رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أسماك القرش تلتهم الاراضى الزراعية

انتهت معركة انتخابات مجلس الشعب، وخسرت مصر فيها الكثير، مليارات الجنيهات أنفقت علي الدعاية الانتخابية وأهدرت سمعة مصر بسبب التزوير الفاضح

ولم تقتصر الخسائر علي ذلك فقط، بل امتدت للأراضي الزراعية التي يضيع جزء كبير منها في كل انتخابات بسبب تجاوزات المحليات وتغاضيها عمن يبنون عليها كنوع من الرشوة الانتخابية لصالح مرشحي الحزب الحاكم، ورغم كل ما تعانيه مصر من نقص في الغذاء خاصة القمح، ورغم كل ما تدعيه الحكومة من ضرورة المحافظة علي الأراضي الزراعية التي لا يمكن تعويضها أبداً، إلا أن أعمال البناء اتسعت طوال فترة الانتخابات، وحتي الآن تتم علي قدم وساق في عموم قري ومدن المحافظات وتتغاضي عنها المحليات من أجل عيون مرشحي الحزب الوطني.

 

الإحصائيات تشير إلي أن مساحة الأرض الزراعية في مصر تقدر بـ8.5 مليون فدان، منها حوالي 5 ملايين فدان في الدلتا والوداي، و3.5 مليون فدان أراض مستصلحة، ونتيجة لعدم وجود كردونات محددة للقري منذ عشرات السنين، فغالباً ما تشهد هذه المساحة تعديات كثيرة خاصة في فترة الانتخابات، حيث تعد هذه الفترة هي موسم الهجمة علي الأراضي الزراعية، بدون حسيب ولا رقيب، حيث تشهد هذه الفترة ما يقرب من 25 ألف حالة تعد علي الأراضي الزراعية في كل موسم، وهو ما ينذر بكارثة محدقة علي ثروتنا الزراعية، خاصة أن العالم المصري الدكتور فاروق الباز طالب في المؤتمر الدولي للاستدامة ودراسات المستقبل الذي عقد بالجامعة البريطانية في شهر نوفمبر الماضي، بضرورة المحافظة علي الأراضي الزراعية، لأن التعديات عليها لو استمرت بنفس المعدل، فستختفي الأراضي الزراعية تماماً خلال 183 عاماً.

لكن الهيئة القومية للاستشعار عن بعد، كانت أكثر تشاؤماً، حيث أشارت دراسة صادرة عن الهيئة، إلي أن الأراضي الزراعية ستختفي خلال 60 عاماً، إذا استمرت التعديات عليها بنفس المعدل الحالي.

فساد المحليات

دائماً ما يشهد موسم الانتخابات تعديات كبيرة علي الأراضي الزراعية، ومع ذلك فلا تتحرك الإدارات المحلية لحماية هذه الثروة التي لا يمكن تعويضها أبداً، فقد وصل عدد حالات التعدي في محافظة الغربية مثلاً إلي ما يقرب من 4 آلاف حالة، وفي القليوبية حوالي 1200 حالة ورغم تحذيرات المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية للمواطنين من استغلال هذه الفترة للتعدي علي الأراضي الزراعية، إلا أن جولة »الوفد« في المحافظة، كشفت عن مئات التعديات علي الأراضي الزراعية، حيث تتم عمليات البناء علي قدم وساق، في قري مركز قليوب، وقها وطوخ وحتي بنها العاصمة نفسها، بل والأغرب من ذلك أن هذه التعديات لا تقتصر علي المواطنين فقط، بل تمتد أيضاً للحكومة نفسها، حيث تم إنشاء مبني ضخم مركز سوزان مبارك للتراث علي واحدة من أجود الأراضي الزراعية علي طريق مصر - الإسكندرية الزراعي، كما تقوم وزارة الإسكان حالياً بإنشاء مقر للجهاز التنفيذي لمياه الشرب والصرف الصحي علي الأراضي الزراعية وأيضاً تقوم وزارة الاستثمار بإنشاء هايبر ماركت علي الأرض الزراعية بقها.

