الشيخ عاشور :بن لادن صنيعة أمريكية
الشيخ محمود عاشور الوكيل السابق للأزهر الشريف يضع مفهوماً للنهوض بالأزهر الذي يراه يتمثل في أن يترك قادة الأزهر حب المناصب والتمسك بالكراسي داخل الأزهر، ويكون الهدف هو الارتقاء بالأزهر
وليس الكرسي هو الهدف.. ويكون كلامهم وأفعالهم بعيدة عن الاستهلاك المحلي للحفاظ علي المنصب، بل عمل جاد لوجه الله سبحانه وتعالي وعدم الخوف من ذي سلطان.
وأيضاً تشعر الدولة بأن مصر بالأزهر وأن الأزهر بمصر، وإذا ذكر الأزهر ذكرت مصر وإذا ذكرت مصر ذكر الأزهر.. وعلي الجميع أن يتكاتفوا ويركزوا علي أن يعود الأزهر الشريف مرجعية للعالم الإسلامي كله كما كان من قبل عام 1952 عندما كان يتولي شئونه شيوخ عظماء لا يخشون في الحق لومة لائم، وضرب أمثلة عديدة بهؤلاء الشيوخ عندما تصدوا للملك فاروق أو تحدوا إرادة الرئيس عبدالناصر أو وقفوا في وجه السادات، ولكنه لا يري أحداً قال لا لمبارك.. قائلاً: لم يكن يوجد أحد يملك صوته!!
> ماذا حققت ثورة 25 يناير.. وكيف تري هذه الثورة؟
- ثورة 25 يناير حققت آمال الشعب المصري بأكمله بل وآمال شعوب أخري لأنها ثورة مذهلة ومبهرة ورائعة، لأنه لم يكن أحد يتوقعها لا من الشعب ولا من الحكام وحاولت السلطات المسئولة أن تمنعها، فقدمت الثورة شهداء وكانوا وقوداً للثورة والشهداء أشعلوا الثورة وأججوا الانفعال في نفوس إخوانهم وفي نفوس الشعب الذي وقف وراء الثورة.. ولم يقف ضدها غير المنتفعين من أعضاء الحزب الوطني وأعوانه وأنصاره واتباعه لنزح الموارد ونزف ثروات الشعب الذي كان يعاني من القهر والظلم والاستبداد.. ولابد أن أسجل الموقف الوطني المشرف للقوات المسلحة التي أنجحت هذه الثورة لأن القوات المسلحة لو تخلت أو انصرفت أو انضمت للنظام السابق وأعوانه كانت أنهت علي الثورة ولكنها حرستها وأيدتها وساندتها وحفظت الأمن بعد انسحاب الشرطة وإطلاق القتلة واللصوص والمجرمين علي الشعب فدافع الجيش عن البلد في الداخل كما يدافع عن حدودها.
> هل فوجئت بكم الفساد والسرقات التي أعلن عنها؟
- بالطبع فوجئت وذهلت، مع أننا كنا نتحدث عن انحرافات وسرقات، ولكننا لم نكن نتوقع أبداً أن تصل السرقات إلي هذا الكم من المليارات التي سرقها النظام السابق وأعوانه، وكثير من الشعب يأكل من الزبالة، ولا يجد مسكناً يأويه.
> يوجد اتهام للأزهر أنه حاول إمساك العصا من المنتصف خلال ثورة 25 يناير ولم يعلن رأيه في الوقت المناسب؟
- يجب ألا ننسي أن قرار الأزهر كان قرار رئيس الجمهورية.. وكنت في مناظرة علي قناة الأوربت مع المتحدث الإعلامي للسلفيين وقلت له: قبل الثورة لم يكن لكم موقف وقلتم لا نخرج علي الحاكم وإن جلدك أو ضرب ظهرك أو أخذ مالك.. فقال لي: كنا نقلد الأزهر الشريف في ذلك.. فصمت ولم أنطق بكلمة، وكل الأمور لا يصح فيها إلا رأي الدين السديد وكاملاً، ولا ينتظر الأزهر حتي تنتصر الثورة ثم يقول: الثورة انتصرت، فكان المفترض أن يعلن رأي الدين في الظلم وفي الظالم.
