رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

فى ذكرى إعدام سيد قطب.. مصر مازالت تدفع الثمن

بوابة الوفد الإلكترونية

فى 29 أغسطس عام 1966 توقفت سيارة سوداء أمام سجن الاستئناف وهبط منها رجل طويل القامة أبيض الوجه له شارب كث وتوجه إلى الداخل ليفتح باب زنزانة صغيرة ويخرج منها رجل ستينى أصلع له شارب أصابه بعض الشيب.

كان الرجل الأول هو الرائد فؤاد علام مسئول مكافحة النشاط الدينى، بينما كان الثانى سيد قطب ابراهيم. سأل قطب، علام: الآن؟ فرد: نعم. ولم يصدق قطب ما فعله صديق الماضى الذى كان يزوره فى بيته بحلوان فى بدايات ثورة يوليو. فرفع يديه إلى السماء ليصرخ: «اللهم اجعل دمى لعنة فى عنق عبد الناصر».
لم تكن تلك نهاية المشهد، كانت البداية. فالمشنوق الذى تم اعدامه بناء على حكم رقم 5482 أصدره الفريق أول محمد فؤاد الدجوى رئيس محكمة أمن الدولة العليا بتاريخ 16 اغسطس 1966، كانت له عدة كتب تحوى أفكارا أشبه بخواطر قاتمة تشرعن العنف ضد الآخر وتستبيح نفس وروح من يخالفها .
وبمشهد الاعدام الدرامى تحولت تلك الأفكار إلى مسلمات ونصوص مقدسة وفى سبيلها سقط الآلاف وسالت الدماء وعاثت حركات الاسلام الراديكالى فى مصر والجزائر واليمن وسوريا فسادا وإرهابا.
والواقع أن أفكار قطب التكفيرية والاحادية لم تكن لتنتشر وتتحول إلى قنابل موقوتة لولا اعدامه ولولا عنف النظام الناصرى فى مواجهتها، خاصة انها أفكار مكررة وخيالية ويمكن دحضها منطقيا  بسهولة شديدة. كما أن الاحادية التى ميزت أفكاره توازت مع أحادية الفكر الناصرى وهو ما لاحظه المفكر القدير الدكتور محمد حافظ دياب فى كتابه «سيد قطب.. الخطاب والايديولوجيا».
المفاجئ فى قراءة أفكار سيد قطب أنه لم يكن صاحبها وإنما هو نقلها عن المفكر الباكستانى أبوالأعلى المودودى الذى قسم المجتمعات إلى مجتمعات اسلامية وأخرى جاهلية، وقسم الدول إلى دول ايمان ودول كفر، وما أضافه «قطب» عن نقل تلك الافكار هو اشارته تحديدا لكافة المجتمعات العربية وغير العربية ووصفها بانها مجتمعات جاهلية.
والمفاجئ أيضا أن محمد قطب شقيق سيد قطب سبقه فى نشر تلك الأفكار حيث ظهرت لأول مرة فى كتابه «جاهلية القرن العشرين» وهو كتاب سابق على «معالم» سيد قطب. كما ظهرت نفس الافكار بتوسع فى كتب تال لمحمد قطب كان منها «هل نحن مسلمون؟» و«واقعنا المعاصر».
والغريب أن أحدا لم يلتفت أبدا لسبق محمد لسيد فى عرض الأفكار ولم يلتفت أحد لافكار محمد قطب حين تم نشرها، لكنهم التفتوا واحتفلوا واحتفوا بما كتبه سيد قطب لأنه تحول إلى «شهيد» نتيجة سوء حسابات النظام الناصرى الذى لم يكن يضيره حبس قطب أو حتى العفو عنه بعد ادانته لكبر سنه ومرضه. لقد حوّل النظام الناصرى «قطب» من مجرد ناقل وسارق لأفكار خيالية لا منطقية ، إلى مفكر عالمى يموت فى سبيل ما يكتب ، ومن شاعر تدفعه شاعريته إلى اطلاق الرصاص على مخالفيه ورقيا إلى قاض يصدر أحكاما نهائية بتكفير البعض واهداء الجنة ورضا الله للبعض الآخر.
والملفت أن قطب وناصر تصادقا ، بل وصل الامر أن قطب كان ينتظر اختياره وزيرا للتعليم بعد قيام الثورة وكتب عشرات المقالات المدافعة باستماتة عن عنف وشدة الحركة المباركة فى التعامل مع خصومها وربما كان أبرزها مقولته الشهيرة: «لأن نظلم عشرة او عشرين من المتهمين خير من أن ندع الثورة كلها تذبل وتموت».، بل إنه كتب مقالا بعد إعدام خميس والبقرى فى اغسطس 1952 فى جريدة الأخبار يقول فيه: «فلنضرب بسرعة. أما الشعب فعليه أن يحفر القبر وأن يهيل التراب».
ويرى الدكتور محمد حافظ دياب أن  الخطاب «القطبى» فى هذه المرحلة اتسم بعدة صفات تتناقض مع كثير من أطروحات الإسلاميين بشأن حرية الرأى وقبول الآخر منها أنه خطاب «مطلق» طرحه صاحبه على كونه «الصحيح المطلق» وما دونه الباطل. كما اعتمد الخطاب على الأخذ بافكار ثبتت فى ظروف معينة واطلاقها كأفكار صالحة لكل ظرف وزمان مثلما حدث فى الاقتباس من فتاوى ابن تيمية قديما، وأفكار ابى الأعلى المودودى حديثا.
لقد عمم سيد قطب فتوى  ابن تيمية بتكفير الحاكم اذا  خالف شرع الله رغم ان موقف ابن تيمية له مبررات تاريخية حين تصدى لمحاولات الحاكم المغولى للسيطرة على العالم الاسلامى بادعاء الإسلام. أما «المودودى» فقد وقف بفتوى تكفيره عند الدولة وهى دولة غير مسلمة فى الأساس «هندوكية». 
ويرى الباحث  أن أخطر ما يبدو من أفكار سيد قطب أنه اطلق «القداسة» عليها فهو اعتبر تصوراته مسلمات لا تقبل النقاش

