رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ما لا يعرفه الناس عن الفريق سعد الشاذلى

تجمع الشاذلي مع المشير
تجمع الشاذلي مع المشير أحمد إسماعيل وحسنين هيكل

لم يكن الفريق سعد الشاذلى مجرد رئيس لأركان الجيش المصرى فى حرب 1973، فهو عبقرى، خطط ودرس وتوقع ودرب وعبأ جنوده وتحمل المسئولية كاملة، وساهم فى تحقيق نصر عسكرى مازال يُدَرَّس فى كبرى المراكز البحثية والجامعات العسكرية إلى اليوم. كنت محظوظاً أننى اقتربت من حياته وفكره وأسرته ومعاركه

واستطعت أن أشعل عود كبريت على مساحات منسية ومتجاهلة من حياته عندما قدمت للمكتبة المصرية كتاباً عن سيرته بعنوان «العسكرى الأبيض» ضممت فيه جزءاً من أوراقه، وجانباً من كتاباته التى لا يعرف عنها المصريون شيئاً.. وقد هالنى كم الاتصالات والرسائل التى تلقيتها من داخل وخارج مصر التى كشفت لى جوانب أخرى جديدة فى حياة الرجل الذى لاشك فى عبقريته وتفرده وعظمته.
وما لا يعرفه الناس عن سعد الشاذلى أنه ابن الحاج الحسينى الشاذلى، والسيدة تفيدة الجوهرى زوجته الثانية فى قرية شبراتنا بمركز بسيون بمحافظة الغربية.. ولد فى أبريل عام 1922 وسمىّ على اسم سعد زغلول معشوق المصريين الأول فى تلك السنوات، كان والده أحد ملاك الأراضى الزراعية قد تزوج مرتين وأنجب من الأولى تسعة أبناء هم: محمد، وحامد، وعبدالحكيم، والحسينى، وعبدالسلام، ونظيمة، وفريدة، وبسيمة، ومرسية.. أما الثانية وهى والدة سعد الشاذلى فقد أنجبت له مظهر، وسعد، وألفت، ونبيلة.
ومنذ الطفولة الباكرة ارتبط «سعد» وجدانياً وعقلياً بحب العسكرية، كان الطفل الصغير يستمع إلى حكايات متوارثة حول بطولات جده لأبيه الشاذلى الشاذلى، الذى كان ضابطاً بالجيش، وشارك فى الثورة العرابية وحارب فى معركة التل الكبير.
كما أن ابن عم والده هو عبدالسلام باشا الشاذلى الذى تولى مديرية البحيرة (وهو ما يشبه منصب المحافظ الآن) ثم تولى بعد ذلك وزارة الأوقاف، فضلاً عن ذلك - وطبقا لرواية ابن خالته عبيد العقاد لى - فقد كان لوالده كلمة مسموعة فى شبراتنا والقرى المحيطة وكانت العائلات الكبرى تقصده ليصلح فيما بينها. وفى ظل تلك الظروف نشأ سعد مقدراً للقيم، ومحافظا على المبادئ، ملتزما بالأخلاق العامة، ومحباً للعطاء بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ومن الغريب أن اسم سعد كان مجرداً، لكن فيما بعد أضاف الناس إليه لقب «الدين» ليصبح «سعد الدين» نظراً لتدينه واستقامته، والواضح وفقاً لأفراد أسرته أنهم لا يتذكرون بشكل دقيق تلك الفترة التى أُضيف لاسمه كلمة «الدين» ليصبح سعد الدين.
كانت عيني سعد - بعد أن أتم دراسته الثانوية - على الكلية الحربية بعد أن التحق بها أحد أبناء العائلة فى 1933 هو اللواء عبدالمنعم الشاذلى، وبالفعل يلتحق سعد بالكلية الحربية عام 1939، ليتخرج بعد عام ونصف العام فى نفس الدفعة التى تخرج فيها خالد محيى الدين، عضو مجلس قيادة ثورة يوليو عام 1952، ورئيس حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى، فيما بعد.
شارك سعد الشاذلى ضابطاً صغيراً فى الحرب العالمية، إلى جانب الجيش الإنجليزى، لكنه لم يكن يشعر بأهمية القتال لأنه لم تكن هناك عقيدة لديه يقاتل من أجلها، فيما بعد شارك فى حرب 1948 ضمن فرقة للحرس الملكى وتعرّف على القتال العسكرى بشكل واقعى وتيقن أن المعارك الحربية تستلزم تدريباً وخططاً واستراتيجيات وإمكانيات.