> لكن الأزهر أصدر نداءات ومطالبات إلي رؤساء الدول التي بها ثورات يناشدهم الاستماع إلي صوت الشعب ولم نسمع هذا خلال ثورة 25 يناير؟
- الحقيقة لا أريد أن أتحدث في هذا الشأن لأن البعض يغضب عندما أقول الحقيقة، ويرون أنه لا ضرورة للنقد لأنهم فوق النقد أو تنديد بهم وقد حدثت أمور قبل ذلك وقمت بالنقد السديد والمحدد بالوقائع ومع هذا غضبوا مني!! ولهذا لن أكمل.
> قلت يجب إعلان الرأي كاملاً وسديداً ولهذا أسألك؟
- لا.. لن أجيب!
> ولكني فهمت أن الأزهر كان تابعاً للنظام ولم يكن يمتلك قراره؟
- نعم.. لأن النظام هو رأس الدولة وهذا نظامها وليس الأزهر فقط بل جميع المؤسسات التي في مصر كانت تابعة لهذا النظام وتسلم له ولا تخرج عن رأيه.. ولا ننسي أن شيخ الأزهر يتم تعيينه بواسطة رئيس الجمهورية - رأس النظام - إذن ولاؤه يكون لمن ولاه!! ويوجد ارتباط عضوي بين من أصدر القرار وبين من استفاد من القرار.
> معني ذلك أنك تؤيد مجيء شيخ الأزهر بالانتخاب؟
- لو حدثت انتخابات لن يخرج أحد من الأزهر علي السلطة!! ونظام الانتخاب ليس الآن، بل عندما ينضج المناخ الذي نعيشه.. ونعتاد علي ثقافة الاختيار التي حرمنا منها منذ عام 1952 وحتي الآن لا يوجد أحد في مصر كان يمتلك صوته.. فلا نأتي فجأة ونطالب بانتخابات قبل أن نمهد لها ويعرف الشعب من سينتخب وأين ستذهب بنا الانتخابات؟.. وهل المنتخبون سيتناولون بعضهم بعضاً تناولاً غير سليم ويهتكون أعراض بعض ليصلوا إلي درجة أو وظيفة؟.. كما حدث في انتخابات العمداء بالكليات وما سمعناه من أشياء سيئة.
توابع الثورة
> وكيف تفسر ظاهرة التيارات الدينية التي طفت علي السطح وتؤرق الكثيرين في المجتمع؟
- الإخوان المسلمون كانت موجودة وتاريخها قديم منذ عام 1928 وكنا نطلق عليها المحظورة.. وحدثت ثورة في مصر وكانت مطلباً جماهيرياً.. وقد يكون البعض كانوا صامتين وخائفين، وغير قادرين علي فعل شيء أو يعلمون ما ينتج عن الجهر بالرأي، لأن الدولة كانت تحكم حكماً بوليسياً شديداً وقاسياً وعنيفاً، وأمن الدولة كان مسيطراً علي مصر بأكملها والقهر كان شديداً ولا أحد يستطيع أن ينطق وإلا ذهب إلي طريق آخر وفجأة انفتحت الدنيا والحرية مكفولة، وظهر المختبئون فظهر السلفيون ولم نكن نسمع عنهم، وخرج الجهاد والتكفير والهجرة، والجماعات الإسلامية وهذا يطلق عليه توابع الثورة مثل توابع الزلزال، لأن الناس كانت مكتومة، وبدأت تطفو علي السطح وتأكدوا أن الثورة وراءها مغانم والكل يتسابق ليحصل علي جزء من الغنيمة قبل ضياعها.. حتي القتلة ظهروا في ثياب الأبطال بمعني الكلمة، مع أن هذا يحتاج إلي شيء من التقنين حتي تهدأ الأمور لأنها في حالة من الفوضي.
> فيما تتمثل فوضي التيارات الدينية؟
- البعض منهم يري الفوضي حرية، مع أن الحرية ليست بالاعتداء علي الآخرين وقد رأينا من يقطع الطريق باسم الحرية، ومن يقطع أذن مواطن باسم الحرية أو الدين مدعين أنهم يطبقون حد الله.. فالمسألة أصبحت فوضي لدرجة أنهم أقاموا حد الله في الشارع، والبعض الآخر يريد هدم الأضرحة.. مع أنها موجودة منذ أكثر من ألف عام.. فلماذا الآن؟!