او الجدل ويعنى ذلك ان نقد الخطاب القطبى «مستحيل».
يقول سيد قطب فى صفحة 106 من «معالم فى الطريق»- دار الشروق - «الإسلام لا يعرف سوى نوعين من المجتمعات: مجتمع اسلامى ومجتمع جاهلى». ويقول فى صفحة 98 من نفس الكتاب «ويدخل فى اطار المجتمع الجاهلى جميع المجتمعات القائمة على الأرض، الشيوعية والوثنية واليهودية والمسيحية، والمجتمعات التى تزعم انها مسلمة». ألا ترون معى ان هذه العبارات تشكك فى إطلاق وصف مجتمعات إسلامية على مجتمعاتنا التى يدين أغلبيتها بالإسلام ويصلى الناس الصلوات الخمس ويصومون شهر رمضان ويستهجنون من يفطر بلا عذر ، ويدفعون الزكاة ويسعون لحج بيت الله. ألا يعد إنكار الإسلام عن مجتمعاتنا نوعا من الغلو، وترجيحا للتكفير. 
ويقول الرجل أيضا ص 173 من «المعالم».. الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة الجاهلية. ليس هذا اسلاما وليس هؤلاء مسلمين». وفى كتابه «خصائص التصور الإسلامى - طبعة دار الشروق، يقول ص 85 «إما أن يلتزم الناس الإسلام دينا اى منهجا للحياة ونظاما وإلا فهو الكفر والجاهلية». وبهذا المعنى يحكم الرجل  على الراقصات واللصوص والعاهرات من المسلمين بالكفر، فليس هناك شك أن أيا منهم لا يلتزم بالإسلام منهجا للحياة. وبدون شك أو مداراة فإن ذلك القول هو التكفير بعينه، وهو ما لم يقل به أحد من علماء الإسلام عن أى من العصاة أو الفاسقين. لقد خلط الكاتب  بين المعاصى والكفر بصورة خطيرة سيطرت على معظم كتاباته التى لم تكن تراجع فقهيا بسبب ظروف سجنه الطويلة. 
وفى «الظلال .ج1» ص 25  يقول «القوى الإنسانية نوعان، قوة مهتدية، تؤمن بالله وتتبع منهجه وهذه يجب أن نؤازرها ونتعاون معها على الخير والحق والصلاح.. وقوة ضالة لا تتصل بالله ولا تتبع منهجه. وهذه يجب ان نحاربها ونكافحها ونغير عليها».
ويلاحظ «دياب» أن هناك سمات عديدة تتسم بها كتابات سيد قطب أبرزها الانفعالية والتى صاحبته منذ صغره عندما كان ناقدا أدبيا  ودفعته أن يكتب يوما على قصائد الرافعى «ان كل عشرة منها يباع بقرش»، كذلك النصية والقطعية والتى دفعته للاستشهاد بآيات القرآن والانفراد بتفسيرها باعتباره صاحب الرأى الوحيد الصحيح . فضلا عن الرسولية والتى جعلته يعتقد أنه موكل بأمر أمته ومسئول عنهم .
لقد ولد سيد قطب فى قرية موشا بمحافظة أسيوط عام 1906 وتخرج فى كلية دار العلوم وبدأ حياته العملية ناقدا أدبيا ومدرسا، وانضم لحزب الوفد، ثم انضم إلى السعديين ، وشهدت حياة الرجل تحولات كبيرة حيث عاش سنوات يكتب دفاعا عن أفكار عباس العقاد ثم انقلب عليه وسافر إلى أمريكا وعاد كارها لها ثم وقف إلى جوار الضباط الأحرار واعتبرهم وطنيين مخلصين، ثم هاجمهم ودخل السجن عضوا بالإخوان عام 1954 ثم افرج عنه صحيا عام 1964 واختاره الإخوان قائدا لتنظيمهم السرى الذى خطط لعمليات عنف فى العام التالى وتم القبض عليه ليصدر حكم سريع  بإعدامه، ويتحول إلى أسطورة.