عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أسرار انتصار أكتوبر.. من وثائق إسرائيل السرية

بوابة الوفد الإلكترونية

- رغم مرور أربعين عاماً على هزيمة إسرائيل فى حرب أكتوبر 1973، فلا تزال إسرائيل فى الذكرى السنوية لهذه الحرب، كما تفعل كل عام، تستعيد ذكريات هزيمتها المريرة فى هذه الحرب،

وتقلب فى أوراقها، وكأنه لم يندمل جرحها بعد، ورغم عاصفة الانتقادات التى ثارت بعد الحرب فى إسرائيل، وطالت قادتها السياسيين والعسكريين على السواء، خاصة فيما يتعلق بإهمالهم فى التنبؤ مبكراً بوقوع الحرب رغم كثرة دلائلها، وشواهدها آنذاك ونجح المصريون فى تحقيق المفاجأة بأبعادها السياسية والاستراتيجية والتكتيكية، مما أربك القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية آنذاك، وشل قدرتهم على التخطيط وإدارة الحرب بشكل سليم، مما أفقد رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك «جولدامائير» منصبها، وكذلك وزير دفاعها الجنرال موشى دايان، وأيضاً رئيس أركان الجيش الإسرائيلى الجنرال ديڤيد اليعازر ومدير مخابراته الجنرال الياهو زلميرا.. الذين تمت الاطاحة بهم لمسئولياتهم عن الهزيمة التى لحقت بالجيش الإسرائيلى فى هذه الحرب طبقاً لتقرير «لجنة إجرانات» التى كلفت بالتحقيق فى الهزيمة نقول رغم كل هذا الاهتمام الإسرائيلى بدراسة وتحليل نتائج هذه الحرب طوال الأربعين سنة الماضية، فلا تزال أسباب هزيمة إسرائيل فيها موضع اهتمام وبحث وتحليل المتخصصين هناك فى النواحى الاستراتيجية والسياسية والمخابراتية، لاسيما بعد إفراج الأرشيف الإسرائيلى بقسميه السياسى والعسكرى مؤخراً عن الوثائق التى تتضمن بروتوكولات جلسات الحكومة الإسرائيلية واجتماعات قادة هيئة الأركان العامة الإسرائيلية يوماً تلو الآخر، وهو ما يترتب عليه عاصفة من هجوم المحللين السياسيين والعسكريين.
- ومنذ عشر سنوات بدأت مجموعة من العسكريين الإسرائيليين السابقين والباحثين «20 شخصاً» البحث وراء المنظومة العسكرية الإسرائيلية والوقوف على سلبياتها واقتراح الحلول لعلاجها، وللوصول الى الفاعلية القصوى للأمن القومى الإسرائيلى.. ولكن سرعان ما أدركوا أن هدفهم هذا لن يتحقق إلا بعد دراسة متأنية للمعارك التى خاضها الجيش الإسرائيلى فى هذه الحرب، بل والأهم من ذلك الأحداث والوقائع والتقارير الاستخباراتية التى سبقت وقوع الحرب، ومحاضر الاجتماعات التى تمت على المستوى الوزارى ورئاسة الأركان العامة طوال الأسابيع التى سبقت الحرب، ومدى الجاهزية الفعلية للقوات المسلحة الإسرائيلية عشية الحرب، وأطلقت هذه المجموعة من العسكريين المتقاعدين على نفسها «منتدى الفيردو» وذكروا أن مهمتهم تكتنفها صعوبات كثيرة بسبب رفض الأوساط السياسية والعسكرية خاصة الاستخباراتية الحديث عن الحزب تحت ذريعة الأمن، ولكن استطاعت هذه المجموعة أخيراً أن تحصل على مجموعة من المعلومات التى أهلتها لكتابة الفصل الأول من كتاب تحت عنوان «انتصار منخفض الاحتمالات»، تناول فيه المحرر العقيد احتياط «شيمون منوز» من خلال جزءين، الرئيس الراحل أنور السادات، وأشرف مروان صهر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، مشيراً فى مقدمته الى أن حرب أكتوبر كانت «حرب السادات» بالمعنى الحرفى للكلمة، وأن السادات هو من خطط وأعد لها، وأنه صاحب فكرة إرهاق إسرائيل قبل اندلاع الحرب، مشيراً الى العلاقة التى كانت تربط بين السادات وأشرف مروان باعتبار أن الأخير كان سكرتير الرئيس للمعلومات قبل أن يترك هذا المنصب قبل حرب أكتوبر، وشكك فى احتمال أن يكون مروان عميلاً مزدوجاً وليس عميلاً فقط لإسرائيل، وهو ما أكد عليه مدير المخابرات الإسرائيلية الجنرال زعيرا.
«السادات.. الرجل والرئيس»
- يتناول «ميندز» حياة الرئيس الراحل من خلال أدق تفاصيل حياته، وكيف أن ظروف فترة نشأته الأولى كانت سبباً فى صياغة فكر السادات فى مقتبل عمره، وأثرت عليه لبقية حياته وأن حادث العدوان الإنجليزى على الشعب المصرى فى قرية دنشواى كانت بداية صياغة العالم الأيديولوجى للرئيس الراحل كمصرى وطنى مخلص لبلاده، ثم أشار المؤلف الى زمالة السادات مع الرئيس الراحل عبدالناصر أثناء فترة الدراسة بالكلية الحربية، وعملهما سوياً فى جمعية الضباط الأحرار قبل ثورة «23 يوليو» وأثناءها وبعدها حتى وفاة عبدالناصر عام 1970، ولكن كان السادات أكثر تعمقاً وفكراً من عبدالناصر، ثم انتقل الكاتب الى الجانب الإيمانى والروحى فى شخصية السادات، وكيف أثر ذلك فى سياسة الصبر الطويل التى مارسها السادات حتى تحقق هدفه فى استعادة سيناء بوسائل عسكرية وسياسية.