تزوج سعد عام 1943 من السيدة زينات السحيمى، كريمة مدير الكلية الحربية وهو بالمناسبة الرجل الذى توسط لإدخال أنور السادات الكلية الحربية، وتعرف سعد الشاذلى على الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بعد أن سكنا معاً فى عقار واحد بالعباسية، وعندما قامت الثورة عام 1952، اعتذر الرجل عن قبول العمل فى المخابرات العامة وفضّل الاستمرار فى الجيش، وسافر إلى الولايات المتحدة فى بعثة تدريبية عام 1953 فى المظلات وعندما عاد كلفه عبدالناصر بتأسيس سلاح مظلات، وفيما بعد كانت ابنته الكبرى شهدان أول امرأة مصرية تقفز بالمظلات من الطائرة، والمثير أن «سعد» لم يرزق بذكور وإنما ثلاث فتيات هن: شهدان، وسامية، وناهد.
وفى عام  1960 تم تكليف سعد الشاذلى بقيادة الفرقة المصرية المكلفة بحماية الأراضى الكونغولية، والمساعدة فى تهريب أبناء لومومبا إلى القاهرة، ثم عُيّن بعدها ملحقاً عسكرياً فى سفارتنا بلندن، قبل أن يعود ليتولى قيادة فرقة خاصة عرفت باسم فرقة «الشاذلى» تضم 1500 جندى.
ولا يعرف كثير من الناس أن تلك الفرقة قامت بأخطر وأغرب مغامرة فى حرب يونية 1967 وهى مغامرة تشابه إلى حد كبير ما فعله أريل شارون فى ثغرة الدفرسوار بعد حرب أكتوبر 1973. لقد صدرت الأوامر ألغيت المهمة، ثم تم تكليفها بالتمركز فى المحور الشمالى وعادت القيادة وألغت المهمة، ثم طلب منه أن يتمركز جنوب المحور الأوسط على بعد 20 كيلو متراً من القوات الدولية، وهو ما أرهق قواته بلا مبرر واضح، وفى صباح 5 يونية قامت الطائرات الإسرائيلية بتدمير مطارات مصر ونقاطها العسكرية، ثم بدأت توغلها فى أراضى سيناء عندما أصدر عبدالناصر قراره المؤسف بالانسحاب، فى تلك الاثناء انقطع الاتصال بين الشاذلى وقيادته وكان عليه أن يفكر فى طريق للتصرف فلم يجد بداً من التوجه شرقاً داخل الأراضى الاسرائيلية فى شريط ضيق بعيد عن مسار الطيران الإسرائيلى، بقى «الشاذلى» وفرقته داخل إسرائيل يومى 6 يونية و7 يونية، ثم انسحب فى ظلام ليلة 8 يونية بعد أن تلقى اتصالاً من القيادة بذلك. 
وخلال حرب الاستنزاف يتولى الرجل قيادة منطقة البحر الأحمر ويتمكن من وقف عمليات الاختطاف اليومية التى كانت تتم ضد مدنيين وموظفين مصريين من جانب القوات الإسرائيلية.
ويحكى لنا اللواء محمد أحمد التميمى أحد رجال الصعقة المصرية أن «الشاذلى» درب قوات مصرية خلال الفترة من سبتمبر وحتى ديسمبر 1969 على تنفيذ عمليات ضد القوات الاسرائيلية وبالفعل تم فى 30 مايو 1970 تنفيذ عمليتين داخل سيناء أسفرت الاولى التى شنتها الكتيبة 83 صاعقة عن قتل 35 إسرائيلياً وأسر اثنين، بينما أسفرت العملية الثانية عن تدمير اللواء 135 مشاة لإحدى النقاط القوية داخل خط بارليف وقتل 13 إسرائيلياً وأسر جندى واحد، وهو ما دفع جولدا مائير إلى الاستغاثة بالرئيس الأمريكى نيكسون لعرض مبادرة لوقف إطلاق النار.
بعد مجىء السادات لمح بذكائه وحسه السياسى قدرات سعد الشاذلى المبهرة، فاختاره فى 16

مايو 1971 رئيساً لأركان القوات المسلحة، خلفا للفريق محمد أحمد صادق، الذى أُختير وزيراً للحربية، بدلاً من الفريق محمد فوزى الذى تم الإطاحة به فى ثورة التصحيح.
وفى أكتوبر 1972 استدعى السادات سعد الشاذلى وأخبره أنه سيعين المشير أحمد إسماعيل وزيراً للحربية، وكان الرجل على خلاف سابق مع الشاذلى، لكنهما التزما بالعمل فيما بينهما للإعداد لحرب أكتوبر.
وتتجلى عبقرية سعد الشاذلى فى حرب أكتوبر فى اهتمامه بالدخول فى أدق التفاصيل، مشكلة خزانات المياه الملتهبة، الساتر الترابى، إقامة الكبارى وتأمينها تحت نيران العدو، ثم كيفية صمود المشاة لمدة أربع وعشرين ساعة لحين عبور الدبابات.. إنه كما قال لى حفيده كريم أكرم يعشق التفاصيل، ويرى أن مواجهة أى مشكلة كبيرة تستلزم تفكيك المشكلة إلى عدة مشكلات صغيرة والتعامل مع كل واحدة على حدة.
