رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سوزان مبارك‮.. ‬والدة رجل مهم‮!‬

عرف الروائي النيجيري‮ »‬ثينوا آتشيبي‮« ‬طريقه إلي ترشيحات‮ »‬نوبل‮« ‬قبل حوالي نصف القرن من خلال مجمل أعماله وعلي رأسها روايته الخالدة‮ »‬الأشياء تتداعي‮« ‬التي عاصر بطلها وهو زعيم إحدي القبائل،‮ ‬قدوم الإنجليز واحتلالهم لبلاده والتغييرات الهيكلية التي بدأوا تنفيذها عنوة وكيف فوجئ هذا البطل‮.. ‬الزعيم وعقب أدائه لأحد الطقوس القديمة والذي أسفر عن قتيل،‮ ‬بالسلطة الوافدة التي لا يعلم عنها ولا عن قوانينها الجديدة شيئاً،‮ ‬تقتاده إلي محاكمة‮ ‬غير مفهومة،‮ ‬بل مضحكة وعبثية بالنسبة إليه لتصدر حكماً‮ ‬بإعدامه عقاباً‮ ‬له علي جريمته التي لم تكن تعدو من وجهة نظرة أكثر من طقس روتيني سبق أن مارسه هو وأباؤه وأسلافه مرات عديدة من قبل ولا يستحق كل هذه الضجة‮.. ‬طوال وقت المحاكمة مروراً‮ ‬بإصدار الحكم ووصولاً‮ ‬إلي لحظة التنفيذ وتدلي رأس البطل ـ الزعيم من حبل المشنقة لم يكف‮ »‬القاتل‮« ‬عن السؤال‮ »‬أين الجريمة«؟ ولم يتوقف عن التأكيد لنفسه أن الأشياء ـ كل الأشياء ـ قد تغيرت وتبدلت‮.. ‬وتداعت‮.‬
ليس أبلغ‮ ‬من استدعاء هذه الرواية لنعيد تركيب شخوصها وأحداثها،‮ ‬بل حتي عنوانها وهو الأعمق دلالة والأكثر تطابقاً‮ ‬علي كل ما تداعي وتغير في مصر ما بعد‮ ‬25‮ ‬يناير،‮ ‬وأتوقف فيه عند ما حل بأسرة الرئيس السابق وتحديداً‮ ‬زوجته وأحسبهم جميعاً‮ ‬لم يصلوا بعد إلي مرحلة الندم علي الملك الذي ضاع وأنهم ـ بدرجات متفاوتة ـ مازالوا في أول وأبسط مراحل العذاب النفسي المروع المرتبط بتعطل خلايا إفراز لذة السلطة الأفيونية عن العمل وأنهم لا يتوقفون عن إبداء الدهشة الصادقة من كل ما جري والتأكيد علي عدم فهمهم له أو استيعابه وأنهم مازالوا يتساءلون بعفوية مفرطة‮.. ‬ما هي الجريمة التي ارتكبوها؟
استحضر صورة السيدة سوزان مبارك ـ ثابت سابقاً‮ ‬ـ بوجهها الملائكي المعلن وأستدعيه أمامي لأجده يكاد يكون متطابقاً‮ ‬مع صورتها المنشورة في أكتوبر من عام‮ ‬1955‮ ‬بمجلة‮ »‬الجيل‮« ‬إحدي إصدارات دار‮ »‬أخبار اليوم‮« ‬في خمسينيات وستينات القرن الفائت،‮ ‬فتاة وديعة حالمة،‮ ‬وكل بنات الخمس عشر حالمات،‮ ‬تنتمي إلي عائلة ـ وليس مجرد أسرة ـ ميسورة تتربع علي قمة هرم الطبقة الوسطي ـ وهي نفس الطبقة التي ستهدمها حاشية أسرتها الصغيرة فيما بعد،‮ ‬وتغازل بجرأة حواف الطبقة الأرستقراطية التي كانت تقاوم بما يقارب اليأس الضربات الموجعة الموجهة إليها من رجال‮ »‬حركة يوليو المباركة‮«.‬
العائلة ـ سواء في الخمسينيات التي رجعنا إليها أو حتي الآن ـ ليست كبيرة العدد ولكنها قوية وذات عزوة بثرائها المتوسط ومصاهراتها المتشابكة والمناصب المرموقة التي يتبوأها معظم أبنائها وبالملكية الزراعية‮ ‬غير القليلة التي يعمل فيها عدد كبير من الفلاحين المرتبطين بالأرض ومن ثم بالعائلة،‮ ‬وعدد قليل من آل ثابت يقيمون في القرية الصغيرة التي تحمل اسمهم‮ »‬نزلة ثابت‮« ‬وعلي مرمي حجر منها عزبة أصغر تحمل اسمهم أيضاً‮ ‬وكثير من قري الصعيد ـ وبخاصة أوسطه الأخصب ـ يحمل اسم‮ »‬منشأة‮« ‬أو‮ »‬نزلة‮« ‬فلان وفلان هذا عادة ما يكون إما من أصول‮ »‬عثمانلية‮« ‬ترك الخدمة في الميري ـ مدنية أو عسكرية ـ ووافق علي استبدال معاشه بأطيان ـ بخاصة في أيام إسماعيل ـ ونزل ليقيم في وسط أراضيه أو لينشأبها عزبة صغيرة سرعان ما سوف تتحول إلي قرية أو حتي مدينة وإما شخص نابه ومجتهد يملك بعض المال والحظ ونجح في اقتناص الفرصة أثناء تصفية أملاك الدائرة السنية ـ وهي تصفية وبيع استمر أكثر من ربع قرن ـ واشتري بعض أراضيها الشاسعة بأبخس الأثمان وأيضاً‮ ‬نزل فيها أو أنشأ تجمعاً‮ ‬عمرانياً‮ ‬وليداً‮.‬
