رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"جبخانة عنتر" هزمت الغُزاة وانتصر عليها الإهمال

بوابة الوفد الإلكترونية

«الجبخانة» مصطلح تركى أطلقه الأتراك على الأماكن التي كانت تستخدم لحفظ العتاد الحربي وتستعد فيها الجيوش العربية القديمة بأسلحتها وخيولها للمعارك الحربية، ويترجم بالعربية لمخزن الذخيرة,

ويظن البعض أن هذه الأماكن قد اختفت معالمها ولم يعد لها أثر فى زمن الحروب النووية والأسلحة الثقيلة مع سقوط دولة المماليك والدولة العثمانية, ولكن بالتوغل داخل قلب العاصمة والبحث فى ثناياها تكتشف أن القاهرة مازالت تحتفظ بقدر قليل من ذلك التراث الأثرى العظيم، والذى يعد الشاهد الوحيد على عصور تاريخية اندثرت وضاعت معالمها.
عندما تصعد هضبة الزهراء فى حى مصر القديمة والمقام عليها العديد من عشوائيات القاهرة منها عزبة خير الله وإسطبل عنتر تلك العشوائيات التى تشكو الفقر والتلوث وتعد من البؤر الرئيسية لسوء الأحوال في محافظة القاهرة والقطر المصرى قاطبة,لن يخطر ببالك أن قدميك ستأخذك إلى مكان أثرى مثل «الجبخانة» أو تمر بمثيل له, حيث إن المكان الطبيعى لهذه البنايات الأثرية بمناطق وسط القاهرة أو أطرافها وسط حراسة كبيرة وأسوار عالية تحيط بها من كل مكان, خاصة بعد أن تمر بطرق متعرجة وتسلك حارات وعرة لا تسمح لأكثر من فردين بعبورها وذلك بعد تجاوز طريق «الخيالة» المؤدى إلى عزبة خير الله، والذى يمتد من منطقة عين الصيرة وحتى نهاية شارع النجاح الذى ينقطع طريقه عند نهاية العزبة عند كورنيش المعادى.
وبعد هذه الرحلة الشاقة التى يحذرك الجميع من البدء فيها من الأصل أملاً فى العودة سالماً.. تصل إلى بوابات الجبخانة التى تحيط بها العشوائيات من كل مكان, المشهد هناك يتوسطه أكوام القمامة التى تغلق الأبواب ويتخللها العقارب والحشرات والأهالى يصطفون أمامها ليس لقطع التذاكر والدخول لمشاهدة الآثار ولكن لتعبئة المياه التى تصل من مواسير قام أهالى الحى بمدها على نفقاتهم الخاصة من حى زين العابدين وحتى عزبة خيرالله واسطبل عنتر, وعلى الباب يجلس رجلان يناديهم أهالى المنطقة بـ«عم محمد» وعم «سيد» يعملون فى الجبخانة منذ 10 سنوات وهما تابعاِن لوزارة الداخلية ويحملان رتبة صول, ومهتمهما حراسة الجبخانة, ومع مرور الوقت تحولا إلى سكان للعزبة فهما يفترشون الأرض على باب هذه البنية الأثرية ويعيشان حياتهما الطبيعية هناك.


اصطحبنا محروس إبراهيم سواق سابق بالنقل العام وأحد أهالى المنطقة للدخول إلى «جبخانة عنتر» كما يطلق عليها أغلبية الأهالى حذرونا من المساس بأى شىء أو التصوير، لأن ذلك يحتاج لتصريح من وزارة الداخلية ومن مصلحة الآثار, وبعد اجتياز مدخل الجبخانة الغارق فى المجارى والتوغل داخل البناية الواسعة والتى بنيت بالحجر الجيرى المتراص على الطراز الإسلامى القديم, والمكان عبارة عن مبنى كبير مكون من طابقين ومقسم إلى غرف داخلية مغلقة بأبواب خشبية ثقيلة تجد مشقة فى تحريكها بعد أن أغلقتها الآثار بأقفال حديدية، وهذه الغرف كانت عنابر المساجين قديماً وبالرغم من أن سمك الحائط حوالى 25 سم إلا أن الغرف تظل رطبة ولا تتأثر بأشعة الشمس التى لا تفارقها طيلة النهار، كما توجد بها فتحات كنوافذ للتهوية محاطة بسياج حديدى صلب لمنع المساجين من الهرب والمبنى بأكمله محاط بسور من الحجارة الصلبة يصل ارتفاعه إلى ثلاثة طوابق من البيوت المحيطة به وتصعد إليه من خلال سلم ضيق وهذا السور كان يقف عليه الرماة وتثبت عليه الآلات الحربية أثناء الحروب القديمة التي هزمت فيها مصر كل الغزاة.
المبنى مقام على أرضية صخرية بها بعض الحفر التى شقتها الثعالب التى كانت تسكن المكان، كما يوجد بها آبار مياه مردومة ولكنها مازالت محافظة على

