رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صراع البقاء بين السلفيين والإخوان

بوابة الوفد الإلكترونية

تعددت مواقف السلفيين داخل اللعبة السياسية، بين مؤيد للإخوان تارة وللثوار والمعارضة تارة أخري.

وجاءت المواقف الأخيرة للتيار السلفي وذراعه الأقوي سياسياً حزب النور - مرتبكة ومتغيرة - لكنها تثبت أنهم يلعبون بالنار.. ولن يتركوا الفرصة تفوت من أيديهم.. فإما أن يشاركوا فيها مشاركة كاملة لحصد أي مكاسب ممكنة أو يتركوا الساحة تماماً تحت مقولة «الابتعاد عن الفتنة والبعد عن السياسة ومشاكلها».
وآخر هذه المواقف كان منذ أيام قليلة وتحديداً عقب إعلان الرئاسة تشكيل لجنة الـ 50 المكلفة بتعديل دستور 2012 المعطل، وعندها لوح حزب النور السلفي بالانسحاب من اللجنة اعتراضاً علي اختيار 2 فقط لتمثيل الأحزاب الإسلامية، هما الدكتور بسام الزرقا، نائب رئيس حزب النور، والدكتور كمال الهلباوي، القيادي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين، رغم تأييدهما لحزمة القرارات التي اتخذها الجيش بعزل «مرسي» وإسناد إدارة البلاد لرئيس المحكمة الدستورية العليا عقب الإعلان عن خارطة الطريق في ذلك الوقت.
ويعتبر حزب النور السلفي - أحد أهم وأكبر الأحزاب السلفية من حيث القاعدة الجماهيرية - كما أنه المنافس الإسلامي الأبرز للإخوان، فموقف الحزب يمكن وصفه بـ «المتغير»، لكونه يتعامل مع المشهد السياسي برؤية مختلفة عن فصائل الإسلام السياسي الأخري، كما أنه يتبني مواقف مختلفة عن معظم الأحزاب السلفية الأخري، التي رفضت الإطاحة بالرئيس المعزول.
واكتسب السلفيون منذ قيام ثورة 25 يناير وما تلاها من أحداث سياسية شهدتها الساحة المصرية شعبية كبيرة في الشارع، نظراً لضخامة أعضائه وبساطة ومواقفه مقارنة بمواقف الإسلاميين المتعصبة، رغم حداثة عهد التيار السلفي بالعمل السياسي.
وقد أطلق الكثيرون علي «النور» مسمي «الحصان الرابح» في ذلك الوقت، لكون طبيعته رافضة لأي موقف صدامي مع الحكام أو الحكومة.. وهذا هو منهجهم في التعامل مع المواقف المختلفة، وأن كلاً منهم من يمتلك رؤية مختلفة، ويري أحقيته بالسلطة ويسعي للاستحواذ علي المناصب القيادية بالدولة.
ورغم أن القصة تدور بين الإسلاميين حول تقسيم السلطة، لكن هذا الصراع ليس وليد اللحظة، بل نتيجة تراكمات سابقة، وبعد أن جمعتهم اللعبة السياسية فرقتهم مرة أخري لتتضح أبعاد الصورة بشكل أعمق لدي المواطن، كاشفة مدي التحول الكبير والتطور الناجز الذي حدث للقوي الإسلامية الجديدة وخصوصاً للدعوة السلفية.
الدكتور عمار علي حسن، الكاتب والمحلل السياسي، يري أن السلفية في مصر كما هي في غيرها من البلدان الإسلامية، ليست طريقاً واحداً، سواء من حيث دوائر الاعتقاد، أو المناهل الفقهية التي تغرف منها، أو توجهاتها حيال القضايا الحياتية المطروحة، وموقفها من الجماعات والتنظيمات والفرق الإسلامية الأخري.
ويضيف «عمار» قائلاً: لم تكن النشأة الأولي لبعض دعاة السلفية بعيدة عن جماعة الإخوان، سواء فكرياً أو تنظيمياً، لكنهم افترقوا عنها تباعاً من منطلق أن ما هي عليه من تصورات لا تعبر من وجهة نظرهم عن صحيح الإسلام، وقاد هذا الموقف إلي وقوع صدامات بين الطرفين عام 1980، لاسيما في جامعة الإسكندرية، التي كان التيار السلفي قد بدأ يشق طريقه فيها متأثراً بالأفكار التي يطرحها «محمد إسماعيل المقدم».
