عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"كلمة وطن" فيلم وثائقى.. يؤكد قاعدة "الغلبة للأذكياء فى نهاية اللعبة"

الحفار الإسرائيلي
الحفار الإسرائيلي الذي فجرته المخابرات المصرية في موريتانيا

وضعت حقبة الحروب أوزارها على أعتاب إتفاقية السلام التي أبرمها الرئيس السادات مع الجانب الإسرائيلي تلك التي عرفت بـ«معاهدة كامب ـ ديفيد»، إزاء بداية سنوات السلم المشوب بالحذر ،لم تفتأ الصقور تحلق على أوكار الجواسيس، لم ينفض جهاز المخابرات عن كاهله عبء تأمين الجبهة الداخلية، قافزا فوق تحديات المرحلة داخليا وخارجيا حتى تبوأ مكانته المتقدمة في قائمة الكبار ليصبح تصنيف الجهاز المصري «الخامس عالميا»، محتفظا بالصدارة بين أجهزة الاستخبارات في الشرق الأوسط.

«القوة ليست لمن يملك السلاح في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، القوة لمن يملك المعلومات باعتبارها الاستراتيجية الأقوى في إدراك الهدف وتصويبه في مقتل «تلك العبارة جزء من مفتتح توثيقي استهل به جهاز المخابرات المصرية فيلمه الوثائقي المعنون بـ«كلمة وطن»، متبوعا بالإطار التاريخي الذي استلهمت منه البشرية أهمية وجود أجهزة الاستخبارات، ودورها الممتد منذ تأسيسها عام 54، مرورا بلحظات الانكسار في 1967، وأيام الكرامة في 1973،ونظيرتها في 25 يناير 2011، شارحا بـ«اقتضاب» ما تيسر من بطولات للجهاز المخابراتي المصري، وصفعاته المتوالية لـ«الموساد الإسرائيلي».
عرج الفيلم الوثائقي ذو الـ45 دقيقة، على قاعدة تاريخية أرساها سيدنا سليمان «عليه السلام» عبر حوار بينه وبين الهدهد، انتهى إلى «جئتك من سبأ بنبأ يقين»، مرورا بـ«خطاب النبي صلى الله عليه وسلم» لأصحابه في غزوة الأحزاب «من يأتيني بنبأ القوم وله الجنة»، وانتهاء بـ«الحرب العالمية الثانية» التي تمخضت عن بداية أجهزة المخابرات العالمية في عدة دول هي على الترتيب «الإنجليزية،والألمانية، والروسية،واليابانية»، أعقبها تأسيس الـcia—إزاء شعور تنامى لدى الولايات المتحدة بتأخرها في هذا الجانب.
يسترسل التوثيق «مخابراتي النشأة» في استعراض تاريخ دخول مصر إلى العالم الاستخباراتي، في ضوء ما أسماه بـ «نكبة 48»، تلك التي أسست للعداء الدائم بين مصر وإسرائيل ،في أعقاب تواجد مصر ضمن الجيوش العربية المدافعة عن استقلال فلسطين، وإدراك العدو الصهيوني أن الجيش المصري على مقربة من القدس، عندئذ نقلت اسرائيل تجربة الأجهزة الاستخباراتية التي أسفرت عن تأسيس «الموساد»، خلال تلك الفترة كانت مصر تتمدد في المنطقة العربية لنشر فجر ثورتها على ربوع القطر العربي ،بينما يتربص العالم بالصوت الثوري العربي الذي كان يعلو فوق كل المؤامرات، وبين المد المصري والمؤامرة أصدرعبد الناصر قراره بإنشاء جهاز المخابرات المصرية عام 1954صيانة للأمن القومي المصري.
الصقر هو الرمز الذي اتخذه الجهاز المصري، انطلاقا من عينيه النافذتين ،وإقدامه في اللحظة الحاسمة على فريسته بعد ترقب مدروس يطول مداه أو يقصر، ومنذ انطلاقته الأولى كانت أعين الصقر المصري تتجه ناحية «العدو»، الذي أمعن الجهاز المصري في تلقينه درسا أول في فنون اللعبة، فضيحة «لافون» كانت الصفعة الأولى لـ«غرور» جهاز الموساد الإسرائيلي، تمكن حينئذ جهاز المخابرات المصري «الوليد» من إحكام قبضته على شبكة تخريبية كانت تستهدف وقتئذ منشآت حيوية «مصرية، بريطانية، أمريكية» لتصنع وقيعة في العلاقات المصرية ـ الأمريكية البريطانية»، مستهدفة تأخير الجلاء الإنجليزي عن مصر..
