رحلة شاقة فى قطار الغلابة
لا يخفي علي أحد أن حال السكك الحديدية في مصر لا يرضي سوي الأعداء، وأن قرار قطع تذكرة لركوب أحد القطارات المعروفة بـ»قطارات الغلابة« لا يختلف كثيرا عن صعود برج الجزيرة واتخاذ قرار بالانتحار.
وبعد قيام الثورة تفاءل كثيرون وراهنوا علي أن المرحلة التالية لـ25 يناير ستشهد تطورا جديدا في العلاقة بين الحكومة والشعب ينتج عنه منح المصريين وأرواحهم الاحتراف الكافي، لكن يبدو أن شيئا من هذا لم يحدث.
فقطارات الصعيد مازالت تتعفف الحيوانات عن ركوبه بينما يلجأ الفقراء اليها لضيق ذات اليد، وهو ما دعا »الوفد الأسبوعي« للتوجه الي محطة رمسيس حيث يخرج 30 قطارا يوميا في الطريق الي الجنوب بينها 14 قطارا للغلابة.
توجهت الي رصيف 10 الذي سينطلق القطار من أمامه فوجدته مكتظا بالركاب من طلبة الجامعات والتجار والفلاحين والموظفين والسيدات وفي الساعة 12.30 حضر القطار رقم 160 متأخرا ربع ساعة عن موعده وإذا بالركاب يهجمون القطار دون أن أعلم وقتها سبب هذا الهجوم لكنني عرفته فور دخول القطار حيث لا يوجد أي مقعد خال وحتي طرقات القطار نفسها لا يوجد بها موضع قدم فالعربة تحتوي علي 120 مقعدا وتحمل علي الأقل 500 راكب.
ما بين جرار القطار وفواصل العربة الأولي كان مجموعة من الشباب يجلسون بالقرب من القضبان في مشهد مرعب كما وجدت جميع أبواب القطار مفتوحة أثناء السير ويتعلق بها الركاب من الخارج والنوافذ بلا زجاج تسمح للهواء والأتربة وغبار ماكينات حصاد القمح المنتشرة بطول الطريق بالدخول.
وأمام إحدي الطرقات كان هناك نساء يفترشن أرضية القطار وعلامات التعب واضحة علي وجوههن سألنا فايزة خاطر التي ركبت القطار من رمسيس عن سبب رضاها بهذا الوضع فقالت: ابني مريض في المستشفي وركبت القطار لعدم امتلاكي ثمن المواصلة وسأنزل محطة الواسطي.
والتقطت رضا سيد يوسف خيط الحديث قائلة: إنها بائعة خضار وفي إحدي المرات ألقي الكمسري بضاعتها خارج القطار بسبب عدم قدرتها علي دفع الأجرة.
فاطمة عبدالعظيم تركب القطار يوميا من محطة الفشن ببني سويف الي القاهرة حيث يرقد في أحد المستشفيات وعن سبب جلوسها علي الأرض قالت: مش أحسن من الوقوف؟
هنيدي عويس ـ أحد الركاب ـ يشتكي من الزحام ومن تأخر القطارات عن مواعيدها فموعد قيام القطار من محطة رمسيس 12.30 ظهرا في حين أن القطار قد يتأخر ساعة أو أكثر دون سبب مما يتسبب في تعطيل مصالح الناس.
محمد بركات هو الآخر يتضرر من الزحام ومن أدخنة السجائر التي تصيب الركاب بالاختناق، ويستنكر عدم تنفيذ القانون في القطار وإلزام المدخنين بعدم التدخين في الأماكن، وصلنا محطة الجيزة فبدأ اندفاع المزيد من الركاب نحو القطار حتي امتلأ عن آخره وباتت عرباته عبارة عن كتل ملتصقة من اللحم يصعب التفريق بينها.
ويقول إبراهيم صبحي إن الحكومة تعلم ما نحن فيه جيدا منذ أعوام ولم تحرك ساكنا فالأبواب مفتوحة ولا يوجد زجاج للنوافذ وذلك رغم تحصيل السكك الحديدية ملايين الجنيهات يوميا لا تفكر في استخدام جزء منها لإصلاح العربات حفاظا علي آدميتنا.
يضيف محمود مصطفي أن القطار يقوم بالتهدئة عند مناطق معينة مثل كفر عمار التابعة للعياط بسبب وجود انزلاق تحت القضبان منذ وقوع حادث اصطدام القطار المكيف والمميز في هذه المنطقة إلا أن الشركة غير مهتمة وتقوم بمعالجة وقتية برمي سن تحت القضبان وهو ما يهدد بانقلاب القطار في أي لحظة.
في نهاية العرب الأولي وجدت دورتي مياه علي اليمين واليسار وبفتحهما لم أستطع الوقوف بسبب الرائحة الكريهة فهي مليئة بالقاذورات، والأحواض بها مياه راكدة لتعطل صرفها.
دخلت العربة الثانية وجدت الركاب نائمين علي أرفف الشنط من شدة الزحام والشنط والأجولة تسد الطرقات والباعة الجائلون يسدون الطرقات ويتخطبون في الركاب ويفرضون عليهم بضاعتهم، وقمت بشراء قطعتي حلوي مغلفة لم أجد عليهما تاريخا للصلاحية أو علامة تجارية.
أوقفت بائع التمر هندي وسألته عن مهنته الأساسية فقال عبدالعال محمد عبدالتواب "62 عاما": انه طوال حياته يعمل في هذه المهنة ويركب من الجيزة يومياً حتي محطة الواسطي ودخله اليومي 15 جنيها ينفق منها علي 4 بنات في سن الزواج.
