عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رحلات الهجرة غير الشرعية تتواصل فى "برج مغيزل" و"عزبة البرج".. والضحايا بالآلاف

هجرة غير شرعية
هجرة غير شرعية

النداهة..

توحى فى أذن الشباب أحلام السفر، فيبيعون ما لا يملكون، ويسافرون جماعات إلى ساحل البحر المتوسط، بحثاً عن سمسار يلقى بهم، قليلاً على ساحل إيطاليا، وكثيراً في ظلمات البحر.
يعودون أحياناً إلى ذويهم محملين بأموال أوروبا، وكثيراً ما يعودون جثثاً طافية، تحملها الأمواج الهادرة.. وربما مقبوضاً عليهم، تتقاذفهم أيادى قوات حرس الحدود، ومديريات الأمن.
وفي بعض الأحيان.. لا يجد الأهل جثة لدفنها، فيصبح أملهم في العودة حياً أو ميتاً، أقرب إلى المستحيل.
شباب هربوا من جحيم وطن يأكل أبناءه إلى بحر يأكل زواره.. فربما يكون الموت أرحم من الحياة.
إنها مواكب الموت أو الهجرة غير الشرعية.. ولـ «الوفد» فيها ثلاث محطات.

المحطة الأولى.. قرية بنى صالح..
.. وبنى صالح إحدى قرى مركز بلبيس بمحافظة الشرقية، ويزيد عدد سكانها على 10 آلاف نسمة.
ورغم أن الحرفة الاساسية هى الزراعة.. إلا أن القرية يعتمد أهلها على السفر للخارج عن طريق الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا، حيث يعمل 80% من شبابها بإيطاليا ودول أخرى و10% فى ليبيا ودول الخليج.
وفى زيارة سريعة لمراسل «الوفد» بالشرقية للقرية تلاحظ وللوهلة الأولى مظاهر الغنى والثراء على أهلها، فالمنازل متعددة الطوابق بالطوب بخلاف الفيلات ذات الواجهات الملونة.
يقول عمرو عبد الحكيم (بكالوريوس تجارة) إن أسهل طريق للعمل بين شباب قرية بنى صالح وعدد من القرى المجاورة هو السفر للخارج بعد أن أهملت الحكومات المتعاقبة توفير فرص عمل للشباب المقبل على الحياة.
وأضاف أن الوسطاء وسماسرة السفر غير الشرعى يهبطون على القرية ليجدوا كل ترحاب، ويقوموا بتجميع الأموال من شباب القرية، حيث يتقاضى السمسار من 40 إلى 60 ألف جنيه من كل شاب يرغب فى السفر إلى إيطاليا.
وللأسف الشباب يعلمون جيدا انهم سيسافرون بطريقة غير شرعية بمراكب صيد قديمة ومتهالكة.
والأهل والأقارب يساعدون ذويهم فى تجميع هذه المبالغ الكبيرة ومنهم من يرهن منزله أو يقوم ببيع أغراضه لتوفير المبلغ المطلوب.
وعند مغادرة عدد من الشباب للسفر تجد القرية بأكملها تعيش على اعصابها فى انتظار اول اتصال تليفونى يفيد وصولهم بر الأمان.. عندها تغمر الفرحة جنبات القرية ويتقبل أهالى الشباب المسافر المغترب التهانى والمباركة بالرحلة ليبدأ بعد ذلك الإعداد للرحلة الجديدة.
ويتدخل أحمد صلاح عبد الله قائلا: أحد شباب القرية فشل فى محاولة سفره الأولى، وتعرض المركب الذى كان على متنه وهو فى طريقه إلى إيطاليا للغرق وتم إنفاذه بمعجزة إلهية ليعود الى بلده سالما.
