أصابع الفساد مستمرة بوزارة الصحة
كشفت مصادر بوزارة الصحة لـ»الوفد« النقاب عن كشوف المال السايب بديوان عام الوزارة والتي استولي عليها عدد من الموظفين الكبار في عهد وزير الصحة الأسبق حاتم الجبلي.
أولي الكشوف تتعلق بقناة صحتي التي يتم بثها من خلال وزارة الصحة، حيث يحصل عدد من كبار المسئولين بالوزارة علي مكافآت ثابتة من القناة بالمخالفة لطبيعة أعمالهم من بينهم سهام صادق أنيس، مديرة مكتب الوزير سابقاً، والدكتور عبدالرحمن شاهين، المتحدث الرسمي للوزارة سابقاً، وكمال عبدالعزيز، رئيس الإدارة المركزية للأمانة العامة سابقاً، والذي تم عزله في شهر سبتمبر الماضي 2009، لتورطه في ارتكاب مخالفات إدارية، ففي أحد الكشوف يتبين حصول 119 موظفاً وعاملاً بالقناة علي مكافآت يبلغ إجماليها حوالي 60 ألف جنيه خلال شهر يوليو 2009 بخلاف رواتبهم من بينهم الدكتور عبدالرحمن شاهين الذي تبين حصوله علي 2000 جنيه وكذلك أربعة آخرين من رجال مكتبه علي إجمالي مكافآت 1600 جنيه رغم كونه لا ينتمي للقناة ولكنه متحدث فقط باسم الوزارة بموجب القرار رقم 8 الصادر من وزير الصحة في 5 يناير 2006 ولم يشر القرار إلي تعيين شاهين في قناة صحتي ولا إلي حصوله علي مكافآت ثابتة من القناة، ومن ثم فإن إدراج اسمه ضمن العاملين الأساسيين بالقناة يعد مخالفة، وهي المخالفة نفسها المصاحبة لحصول سهام صادق أنيس، مديرة مكتب الوزير، علي 1100 جنيه علي الرغم من عدم انتمائها للعاملين بالقناة، وكشفت القائمة حصول 23 موظف حسابات بالوزارة علي مكافآت بـ5100 جنيه من بينهم صوفي نبيه مرقص وسليمان حسن وكلاهما كان يعمل حتي وقت قريب مندوباً لوزارة المالية لمراقبة الحسابات بوزارة الصحة قبل رحيلهما وتعيين آخرين بدلاً منهما رغم كونهما يتقاضيان رواتبهما الثابتة شهرياً من وزارة المالية وليس وزارة الصحة ويعد حصولها علي مكافآت من وزارة الصحة مخالفة جسيمة تستوجب التحقيق فيها وفقاً لما أكده مسئول مالي بالوزارة، والذي أكد أن هذه المكافآت لمراقبي وزارة المالية يحصلون عليها منذ سنوات طويلة دون أن يدرج أمام أسمائهم في الكشوف أنهم تابعون لوزارة المالية.
ويشير الكشف الثاني من المكافآت إلي البرامج الخاصة بالقناة، حيث تم صرف 58750 جنيهاً لنحو 73 فرداً من بينهم الدكتور عبدالرحمن شاهين (2000 جنيه) وسهام صادق أنيس بمبلغ 1100 جنيه أخري، ويوضح الكشف الثالث الخاص بمكافآت برنامج »ساعتين هوا« والكشف الرابع الخاص ببرنامج »ألو صحة« موافقة رئيس الإدارة المركزية للأمانة العامة علي صرف مكافآت 31450 جنيهاً للبرنامج الأول و33800 جنيه للبرنامج الثاني ومن بين الحاصلين علي هذه المكافآت أيضاً الدكتور عبدالرحمن شاهين؟!
ومن المكافآت التي أثارت علامات الاستفهام في الكشوف حصول كمال عبدالعزيز، رئيس الإدارة المركزية للأمانة العامة سابقاً، علي 2000 جنيه في شهر يوليو 2009 بعد وضع اسمه ضمن العاملين بقناة صحتي وقيامه بالتوقيع علي كشوف المكافآت الخاصة بالقناة عندما كان قائماً بأعمال الإدارة المركزية ومن ثم فهو يوافق علي صرف مكافآت لنفسه.
