‮ ‬يكون عادة بحكم الطبيعة،‮ ‬كما إذا‮ ‬غمر الماء جزيرة من الجزر التي‮ ‬تدخل في‮ ‬إقليم الدولة،‮ ‬أو كما إذا ترتب علي‮ ‬زلزال أو كارثة من كوارث الطبيعة زوال جزء من إقليم،‮ ‬وقد‮ ‬يكون الانتقاص بفعل الإنسان كما إذا حدثت حركة انفصالية في‮ ‬جزء من إقليم الدولة ترتب عليها خروج هذا الجزء من سيادة الدولة بصورة نهائية تعترف بها الدولة ذاتها‮.‬

جناب الخديو‮!‬

وأخلص مما تقدم أن الفتح كان أحد أسباب انتقال الأقاليم من سيادة دولة إلي‮ ‬سيادة دولة أخري،‮ ‬علي‮ ‬أساس أن الحرب ذاتها كانت نظاماً‮ ‬قانونياً‮ ‬معترفاً‮ ‬بوجوده،‮ ‬ومعترفاً‮ ‬بآثاره‮.‬

وبالتالي‮ ‬فإن مجرد احتلال إقليم الدولة في‮ ‬أثناء العمليات العسكرية لا‮ ‬يحدث تلقائياً‮ ‬أي‮ ‬أثر في‮ ‬انتقال الإقليم المحتل من سلطة الدولة الأصلية إلي‮ ‬سلطة الدولة المحتلة،‮ ‬بل إنه في‮ ‬وقت الاحتلال‮ ‬يظل تابعاً‮ ‬لسيادة دولة الأصل وهو لا‮ ‬ينتقل من سيادتها إلا بعد الانتهاء من العمليات الحربية وصدور إجراء الضم إلي‮ ‬سلطة الدولة المنتصرة‮.‬

والدليل أن بريطانيا بعد أن أجبرت مصر علي‮ ‬سحب قواتها من السودان،‮ ‬علي‮ ‬إثر قيام ثورة المهدي،‮ ‬ألزمتها بأن تعقد معها وفاق ‮٩١ ‬يناير ‮٩٩٨١ ‬بشأن إدارة السودان في‮ ‬المستقبل،‮ ‬وجاء في‮ ‬صدر هذا الوفاق هذا النص‮: ‬حيث إن بعض أقاليم السودان التي‮ ‬خرجت عن طاعة الحضرة الخديوية قد صار‮ »‬افتتاحها‮« ‬بالوسائل الحربية التي‮ ‬بذلتها بالاتحاد حكومتنا جلالة ملكة الإنجليز والجناب العالي‮ ‬الخديو،‮ ‬وحيث إنه من المقتضي‮ ‬التصريح بمطالب حكومة جلالة الملكة المترتبة علي‮ ‬مالها من حق الفتح وذلك بأن تشترك في‮ ‬وضع النظام الإداري‮ ‬والقانوني‮..‬

فهل مازال الفتح أحد أسباب انتقال الأقاليم من سيادة دولة إلي‮ ‬سيادة دولة أخري؟ وإلي لقاء‮!‬