وبدلا من أن يحمد الله على نجاته، إذ به يجبر والده على بيع قطعة من أرضه ليعيد الكرة مرة أخرى.
وبإصرار شديد وسط معارضة قوية من أهله، حيث إنه وحيدهم.
ورضخ الأب لإصرار الابن ودفع 60 ألف جنيه ثمناً لرحلة جديدة انتهت بغرقه وسط مياه البحر المتوسط ولم تظهر له جثة.
واضطر والده لدفن هيكل خشبى، ويزوره حتى الآن بعد أن فقد نظره حزنا على وحيده.
ويضيف أحمد صلاح (حاصل على دبلوم زراعى) أنه يقوم بزراعة قطعة أرض يملكها والده ويرفض فكرة السفر بالطريقة غير الشرعية وتعريض حياته للخطر حتى لو دفعوا له كنوز الدنيا ويؤكد أن الله وهبنا الحياة لنحافظ عليها وليس لنا الحق فى التفريط فيها.
أما حمدى جمال الدين (بكالوريوس تربية رياضية) فيؤكد أنه جرب حظه مرة واحدة وأنه ليس على استعداد لإعادة التجربة مرة أخرى وقام بسرد تجربته الأولى مع السفر بطريقة غير شرعية قائلا:
حضر أحد الوسطاء إلى القرية ونجح فى تجميع مبالغ مالية من 14 شاباً.. وتجمعنا فى ميكروباص وسافرنا بأمتعتنا إلى البرلس بكفر الشيخ وهناك مكثنا لمدة يومين حتى تم تجميع 55 شابا من مختلف المحافظات ومن بينهم عدد من السودانيين.
وعلى سواحل البحر المتوسط عند البرلس ركبنا مراكب صغيرة حمولتها لا تزيد على 7 أفراد تم تحميل الواحد منها بـ 15 فرداً لتنقلنا جميعا إلى مركب صيد كبيرة فى عرض البحر يتكون طاقمها من ثلاثة أفراد وذلك لتخفيف الحمولة للإبحار إلى السواحل الإيطالية.
تلاحظ للوهلة الأولى أن المركب بحالته هذه لن يتحمل الرحلة الطويلة الشاقة.
وبالفعل وبعد أن تركنا المياه الإقليمية المصرية تعطل المركب وفشل الميكانيكى ومساعده فى إصلاحه لتسود حالة من القلق والترقب وأخذت الأمواج العالية فى الإطاحة بالمركب يمينا ويسارا وأخذت تميل بشدة، مما دفع قائد المركب إلى إرسال عدة استغاثات طالبا سرعة الإنقاذ ثم بدأت المياه تتسرب داخل المركب ونحن فى رعب مميت لا نعرف ما مصيرنا وبدأ عدد كبير منا فى تلاوة القرآن الكريم، ولم يعد لنا أمل إلا فى الله.
وفى تلك الأثناء امتلأ المركب بالمياه ليغرق فى قاع البحر وغرق عدد من الشباب الذى لا يعرف السباحة.. والباقون ممن يجيد السباحة تجمعنا مع بعضنا حتى جاءتنا العناية الإلهية ممثلة فى مركب صيد كبير.. وتم انقاذنا وكان عددنا 42 فرداً وتم تسليمنا الى السلطات المصرية التى قامت بالتحقيق معنا وإحالتنا الى النيابة التى أفرجت عنا بضمان محل الإقامة، وسلمتنا إلى ذوينا بعد أخذ التعهد اللازم بعدم تكرار المحاولة.
وهذه التجربة أحكيها لكل شباب القرية مسجلة بالصور الذى تمكنا من التقاطها رغم الظروف العصيبة التى كنا نمر بها.. لكن لا أحد يتعظ.
وأرجع ذلك للظروف الاقتصادية التى تمر بها البلاد وسط نظام لم يستمع إلى الشباب ولا إلى مشاكلهم على الطبيعة رغم وجود وزارات للشباب شاغلها الأكبر إرضاء النظام أما الشباب فله الله.