فوهتها وسلالمها, وفتحات فى الأرض لغرف سفلية كانت تخزن بها الذخيرة ووضع بها «حربة» نحاسية قديمة كانت تستخدم فى الحرب , ولكن بعض البلطجية سرقوها كما قال «عم محروس» الذى سرد لنا ما يعرفه عن الجبخانة، وما سمع عنها من الأجداد والجيران فقال: ولدت فى عزبة خير الله وأعيش بها منذ 50 عاماً ومنذ ذلك الوقت وانا أعرف الجبخانة أنها كانت أحد السجون الحربية وتضاربت الأقوال والحكايات حول بانيها حيث يقال انها بنيت فى عصر المماليك كانت تحفظ فيها الخيول والعتاد الحربى والبعض الأخر ذهب إلا أنها تم بناؤها فى مصر على أيدى جنود السلطان «صلاح الدين» أثناء قيادته للحرب مع الجيوش الصليبية, ولذلك اختاره المخرج الراحل يوسف شاهين لتصوير به بعض المشاهد فى فيلم «الناصر صلاح الدين», كما تم أيضاً تصوير فيلم «عنترة ابن شداد» فى الجبخانة وحضرت تصويره بنفسى عندما كنت طفلاً مع زملائى فى المدرسة وحرستنا الشرطة حتى غادرنا المكان فى ذلك اليوم ولذلك يطلق عليه الاهالى اسم «جبخانة عنتر».
بعض أهالى عزبة خير الله وإسطبل عنتر لا يختلفون كثيراً عن وزارة الأثار فى الإهمال واللامبالة الواضحة فى الاهتمام بذلك المبنى العريق فيقول شعبان أحد سكان اسطبل عنتر أن الجبخانة بالنسبة لأهالى الحى مكان مهجور وسط البيوت, وأضاف « إحنا مبندخلهاش عشان مش فاضيين نتفرج على آثار الأحسن نروح نقف فى طابور العيش اللى بقى بالدبح», أما الآثار فهى تملأ جميع أنحاء القاهرة ولا نستفيد منها,والجبخانة مؤخراً كانت المكان الذى تحتفظ به وزارة الداخلية بخيولها, والمعروف أنها منذ قديم الأزل وهى تتبع لإشراف الداخلية، حيث كان يحرسها «البرابرة»القادمين من السودان حتى لا يتسلل إليها اللصوص الذين سرقوا أغلب الأسلحة القديمة والأثرية المتبقية منها نتيجة الإهمال.
وعن دور مصلحة الآثار يقول أحد الأهالى إن وزير الآثار السابق زاهى حواس هو آخر من زار الجبخانة فى محاولة لتحويلها إلى مزار سياحى إسلامى ولكن المكان كما ترى محاط بالعشوائيات من كل مكان فكيف سيصل السياح إليها, وكانت آخر مرة شاهدنا فيها سياحاً بالمنطقة كان ذلك منذ ثلاث سنوات زارها بعض السياح الذين ضاق بهم المنظر فغادروا المكان قبل أن يشاهدوها, عندما وجدوا العشوائيات والعشش تحيطه من كل مكان.

سيارة خردة وكلاب صغيرة في مدخل الموقع الأثري