وإذا كان »رب البيت بالدف ضارباً..« ولأن الحكومة تقوم بهذه التعديات بنفسها، لذلك فالأهالي يقومون بالبناء في كل مكان، والبناء علي الأرض الزراعية مستمر ليل نهار بدون توقف.

كما شهدت محافظات الدقهلية ودمياط والبحيرة وبني سويف والشرقية و6 أكتوبر تعديات كبيرة علي أراضيها الزراعية، ولم تحرك الأجهزة الرقابية في هذه المحافظات ولا في غيرها ساكناً، لمنع هذه التعديات.

قوانين مع إيقاف التنفيذ

رغم وجود عدد من القوانين التي تجرم البناء علي الأراضي الزراعية، إلا أن هذه الترسانة من القوانين لم تمنع التعديات علي الأراضي الزراعية.

فعل سبيل المثال ينظم القانون رقم 53 لسنة 1966، والمعدل بالقانون رقم 116 لسنة 1983، استغلال الأراضي الزراعية، كذلك هناك القانون رقم 2 لسنة 1985 الذي ينص علي اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الممارسات الضارة بالأرض، مثل التجريف والتبوير والتعدي علي التربة الزراعية.

أما القانون رقم 59 لسنة 1979والمعروف بقانون التخطيط العمراني، فينص علي ضرورة تحديد حدود للمدن والقري للحفاظ علي التربة الزراعية الخصبة، كذلك ففي إحدي الفترات صدرت قوانين عسكرية لمنع البناء علي الأراضي الزراعية، إلا أن إلغاءها جعل هذه الثروة تضيع هباءً حتي أن تقديرات وزارة الإسكان نفسها تؤكد أن هناك مساحة تتراوح ما بين 50 و70 ألف فدان يتم استقطاعها من الأراضي الزراعية سنوياً، بسبب الامتداد العمراني عليها.

رشوة انتخابية

أحمد عودة المحامي، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، قال: إن الحكومة دائماً تكيل بمكيالين، خاصة في وقت الانتخابات، لهذا تتغاضي عن كثير من التعديات من أجل ضمان أصوات الناخبين لصالح مرشحيها، كذلك فإن تزايد انتشار جرائم الرشوة وجرائم الميل مع الهوي، لذلك تظهر جرائم البناء بدون ترخيص، أو البناء علي الأراضي الزراعية، والاعتداء علي أملاك الدولة وأملاك الغير، وتكثر هذه الجرائم في فترة الإجازات والأعياد وموسم الانتخابات، نظراً لانشغال المسئولين في المحليات ومرافق الدولة بخدمة الحكومة وحزبها، أي أنها جريمة ترتكب بالتحريض والتغاضي عنها من المسئولين، بل إنها تعد رشاوي انتخابية يتم ارتكابها والمسئولون يتغاضون عنها.

وأضاف أن كل القوانين التي تمنع التعدي علي الأراضي الزراعية، تعتبر حبراً علي ورق، لأن القائمين علي تطبيقها يتغاضون عن ذلك تحت تأثير الرشاوي المالية أو العينية

أو الانتخابية أو التواطؤ من أجل مرشحي الحزب الحاكم.

3 مراحل

جدير بالذكر أن التعديات علي الأراضي الزراعية تمر بثلاث مراحل: أولاها مرحلة التبوير، حيث يتم تبوير مساحة من الأراضي الزراعية وعدم زراعتها لفترة طويلة، ثم مرحلة التشوين، حيث يتم تشوين أشياء في الأرض بعد إقامة سور عليها، ثم مرحلة البناء، وهي المرحلة التي غالباً ما تستغل فترة الانتخابات لتتم فيها هذه الأعمال، وإذا ما قام أحد مسئولي الزراعة بتحرير محضر بعد الانتخابات ضد المواطن تكون الأرض قد بارت بالفعل، ولا تصلح للزراعة، بل إن المحضر الذي يكون قد تم تحويله للمحكمة بالفعل غالباً ما تصدر المحكمة حكماً بالبراءة فيه، بعد تقرير الخبير.