- ثم انتقد الكاتب الإسرائيلى تقديرات أجهزة المخابرات الإسرائيلية التى رشحت أحد حاشية عبدالناصر لتولى حكم مصر عقب وفاته،وتضمنت على صبرى وشعراوى جمعة ومحمد فوزى، واستبعدت السادات باعتباره «غير مستقل فكرياً من الناحية السياسية، وأنه سياسى «رمادى» ليس له لون مميز، وعديم النفع غير قادر على المساهمة بشكل مستقل فى إدارة الدولة وأنه يفتقد الى المقومات القيادية، كما تنقصه المعلومات الأساسية التى يحتاجها للسيطرة على السلطة»، وتهكم «ميندز» على تقرير الباحث الإسرائيلى «شيمون شامير» عن شخصية السادات قائلاً: «إن هذا التحليل الذى أخذت به أجهزة المخابرات الإسرائيلية لضابط مصرى بادر بالتمرد ضد الحكومة المصرية بينما كان ضابطاً صغيراً، تحليل خاطئ لشخص بادر بعد ثورة يوليو 1952 بتأسيس جريدة الجمهورية للتعبير عن الثورة، وهو الشخص نفسه الذى كتب عشرة كتب، وأضاف:«المشكلة لدى المنظومة الأمنية الإسرائيلية أنها لا تتابع إلا التغيرات الجذرية التى يمكن ان تقلقها، ولا تنظر الى التغييرات البسيطة، وهو سبب نجاح السادات فى خداع إسرائيل والمصريين أنفسهم، ففى الوقت الذى كان يجهز فيه السادات للحرب، كان الجميع داخل مصر وخارجها يرونه رجلاً بلا موقف ولا يستطيع اتخاذ قرار، ومجرد تابع لعبدالناصر».
- وتحت عنوان: «ماذا فعل السادات فى سبيل بلاده؟» قال الكاتب الإسرائيلى: «إن السادات كان مختلفاً تماماً عن سلفه عبدالناصر، حيث جعل هدفه الأول والأخير هو الانتصار على إسرائيل مهما كان الثمن، فى الوقت الذى كان فيه عبدالناصر يضع خططاً قصيرة المدى للدفاع فقط دون هجوم، وهوما كان يرفضه السادات بشكل قاطع»، ثم تابع «ورغم ان السادات كان صديقاً لعبدالناصر، فإن أيديولوجيته وأصل السادات جعلوه مختلفاً فكرياً عنه وأراد التوجه بالبلاد الى الغرب الرأسمالى، حيث انه رأى فعلياً مساوئ النظام الاشتراكى الثورى، ووهب نفسه لهدف واحد فقط هو الانتصار عسكرياً على إسرائيل.. وحتى مع إقراره أمام وزير الخارجية الأمريكى هنرى كسينجر بأنه إذا كان استطاع أن يحقق الانسحاب الإسرائيلى الكامل الى حدود 67 من خلال المفاوضات، لما كان دخل تلك الحرب«يقصد حرب أكتوبر 1973»، إلا أنه لم يكن ليتنازل أبداً من داخله عن الانتصار فى ساحة الحرب.
- ثم يدلل الكاتب الإسرائيلى على صدق كلامه بقوله المؤرخ العسكرى البروس «كارل فون كلاوزفيتز» إن «الحرب هى امتداد للسياسة بوسائل أخرى»، وهى مقولة تنطبق على السادات باعتراف خصومه أنفسهم، وفى ذلك كتب ميندز «بشكل عام قليلون فقط هم من استطاعوا الربط بين السياسة والحرب، وربما لم يتمكن من هذا إلا قادة الثورات وليس رؤساء الحكومات، إلا أن السادات كان فريداً من نوعه، وقد كان ذلك فى مجالات عديدة.
- أما بشأن القدرات العسكرية للجيش المصرى فى العام الأول لتولى السادات الحكم،فيشير الكاتب الإسرائيلى الى ان السادات كان على علم بنقص القدرات العسكرية لجيشه وشعبه، وأدرك أنه كان عليه أن يغير الكثير من الأشياء، إلا أنه فى الوقت نفسه أدرك ان هذا التغيير كان لابد ان يبقى فى جدول القوى المسموحة لتلك التغييرات».
ثم أضاف: «دون تحيز، كان السادات فى حاجة الى التعلم من عناصر النكسات الثلاث السابقة، خاصة 1948، و1956و1967، وللأسف كان الجيش الإسرائيلى أيضاً فى حاجة الىإدراك عوامل الانتصار،ولكنه لم يدرك ذلك».