إبان تلك الفترة كان البنك الدولي يمتنع عن تمويل مشروع السد العالي ،قابل المصريون الإمتناع الدولي بعزيمة ترمي إلى تحرير الوطن، وتجلى دور جهاز المخابرات المصرية آنذاك في قيادة العديد من عمليات المقاومة الشعبية في السويس.
انتقل جهاز المخابرات المصرية بعدئذ إلى مرحلة جديدة ممهورة بـ«أفضل» تكنولوجيا التجسس، أملا في إنشاء جهاز قوي يمتلك درجة عالية من الدقة والتنظيم، واتساقا مع دورها الرائد تاريخيا منذ نشأتها تمكنت المخابرات المصرية من تنفيذ أبرز العمليات التاريخية «الاستخباراتية» عبر زرع العميل رقم 313 المعروف بـ«رأفت الهجان»، ذلك المواطن المصري الذي أبدع في رسم ملامح الشخصية المصرية القادرة على التحدي والتميز في أحلك الظروف ،يصف الفيلم الوثائقي حسبما جاء على لسان قارئ تقريره التاريخي «الهجان» بأنه «أفنى عمره كله ينقل تفاصيل الكيان الصهيوني حتى فارق الحياة».
وتتوالى صفعات الصقر المصري للموساد الإسرائيلي، إزاء إلقاء القبض على شبكة عملاء اسرائيلية حاولت عام 1960 تجنيد الفنان المصري سمير الإسكندراني، الذي أبلغ بدوره المخابرات العامة بالتفاصيل التي مكنتها من رصد تحركات الشبكة على مدار عامين حتى حانت لحظة الانقضاض ،وإلقاء القبض على 5 شبكات تجسس كانت تتلقى تعليماتها من كبار ضباط الموساد، إلى جانب عشرات الجواسيس ،الأمر الذي أطاح برئيس الموساد آنذاك من منصبه.
بعدها بسنوات استدرج جهاز المخابرات الألماني فروفالد ،من خلال الدفع بالعميل المزدوج إسماعيل صبري على المخابرات الإسرائيلية وحوكم «فروفالد» بالسجن المشدد 10 سنوات، وأحبط محاولة لـ«الثعبان الإسرائيلي» لوتس-المكلف من الموساد الإسرائيلي باغتيال العلماء الألمان في مصر، لوتس كان يرسل المعلومات عبر جهاز لاسلكي ملغم أخفاه في مخبأ سري، ينفجر مباشرة إذا حاول أحد غيره فك شفرته.
الفيلم الوثائقي يتوقف قبيل انتصافه الزمني عند مرحلة النهوض المصري الذي استهدفته الدول الاستعمارية، وترجمته الدولة الصهيونية «إسرائيل» في هجمة عسكرية على مصر ،دفعت إلى ترتيب البيت من الداخل ورفض الهزيمة، وأسفرت عن فتح ملف التجاوزات داخل الجهاز في أغسطس 1967، وبحسب التوثيق فإن دعوات المحاسبة والمساءلة نبعت من الداخل رغبة في تطهير الجهاز من عناصره الفاسدة، والحفاظ على أمجادها والاستعداد لمعركة التحرير المرتقبة.
ترجمت محاولات ترتيب البيت من الداخل على مدار سنوات قلائل، فيما يسمى معركة الاستنزاف، تلك الحرب التي زلزلت الكيان الصهيوني، وكبدته خسائر في الأرواح والمعدات ،إبان تلك الحرب كانت المخابرات المصرية حاضرة خلف الستار بخططها المتتابعة، التي كللتها بعملية «تدمير» الحفار الإسرائيلي «كينتنج» التي نفذتها الضفادع البشرية المصرية.