تزييف الصفة
والغريب أن كشوف البركة بقناة صحتي خصصت لرئيسها جمال سعيد علام مكافآت في جميع البرامج بخلاف راتبه، ففي الكشوف الأربعة المشار إليها تبين حصول جمال علام، علي 9700 جنيه تارة تحت مسمي »رئيس القناة« ومرات تحت مسمي »شفتات فنية« وفي مرات أخري تحت بند »إخراج وإشراف فني« وتحصل الدكتورة نادية محمد بدوي، علي 2400 جنيه في برنامج »ألو صحة« تحت بند إعادة وإشراف طبي رغم وجود 14 معداً في البرنامج وهو عدد كبير جداً لفريق إعداد برنامج متخصص، ويعد ناصر فرغل الأعلي من حيث المكافأة الثابتة في برامج قناة صحتي (2400 جنيه في برنامج ألو صحة« ورغم حصول الدكتور عبدالرحمن شاهين علي 2000 جنيه مكافأة من البرنامج تحت بند إشراف طبي نجد الدكتورة نادية بدوي تحصل علي مكافآتها من البند نفسه والمكافأة نفسها تتكرر بالكيفية نفسها في برنامج ساعتين هوا، حيث تحصل علي 2000 جنيه من كشوف العاملين بالقناة، وتبين من الكشوف تغير صفات الحاصلين من برنامج لآخر فهناك من يعمل مخرجاً مثل أيمن حسنين القليوبي في برنامج ساعتين هوا نظير 1200 جنيه وفي كشف ثان بصفته مسئول حجز الاستوديو وشفتات فنية مقابل 2400 جنيه والشيء نفسه يتكرر بالنسبة لـ»حمدي متولي محمد ووجدي حلمي عيد« والثلاثة إلي جانب عبدالرحمن شاهين ونادية بدوي وكمال عبدالعزيز وسهام أنيسة وجمال سعيد علام هم الأعلي في المكافآت في إدارة القناة وبرامجها وفقاً للكشوف المعلنة في شهر يوليو 2009، كما تبين حصول 12 من أفراد الأمن بالوزارة علي مكافآت ثابتة من القناة كل شهر تتراوح قيمة المكافأة للواحد منهم بين 100 و500 جنيه، وتشير المستندات إلي حصول 165 فرداً علي بدل وجبة في عام 2006 يتراوح قيمته لدي كثير من الأسماء بين 100 و150 جنيهاً شهرياً علي الرغم من أن عدد العاملين بالقناة لا يتعدي 30 فرداً علي أقصي تقدير بمن فيهم المعدون والمخرجون والمذيعون وبالتالي فإن كثيراً من الأسماء المدرجة بالكشوف هي في الأساس تعمل خارج القناة في قطاعات الوزارة المختلفة وقالت مصادر بالقناة إن الدكتور عبدالرحمن شاهين لم يكن له دور يذكر في القناة ورغم ذلك كان يحصل علي أعلي المكافآت، كما أنه كان يتحكم في منح النشرات الإعلانية مدفوعة الثمن لصحف دون أخري حسب درجة الولاء له وللوزارة.
مكافآت بالجملة
ولم تتوقف كشوف البركة عند تلك القائمة السابقة، فقط، فهناك كشوف أخري بأسماء الحاصلين علي مكافآت تصرف كل ثلاثة أشهر من الإدارة العامة لعلاج المواطنين وشئون السفر بالخارج ويضم كلاً من الدكتور عماد عزت، مدير قطاع مكتب الوزير السابق، ويحصل علي 2000 جنيه وسهام أنيس صدقي، مديرة مكتب وزير الصحة السابق، وتحصل هي الأخري علي 2000 جنيه وبالمثل حسن عبدالعال، أحد المسئولين أصحاب النفوذ بالوزارة، كما يحصل ممدوح صقر، مدير العلاقات العامة علي 1000 جنيه.
وتبين من الكشف أيضاً حصول كمال عبدالعزيز، المشار إليه في كشوف البركة بقناة صحتي علي 6000 وسامي حلمي حنا الموظف بإدارة الخدمات وسليمان عيد عوض الله بإدارة الحسابات علي 3000 جنيه وهو المبلغ نفسه الذي تحصل عليه ليلي عبدالجواد مديرة شئون العاملين والأخيرة تحصل علي مكافآت أخري ثابتة شهرياً من 14 مشروعاً (صحة الطفل، تنظيم الأسرة، صحف الريف، تطوير الخدمات الصحية، الإمداد والتجهيزات الطبية، أمراض الثدي، الدرن، الأسنان، السيارات المجهزة للمعاقين، الأشعة، تطوير المستشفيات، السياسات الدوائية، وبصمة التوقيع والعلاج علي نفقة الدولة«، بالإضافة إلي حصولها علي 400 جنيه من صندوق تحسين الخدمة ومكافأة ثابتة شهرياً تبلغ 300 جنيه من مركز التخطيط والسياسات الدوائية باعتبارها أحد العاملين بالمركز وذلك علي خلاف الحقيقة لأنها تعمل في الإدارة العامة
أموال المعاقين
ويشير كشف آخر إلي حصول قيادات إدارية بالوزارة علي مكافآت كبيرة من رسوم يدفعها المعاقون للحصول علي سيارات المعاقين المدعومة من الوزارة وجهات أخري حكومية وأهلية بالدولة مثل كمال عبدالعزيز وسعيد حسن إبراهيم علي وكلاهما حصل علي 1050 جنيهاً ثم جاء في الكشف نفسه أسماء كل من اللواء حسن عباس المصري، وأمير نورالدين عبدالعزيز وأحمد عبدالعزيز ومحمد عبدالرؤوف علي وعلي الركابي يوسف وحصل كل واحد منهم علي 900 جنيه وجاء بدرية خميس ومني عبدالعظيم محمد وعبدالله علي عبدالرازق وسميرة حنفي عبدالعظيم ومحمد إبراهيم جمال الدين وصوفي نبيه مرقص وهند أبوبكر مصطفي في المراتب التالية بـ600 جنيه لكل واحد منهم ورصد التقرير أسماء 43 شخصية مسئولة بالوزارة من كوادر الصف الثاني والثالث يحصلون علي هذه المكافآت بما يمثل قرابة عشرين ألف جنيه في هذا البند فقط شهرياً دون وجود سند قانوني يقر مثل هذه المكافآت.