- ثم أشار الكاتب الى مقولة وزير الدفاع الإسرائيلى إبان حرب 1973 موشى دايان: «ان البذلات لا تصنع الجيش، والرتب العسكرية لا تصنع القادة»، وهذه كانت مشكلة السادات فيما يتعلق بجيشه، حيث إن كثيرين عينوا خلال فترة عبدالناصر دون ان يكون لديهم أدنى معلومات عن ساحات القتال».أما على مستوى الجنود، فيشير الكاتب الإسرائيلى إلى أن الجيش المصرى فى تلك الفترة كان يعتمد على المجندين البسطاء، إلا أن السادات أصدر قراراً بضم حملة المؤهلات العليا والتعليم العالى الى الجيش، وبذلك رفع مستوى الجيش».
- وخلل آخر أشار اليه الكاتب الإسرائيلى بشأن فشل المخابرات الإسرائيلية فى التعامل مع السادات والتنبؤ باندلاع الحرب، يكمن فى عدم تعامل المخابرات الإسرائيلية بجدية مع تصريحات السادات بعد توليه الحكم أو التى أكد فيها انه ليس نسخة من عبدالناصر، وأنه مختلف عنه،وفى ذلك يقول «ميندز»: إن إسرائيل نظرت إلى عبدالناصر على انه اكثر بريقاً منه، إلا ان السادات كان أكثر عمقاً وفهماً للأمور وبواطنها وأكثر عملية عن سلفه» ثم أضاف: «السادات كان مثقفاً متنوراً وصاحب معرفة تاريخية، تعلم معرفته العلمية من جامعة «الشارع» والحياة. ونظر الى نفسه مثل «تشرشل» و«شارل ديجول» وآمن أن القدر اختاره لإنقاذ مصر، وكان وطنياً أكثر من عبدالناصر نفسه».
- ولفت «ميندز» إلى أن السادات رغم انه لم يشارك شخصياً فى الحروب السابقة، وإنما أعد نفسه لإدارة المعركة الاستراتيجية بأكثر من مجرد خبرة عسكرية، وإنما من خلال السياسة التى استطاع بها الدخول فى أكبر لعبة فى تلك الفترة، وأضاف: «نجح السادات فى أن يجعل من الحرب هوية لرئاسته للدولة، وجعل تحرير أرض سيناء مهمته الأولى والأخيرة. واستطاع وضع خطة حربية منظمة يقبع فى نهايتها هدف سياسى خالص، استطاع الحصول عليه بكل جدارة».
- وكانت احدى الأزمات التى أرقت السادات بحسب قول الكاتب الإسرائيلى هى الالتزامات التى تعهد بها عبدالناصر الى الروس فى مقابل الأسلحة والمعدات العسكرية والخبراء، ولأنه كره هذا الالتزام ظل يحصل منهم على الأسلحة حتى آخر لحظة التى عندها امتنعوا عن الاستجابة لطلباته عن المعدات الحديثة اللازمة لعملياته الهجومية فى سيناء «مقاتلات قاذفة للضرب فى العمق، ومروحيات هجومية، والدبابات ت 72 والمركبات المدرعة القتالية ب. م. ب 2، صواريخ الدفاع الجوى سام 6 بأعداد كافية...»، عند ذلك طرد الخبراء والمستشارين الروس، وهو ما دفع إسرائيل الى استبعاد خيار الحرب حينها، لأنهم ظنوا ان السادات بطرده الروس قد أضعف جيشه، ولم تدرك المخابرات الإسرائيلية حقيقة مهمة وراء قرار السادات بطرد الروس، وهى أنه بذلك أراد أن يكون قرار الحرب مصرياً خالصاً لا فضل لأحد آخر فيه، وقد أثبتت الحرب أن الجيش المصرى لم يضعف بعد طرد الخبراء الروس، بل زادت ثقة القادة والضباط فى أنفسهم، وقدرتهم على تخطيط وإدارة عمليات هجومية استراتيجية دون معاونة من آخرين.
- ولم يكتف الكاتب الإسرائيلى بامتداح السادات لقدرته على خداع إسرائيل بشأن الحرب فقط، وإنما استطاع أيضاً خداع وزير الخارجية الأمريكى هنرى كسينجر وجذبه الى الملعب السياسى الذى أراد السادات الوصول اليه فى النهاية بشروطه هو، حيث لم يدرك كسينجر أن قرار السادات بطرد الروس كان يطمع به اللعب على المدى البعيد وليس القريب، وأراد المكسب البعيد فى مقابل الخسارة القريبة المؤقتة، وهو ما تمثل فى إدخال الإدارة الأمريكية فى الأزمة بين مصر وإسرائيل، أو إشراك أمريكا فى إجبار إسرائيل على الانسحاب نهائياً من سيناء، وتحميل الإدارة الأمريكية هذه المسئولية باعتبار دعمها ومساندتها المطلقة لإسرائيل، أما تكتيك السادات فى التفاوض مع إسرائيل فقد اتبع منهجاً وصفه الكاتب الإسرائيلى على النحو التالى: «استطاع السادات أن يلعب اللعبة بقواعده هو داخل حدودها التى فرضتها الولايات المتحدة، ولكنه متمسك بهدفه بعيد المدى وهو تحرير كامل سيناء من الاحتلال الإسرائيلى. لذلك انتهج تكتيك التنازل جزئياً عن طلباته فى البعد التكتيكى وليس الاستراتيجى، وكان دائماً ما يتعمد تقديم لائحة بمطالب يتأكد ان إسرائيل لن تقبلها، فيعود للتنازل عنها، حتى يحين الوقت الذى يرغب فيه بتقديم طلباته الحقيقية، فيتذرع بأنه تنازل عما يقرب من «90٪» من طلباته ويتساءل حينئذ: الى أى حد يمكن ان يتنازل أكثر من ذلك؟ إلى الدرجة التى تحرج كسينجر نفسه ويدفع فى المقابل جولدامائير لتقول ذات مرة: «هل يظن السادات نفسه أنه انتصر فى 67؟» وكان هدف السادات من لعبة التنازلات تلك هو جر كسينجر. على غير دراية الى اللعبة الجديدة بقواعد السادات نفسه. وفور أن بات موعد الحرب قريباً، تعمد السادات زيادة تكتيك تلك اللعبة بالإعلان عن مهلة بحلول نهاية شهر سبتمبر لإسرائيل لقبول تلك المطالب، ولم يحدد ماذا سيفعل بعد انتهاء تلك المدة، لكن أحداً فى إسرائيل أو أمريكا لم يهتم.