> ما تفسيرك لهذا؟
- هذا فكر وافد علينا يريد أن يخترق الطريق في وسط فكرنا المعتدل الوسطي العظيم الذي يتبناه الأزهر طوال تاريخه وهو الدين الوسطي، فدخل علينا ناس يريدون هدم هذا التوجه ويدخلون بتوجه آخر يفرضونه علي مجتمعنا الذي به نسبة 40٪ من الأميين، وهؤلاء يرون ويسمعون الفضائيات التي تعزز هذا الفكر.
> أي فكر هذا؟
- الفكر الوهابي الذي يطلقون علي أنفسهم سلفيين.
> والقتلة الذين ظهروا في ثياب الأبطال؟
- عبود الزمر.
مسخ علمي وديني
> كيف تري أحوال الأزهر الشريف؟
- تحول الأزهر الشريف في الآونة الأخيرة إلي مسخ علمي وديني فقد كان شرط دخول الأزهر هو حفظ القرآن الكريم بالكامل وبعض الحساب والإملاء والخط وسنواته 4 سنوات اعدادي و5 سنوات ثانوي ويدرس فيه علوم الدين واللغة، والطالب يدخل امتحان مسابقة بعد انتهاء المرحلة الالزامية.. لأنه تم تقليص الاعدادي والثانوي إلي 3 سنوات لكل مرحلة وأصبح مثلة مثل أي مدرسة، والطلبة الآن تحفظ بعض الأجزاء من القرآن في الفترة الابتدائية وأجزاء أخري في الاعدادية وعندما يصل الثانوي يكون الطالب قد نسي ما حفظه سابقاً.. والطلبة يقطعون المصحف ويضعونه في الشراب أثناء الامتحانات حتي يغشوا لأنهم لا يحفظون مع أن أدوات الطالب الأزهري هي القرآن والسنة مثل أدوات الطالب في الهندسة »البرجل والمثلث والمنقلة« ولهذا نجد خريجي الأزهر غير مؤهلين لصعود المنابر، وهذا التراجع كان بإيعاز من السلطة القائمة طوال 30 عاماً، وتم لها ذلك بعدما جيء بالشيخ الراحل السابق ليصبح دور الأزهر هامشياً وثانوياً لصالح جهة ما.
> هل كان يوجد تدخل من جهة ما؟.. ومن هي؟
- لا أعلم من هي ولكني أقول تدخلاً لأن تقليص سنوات الاعدادي والثانوي لا شك أن وراءها شيئاً ما مغرضاً وأن هذا كان هدماً في الأزهر ذاته وفي كيانه، لأنها هدمت التعليم الأزهري، وأصبحت العلوم الدنيوية أهم من العلوم الدينية، وتأخذ وقتاً ومنهجاً أكبر منها، وهذا شيء مريب ولابد من إعادة الميزان إلي ما كان عليه لتطوير الأزهر.
> وماذا عن قانون 103 لسنة 61 الذي قيل عنه إنه لتطوير الأزهر؟
- هذا القانون لم يطور الأزهر بل مسخ الأزهر، وأضاع الأزهر الذي كان ولم يضع مكانه أزهر يكون، إنما تحلل الأزهر من خلال هذا القانون وكان يوجد 3 كليات وهي: الشريعة واللغة العربية وأصول الدين.. وهذه الكليات هي جوهر وظيفة الأزهر لتخريج عالم ديني ولكنه مسخ هذه الكليات وجعل يلتحق بها الطلاب المتدنيون في المجموع، فيكون خريجاً ضعيفاً ولا يصلح داعية أو أن يتولي أمر الدعوة وأنشأ كليات طب وهندسة وزراعة وصيدلة بحجة وجود طبيب داعية ومهندس داعية، ومن حينها لم نخرج لا داعية ولا تقنياً وهذه سوءة من سوءات القانون 103 لسنة 61.