المحطة الثانية مدينة عزبة البرج
عزبة البرج إحدى مدن محافظة دمياط.. وهى تشتهر بحرفه الصيد وتقع عند نقطة النهاية لفرع دمياط.
تصطف مئات المراكب خلف البوغاز الذي يصل العزبة بالعالم الخارجي حيث ميناء الصيد.
ويضم ميناء الصيد بهذه العزبة 60 ‬من أسطول الصيد المصري حيث‮ ‬يبلغ‮ ‬عدد المراكب بها ‮006 ‬مركب مسجلة في مكتب الصيد بالمنطقة تعمل في حرف الصيد المختلفة وتعتبر إحدى قلاع التهريب، ونقطة انطلاق كثير من رحلات الهجرة غير الشرعية.
يقول صلاح التوارجي صاحب أسطول مراكب صيد: إن مدينة عزبة البرج لجأت إلى تصدير الصيادين لمدن اليونان وليبيا وتونس في محاولة لتحسين أوضاعهم المادية.
فالعمالة في حرفه الصيد غير منتظمة على مدار السنة حيث هناك شهران في العام يتوقف فيها الصيادون عن مزاولة الصيد بشكل إجبارى.. إضافة إلى التأمينات الإجبارية على مراكب الصيد، فيلجأ البعض إلي السفر خارج مصر في تلك الفترة وإذا استقر فمن الجائز الاستمرار في العمل بالخارج.
وكان النظام السابق لا يعير الصيادين ومشاكلهم اهتماما في حين أن عزبة البرج من أهم مدن مصر فلولا تلك المدينة ما كان هناك أسطول بحري قوى.
وأكد على المرشد كبير الصيادين بعزبة البرج لـ «الوفد» أن قوات حرس السواحل الإيطالية احتجزت مركب صيد يدعى ميادة محمد ملك محمود محمود من الأسطول البحري لعزبة البرج بدمياط بعد الاشتباه في تورطها في عمليات هجرة غير شرعية.
وأضاف المرشد أن المركب أبحر منذ 25 يوماً من سواحل عزبة البرج ولكنه تخلف عن موعد وصوله إلى السواحل المصرية منذ 5 أيام.
ثم وردت معلومات تفيد احتجازه بالسواحل الإيطالية.
ويقول محمد رجب مهندس: الأسبوع الماضي قام مجموعة من الصيادين بمحاولة هجرة غير شرعية عبر سواحل منطقة الدبدوبة بعزبة البرج وتمكنت قوة من الشرطة من ضبط المركب وتبين أنها ملك محمد. وشهرته الريدى وضبط بها 45 شابا من راغبى الهجرة.
وأضاف محمد غنيم: توجد مراكب صيد بعزبة البرج تتوجه إلي السواحل الليبية هناك يتم إلقاء الشباب في زوارق صغيرة مقابل مبالغ مالية، تصل إلى 50 ألف جنيه لكل فرد

مقابل الدخول إلي إيطاليا وهذا ما أعلنته مؤخرا وزارة الداخلية الليبية عن اعتقال 240 مهاجرا غير شرعي من بينهم 20 مصرياً وتستعد لترحيلهم.
وجاء في بيان للوزارة أن الأشخاص الذين اعتقلوا في عمليات مختلفة هم من جنسيات مختلفة من بينهم 20 مصرياً إلا أنه لم يكشف تفاصيل حول الوقت الذي جرت فيه الاعتقالات وتعد ليبيا منطقة انطلاق للساعين للوصول إلى أوروبا من أماكن مختلفة من إفريقيا وذلك بسبب طول سواحلها (1770 كيلو متراً) حيث لا تبعد مالطا وجزيرة لامبيدوزا الإيطالية سوى بضعة مئات الكيلو مترات.
وأكد محمد أبو العنين صياد أن معظم الشباب يقع في دائرة المحظور من خلال اللجوء إلى سماسرة السوق ومكاتب السفريات غير القانونية ووسطاء الهجرة والفساد الإداري والجماعات الإجرامية المنظمة الذين يتقاضون من كل شاب ما يقرب من 30 ألف جنيه للسفر وتنتشر على الحدود مع ليبيا أو في بعض محافظات كفر الشيخ والإسكندرية ودمياط عصابات للنصب على الشباب وتتقاضى منهم مبالغ طائلة بدعوى توفير فرص عمل لهم في ايطاليا أو أوروبا ثم يهربون بهذه الأموال دون أن يحاسبهم أحد وتنتهي رحلة الشباب إما بالموت وإما السجن والترحيل  ونتيجة لعدم توفر الوعي لدى هؤلاء الشباب بمخاطر الهجرة غير المنظمة.

المحطة الثالثة.. قرية برج مغيزل..
وبرج مغيزل إحدي القري الساحلية التابعة لمركز مطوبس، وتطل علي شاطئ البحر الأبيض المتوسط رحلات الهجرة غير الشرعية التى تعد أحد أبواب دخول الشباب إلى أوروبا هربا من الفقر والبطالة.