- وكانت إحدى اللحظات الفاصلة فى خطة السادات، هى المطالب التى أرسلها مع مبعوثه الشخصى حافظ إسماعيل الى وزير الخارجية الأمريكية كسينجر، لإنهاك إسرائيل وأمريكا، فقد وافق كسينجر حينها بالفعل على بعض التنازلات الطفيفة من جانب إسرائيل، وحينها غضب السادات جداً، ولكنه فضلاً عن احتواء غضبه للاستمرار فى دفع كسينجر إلى السقوط فى الفخ الذى نصبه له بعد أن يبادر بالحرب ويعود إلى طاولة التفاوض، وفى ذلك يقول ميندز: «تجدر الاشارة الى ان كل تحركات السادات كانت تفضى في النهاية الى الحرب، ولا يمكن فهمها إلا فى إطار الاستعدادات للحرب، بدءاً من حرب الاستنزاف ورغم ان مصر انتهكت شروط وقف اطلاق النيران خلال حرب الاستنزاف، فإن إسرائيل وواشنطن فضلتا التغاضى عن تلك الانتهاكات، لأن المصلحة كانت تقتضى ذلك».
- وكان أحد أسوأ المفاهيم التى صاغتها المخابرات الإسرائيلية عن القيادة المصرية بحسب الكتاب هى ان القيادة المصرية لا تخرج للحرب أبداً إلا قبل أن تحقق طفرة وسلاح الطيران يجعله على مقدرة لمنافسة سلاح الطيران للخصم، وبشكل عام فإن هذا واقع، إلا أن السادات حذر جنوده وضباطه من التفكير بشكل نمطى، وهو ما جعله يستبق الأمور ويبادر بالحرب»، وأضاف الكاتب: «فى صيف 1972، أدرك السادات انه سيخرج للحرب بالأسلحة الروسية رغم قصورها فى تحقيق التوازن الكمى والنوعى مع نظيراتها الإسرائيلية ولهذا قرر ان يعمل على عنصر المفاجأة والابتعاد عن التفكير النمطى»، وقد أكد الكاتب الإسرائيلى «ان جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية «أمان» فشل بشكل ذريع فى تلك الحرب».
- وأضاف «ميندز»: «تعتقد مجموعتنا بشكل عام ان السادات لم يكن ليخرج الى الحرب أبداً الا لو كان على علم بقدرته فى قلب الانتصار المتوقع المحدود ربما الى انتصار سياسى استراتيجى، ولم ترتكز ثقة السادات على الخيال، وإنما على ثقته فى نفسه وبأنه يفهم طريقة تفكير كسينجر، واستطاع التنسيق مع الدول العربية لاستخدام سلاح النفط» ولفت الكاتب الإسرائيلى إلى أن السادات تحكم فى مجريات الأمور والقرارات الاستراتيجية خلال فترة الحرب، ورغم انه لم يتدخل فعلياً فى عمل القادة الآخرين، فإن تحركات السادات كانت تشير الى انه قائد عسكرى حذر ومخضرم» ثم يضيف: الكاتب: «فور أن انتهت الحرب، بدأت المعركة السياسية، وفاجأ كسينجر مجدداً، بعد ما اقترح الأخير تنازلات ضخمة من الجانب الإسرائيلى، فى حين طلب السادات تنازلات ضئيلة، ويبدو أن الفارق الثقافى بين الاثنين هو السبب فى مفاجأة كسينجر، حيث ان طبيعة السادات الشرقية تجعله متوجساً من الانتصار الضخم لأنه سيعد آخر انتصار له، على عكس الغربيين الذين لا يرغبون فى انتصار ضخم وفورى».
- ثم أنهى الكاتب الإسرائيلى الجزء الأول من الفصل الأول، مؤكداً أن المصريين انتهكوا بنود وقف اطلاق النار عدة مرات خلال الاتفاقية، مضيفاً: «غير ان المتابع لطبيعة المصريين لن يتعجب كثيراً، حيث إن المصريين يعتبرون ان أى اتفاق غير نهائى مادام الحديث مستمراً، وهو ما دفع السادات إلى القول لمناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل ذات مرة: «هذا سوق والبضاعة ثمينة»، إلا أن رئيس الوزراء الأسبق لم يفهم مغزى حديث السادات عندئذ، وهو ما يشير إلى أن السادات كان ينوى استغلال تلك الطبيعة لانتهاك بنود اتفاقية السلام، تحت دعوى أن من انتهك الاتفاقية فعل هذا دون الرجوع اليه، أو أنه لم يفهم أن هذا كان ضمن بنود الاتفاق».
