الدكتور مصطفي الرفاعي وزير الصناعة الأسبق يفتح خزائن أسراره:
الحوار مع الدكتور مصطفي الرفاعي وزير الصناعة الاسبق إبحار في حقل من الالغام... في كل إجابة سر، وفي ظل واقعة حكايات تنشر لأول مرة، وفي كل رأي ادانة لنظام فاسد طاغٍ مستبد لم يكن يسمع سوي صوته. شغل »الرفاعي« منصب وزير الصناعة في فترة حرجة من فترات التحول الاقتصادي وهي السنوات من 1999 الي 2001 وكان شاهدًا علي نمو واتساع نفوذ رجال المال والاعمال علي حساب الطبقات الدنيا من المجتمع.
في هذا الحوار النادر الذي اختص به الوزير الاسبق »الوفد« تتكشف لنا وقائع عديدة حول فساد النظام السابق وانحيازه التام لرجال الاعمال واصحاب المصالح. يحكي الوزير تفصيليًا عن حكايات الفساد في برنامج تحديث الصناعة، وموقفه من اتفاقية المشاركة الاوروبية، وحكايته مع احمد عز. والي نص الحوار :
* عندما توليت مسئولية وزارة الصناعة كانت لك تحفظات علي برنامج تحديث الصناعة في بدايته. ما هي تلك التحفظات؟
ـ في ذلك الوقت كان برنامج تحديث الصناعة يعتمد علي منحة اوروبية بقيمة 250 مليون جنيه، تقابلها منحة من الحكومة المصرية بنفس المبلغ، وكان رأيي أن أي مشاركة للمال العام في البرنامج يدفعنا الي ضرورة اخضاعه لمراقبة جهاز المحاسبات طبقًا لنص القانون، ووقتها رفض مسئولو الاتحاد الاوروبي وتلقت وزارة الخارجية خطابا يحمل تهديدا بإلغاء المنحة، ورضخت الحكومة المصرية لطلب بروكسل وعاتبني بعض الوزراء لأنني كنت سأتسبب في الغاء المنحة من وجهة نظرهم.
* ولماذا عارضت عند توليك الوزارة توقيع اتفاق الشراكة المصرية الاوروبية؟
ـ عندما عينت وزيرا للصناعة والتنمية التكنولوجية في اكتوبر 1999 ووجدت تقارير من وزارات قطاع الاعمال، والاقتصاد، والانتاج الحربي، والتجارة والتموين توصي جميعها بعدم التوقيع علي اتفاقية الشراكة الاوروبية، الا ان السفير جمال البيومي رئيس لجنة التفاوض المصرية أصر علي ان المفاوضات انتهت في يونيو 1999 واجتمعت بعدد من الوزراء فأيدوا ما جاء بالتقارير الوزارية التي تؤكد أن الصناعة المصرية ستتضرر من الاتفاقية. وقتها كان الدكتور يوسف بطرس غالي وزير التجارة والصناعة والذي تربطه صداقة بباسكال لامي المفوض التجاري الاوروبي يصر علي ضرورة التوقيع علي الاتفاقية، وقد سافر وحده الي الاتحاد الاوروبي ورفض مشاركة اي ممثل آخر خاصة من وزارة الصناعة.
وفي مايو عام 2000 دعيت لاجتماع مع كريستوفر باتن المفوض الاوروبي الخاص بالعلاقات الخارجية ولاحظت أنه يتعامل باستعلاء شديد وبدأ حديثه بأن مصر أضاعت وقتا طويلا في المفاوضات وانه يحسن بها الي المبادرة بالتوقيع بسرعة وسألته عما اذا كانت الاتفاقية ستساعد مصر علي نقل التقنيات اللازمة لتحديث الصناعة فرد بأن مصر امامها الكثير للتأقلم وتحديث الصناعة. واستمرت المناقشات بعد ذلك حتي مايو 2001 عندما دعانا الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء الي اجتماع للتصويت علي الاتفاقية حضره 8 وزراء وشعرت ان هناك ترتيبًا مسبقًا للاجتماع.، وعرض عمرو موسي وزير الخارجية وقتها أنه لم تتم الموافقة علي الاتفاقية الآن فسيتأخر عرضها علي الاتحاد الاوروبي حتي ديسمبر 2001 ووافق جميع الوزراء علي التوقيع ورفضت وحدي وقلت لهم إنهم لو وقعوا فسأذهب الي مجلس الشعب وسأعرض الحقيقة وهي ان الاتفاقية ضد مصلحة الصناعة المصرية. وقد تحدث صفوت الشريف وزير الاعلام في ذلك الوقت وقال لا ضرر من تأجيل البت في الاتفاقية حتي ديسمبر 2001 وفي نوفمبر من نفس العام خرجت ضمن تعديل وزاري محدود وفور خروجي تم التوقيع علي الاتفاق.
* لكن.. ماهي الاضرار التي لحقت بالصناعة بسبب اتفاقية المشاركة مع اوروبا ؟
ـ لقد تضاعفت واردات مصر من الاتحاد الاوروبي عدة مرات ولم تتحدث الصناعة المصرية. واتذكر ان الدكتور علي الصعيدي وزير الصناعة الذي تولي خلفي صرح عقب التوقيع علي الاتفاقية بأن الصناعة المصرية تنتظر نهضة شاملة في ظل الشراكة مع اوروبا، والآن مضت نحو 9 سنوات واكثر علي الاتفاقية ولم تحدث نهضة صناعية شاملة. وفي الواقع فإن التجارة مع الاتحاد الاوروبي كانت قائمة بصفة دائمة ولم تكن مرتبطة بتوقيع الاتفاقية، وان الرسوم الجمركية التي اعفتنا الاتفاقية منها كانت تتراوح بين 3 و10٪ وهي الرسوم العادية للاتحاد. اما الرسوم الجمركية للواردات المصرية فكانت تتراوح ما بين 40 و160٪.