من ناحية أخري، أكد أحد المسئولين بحركة النقل والسيارات بديوان عام الوزارة أن سهام أنيس صادق، مديرة مكتب الوزير سابقاً، كان مخصصاً لها سيارتين بالمخالفة وكانت ترفض التوقيع علي أوامر تشغيل المركبة حتي لا يتم مساءلتها في حالة تعرض السيارة إلي مخالفة مرورية وقالت مصادر إن سهام مازالت عضو مجلس إدارة شركة فاكسيرا للمصل واللقاح التابعة للوزارة رغم صدور قرار من الدكتور أحمد سامح فريد، وزير الصحة السابق، بعزلها من منصبها بالوزارة.
لم يتخيل الدكتور محمد عزمي مصطفي، مدير عام مستشفيات جنوب الصعيد السابق، أن كشفه وقائع التلاعب في أرقام ضحايا شهداء 25 يناير من جانب بعض المسئولين في وزارة الصحة سوف يجلب له المتاعب والمصاعب ويقيله من منصبه فكل ما كان يتمناه الرجل أن يكشف عن حقيقة المؤامرة التي قام بها رجال وزير الصحة السابق حاتم الجبلي علي الشعب بإخفاء رقم ضحايا شهداء ثورة الحرية الذي يصل الي 823 شهيداً وقالت إنهم 374 فقط.
فالدكتور محمد عزمي اطلع بصفته مسئولاً في وزارة الصحة علي الأرقام الحقيقية لشهداء يناير التي كانت تأتي من مديريات الصحة بالمحافظات وذلك بعد أن طلب النائب العام من وزير الصحة في حكومة أحمد شفيق الدكتور أحمد سامح عمل حصر نهائي للشهداء.
ولكن ما حدث هو أن الدكتور هشام الشيحة، رئيس قطاع الطب العلاجي، وأحد رجال الوزير السابق حاتم الجبلي والمسئول عن الحصر أخفي الأرقام الحقيقية وتلاعب بها وقام بتخفيضها ولا أحد يعلم إن كانت هناك تعليمات وردت بذلك أم لا ولكن المهم هو أن الدكتور محمد عزمي رفض السكوت عن تلك المهزلة وفضح الأرقام الحقيقية وهو ما لم يعجب قيادات وزارة الصحة والذين يدينون بالولاء للنظام السابق باعتبارهم أحد رجاله وقاموا بالتنكيل بعزمي وتغييره من منصبه وتعيين أحد رجال الوزير حاتم الجبلي وذلك عقاباً له علي أنه تجرأ عليهم وفضحهم وتركه بلا وظيفه الآن.
وعندما حاول عزمي أن يعرف سبب استبعاده تهرب منه الجميع لأنه ارتكب جريمة من وجهة نظرهم فقط وهي فضح النظام السابق وأسلوبه القمعي في قتل المتظاهرين ليحافظ علي وجوده وهي جريمة من وجهة نظرهم تستحق الاستبعاد من العمل والاضطهاد.
فمازال الفساد يعشش داخل جدران وزارة الصحة ولم تنجح ثورة التطهير في التخلص منه بعد أن بات مثل المرض المزمن الذي لا علاج له ورغم وعود وزير الصحة الجديد الدكتور أشرف حاتم علي مواجهة الفساد وبدء عهد جديد في الوزارة كما قال للعاملين في أول يوم له في منصبه الجديد ولكن يبدو أن الوزير الجديد لن يستطيع الوفاء بوعوده بعدما غابت شمس التطهير من علي جدران الوزارة.
حالة الغليان التي تعيشها الوزارة الآن تنذر بكارثة جديدة بعد أن سيطر رجال الوزير السابق حاتم الجبلي مرة أخري علي الموقف واستطاعوا استرداد مهامهم التي كانوا قد فقدوها بعد ثورة يناير وإذا لم يتدخل أشرف حاتم ستعود أوضاع الوزارة الي ما كانت عليه.
المطلوب الآن هو طرد رجال الوزير السابق حاتم الجبلي من الوزارة ومحاسبة المسئولين عن الفساد إذا كان الوزير الجديد يريد أن يفتح صفحة جديدة بالفعل وعليه أن يبقي علي الشرفاء الذين يهمهم صالح الوزارة فقط.