أشرف مروان الرجل العميل
- يشير مؤلف الكتاب «شيمون ميندز»، فى الجزء الثانى من كتابه الى قصة أشرف مروان مع المخابرات الإسرائيلية عام 1969، حين دخل إلى السفارة الإسرائيلية فى لندن وعرض معلومات ووثائق ومستندات بالغة السرية مقابل «200» ألف دولار للمستند الأول، و«150» ألف دولار عن كل مستند جديد يقدمه إليهم.. وبالفعل تحققت الدوائر الأمنية فى إسرائيل من صحة الوثائق التى قدمها لها، وأصبح بمثابة «دعوة» للحصول على كل ما يجرى فى غرفة صناعة القرار لـ«السادات»: وأشار «ميندز» الى أنه رغم ان مسألة كون مروان عميلاً مزدوجاً أم لا، وهو ما رفضه مدير الاستخبارات العسكرية الجنرال «إلياهو زعيرا»، مؤكداً أن مروان كان عميلاً لإسرائيل فقط وليس مزدوجاً، الا ان هناك عدة عوامل قد تحسم تلك المسألة، على رأسها أن المصريين أنفسهم لم ينكروا كون مروان كان عميلاً لإسرائيل، وأضاف كما ان مروان كان زوجاً لابنة عبدالناصر التى كانت تقول للسادات: «ياعمى»، وهو كان يقول لها: «يا ابنتى»، فكيف يمكن لزوجها أن يتجسس عليه، وكان قد عينه سكرتيراً له لشئون المعلومات، كما كلفه بعقد عدة صفقات أسلحة لمصالح الجيش المصرى مع دول عربية وشركات تسليح غربية.
- وأشار الكاتب الإسرائيلى الى انه يعتقد أن «مروان» كان بمثابة «حصان طروادة» فى قلب إسرائيل، كان مروان هو الممثل، بينما كان السادات هو المخرج والمؤلف لتلك المسرحية التى خدعت أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وتابع: «لم ينكر المصريون كونه عميلاً لإسرائيل، كما أن الحفاظ على موقعه حتى بعد مقتل السادات ومنحه ميدالية بعد وفاته فى 2007 يثير الشكوك، اضافة الى ان ابنته تزوجت نجل وزير الخارجية الأسبق «عمرو موسى»، وفى اعتقادى كان مروان جزءاً من لعبة الاستخبارات والخداع التى مارسها السادات بفطنة وذكاء ونجاح باهر».
وثيقة تكشف سعى إسرائيل للسلام قبل حرب أكتوبر
- وفى اطار إفراج الحكومة الإسرائيلية عن «27» وثيقة سرية هامة، برزت وثيقة تكشف سعى إسرائيل للسلام مع مصر قبل حرب أكتوبر، حيث لجأت جولدامائير رئيسة وزراء إسرائيل الى ألمانيا لتتوسط مع مصر لإقناع السادات بعملية السلام، وأن مائير أجرت محادثات مع المستشار الألمانى، ديلى برانت قبل ثلاثة أشهر من حرب أكتوبر 1973، وعرضت خلالها البدء بمفاوضات سلام مع الرئيس المصرى الأسبق أنور السادات من وراء الولايات المتحدة ومن دون معرفتها وذلك على أساس إعادة غالبية سيناء وشرط عدم العودة الى حدود 1967، إلا أن مصر رفضت هذا العرض وواصلت الإعداد للحرب.
- وجاء كشف هذه الوثيقة السرية مع اقتراب مرور «40» عاماً على حرب أكتوبر، وبعدأشهر قليلة من نشر وثائق اتهمت جولدامائير بأنها فوتت الفرصة لإدارة مفاوضات مع السادات وتسببت بذلك فى حرب أكتوبر، وأهم ما فى هذه الوثيقة الكشف عن لقاء بين جولدامائير وبرانت عقد فى «9 يونية 1973» فى مقر رئاسة الحكومة فى القدس الغربية، كما تتضمن هذه الوثيقة السرية تصريحاً لرئيسة الوزراء الإسرائيلية تقول فيه المستشار الألمانى برانت إن بإمكانه الاجتماع بالرئيس السادات، والقول انه خرج بانطباع من لقائها بأن

إسرائيل معنية بالسلام وليست معنية بالاحتفاظ بكامل سيناء ولا بنصف سيناء ولا بغالبية سيناء، ولكنها فى الوقت نفسه ليست مستعدة للانسحاب الى خطوط 1967، كما انها مستعدة لإعادة غالبية سيناء لمصر ورسم الحدود ما بين حدود 1967 وبين خط وقف اطلاق النار من حرب ذلك العام، وقالت مائير انها تتفهم مصاعب السادات في العالم العربى، ولذلك لا تطلب محادثات علنية ومستعدة لبدء مفاوضات حول هذه المبادئ بشكل سرى.