ثم بعدها أخذ كل السلفيين والإخوان يتصرفون في كثير من الأحيان علي أنهما فريقان متنافسان، يوازي كل منهما الآخر، ويسعي إلي الانتصار الدعوي عليه في نهاية المطاف، حتي ظهر هذا جلياً خلال الانتخابات التشريعية التي أعقبت ثورة يناير.
وأضاف المحلل السياسي، أن أحد أهداف السلفيين من الدخول إلي غمار الساحة السياسية المباشرة، التي كانوا يفضلون الابتعاد عنها فيما سبق، هو عدم تركها كلية للإخوان في السابق، نظراً لمخاوف مبررة لديهم من أن استيلاء الجماعة بالكامل علي السلطة سيجعلها بالضرورة نازعة إلي الاستيلاء علي منابر الوعظ، لنشر دعوتها، وحرمان السلفيين من هذه الميزة التي تمتعوا بها طويلاً مقابل ابتعادهم عن السياسة في مرحلة ما قبل ثورة يناير.
وكان يعزي هذا التوازن بالنسبة للسلفيين إلي مسائل فقهية أو فكرية، إذ يرون أن الإخوان تخلوا عن الكثير من مقتضيات الدين في سبيل تحصيل المكاسب السياسية، ويوجهون نقداً لاذعاً إلي مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا، الذي يبدو في نظر غلاة السلفية «رجلاً ضل وأضل».
وقال الدكتور «عمار»: إنه في مجال السياسة يبلغ الخلاف علي أشده بين السلفيين والإخوان في قضيتي «ولاية المرأة» و«الأقباط»، فبينما يبدي الإخوان مرونة في هذا الصدد، يتشدد السلفيون حيالهما إلي أقصي حد، مرجعين ذلك إلي مسائل عقدية وفقهية لا تفريط فيها بالنسبة لهم.
وأوضح أن الأمر هنا يمتد إلي السياسة الخارجية، حيث يضغط السلفيون دوماً بهدف تصليب الموقف الإخواني المستعد لإبداء مرونة حيال إيران، كما لا تروق لهم سياسة الرئيس المعزول «مرسي» إزاء إسرائيل والغرب عموماً، ولكن في ظل المواجهة بينهما كان ينظر الإخوان إلي السلفيين باعتبارهم من أبرز القوي المهددة لهم في المجتمع المصري، إن لم تكن أقواها علي الإطلاق في المرحلة السابقة.. وكانوا ينظرون باندهاش وخوف إلي المكسب الكبير الذي حققه السلفيون في الانتخابات البرلمانية السابقة، رغم أن عملهم في المجال السياسي المباشر لم يستغرق وقتاً طويلاً، بينما كان يرتاب الإخوان في أن السلفيين تقدموا في زمن قياسي ليخطفوا جزءاً كبيراً من الحصاد الذي ظلت الجماعة تزرعه وترعاه علي مدار ثمانية عقود من الزمن.
كما أنهم يخشون من أن تؤثر امتدادات السلفيين خارج مصر، بحكم الروابط التي تصلهم بالوهابية وغيرها، علي توظيفهم كأداة في أيدي جهات أجنبية، لاسيما خليجية، التي لا يروق لها حكم الإخوان في السابق، ولم يكن من مصلحتها تقدم مشروعهم ونجاحهم، علي اعتبار أن هذا كان سيدفعهم ويغريهم إلي تحريك المجموعات الإخوانية الطافية علي السطح والغاطسة في تلك الدول ضد الأنظمة الحاكمة هناك، علاوة علي أن بعض الأشخاص في الخليج ممن يعتنقون التصور السلفي يغبنهم سيادة الرؤية الإخوانية وانتصارهم في العالم الإسلامي من شرقه إلي غربه، والذي يبقي دوماً ساحة مفتوحة للصراع أو التنافس بين الجانبين، سواء كان ظاهراً عياناً بياناً أو مستتراً مخفياً يدور تحت السطح، وهذا صراع علي نشر الرؤية والمسار، وتجنيد الأتباع، ومن ثم تحصيل السلطة والثروة، وتمثيل الإسلام أمام العالم.