> بعد السماح بظهور حزب للإخوان المسلمين وهم يسعون إلي السلطة.. هل من الممكن أن نتحول إلي دولة دينية؟
- الإسلام ليس فيه ما يسمي بالدولة الدينية، والرسول صلي الله عليه وسلم قال للناس في دولة يحكمها الدين: أنتم أعلم بأمور دنياكم.. وكان يستشير في كل ما لم ينزل فيه وحي.. ولا يوجد أحد له قداسة في دولة الإسلام.. إذا فهم الإسلام فهماً صحيحاً ولم يفسره علي هواه ولخدمة أهدافه.
> لماذا يتخوف البعض من المادة الثانية في الدستور؟
- لا أعرف سبب هذا التخوف.. بالعكس المادة الثانية هي ضمانة لكل الناس في الدولة لأن الإسلام الذي يتخوفون منه هو الذي أقام أول وحدة وطنية في العالم وأقامها الرسول صلي الله عليه وسلم في المدينة حين عاهد اليهود والنصاري وصدرت صحيفة المدينة وكانت أول وثيقة للمواطنة عندما قال: لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
مصر مستهدفة
> ما الذي أوصل الأمور للتخوف والشك من نص مادة في الدستور منذ عام 1923 وعدلت في 2005؟
- نرجع هذا إلي نظرية مصر مستهدفة ورئيس الموساد الإسرائيلي السابق عندما سلم مهامه في العام السابق إلي الرئيس الحالي للموساد قال: استطعت أن اخترق مصر واستطعت عمل فتنة طائفية بين المسلمين والمسيحيين.. إذن توجد قوة تلعب لزعزعة البلد.
> وهل مجتمعنا أصبح هشاً لهذه الدرجة؟
- بالفقر والجهل الموجودين في المجتمع يستطيع أي جهاز أو أي إنسان أن يستغلهما لارتكاب أبشع الجرائم ضد هذا الوطن.. وقد رأينا بيع الأصوات في الانتخابات بكيلو لحمة، فمنذ عام 1952 ونحن نقول سنمحو الأمية ونقضي علي الجهل ولدينا جهاز باسم جهاز محو الأمية ولم يمح أمية أحد!
> وفتاوي الفضائيات تستغل الجهل لتنشر أفكاراً غريبة علي مجتمعنا؟
- بالفعل توجد فتاوي غريبة وكل الناس أصبحت تفتي بفتاوي ما أنزل الله بها من سلطان وتظهر فتاوي غريبة من دول العالم ويسمعها البسطاء من الناس عبر الفضائيات ويحاولون تطبيقها في مصر.
> ما أغرب فتوي سمعتها؟
- من أحد علماء السعودية وهو الشيخ »البراك« عندما أفتي بأنه لا يحل اختلاط الشباب والشابات من الرجال والنساء في أماكن التعليم ومن يفعل ذلك فهو كافر ويحل دمه!
> بعض شيوخ السعودية أيضاً كانوا يعترضون علي فتاوي الشيخ »سيد طنطاوي« عندما كان مفتي الديار المصرية؟
- خلافات المشايخ في الفتاوي واردة والشيخ »طنطاوي« كانت فتواه الخاصة بالبنوك لها ردود أفعال غير طبيعية لدي البعض في السعودية مع أنه استند إلي بعض الفقهاء مع أنها أقوال ضعيفة ولكنه استند إليها وهو ليس مبتدعاً أو مبتكراً ولكنهم متشددون ويرون أن الذي يقولونه هو الصحيح والفقهاء القدامي قالوا رأي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.
> روي في الأثر أن الإمام الذي لا يوجد في بيته دقيق فإن فتوه محل نظر.. فكيف تري فتاوي الأزهر علي ضوء هذه العبارة وفي ظل تبعية الأزهر للدولة؟
- نعلم أنه لا يقضي القاضي وهو جوعان ولا وهو غضبان والحمد لله المشايخ تأكل وتشرب ولا توجد مشكلة لكن الفتوي تحتاج إلي دراسة وتأنٍ وربما نتعجل الفتاوي والرد السريع والشو الإعلامي يجذب كثيراً من الناس ويجعلهم يجيبوا علي فتاوي تحتاج إلي تدقيق وتمحيص ودراسة وتروٍ ولكنهم يسألون علي الهواء، وعليهم الإجابة لأن الفتاوي أصبحت جزءاً من الإعلام في المجتمع، والإعلام يجذب الناس والكل يريد أن يظهر في وسائل الإعلام.