- وفى وثيقة سرية أخرى يتضح ان المستشار الألمانى برانت لم يتحمس كثيراً للفكرة، ولم يكن لديه استعداد للسفر بنفسه الى مصر، فأرسل دبلوماسياً بدرجة منخفضة هو سكرتير وزارة الخارجية «لونارلان» الى القاهرة، وطلب الأخير لقاء مستشار الرئيس السادات للأمن القومى «حافظ إسماعيل» الذى تلقي رسالة برانت على مضض، حيث يبدو أن السادات لم يكن مجنداً الوساطة الألمانية لاعتقاده بأن أوراق «اللعبة كلها ليست فى أيدي ألمانيا، لكن فى أيدى واشنطن، الا ان المحاولات الألمانية استمرت فيما بعد وفى نهايتها رفض حافظ إسماعيل اقتراح إسرائيل بفظاظة قائلاً: «إن هذه المفاوضات لمجرد مفاوضات وأن مصر غير مستعدة للتفاوض مع إسرائيل الا بعد أن تتعهد بأن تنسحب من الأراضى العربية التى احتلتها سنة 1967، وسجلت احدى الوثائق الأخرى على لسان حافظ إسماعيل قوله «ان العرب أصبحوا من الآن فصاعداً يملكون إرادتهم».
تجاهل «دايان» معلومات استخباراتية مهمة عن قرب وقوع الحرب
- وقد نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالاً عن وثيقة سرية تعود الى عام 1973 أفرجت عنها وزارة الدفاع الإسرائيلية مؤخراً، وتتعلق هذه الوثيقة بمعلومات استخباراتية ذات مصداقية عالية تلقتها إسرائيل قبل اندلاع حرب أكتوبر، فبالإضافة الى المعلومات التى أمدها العميل أشرف مروان والتى اكد فيها اتخاذ السادات قرار بدء القتال بالتنسيق مع سوريا، ركز المقال على المعلومات الجديدة التي احتوتها هذه الوثيقة التابعة من مكتب وزير الدفاع موشى دايان، حيث تؤكد هذه المعلومات الجديدة حسب تفسير المقال أن رئيس المخابرات العسكرية الجنرال إيلياهوزعيرا، كان قد أكد هو الآخر معلومات ترجح نية مصر القيام بأعمال عسكرية، وأن زعيرا حضر اجتماعاً للمجموعة العسكرية فى صباح يوم «6 أكتوبر» نقل للقادة العسكريين معلومات تفيد تحريك سوريا لقواتها الى مواقع هجومية، وكذلك برقية تمكنت المخابرات الإسرائيلية من فك شفرتها كان قد بعث بها سفير العراق فى موسكو الى بغداد، وقال فيها ان السوريين على وشك بدء القتال ويلاحظ فى هذا الصدد ان المستشارين الروس كانوا حتى بدء الحرب فى سوريا، على عكس مصر التى طردتهم عام 1972، ومن ثم من المؤكد انهم رصدوا استعداد الجيش السورى للحرب ونقلوا ذلك الى قياداتهم فى موسكو».
- وبالتالى فإن المقال الذى نشرته «هآرتس» يشكك فى النتائج التى خلصت لها لجنة أجرانات التى كانت شكلت بعد الحرب للتحقيق فى الفشل المعلوماتى والاستخباراتى الذى أدى لفشل إسرائيل فى التنبؤ بالحرب فكما هو معروف خلصت لجنة أجرانات الى إلقاء اللوم على المخابرات العسكرية «أمان» وحملتها وحدها مسئولية التخبط العسكرى الأيام الأولى للحرب، ولكن الوثيقة الجديدة توضح بجلاء عدم تقاعس المخابرات العسكرية عن القيام بواجبها، وأن «زعيرا» لم يتعمد إخفاء أية معلومات عن القيادة العسكرية كما زعم تقرير لجنة أجرانات.
وثيقة أخرى تكشف تفاصيل عن سير الحرب
- ومن ضمن الوثائق التى سمحت الرقابة العسكرية الصارمة لوسائل الإعلام الإسرائيلية بنشر تفاصيل عن سير الحرب، ذكرت «هاآرتس» أن حالة من الهستيريا سادت القيادة العليا للجيش الإسرائيلى، حتى أن وزير الدفاع فى ذلك الوقت موشيه دايان قال جملة مشهورة: «فليُقتل من يُقتل، وليُخطف من يُخطف، المهم ان نواصل المعركة أمام الجيشين السورى والمصرى» على حد تعبيره. وكان لافتاً للغاية ما كتبه الجنرال احتياط الذى كان يخدم فى شعبة المخابرات العسكرية «أهارون لبران»، حيث كشف لأول مرة أن إحدى مهام أجهزة المخابرات الإسرائيلية «الموساد، آمان»، الحيلولة دون اشراك الأردن فى الحرب لجانب سوريا.