كما يستغرب المحلل السياسي، من نقاط التقاطع أو التلاقي بين السلفيين والإخوان ويعود إلي أمور فكرية وحركية في آن واحد، وكلاهما يتعرض للتغير المستمر والدائب، وفق ما يتم تداوله في السوق الفقهية من ناحية، والمصالح المتجددة من ناحية ثانية، فهناك تلاق بينهما في قضايا عدة، منها التوجه الاقتصادي ذي الطابع الرأسمالي، الذي يتبناه الطرفان، مدللين علي هذا بنصوص وإحالات وتأويلات مفرطة، منطلقين من أساس وهو «حق الملكية الخاصة» دون وضع حدود لها وعليها سوي ما علي المسلم من زكاة وصدقة.
كما يتلاقي الجانبان أيضاً في سعيهما إلي تحقيق هدف واحد، وإن اختلف تصور كل منهما له، ألا وهو «أسلمة المجتمع» وتتشابه رؤيتهما للعالم إلي حد كبير، لاسيما بعد أن زحف الفقه السلفي إلي النفس الإخوانية، وأصبح معتنقو أفكار «سيد قطب» متحكمين في رقبة الجماعة.
ويشير المحلل السياسي، إلي أن السلفيين لم يطرحوا مشروعاً سياسياً من قبل، إذ إن جهد جمعياتهم وجماعاتهم كان منصرفاً إلي الدعوة والنفع العام، ومن ثم فهم بلا خبرة سياسية ولم ينظر إليهم جموع الشعب قبل الثورة باعتبارهم طرفاً قادراً علي أن يطرح رؤية، ويقدم كوادر تدير الدولة.. لكنهم يحاولون من خلال التماهي النسبي مع مشروع الإخوان والاتكاء عليه أحياناً، أو التحالف المؤقت والمحسوب معهم في بعض المواقف السياسية المتتالية، أن يبرهنوا للرأي العام

علي أن بوسعهم أن يخوضوا غمار العمل السياسي باقتدار.. فالسلفيون يسعون إلي استغلال ما غرسوه في تربة المجتمع من قيم وأفكار وخبرات، حتي يمكنهم تعزيز موقعه باتجاه التحكيم في مفاصل الدولة، ولا يشغلهم في هذا المقام ما يلاقيه الحزب من نقد مبطن من قبل الفريق الإخواني، فالمهم أن يحقق الحزب هدفه.
صلاح عيسي، رئيس تحرير جريدة القاهرة، يقول: موقف السلفيين متكرر، ودائماً ما يسير علي وتيرة واحدة سعياً لكسب الدعم والمكاسب السلطوية، وهذا ظهر جلياً طوال الفترة الماضية، منذ بداية تقلد الإخوان المناصب الرفيعة في السابق، ثم بتدخل السلفيين بأنفسهم للمشاركة في صنع القرار، مؤكداً أنه لا يجوز من الناحية الفقهية أن يظل موقف السلفيين علي الحياد.
ويعتقد «عيسي» أن الصورة الحالية التي تغلب عليها الحركة السلفية سوف تتغير، وربما ذلك إلي ما يدفع الكثيرين من السلفيين إلي مراجعة موقفهم ورجوع معظمهم إلي العمل الدعوي الذي نما وتربي فيه أعضاؤه، خصوصاً أنه مازال هناك المشايخ قادة الدعوة والسياسيون، وهؤلاء يعتبرون أخطر الحركات الإسلامية تشدداً.
الكاتبة فريدة النقاش، رئيس تحرير مجلة الأهالي، تقول: السلفيون يمارسون السياسة بأسلوب خطير، حيث إنهم مازالوا ينتمون لتيار الإسلام السياسي ويتحالفون بشكل غير مباشر مع جماعة الإخوان وقادة الدعوة السلفية فيظهرون اختلافهم مع سياسة الإخوان، في الوقت الذي يدفعون بالآلاف من أتباعهم إلي الاعتصامات والمظاهرات التي يقوم بها الإخوان، ليصورا للجميع بأنهم قريبون منهم وللحفاظ علي شعبية وتعاطف الكثير من أعضاء الجماعة الإخوانية لهم، رغم ابتعادهم عنهم بعد الإطاحة بالرئيس المعزول «مرسي»، إضافة إلي أن هناك عدداً آخر من السلفيين يعلقون عن طريق كتاباتهم علي تطورات الأحداث باتخاذهم لمواقف محايدة.