شهدت فترة توليك الوزارة استحواذ احمد عز علي شركة الدخيلة للصلب.. ماذا كان موقفك كوزير مسئول عن الصناعة من استيلاء عز علي ذلك الصرح الصناعي العملاق؟
ـ أتذكر ان ابو العز الحريري عضو مجلس الشعب في ذلك الوقت تقدم باستجواب حول شراء عز لشركة الدخيلة وتعيينه رئيسا لها، وقد أحال الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء في ذلك الحين الموضوع الي وزير قطاع الاعمال ولم يحله لوزارة الصناعة رغم ان شركة الدخيلة كانت من شركات قانون الاستثمار وليست من القطاع العام، وان تبعيتها الاشرافية تكون لوزارة الصناعة، وذلك لانني اعترضت في مارس 2000 علي مشاركة احمد عز في شركة الدخيلة وعلي تعيينه رئيسا لها كما هو ثابت في اجتماع اللجنة الوزارية التي رأسها رئيس الوزراء. وكان واضحًا ان استحواذ عز علي الدخيلة سيؤدي الي احتكاره لصناعة الحديد والصلب والتحكم في
لقد كنت واحدًا من اكثر الوزراء تحذيرًا من اتساع نفوذ رجال الاعمال وتدخلهم في السياسة.. ما الذي دفعك الي ذلك الاعتقاد مبكرا؟
لقد كنت أري كثيرًا من التصرفات الغريبة التي تؤكد أن نفوذ رجال الاعمال يتجاوز الوزراء والمسئولين. وكان بعض رجال الاعمال مثل احمد عز وجلال الزوربا علي علاقة صداقة بجمال مبارك نجل الرئيس وكان بعضهم يستغل تلك العلاقة في جني مكاسب وارباح. وكان جمال نفسه يتخذ كثيرًا من القرارات بضغط من هؤلاء وكثيرا ما كانت تلك القرارات تتعارض مع المصلحة العامة بل كانت تخالف تعليمات والده. وأتذكر أن الرئيس مبارك وافق علي تخصيص 500 مليون جنيه لاول صندوق وطني لتحديث الصناعة وأعلن عن ذلك، الا أنني فوجئت بوقف الدعم وتخصيص نصف مليار جنيه لبرنامج دعم تصدير قدمه يوسف بطرس غالي وعلمت بعد ذلك أن جمال مبارك وراء وقف التخصيص. لقد كانت هناك "شلة " أبرز اعضائها »جو« وهو الاسم المختصر ليوسف بطرس غالي، و»جيم« وهو جمال مبارك وكانت تتحكم في كل شيء.
* ما هو رأيك في السياسات الاقتصادية التي كانت متبعة خلال السنوات الماضية؟
ـ لقد حذرت منها بشدة في اكتوبر من العام الماضي في مقال شهير نشرته احدي الصحف القومية قلت فيه بالحرف : »إن مصر تسير الي منحدر خطير قد يعود بها الي الوراء قرنا من الزمان وأن يمحو مكاسب مصر السياسية والسيادية التي حصلت عليها بفضل نضال الوطنيين من ابنائها«. وانا أتصور ان السياسات التي كانت تتبعها الحكومة خلال العقد الاخير لم تكن سياسات ليبرالية وانما هي سياسات تخدم المطامع الاستعمارية. وهناك كتاب شهير لجون بركنز عنوانه »اعترافات قناص اقتصادي« صدر عام 2004 يشير الي انه كخبير اقتصادي كان يزين للحكام في دول العالم الثالث الدخول في مشروعات كبري بتمويل من المؤسسات المالية التابعة للدول الكبري، لقد شهدنا في مصر مسلسل بيع غريبًا تحت اسم »الخصخصة« تم فيه التفريط في صناعات استراتيجية مثل الصناعات الغذائية والاسمنت.
* كلامك يحمل نبرة حديث عن مؤامرة من مؤسسات دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي علي مصر؟
ـ ليست مؤامرة ولكنها سياسات معروفة وقد قاومتها بعض الحكومات السابقة ونفذتها الحكومة الاخيرة باقتدار وكان يشرف علي تنفيذها وزير مخلص للبنك الدولي هو الدكتور يوسف بطرس غالي وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية ثم وزير المالية، لذا فقد كان الرجل يحظي بتقدير كبير من البنك الدولي الذي ضمه اليه رسميا الي جانب عمله كوزير في حكومة مصر رغم التعارض الواضح، ولذلك أيضا اختير الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار السابق مديرا تنفيذيا للبنك الدولي. ولاشك أن التقدير والشهادة المطلوبة للوزراء المصريين كان ينبغي ان تكون من شعب مصر لا من المؤسسات الدولية. كذلك فقد تم اسناد بعض الوزارات الي رجال أعمال تربطهم مصالح شخصية قوية بمؤسسات اوروبية وامريكية مما أكمل حلقة الاختراق