- وفى سياق تسليط الضوء على بعض الانجازات الاستخباراتية من الدرجة الأولى للحرب التى حُفرت فى الوعى الإسرائيلى بوصفها الإخفاق الاستخباراتى الأكبر فى تاريخ إسرائيل، قال الجنرال متقاعد «لبران» بحسب ما نشرته صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة جداً من رئيس الوزراء الحالى بنيامين نتنياهو إن أحد أهم هذه الانجازات هو التقدير بأن المملكة الأردنية لن تنضم الى الحرب ضد إسرائيل، فعلاوة على المعلومات التى أنذرت بشكل مسبق عن انتقال فرقتين مدرعتين مصريتين من غرب القناة الى شرقها «يوم 14 أكتوبر»، فبالإضافة إلى ذلك نوه الجنرال الإسرائيلى المتقاعد الى أنه بعد الصدمة التى تسببت فيها مفاجأة اندفاع الحرب، لم يكن أسهل على الاستخبارات من تقدير أن الأردن سينضم إلى الحرب، لكن هذا لم يحصل ولم تقله الاستخبارات، وكان تقديرها سليماً فى هذا الشأن، الأمر الذى أتاح لرئيس الأركان آنذاك الجنرال ديفيد اليعازر الذى انتحر فيما بعد ان يتخذ قراراً بنقل فرقة احتياط من الحدود مع الأردن، الى جبهة الجولان لمواجهة الجيش السورى هناك بدلاً ابقائها في الضفة الغربية للدفاع عن القدس، على حد قوله، وأشار ايضاً الى انه عندما قام بعض الجنرالات بالتحذير من أن نقل هذه الفرقة سيؤدى إلى جعل طريق القدس مفتوحاً، جاء التقدير الذى تقدمت به شعبة المخابرات العسكرية، واستبعدت فيه فتح هذه الجبهة ليساعد اتخاذ القرار السليم، وتالياً بإنقاذ هضبة الجولان من الوقوع فى قبضة الجيش السورى.
- وزاد الضابط الإسرائيلى قائلاً: «إن ما لم يعرفه الجمهور الإسرائيلى هو أن الذى ساعد الاستخبارات على التوصل الى هذا التقدير كانت التقارير اليومية التى نقلناها أنا ورئيس الموساد «الاستخبارات الخارجية» فى حينه «تسفى زامير» عن الجبهة الأردنية، حيث اتخذ العاهل الأردنى الملك حسين قراراً متوازناً تمثل فى إرسال اللواء «40» مدرع لمساعدة الجيش السورى، وذلك فى اليوم السادس للحرب، وكذلك إرسال اللواء «60 ميكانيكي» عشية انتهائها.
- ومن ناحيته كشف المؤرخ الإسرائيلى «إيلان كفير» النقاب عن ان انخفاض القوات الإسرائيلية التى كانت متواجدة فى جبل الشيخ كان مضاعفاً، ذلك انه على الرغم من الوعود والتحضيرات، فإن هذا الموقع الإسرائيلى البالغ الأهمية الاستراتيجية لم يكن جاهزاً للحرب، علاوة على ذلك، فإنه فى الأيام والساعات قبل اندلاع المواجهة الشرسة والمصيرية لم يعرف الجنود والضباط ماذا ينتظرهم، كما ان القيادة العليا فى هيئة الأركان العامة لم تع أى اهتمام لهذا الموقع، وتابع المؤرخ. والذى قامت صحيفة «هاآرتس» بنشر فصل من كتابه.
قائلاً:، فإن الموقع بعد اندلاع، الحرب لم يسمع صفارات الإنذار وهو الذى كان يسمى «عيون إسرائيل». كما كشف المؤرخ النقاب عن إخفاق أكبر من ذلك، حيث قال ان الجيش السورى كان يعرف كل شىء عن الموقع بواسطة عملاء عرب دروز من هضبة الجولان، والذين كانوا يعرفون كل شىء عن الموقع ويبلغونه الى المخابرات السورية.
رؤية تحليلية
- تكشف هذه الوثائق التى أفرجت عنها الرقابة العسكرية الإسرائيلية أخيراً عن عدة حقائق فى شأن الانتصار المصرى فى حرب أكتوبر، وذلك على النحو التالى:
- لم يكن رهان الرئيس الراحل على نجاح الجيش المصرى فى تحقيق الأهداف والمهام القتالية التى كُلف بها فى هذه الحرب، الا لثقته فى الله وقدرة الجيش على ذلك، وانه ظلم فى هزيمة 1967 التي كانت لأسباب سياسية خارج إرادة مسئولية الجيش، لذلك كان قرار السادات بخوض الحرب رغم تشكيك كثيرين فى الداخل والخارج فى وقوعها، لعدم قدرة الجيش المصرى على ذلك فى ظل خلل الميزان العسكرى لصالح إسرائيل، الا انه رغم هذا الخلل الجسيم على الصعيدين النوعى والكمى بين القوات المصرية والإسرائيلية لصالح الأخيرة، بسبب تكاتف روسيا وأمريكا معاً على عدم تمكين مصر من حيازة الأسلحة الهجومية التى تمكنها من تحرير كامل سيناء عسكرياً ورغم اجتماع إرادة الدولتين العظميين على رفض أى حل عسكرى، وتفضيل أسلوب المفاوضات، الا ان السادات قبل هذا التحدى بما هو متاح لديه من أسلحة ومعدات حربية تعتبر متخلفة تكنولوجياً بالنسبة لما كان فى أيدى القوات الإسرائيلية من أسلحة ومعدات تستخدمها القوات الأمريكية فى ذات الوقت، بينما الأسلحة والمعدات التي كانت فى أيدى القوات المصرية ترجع الى عقد الخمسينيات مثل الميج 17والسوخوى 7، بل وبعضها يرجع الى زمن الحرب العالمية الثانية قبل الدبابة الروسية ت 34 التى استخدمتها الفرقة «18» مشاة في تحرير مدينة القنطرة. كما وضع السادات فى اعتباره عند اتخاذ قرار الحرب أن الحرب وحدها هى التى ستعيد ثقة الضابط والجندى المصرى فى نفسه وقياداته وأسلحته، أما أسلوب المفاوضات حتى ان نجحت فى اجلاء إسرائيل عن سيناء، فإنها لم تكن لتعيد هذه الثقة المطلوبة وبشدة بعد ما عانته القوات المسلحة المصرية نفسياً لسبب هزيمة 1967.