العائلة الميسورة لم تكتف بالأرض بل قرأ عميدها المستقبل جيداً‮ ‬وتيقن أنه للتعليم فوجه إليه الأبناء والأحفاد لتمتلك العائلة بدءاً‮ ‬من العشرينيات عدداً‮ ‬من كبار الموظفين وبخاصة في مجال القضاء وتنجح في مصاهرة كبار العائلات الموجودة في المركز الذي تتبعه ـ بني مزار ـ أو قرية مطاي الكبيرة التي تجاورها والتي ستتحول في‮ ‬غضون سنوات إلي مركز منفصل‮.‬
والد سوزان الطبيب ارتبط كعادة أولاد الذوات وقتها ـ بإنجليزية أنجب منها منير ومن بعده سوزان ذات الاسم الجديد الوافد والمشترك بين الإنجليز والمصريين،‮ ‬يتوفي الله الأب شاباً‮ ‬فيتولي تربية اليتيمين الصغيرين عم قاض يقيم في مصر الجديدة يوفر لهما حياة طيبة ويلحقهما بأرقي المدارس حتي يلتحق منير بالطيران وتحصل سوزان علي الثانوية

العامة،‮ ‬لا تعلم الفتاة عن قريتها شيئاً‮ ‬يذكر سوي الحكايات المتناثرة وتتوقف علاقتها معها عند حدود‮ »‬الإيراد‮« ‬الآتي من الأرض حتي زياراتها القليلة قبل الزواج إلي الصعيد كانت تتم عادة إلي عاصمة المديرية أي مدينة المنيا نفسها لتزور أعز صديقات الدراسة في قصر عائلة‮ »‬الهم باشا‮« ‬الفخم بوسط المدينة،‮ ‬وهو القصر الذي تم هدمه قبل نحو عشرين عاماً‮ ‬ليحتل مكانه برجان أسمنتيان قبيحان‮.‬
رؤوس العائلة المقيمون في القرية بشكل دائم أو العائدون إليها بعد اعتزال الوظيفة للاستقرار وبدء حياة جديدة،‮ ‬يشتركون شأن كل عمداء العائلات الكبيرة المماثلة الطموحة في بقايا الحياة السياسية المتمثلة في الاتحاد القومي وانتخابات مجلس الأمة،‮ ‬تقرير سري مصدره المباحث العامة يضمه أرشيفي المتواضع يسجل بعض البيانات عن قريب لها مترشح في الانتخابات ومنها أنه مدير عام علي المعاش ـ وما أعظم وأرفع هذه الدرجة وقتها ـ بوزارة الزراعة ذو سمعة طيبة وعزوة كبيرة،‮ ‬يملك‮ ‬15‮ ‬فداناً‮ ‬ولم يتأثر بقوانين الإصلاح الزراعي لا يحمل عداوة للعهد الجديد وليس له انتماء سياسي محدد،‮ ‬ينجح الرجل في الانتخابات ويصبح للعائلة شأن كثير من عائلات المنطقة بل عائلات مصر كلها،‮ ‬مقعد محجوز في البرلمان نادراً‮ ‬ما تتخلي عنه وليس كما يشاع الآن ـ وهذه شهادة حق ـ أن أقاربها كانوا ينجحون بالقوة‮.‬
تنضج الفتاة ذات الضفائر ويدور عليها العرسان وفي مفارقة نادرة التكرار لا أعرف شخصياً‮ ‬موقفاً‮ ‬يقاربها سوي ما حدث مع الدكتور عبدالوهاب المسيري يتقدم قائد أسراب شاب إلي فتاة جميلة تسكن في مصر الجديدة وتوافق الأسرة الطيبة ممثلة في عائلها الملازم أول شرطة‮ »‬وفيق‮« ‬علي الضابط الجاد الملتزم محمد حسني مبارك ولكنه عندما جاء بنفسه واكتشفت الأم أنه طيار صممت علي الرفض خوفاً‮ ‬من استشهاده في حرب جديدة مثلما حدث مع ابنها الأكبر والذي كان طياراً‮ ‬بدوره واستشهد في حرب‮ ‬1948،‮ ‬لم تكن الأم الطيبة تدري أنها وفرت علي ابنتها عناء وعذاب وعقاب تحويلها إلي سيدة مصر الأولي وأنها أهدت بل ألقت بالمنصب وتوابعه إلي‮.. ‬ابنة الجيران‮!‬
زواج في شقة متوسطة ليست بالمتواضعة ولا بالفاخرة‮.. ‬حياة زوجية مصرية خالصة لا يشعر بمتعتها سوي أبناء الطبقة الوسطي يوم حلو وآخر مر الضابط الجاد والعسكري الصارم يشق طريقه ويحصد ترقياته مثل السكين في الزبد مدعوماً‮ ‬بالمشيئة الإلهية ثم بحرفيته العالية نادرة التكرار التي لفتت إليه أنظار كبار القادة كانت ميزته الهائلة التي لم يكن يدرك هو شخصياً‮ ‬أنها سنده الأول بعد مشيئة الله ثم تفوقه،‮ ‬أنه لم يخطط لنيل منصب ما لذا وكعادة الدنيا جاءته المناصب تسعي حتي عندما تقلد رئيس أركان فقائد القوات الجوية عصب مصر في حرب التحرير وفي كل حرب،‮ ‬كان يظن كعادته الرائعة أن هذه هي نهاية حياته الوظيفية وأن هذا هو السقف الأعلي ولكن سوزان بدأت في الحلم‮.. ‬وللأحلام بقية‮.‬