برج مغيزل كانت تعتمد علي مهنة الصيد وقضت عليها حكومات النظام السابق المتعاقبة، التي سمحت لأصحاب النفوذ بالاستيلاء علي المجري المائي لنهر النيل بفرع رشيد، بوضع أقفاص سمكية قضت علي زريعة الأسماك الصغيرة والتي كانت سببا في انهيار الثروة السمكية بتلك المنطقة وتسبب ذلك فى لجوء أصحاب مراكب الصيد إلي استقطاب بعض الشباب من جميع محافظات الجمهورية لتهريبهم عبر البحر الأبيض المتوسط من خلال بوغاز برج مغيزل ورشيد ليلقي هؤلاء الشباب حتفهم غرقا بعرض البحر وتركهم غذاء للأسماك.
وتبدأ رحلة الموت المتلاحقة بشكل يومي منذ 30 عاما، حيث خلفت وراءها مئات القتلى من خيرة شباب مصر بمحافظات الشرقية والدقهلية والغربية والبحيرة والفيوم وأسيوط والمنيا، بالإضافة إلي كفر الشيخ.
وكان لـ «الوفد» لقاء ببعض أسر المفقودين جراء السفر بالطريقة غير الشرعية من بين 53 شابا تغيبوا منذ عام 2004 حتى الآن.
يقول عبدالفتاح مصطفي الشهاوي من قرية الملاوح التابعة لمركز مطوبس إن شقيقه محمد كان يعمل سائقاً، وراح ضحية أحد السماسرة من مدينة الإسكندرية الذى أغراه بالسفر إلي اليونان عن طريق قرية مسطروه المجاورة للبحر الابيض المتوسط عبر لنش، ونقلهم الي مركب صيد يقف فى عرض البحر.
ومنذ سفره انقطعت أخباره عنا ولا نعرف إن كان حيا أو ميتا تاركا زوجته وأربعة من أبنائه.
وأضاف شقيقه شريف أن والده تأثر بغياب ولده الذي فارق الحياة حزنا عليه بعد صراع مع المرض ومازالت والدته التي أصابها جلطة دماغية أقعدتها الفراش تنتظر وكلها أمل فى عودة ابنها.
أما في قرية الوقف مركز مطوبس شاهدنا أما عجوزاً تدعي تهاني ضيف الله نجا والدة باسم محروس تفترش الطريق أمام منزلها في انتظار عودة ابنها المفقود في نفس رحلة الموت.
وعندما سألناها عن سبب تواجدها علي نهر الطريق اعتقدت في بداية الأمر أن ابنها بصحبتنا وقالت والدموع تنهمر من عينيها انتظر ولدي يوميا بالشارع من الصباح حتي المساء منذ 8 سنوات، لأنه فلذة كبدي وعائلي الوحيد بعد رحيل والده حسرة علي فراقه، خاصة أن شقيقيه معاقان ذهنيا.
وأضافت الأم الثكلي، أنها ما زالت تحتفظ بمبلغ 15 ألف جنيه تحويشة العمر التي جمعها منذ صغره لزواجه علي أمل عودته.
وفي إحدي قري الخريجين التي تطل علي الطريق الدولي الساحلي الذي يطل علي البحر الابيض المتوسط سمع أهالي القرية عقب اداء صلاة الجمعة صراخاً بأحد المنازل، تبين أنه لنحو 36 شاباً من محافظات الدقهلية والشرقية والغربية تم تخزينهم عن طريق أحد سماسرة الموت لمدة ثلاثة أيام استعدادا لتسفيرهم عبر الهجرة غير الشرعية باستخدام لنشات لتوصيلهم إلى عرض البحر إلي مركب يقلهم إلي أوروبا علي بعد 20 ميلاً من الشاطئ.
فقام الاهالي بكسر الباب عليهم وتم القبض علي البعض منهم وفر آخرون.
ويؤكد محمود فضيل حميدة أن السبب الرئيسي فى انتشار الهجرة غير الشرعية قيام بعض العمد والمشايخ في قري هذه المحافظات بالاشتراك مع السماسرة بتجميع الشباب الصغير لتسفيرهم مقابل دفع مبلغ 40 ألف جنيه يدفع جزء منه بمصر، والباقي عند وصولهم أوروبا بعد أن يقوموا بتوقيع إيصالات أمانة علي أسرهم.
وأشار إلى أن المركب تتعدي حمولته 100 شاب في الرحلة الواحدة بإجمالى ما يقرب من مليون جنيه ثم يقوم بإبلاغ السواحل بسرقة المركب حتي يبعد شبهة اشتراكه في جريمة تسفير الشباب.
وأضاف أنه لابد من تغيير خفر السواحل كل فترة لإبعاد بعض ضعاف النفوس ممن يقومون بتسهيل العمليات.