هوية الضياع
> لماذا ترفضون علماء الدين غير الدارسين في الأزهر.. هل الدين الإسلامي أصبح حكراً علي الأزهريين؟
- المتخصص في الدين هو الأزهري ونحن نلجأ في كل أمورنا إلي المتخصصين، والأزهري دارس وقارئ ومتخصص في أمور الدين فلا يأتي متخصص فيزياء أو كيمياء ويفتي في الدين والقرآن قال ذلك »اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون«، وهذا توجه ومن يرد أن يتكلم في الدين فليفعل ولكن لا يفتي لأن المفتي هو موكل عن الله سبحانه وتعالي في الإفتاء ولابد أن يكون عالماً متخصصاً لأنه يحل ويحرم حسب شرع الله، ولا يأخذ الناس إلي الهاوية ويضيعهم.
> هل باب الاجتهاد أغلق في الأزهر وتوقف عند فكر الأئمة الأربعة؟
> باب الاجتهاد لم يغلق ولن يغلق حيث ظهرت قضايا جديدة مثل تأجير الأرحام، وبنوك القرنيات وبنوك الألبان ونقل الأعضاء وكل هذه أمور مستجدة ولابد من رأي الدين وقرار يهدي الناس.. والأزهر لم يتوقف عند الأئمة الأربعة بل نستهدي بهم وبأفكارهم وآرائهم وتوجد لجنة البحوث الفقهية تعمل في هذا والاجتهاد لم يتوقف.
> بعد 25 يناير يوجد اقتراح لوجود دور قوي لشيخ الأزهر في السياسة الخارجية والداخلية.. هل تؤيد هذا الاقتراح؟
- ما ينبغي أن يوكل إلي شيخ الأزهر هو مسئوليته عن الشئون الدينية في مصر لنقدم علماء علي مستوي جيد من العلم ونعيد الأزهر لما كان عليه في مصر أولاً ثم نفكر بعد ذلك إلي الخارج.. مع أننا لدينا شئون خارجية في الأزهر الشريف، ولدينا 30 ألف طالب وطالبة من دول العالم الإسلامي من أكثر من 100 دولة وأيضاً يوجد مبعوثون إلي دول كثيرة ولكن تحتاج لتفعيل، هذا وليس مجرد عمل رابطة أو مجمع للطلبة في مدينة البعوث، أو أن أرسل مبعوثين ليحصلوا علي قرشين، ويعودوا بل نريد علماء لهم أثر وقيمة ويكونون سفراء لمصر في هذه البلاد.. والطلبة الذين يتعلمون في مصر يكونون سفراء للأزهر في بلادهم، وبهذا نكون عملنا عملاً يساعد الخارجية ويعيد لمصر مجدها القديم في العالم الإسلامي.. فقد خرج من الأزهر في السابق رؤساء دول ونواب ورؤساء ووزراء كثيرون.. ولابد من جمع هذا الشتات، ولا أقصد جمعهم في مؤتمر ثم ينفض لأننا نحتاج لدور الأزهر في أفريقيا، خاصة قضايا المياه ومنابع النيل، ولو كان دور الأزهر مازال قائماً ومستمراً وفاعلاً كنا استطعنا أن نفعل شيئاً في هذه القضايا لو تحرك علماء الأزهر وشرحوا لهم الموقف الديني للمياه والحق في الحياة، ولدينا حديث شريف يقول: »الناس شركاء في ثلاثة.. المياه والكلأ والعشب«.
كلام لا يذكر
> ما الذي يعطل أو يمنع الحوار بين الأزهر والتيارات الدينية؟
- في الفترة الحالية لا أعرف فهل الأزهر علي استعداد لذلك أم لا؟.. وهل الجماعات ستوافق أم لا؟.. وليت هذا الحوار يتم حتي تهدأ الأمور.. ولكن في السابق القرار كان لشيخ الأزهر وليس كل الأمور تقال، لأن الشيخ انتقل إلي رحمة الله وعيب أن أقول كلاماً لا يذكر فهو لم يكن مهتماً بهذا الحوار.. ولم تكن هذه القوي كلها ظاهرة وهو كان مهتماً بالحوار بين المسلمين والمسيحيين والدولة كانت تمنع الحوار مع الإخوان المسلمين وتطلق عليها المحظورة.