وتري أن السلفيين بدأوا منذ خروج الإخوان من الحكم، الصمود من جديد سعياً للوصول إلي أهدافهم ومصالحهم بعد أن فهموا الدرس جيداً، وهذا ما سعوا إلي غرسه، ولكن هذه المرة سيجري الانضمام إلي من يمتلك زمام الأمور، حتي يتمكنوا من السيطرة علي المواقع العليا باتجاه التحكم في مفاصل الدولة.
الكاتبة الصحفية أمينة الشرقاوي، تعتقد أن خطة الدعوة السلفية ستتبدل لتنحصر ويحدث انكماش وذوبان لمعظمها، كما كانت في أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك، ليكتفي بعض شيوخها بالرجوع إلي الدعوة، خصوصاً أن محتوي الدعوة السلفية لا يتغير ولكن ربما تتغير القيادات السلفية في المستقبل، إذ إن هناك حديثاً عن استقالات داخل قيادات حزب النور السلفي.
الدكتور أحمد يحيي عبدالحميد، أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة السويس، يقول: السلفيون حديثو العهد بالسياسة، ولم تكن لهم سابقة خبرة بها ولا توجد لديهم كوادر سياسية أو خبرات متراكمة في مجال العمل السياسي، كما أنهم يدخلون مجال السياسة علي حذر ويحرصون علي عدم الصدام أو خسارة أي فريق أو قوة سياسية علي الساحة ودائماً ما يمسكون العصا من المنتصف، ويميلون حسب الموقف السياسي.. فنراهم كثيراً مؤيدين للتيار الإسلامي الإخواني، ثم ينقلبون ويغازلون التيار الليبرالي المدني.. وفي الوقت نفسه يحرصون علي مغازلة الجماهير بسعيهم إلي تطبيق الشريعة، بل وصل الأمر إلي أنهم استخدموا من ينتمون إليهم من «الدعاة والوعاظ» في المساجد المختلفة بمصر للإشارة إلي أن السلفيين هم ورثة الإخوان للحكم، وأنهم هم الأولي بتطبيق الشريعة وهم القادرون علي تنفيذ المشروع الإسلامي، بل إن منهم أكثر صدقاً، كما يدعون من غيرهم، كما أنهم يتناولون السياسة وهم علي وضوء تحت شعار «السياسة طهارة»، لكن المؤكد أن الأيام السابقة كشفت أنهم بلا معرفة بالسياسة أو قدرة علي إدارة أي حقيبة وزارية، بل فشلوا في تقديم أي تمرد إنساني مقنع قادر علي احتواء الجماهير إلي جانبهم.. مؤكداً أن السلفيين لن يتركوا الفرصة تفوت من أيديهم.. فإما أن يشاركوا فيها مشاركة كاملة لحصد أي مكاسب ممكنة أو يتركوا الساحة تماماً تحت مقولة «الابتعاد عن الفتنة والبعد عن السياسة ومشاكلها»، ولكن المؤكد أن السلفيين أكثر خطورة من غيرهم ونموذجهم الحالي هو ما يحدث من فصيل منهم «السلفية الجهادية» في سيناء وارتباطهم غير الشريف مع تنظيم القاعدة ومع بعض الفصائل الإسلامية الأخري التي تسعي في الأرض فساداً وتحاول سرقة الأوطان حتي ولو بالدماء.
وأوضح الدكتور «عبدالحميد» أن السلفيين سوف يظلون يراقبون الأحداث، فإذا كانت تميل إلي هواهم وتأكدوا من أنهم سيحصلون علي مكاسب ومن ثم يشاركون فيها.. وإن لم يكن علي هواهم ينسحبون من الموقف ويدعون أنه سبب حفاظاً علي سلامة الإسلام وعدم الانغماس في مستنقع السياسة والتنبؤ ببشائر هذا الموقف مع التعديلات الدستورية الحالية ورغبتهم الشديدة في أن يكون الدستور وفق هواهم ومنهجهم وتحقيق مطالبهم، بل الأخطر من ذلك ما يحدث الآن في مساجدهم ومنتدياتهم وتجمعاتهم لضرب الثورة المصرية التي حدثت في 30 يونية لإعادة النظام القديم الذي ينتمي إليهم وجدانياً ونفسياً وإن كانوا لا يطيقونهم فعلياً، وما زالوا يمسكون العصا من المنتصف يتوجهون في اتجاه الريح إلي أي كفة تميل إلي المكاسب فقط.