لم يكن سهلا تدمير الحفار متعدد المخاطر من ناحية ملكيته الأمريكية ،وصناعته الإنجليزية ،وقاطرته الهولندية ،بما يعني الدخول في حرب ثلاثية الأبعاد ،بعيدا عن الرد الإسرائيلي المتوقع ،وقتئذ كانت تعليمات الرئيس جمال عبد الناصر ترمي باتجاه نسف الحفار بأي طريقة كانت ومهما كلف ذلك من ثمن، دون ترك دليل واحد يشير إلى أياد مصرية ،قبلت المخابرات المصرية التحدي وأنجزت مهمتها في أبيدجان في 7 مارس 1970.
أوجعت حرب الاستنزاف وتوابعها الكيان الصهيوني، الثأر لايموت وعين المخابرات المصرية لاتنام ،وبين الوجع الإسرائيلي ،والأمل المصري الذي يقترب من تحرير الأرض ،لم يمهل القدر عبد الناصر في استكمال رحلته ،وجاء السادات «الداهية» الذي يدرك قيمة المعلومة في إنجاز المعركة ،أولى خطوات مهندس الحرب هي تعديل قانون المخابرات المصرية رقم 100 لعام 1954،وتحويلها إلى هيئة عامة مستقلة، إبان تلك الفترة كانت كل الطرق تؤدي إلى ضرورة تحرير الأرض، وبينما يخطط العسكريون، تنقل الرادارات البشرية من تفاصيل الجيش الإسرائيلي من داخل تل أبيب، حتى محاضر القيادة العليا لجيش الدفاع حصلت عليها المخابرات المصرية، في حين صاحب الفشل المخابرات الإسرائيلية في الكشف عن نوايا قواتنا قبيل الانقضاض.
واصلت المخابرات المصرية رصد بطولاتها في القبض المتعاقب على الجواسيس بدءا من متابعة محاولات سكرتير ثاني السفارة الأمريكية «ثوان هاريس» ومعها عدد من ضباط المخابرات الأمريكية لتجنيد 3 جواسيس للحصول على معلومات عسكرية بعد تدريبهم على

وسائل الاتصال والشفرة، والقبض على الجواسيس الثلاثة وإعدامهم، وطرد الدبلوماسية الأمريكية ،وتطرق الفيلم الوثائقي إلى واقعة هبة سليم التي جندها الموساد الإسرائيلي إبان إقامتها في باريس لاستكمال دراستها في اللغة الفرنسية، واستغلها في الإيقاع بالمهندس فاروق الفقي الذي كان يسعى إلى خطبتها دون جدوى، وألقي القبض على الفقي إثر التأكد من حيازته لأجهزة لاسلكي وفك الشفرة، واستدرجت المخابرات هند سليم إلى ليبيا ومنها إلى القاهرة، وقدما سويا للمحكمة وعوقبا بالإعدام.
وأسهب الفيلم الوثائقي في عرض تفاصيل قصص الجاسوسية من بينها قصة «إبراهيم شاهين، وزوجته انشراح مرسي» أهم جواسيس إسرائيل، وواللذين استغلا أبناءهما الثلاثة في تكوين شبكة تجسس سرية لصالح إسرائيل، وجمعة الشوان «أحمد الهوان» الذي ضرب مثلا رائعا للمواطن المصري في التعامل مع قضايا الأمن القومي.
ولم يفلح الموساد في تجنيده رغم كافة الإغراءات،واعتبرت المخابرات المصرية حصول الشوان على أحدث جهاز للتجسس دليلا على قدرة المخابرات المصرية وقوتها في ملحمة الصراع بالعقول.
وأفاض التوثيق في دور المخابرات المصرية في التجهيز لمعركة تحرير الأرض في 1973،عبر إحكام خطة الخداع للعدو الصهيوني.
وأشارت المخابرات إلى إنتقالها فيما بعد «كامب ديفيد» إلى تأمين الجبهة الداخلية عبر التصدي للخلايا الإرهابية التي كانت تستهدف الوطن، لافتة إلى أن سرية القضايا تحول خلال تلك المرحلة بين الجهاز وإعلان قضاياه التي تستقر داخل الأدراج.
وأفصحت عن كشفها لما اسمته إحدى أخطر عمليات التجسس ،التي استهدفت تجنيد عماد إسماعيل نظير مبالغ مالية ،عبر علاقته بعزام عزام الذي كان يسلمه باديهات حريمي مشبعة بالحبر السري داخل مصر ،لافتة إلى إلقاء القبض على المتهمين ومحاكمتهما داخل مصر.