- لذلك جاء قرار الحرب وخطتها متمشية تماماً مع القدرات الفعلية للقوات المصرية، ولم تتجاوزها الى تحرير كامل أرض سيناء، وهو ما كان خارج قدرات القوات المسلحة لافتقارها للمقاتلات القاذفة والقاتلة التى توفر لها الحماية الجوية عند هجومها فى عمق سيناء، كذلك افتقارها للحجم اللازم من المدرعات الحديثة التى تكفل لها بناء، احتياطيات استراتيجية تؤمن استمرار الدفع بالقوات فى عمق الهجوم مع تأمين الاتزان الاستراتيجى فى الخلف، وبما يحرم القوات الإسرائيلية من تنفيذ تكتيكاتها المفضلة فى تطويق القوات المعادية لها والالتفاف حولها وحصارها ثم تدميرها، لذلك حددت القيادة العسكرية المصرية مهمة قواتها فى اقتحام قناة السويس عنوة وتدمير العدو الإسرائيلى فى خط بارليف والوصول الى خط بعمق 20 كم والدفاع منه وصد الهجمات والضربات المضادة الإسرائيلية وتدميرها، مع الاستعداد لتطوير الهجوم شرقاً طبقاً للموقف في حينه». وقد نجحت القوات المصرية فى تنفيذ هذه المهمة بامتياز، حيث استمرت الخمس فرق مشاة المتواجدة شرق القناة فى التمسك بدفاعاتها بعد تدمير خط بارليف، وتدمير جميع الهجمات المضادة المدرعة الإسرائيلية، الأمر الذى اعترفت معه جولدا مائير وهى تصرخ فى مكالماتها الهاتفية مع وزير الخارجية الأمريكى هنرى كسينجر فجر يوم «9 أكتوبر» قائلة: «لقد خسرنا حتى اليوم 450 دبابة و120 طائرة، وأخشىأن نخسر سيناء». فأجابها كسينجر: «بل أخشى أن تخسروا إسرائيل ذاتها»، وكانت اجابة أمريكا بأن أقامت على وجه السرعة جسراً جوياً عبر جزر الآزور بالمحيط الأطلنطى نقلت عبره مقاتلات أمريكية وصواريخ مضادة للدبابات من الجيل الثانى «TOW» مباشرة الى مطار العريش ومنه الى الجبهة مباشرة فى سيناء، فضلاً عن معدات اعاقة الكترونية للشوشرة على رادارات الدفاع الجوى المصرى، الأمر الذى تسبب فى تحييد خطة تطوير الهجوم المصرى شرقاً يوم 15 أكتوبر، والاكتفاء بتدعيم رؤوس الكبارى الخمسة المقامة شرق القناة، وعندما عمدت إسرائيل الى نقل المعركة الى غرب القناة لم تستطع أن تفعل ذلك عبر اختراق أحد رؤوس الكبارى، ولكن استغلت الثغرة المتواجدة شرق البحيرات المرة بين الجيشين الثانى والثالث وكانت خالية من القوات باستثناء كتيبة كويتية فى منطقة فايد غرب القناة، وهو ما أمكن لقواتنا غرب القناة من الإحاطة بهذه الثغرة واحتوائها استعداداً لتصفيتها وهو ما أبلغ به السادات كسينجر، واعترف الأخير بقدرة الجيش المصرى على ذلك ولكن أمريكا لن تسمح به لما يشكله من إبادة وتدمير القوات الإسرائيلية المتواجدة فى الثغرة، لاسيما بعد أن تقطع القوات المصرية خط امدادها شرق القناة.
عند ذلك قال له السادات: إننى حاربت إسرائيل عشرين يوماً، ولكنى لست على استعداد لمحاربة أمريكا، وبالتالى على واشنطن أن تتحمل مسئولياتها في اجبار إسرائيل على سحب قواتها من سيناء طوعاً بدلاً من الحرب، وهو ما استجابت له واشنطن وبدأت بالفعل تحمل دورها فى مفاوضات فض الاشتباك وسحب القوات الإسرائيلية من سيناء، حتى تم تحرير كامل تراب سيناء من الاحتلال الإسرائيلى وحتى آخر حبة رمل فى طابا فى ابريل عام 1982، فى الوقت الذى لا تزال فيه الأراضى العربية الأخرى فى الجولان والضفة الغربية وغزة محتلة حتى اليوم ومنذ أربعين سنة، وهو ما يؤكد صحة رؤية السادات الثاقبة فى أن «99٪ من أوراق اللعبة السياسية فى أيدى أمريكا»، وذلك بحكم كونها الراعية والداعمة لإسرائيل سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، واستغلال السادات للمكاسب العسكرية التى حققها الجيش المصرى على الأرض فى سيناء فى تحريك القضية سياسياً، والتفاوض لاستعادة باقى الأرض، وهو ما لم يكن ممكناً تحقيقه بدون الانتصار العسكرى الذى تحقق على الأرض، وأثبتت به القوات المسلحة المصرية ذاتها وقدراتها.