> هل كان أمن الدولة متغلغلاً في مؤسسة الأزهر؟
- أمن الدولة كان متغلغلاً في كل مؤسسات الدولة في مصر وكان يوجد مندوب من جهاز أمن الدولة يسير الأمور فيها ويبدي رأيه في كل القرارات والسياسات والاختيارات ولا أستثني فيها غير القوات المسلحة لأنه كان يتحكم في كل شيء في مصر.
> عدم وجود الحوار بين الأزهر والتيارات الدينية يجعل مرجعية الإخوان هي مكتب الإرشاد؟
- نعم.. وهذا خلل كبير عندما يظهر في دولة جماعة تدعي أنها الجماعة الإسلامية أو أخري إخوان مسلمين، وغيرها السلفيون والجهاد مع أن هذه الدولة ليست كافرة ومرجعيتها إسلامية، وبها الأزهر صاحب التاريخ الطويل »1050 سنة« ومن قبله جامع عمرو بن العاص وأصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم لهم مجالس علم في مسجد عمرو بن العاص.. ولكن ما حدث هو التشرذم وكل مجموعة يظهر لها مرجعية وهذا ضعف للإسلام ولبنيته الحقيقية.
> ما دور الأزهر في التقريب بين المذاهب؟
- منذ عهد الشيخين مصطفي عبدالرازق« و»محمود شلتوت« والأزهر يسعي إلي التقريب بين المذاهب وفي عام 2001 كنت وكيل الأزهر وسافرت مع وفد رفيع المستوي إلي »جران« في إيران للاحتفال بذكري مرور 40 عاماً علي وفاة الشيخ »محمود شلتوت« والإمام الشيعي »البروجدوي« الذي عمل معه علي التقريب بين المذاهب.. واستمر الوفد لمدة أسبوع وقال السفير »محمد رفاعة الطهطاوي« مدير مكتب إدارة المصالح المصرية في إيران: الذي عملتموه في أسبوع لا أستطيع إنجازه في 10 سنوات.
> إذن كيف تنظر إلي العرض الإيراني بفتح فرع للأزهر الشريف بطهران؟
- أوافق علي هذا العرض إذا كانوا سيمكنون المنهج للأزهر وللسنة وما يدرس في الأزهر الشريف أن يتم تدريسه في إيران فقد يكون هذا العرض تصريحاً للإعلام أكثر منه تصريحاً عملياً، ونحن نشتري الكلام لنتأكد منه.
الخلط بين الإسلام وتصرفات المسلمين
> ما سر عداء الغرب للإسلام؟
- الغرب دائماً يري أن في الإسلام شراً وآخر تصريحات بابا الفاتيكان تؤكد ذلك عندما تناول الإسلام ورسوله قائلاً: إنه رسول الشر!! وانه نادي بالشر ويدعوا إلي الشر، وهذا يوضح ما في نفوسهم وقد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر.. وقضية الغرب أن الإسلام يشكل شوكة في ظهورهم وعقبة أمام الانحلال والانحراف والضياع الذين يحاولون نشره في الناس ولهذا يناصبونه العداء ويحاولون أن يتخلصوا منه ويتهمونه بأنه دين شر!! والكارثة أنهم يخلطون بينه وبين تصرفات المسلمين وحالات الإرهاب التي حدثت.. مع أن هذه التصرفات خارجة علي الإسلام وليست صحيحة.
بن لادن صنيعة أمريكية
> هل تري أن الغرب يقوم بعمل المشكلة مع الإسلام والمسلمين ثم يشكون منها بعد ذلك؟
- هذا حقيقي.. فهم يتخوفون من تقارب سني - شيعي علي مصالحهم مع أنهم كانوا متقاربين ولم يحدث شيء ضد المصالح الأمريكية الغربية من هذا التقارب.. ولكن بعد دخول الأمريكان العراق تم إفساد العلاقة بين الشيعة والسنة، وهذا إفراز من إفرازات الغرب.. وأيضاً »أسامة بن لادن« هو صنيعة أمريكية وكانوا في احتياج إليه في الحرب الدائرة في أفغانستان ضد الروس، وقد وعدوه بشيء ما، وعندما أخلفوا وعدهم معه انقلب عليهم ويشتكون منه الآن ومن الإسلام دون أن يدرسوا ثوابت الإسلام وأصوله الصحيحة، حتي يكون الحكم سليماً مع أن الذين درسوا الإسلام في الغرب اعتنقوه جميعاً.