نشاط المخابرات بحسب فيلم «كلمة وطن» لم يتوقف عند جانب الجاسوسية فقط، وإنما امتد إلى الجانب الاقتصادي الذي عززته بالكشف عن شبكة تزوير في التسعينيات يتزعمها «ألربت ميرورك» ذو الجنسية الألمانية ،عبر تقربه من قطاع الأوراق المالية باعتباره خبيرا في «البورصة»،إلى جانب القبض على الأمريكي ستيفن دانيال ـ والبغارية بتهمة إدخال شهادات مزورة بمبالغ ضخمة إلى مصر، وامتد النشاط إلى وقف الزحف الشيعي القادم من الشرق «الإيراني»، عبر إلقاء القبض على المتهم محمود عيد، والإيراني محمد رضا حسين أحد عناصر الحرس الثوري الإيراني، لتكرس لقاعدة «الغلبة للأذكياء في آخر اللعبة».
وقدم الفيلم الوثائقي لـ«القبض» على الجاسوس محمد سيد صابر علي ،المهندس بالطاقة الذرية بعبارة «مصير العملاء السقوط»، مؤكدة أنه اختار بإرادته الوقوع في فخ التجسس ،ورصدت المخابرات تحركاته في هونج ـ كونج» لعناصر الموساد لحين إلقاء القبض عليه فور وصوله في 2007 .
ألمح كلمة وطن –إلى الفخ الهندي تلك الحيلة التي لجأت إليها المخابرات الإسرائيلية لاستقطاب الراغبين في الثراء السريع، والتي سقط في شباكها ـ طارق عبدالرازق ـ الذي عرض على الموساد التعاون وسافر إلى الهند ليلتقي عنصر المخابرات الإسرائيلية «جوزيف ديمور»، مدربه على إنشاء المواقع الإلكترونية، وسلمه «لاب توب» مع حافظة تحوي مخبأ سريا للمستندات.
وأشار إلى محاولات الموساد الإسرائيلي المستمرة للدفع بعناصره من بينهم «أورل ليفي» الذي جند الخائن زياد ركبه، واتفق الاثنان على تمرير المكالمات الدولية الواردة لمصر على شبكة الإنترنت الإسرائيلية بما يسمح بالتنصت عليها، ثم اتفاقهما على إنشاء شبكة نقل في مجال التكنولوجيا كواجهة لممارسة نشاطهم الاستخباراتي وعوقب المتهمان بالسجن 15عاما عام 2010 وتعويض قدره 280 مليون جنيه لما تكبده الاقتصاد المصري ,وانتقل التوثيق إلى دور الجهاز المصري في إنقاذ السفن المصرية من القرصنة الصومالية، ثم إلى الدور الأبرز في ثورة يناير الذي تصدى ـ حسبما أكد التوثيق ـ لانفلات الأمن الذي استهدف إشاعة الفوضى في الشارع المصري، إلى جانب تحليق الصقور فوق أوكار الجواسيس، والقبض على الجاسوس الإسرائيلي إبان الأشهر الأولى للثورة «إيلان جرابيل» الجندي السابق في الجيش الإسرائيلي ،واستبداله بعناصر مصرية في السجون الإسرائيلية، المخابرات قالت ان الهدف من القبض عليه هو التحذير من الإدلاء بمعلومات سرية لأشخاص أجنبية عن الوطن.
أغرب ما في الفيلم الوثائقي هو غياب اسم الرئيس المخلوع مبارك، وإطلاق وصف المرحلة الانتقالية على فترة ولايته مع الاكتفاء بـ«فيديو» أثناء أدائه اليمين الدستورية، في الوقت الذي أثنت فيه على الدور المصري أيام الرئيس عبدالناصر، ودعمه لمشروع السد العالي، ثم الإشادة بدهاء الرئيس السادات ودعمه للجهاز الاستخباراتي المصري.
45 دقيقة سلطت الضوء على الجهاز التي أحيطت جدرانه بالسرية التامة طوال 57 عاما هي عمره على أرض مصر، والادراج على موعد آخر للبوح بما لديها من قصص بطولية للمصريين ،وصفعات أخرى لانعلمها تلقاها عبر ما يزيد على نصف قرن جهاز الموساد الإسرائيلي.