وفي كل الحالات تكون الأرض الزراعية قد بارت بالفعل، وفقدت مصر جزءاً من ثروتها الغالية

أجهزة فاسدة

الدكتور محمد عبدالباقي إبراهيم، أستاذ التخطيط العمراني بكلية الهندسة جامعة عين شمس، طالباً بضرورة القضاء علي هذه التجاوزات لأنه خلال الأربعين عاماً الماضية، أصبحت عادة لدي المصريين خلال موسم الانتخابات أن يتم التغاضي عن كل التجاوزات التي ترتكب ضد الأراضي الزراعية، بل وكل مخالفات البناء الرأسي، التي تتم في المدن، سعياً وراء الحصول علي أصوات أهالي المنطقة لأحد المرشحين، وهذا الخلل في منظومة الانتخابات واستجداء أصوات الناخبين من خلال التعدي علي الأراضي الزراعية يسيء إلي عمران مصر، بل ويسيء إلي الناخبين أنفسهم، وللأسف فإن أجهزة الدولة بتعليمات من الجهات السيادية، تشارك في هذا الخلل، حفاظاً علي مقاعد الحزب الحاكم في مجلس الشعب ومكتسباتهم الخاصة، فالدولة تكيل بمكيالين أثناء الانتخابات، وبعدها، وبذلك فقدت الثقة في أقوال وأفعال الدولة. وأكد أن الأمل في تغيير النظام السياسي للدولة، ووجود رقابة حقيقية، حيث إن الأجهزة أصبحت فاسدة.

ثغرات قانونية

المهندس حسين جمعة، رئيس جمعية المحافظة علي الثرورة العقارية، أكد أن موسم الانتخابات يعد أحد أهم مواسم التعدي علي ثروتنا العقارية بشكل عام، وذلك بسبب الثغرات الكثيرة الموجودة في قوانين البناء المختلفة، والتي يستغلها الكثيرون ليفعلوا ما يريدون، كذلك فإن دخول الوزراء الانتخابات يزيد من حالات التعدي، حيث يقدمون تسهيلات كبيرة للناخبين علي سبيل المجاملة لزميلهم الوزير، وبالتالي تحدث التعديات، لذلك لابد من صدور تشريع يمنع ترشيح الوزراء في مجلس الشعب، لمنع استغلالهم لمواقعهم ولمنع المجاملات فيما بينهم.

وأضاف أن المنظومة العقارية في مصر يحكمها 140 قانوناً وأمراً عسكرياً وقراراً وزارياً، وهناك 12 وزارة مرتبطة بالثروة العقارية منها وزارات الإسكان والزراعة والري والمالية وغيرها، وهذا التضارب بين الوزارات، يجعل التجاوزات تتم باستمرار، فمثلاً قرارات وزارة الزراعة تسمح بالبناء علي 4٪ من مساحة الأرض الزراعية، والري تسمح بـ6٪، وهذا التضارب يستغله المواطنون لتبوير مساحات كبيرة من الأراضي، وإهدار هذه الثروة التي لا يمكن تعويضها.

والحل يكمن في ضرورة إقامة هيئة عليا، تكون مسئولة عن المنظومة العقارية، بكل ما فيها من عقارات وأراض زراعية أو سكنية وقوانين، وتضم هذه الهيئة حكماء وخبراء، علي أن تكون تابعة تبعية مباشرة لمجلس الوزراء، أو لرئاسة الجمهورية، وتكون مسئوليتها، حصر التعديات علي أراضي الدولة، والأراضي الزراعية، وحصر المباني، والقوانين المنظمة لها، وتنظيم وتنسيق الـ1200 منطقة عشوائية وتوفير التمويل اللازم لتطويرها، مع ضرورة إصدار قانون موحد للحفاظ علي الثروة العقارية والأراضي الزراعية، ولابد من النص في القانون علي منع أي استثناءات خاصة في موسم الانتخابات، ومعاقبة المواطنين المعتدين بالبناء علي الأراضي الزراعية، ومحاسبة المسئولين المتقاعسين عن تنفيذ القانون.