وفي العربة الثالثة وجدت الأعداد كثيرة وأدخنة السجائر تغطي المكان ولا توجد أي عوامل للأمن والسلامة مثل "طفايات الحريق" وأجهزة الانذار"، أوقفني أحمد رمضان يشتكي من القمامة التي تملأ القطار والمتسولين الذين يتجولون داخله ويفرضون علي الركاب اعطائهم نقودا بسبب الالحاح متسائلا عن دور الشرطة وتركهم الباعة الجائلين والمتسولين يدخلون القطار.
وفي العربة الرابعة وأمام محطة بني سويف وجدت بعض المواطنين يلقي علي الركب أكياس المياه المثلجة من النوافذ بسبب الحر الشديد.
ويقول فوزي ابراهيم: أن هناك بلطجية يركبون القطار خصيصاً لمعاكسة الفتيات والتحرش بهن والشرطة لا تمنعهم وعندما تقع مشاجرات بين الركاب والشرطة تتفرج عليها والركاب هم الذين يحلون المشاكل.
في العربة الخامسة وقعت مشاجرة بين بائعين بسبب تعدي أحدهما علي منطقة الآخر، وأمام
فقال محمود فتحي: نحن نعاني يومياً من الزحام ولا أجد مكانا أجلس فيه فصعدت فوق للأرفف وأضاف: نحن نعامل بطريقة غير آدمية فالدول المحترمة تحترم شعبها ولكن نحن في مصر نعامل كالمواشي، وسمعنا الكثير عن الاصلاحات قبل الثورة ولم تحدث وبعد الثورة أيضا نسمع الكثير ولكن دون تنفيذ فنحن نريد أن توفر الحكومة قطارات تليق بالمواطنون المصري.
في محطة بني سويف توجهت الي مقدمة القطار وركبت مع السائق الذي يقود القطار معلقاً في رقبته أرواح 7 آلاف راكب.
اسمه أحمد أبو زيد سيد، قال: إنه يحضر قبل قيام القطار من محطة رمسيس بـ 3 ساعات يمر علي الجرار ويجهزه ويمر علي 12 عربة ليطمئن علي الفرامل والرباط والفاقد الموجود بأسفل العربيات ويقوم بضم الجرار علي العربات وينطلق.
وأضاف: مفيش انسان يستطيع أن يعمل 11 ساعة متصلة ولكن من أجل توصيل الركاب نتحمل هذه الصعوبات ومن المفترض أن أجد الجرار والعربات جاهزة حتي لا أنشغل بغير القيادة، وكما أن اغلبية أبواب ونوافذ الجرار بدون كاوتشات مما يتسبب في دخول الهواء والأتربة علي السائق ومساعده.
وأضاف أبو زيد: أن لديه اسرة مكونة من 7 أفراد في مراحل التعليم المختلفة ومرتبه 1450 جنيه رغم أنه يعمل منذ 30 عاماً في خدمة الهيئة، والسائقون سبق ونظموا اضراباً من أجل زيادة الحافز حيث كنا نتقاضي 175 جنيها للدرجة الاولي و150 جنيها للدرجة الثانية والثالثة 125 جنيها الوزير اصدر قراراً بزيادة الحوافز 50٪ ورئاسة الهيئة حرمتنا منها مع أن العاملين بالاشارات والحركة والهندسة يتقاضون الزيادة ونحن نعاني الامرين اكثر منهم.
كما لا يهتم بحالنا القيادات بالهيئة بأنهم لا يعرفون ما نعاني منه، فالمرتب ضئيل وننفق منه علي الاستراحة في المحطة والمواصلات لأن الهيئة لا توفر لنا اتوبيسات مثل بقية المصالح، ومن المفترض أن نتقاضي أجراً عن الساعات الإضافية، وحتي عندما أذهب الي استراحة الهيئة في نهاية الرحلة أجد الغرفة بها 6 أسرة ولو كان احد السائقين مريضاً ينقل العدوي الي الباقي كما أن مواعيد قيام جرارات السائقين تختلف عن الأخري مما يسبب قلقاً وتوتراً ولا يستطيع السائق ان يستريح حتي يكمل رحلته.
ويضيف أبو زيد أنه اثناء القيادة يتعامل مع الاشارات واللاسلكي وجهاز التحكم الآلي في لحظة واحدة علماً بأن حالة الاشارات سيئة لأنها تعمل بطريقة عشوائية وغير منتظمة، فقد تقلب اصفر أو أحمر أو أخضر وترسل الاشارة خاطئة لسوء صيانتها.
وفجر أبو زيد مفاجأة بالتأكيد علي أن الجرارات الألماني انتهي عمرها الافتراضي منذ نحو 20 عاماً ورغم ذلك فهو يعمل ولا يتم صيانته لعدم وجود قطع غيار.وسبق وأن اخطرت رئاسة الهيئة بذلك، لكنها ادخلت الجرارات قسم الدهان حتي يظن الركاب أنه تم تحديثها ولكن المحرك كما هو لم تتم صيانته لذلك ممكن يحترق في أي وقت.
وأضاف شريف رزق مساعد سائق القطار أن هناك ظلماً شديدا في ادارة التشغيل لأنهم يفرضون العمل علي ثلث السائقين ومساعديهم ويتركون الباقي نائمين، كما لا يوجد تأمين للمزلقانات، فالسيارات تمر وتصطدم بالقطار فضلاً عن قيام الركاب بفتح بلف الخطر في العربات مما يعوق حركة القطار ولا يتواجد الامن الذي يمنع هذه المهازل.