فى الليل تسللت مجموعات من الصاعقة لإغلاق خزانات المواد الملتهبة بالأسمنت قبل المعركة بيوم واحد، وتوصل المهندسون المصريون إلى فكرة استخدام مضخات المياة فى إزالة الساتر الترابى بدلاً من ضربه بالديناميت، ثم ابتكر سلاح المهندسين كبارى متميزة سريعة التركيب أمكن إقامة العشرات منها فى وقت قياسى، لقد طبع رئيس أركان القوات المسلحة كتيباً تفصيلياً لجنوده يتضمن تعليمات فى كافة ما يخص حتى ربط رباط حذائه.
فى الثانية ظهر السبت السادس من أكتوبر عام 1973، قصفت مائتا طائرة مصرية مواقع للعدو الإسرائيلى داخل سيناء، بعدها بعشر دقائق صب ألف مدفع نيرانه على خط بارليف، فى الوقت الذى بدأت فيه قوات المشاة عبورها فى قوارب مطاطية، مع عبور لواء دبابات برمائية.. ولم تمضِ ثلاث ساعات حتى كان عدد القوات العابرة 32 الف مقاتل، وفى اليوم التالى تحاول اسرائيل شن هجوم مضاد بالدبابات وتلقى هزيمة جسيمة، وتتوالى الانتصارات المصرية فى سيناء ويتم تدمير خط بارليف، تماما وتكتب مجلة دير شبيجل الالمانية أن الشاذلى هو العقل المدبر وراء نصر أكتوبر، وتكتب لوموند الفرنسية أن الرجل يستحق لقب روميل العرب.
وبعدها تبدأ الاختلافات فى أوجه النظر ويعارض القادة العسكريون تطوير الهجوم الذى دعا إليه السادات للتخفيف عن الجانب السورى وتبدأ مشكلة الثغرة ويقترح الشاذلى سحب لواءين من شرق القناة للقضاء عليها وينفعل السادات وتبدأ الأزمة الشهيرة.
ويرى السادات أن دور «الشاذلى» العظيم فى الحرب يستلزم تقديراً خاصاً بعدها فيعرض عليه العمل سفيراً فى لندن فيرفض الرجل ويلح السادات حتى يقبل ثم ينتقل بعدها سفيراً لمصر فى البرتغال، حتى يستفزه تحميل السادات مسئولية الثغرة له فى مذكراته «البحث عن الذات» وهو ما ينافى الحقيقة، فيقدم بلاغا إلى النائب العام ضد رئيس الجمهورية، ويسافر إلى المنفى الاختيارى فى الجزائر مشاركا فى جبهة الرفض ويكتب مذكراته عن الحرب، ويحاكم الرجل غيابياً أوائل حكم مبارك ويصدر ضده حكم بالسجن ثلاث سنوات ويعود مطلع التسعينيات ليقبض عليه بالفعل وتنقلب الأمة المصرية داعية إلى تحريره ليخرج محاطاً بمحبة الناس وتقديرهم، إلى أن رحل بعد ثورة 25 يناير بأيام عندما أبلغته ابنته وهو مريض أن المصريين ثاروا على الرئيس مبارك، فابتسم فى امتنان قبل أن يسكن قلبه فى 10 فبراير عام 2011.
وقد كتب الفريق الشاذلى 4 كتب متنوعة لم ينشر فى مصر منها سوى كتاب واحد هو مذكرات حرب أكتوبر الذى حصلت عليه دار «رؤية» للنشر، أما باقى الكتب فقد صدرت جميعاً فى الجزائر وهى «مذكرات السلك الدبلوماسى»، و«الخيار العسكرى العربى»، و«الحرب الصليبية الثامنة» فى جزءين، وهو كتاب ضخم عن حرب الخليج والقدرات العسكرية للدول العربية وقصة تدمير جيش العراق.
وقد شاع بين محبي الرجل - وما أكثرهم فى أجيال الشباب - أنه كتب مذكراته حول رحلة حياته، وحقيقة الأمر أن الزميل أحمد المسلمانى كان قد اتفق معه على إجراء سلسلة من الحوارات وتسجيلها فى كتاب لصالح إحدى المؤسسات العربية وتم بالفعل التسجيل وكتابة العقد، إلا أن عدم التزام المؤسسة الخليجية التى اتفق معها «المسلمانى» كان داعياً أن يقرر «الشاذلى» فسخ العقد، فقد كان رحمه الله دقيقاً وملتزماً للغاية بكافة التفاصيل.