> ما دور الأزهر في تصحيح هذه المفاهيم؟
- نصلح الإسلام أولاً في مصر وليس من المعقول أن نتخطي الحواجز والحدود في الخارج ونحتاج إصلاحاً ورأب الصدع بين الفرق الموجودة في مصر، وبعد ذلك نتحرك ونربط بين الشيعة والسنة لأن هذه الخلافات مقلقة في العالم العربي وتهدد أمنه وسلامته والغرب يستثمرها ليوقع بين المسلمين.
> ماذا عن عرض تمويل الأزهر من المعونة الأمريكية؟
- هذا مرفوض وبشدة ولا يصح ولن يكون أبداً.
> هل من الممكن أن نري دوراً للأزهر يوازي دور الفاتيكان السياسي في الغرب؟
- ليته يحدث وآمل ذلك وأتمني أن يكون لدينا الشيخ الذي يصبح مرجعية لكل دول العالم الإسلامي وتكون كلمته مسموعة لديهم.
توحيد الإسلام
> ما الذي يمنع ذلك؟
- توجد انشقاقات بظهور جماعات في كل دولة بفكر يتبع طائفة من الطوائف مثل المعتزلة والخوارج والشيعة والسنة والإباضية والزيدية، وللأسف كل طائفة تحارب الأخري وتكفرها وتسفهها بل وتحاول القضاء عليها ولو أن هذه الفرق تقاربت وأصبح يوجد ميثاق شرف علي توحيد الإسلام ورفع رايته ستصبح الأمة كياناً عظيماً يخشاه أعداء الإسلام وسيكونون شوكة في ظهورهم وقذي في عيونهم.
ثورة لا تبقي ولا تذر
> ماذا كان وضع الأزهر الشريف في العصر الملكي؟
- كان به علماء لا يخشون في الحق لومة لائم وأحد شيوخه قال للملك: »تقطير هنا وإسراف هناك« وآخر قال: »هذه حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل«.. والشيخ خضر حسين هو الذي قامت عليه ثورة 1952 وذهب إليه جمال سالم قائلاً: جمال عبدالناصر يريدك الساعة 11 صباحاً.. فقال له: يا ابني طالما هو الذي يحتاجني فليأت إلي وأنا حين احتاجه سأذهب إليه.. ثم ان شيخ الأزهر تأتيه الناس ولا يأتي لأحد.. وبعد انصراف جمال سالم قالوا له: يا مولانا هذه ثورة عسكرية لا تبقي ولا تذر وهذا لا يصح معها يا مولانا!.. فقال هل يمنعونني من الذهاب إلي المسجد؟.. فقالوا: لا.. فقال: يكفيني كوب من اللبن في اليوم ولن أعدم مسلماً يمنحني هذا الكوب.. فقد كانوا أجل من الملوك جلالة كما وصفهم »أحمد شوقي« أمير الشعراء لأنهم كانوا في قمة الخشية لله والخوف منه والذين وقفوا ضد الإنجليز والفرنسيين هما محمد كريم وعمر مكرم.
> ماذا حدث بعد قيام الثورة؟
- بدأ انحدار الأزهر لكن كان مازال يعمل بالقديم وكان يوجد الشيخ »أبوزهرة« والشيخ »علي الخفيف« وكانا يقولان رأيهما بمنتهي القوة والصراحة والوضوح ولا يخافان من ذي سلطان.
> وفي عصر الرئيس السادات؟
- كان يوجد الشيخ »عبدالحليم محمود« وكان يعترض ولا يخشي شيئاً وله مواقف عظيمة ووطنية وقال: ستظل دولة الإيمان زيفاً ما لم تقم حدود الله.. وأراه آخر شيوخ الأزهر العلماء.
> الأزهر في عهد مبارك؟
- كان يختار الأشخاص التي تسلم له بالأمر ولهذا تدهور الأزهر تدهوراً كبيراً خلال حكم مبارك.