رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"مريوط".. ستصبح ذكرى بعد 20 عاماً

بوابة الوفد الإلكترونية

كانت هنا بحيرة.. العبارة ستقرأها عام 2032 فوق أرض بحيرة مريوط بالاسكندرية.. فبعد20 عاما فقط ستختفي البحيرة تماما ولن يبقي لها أثر..

مريوط التي كانت مساحتها 60 ألف فدان تلفظ الآن أنفاسها الأخيرة بعدما تم ردم 45 الف فدان منها.. والمساحة المتبقية أغرقتها مخلفات شركة بترول أقيمت فوق أرض البحيرة.. ووصل التلوث لدرجة أن أغلب أسماك البحيرة ماتت والقليل الباقي يعاني سكرات الموت بعدما تشبع برائحة «الجاز» الذي يغطي ماء البحيرة، كما أصيب الصيادون بأمراض صدرية وجلدية.
وتجفيف بحيرة مريوط إتخذ ألواناً وأشكالا عديدة، وكانت البداية في الخمسينيات من القرن الماضي بتجفيف آلاف الأفدنة من البحيرة من أجل التوسعات الزراعية فتولدت بالاسكندرية منطقة أبيس بكامل قراها.
ومع نهاية الستينيات صدور قرار جمهوري بردم أربعة آلاف لإنشاء المجمعات البترولية بمنطقة مرغم.
وتوالت حلقات التعدي من أجل إنشاء عدة مشروعات منها إنشاء مدينة رياضية علي مئات الأفدنة منذ عشرات السنين والتي لم يضع بها حجر واحد، وبقدرة قادر تم تقسيم المساحة بعد تجفيفها وردمها وبيعها للمستثمرين وتحولت المساحة بالكامل إلي مولات تجارية ومحال وكافيتريات ومنتجعات سكنية سياحية!! وتم ذلك بأوراق رسمية.
واستمراراً لمسلسل التعدي علي أراضي بحيرة مريوط قام بعض رجال الأعمال بردم مساحات شاسعة لإنشاء مخازن للأخشاب وشون لمواد البناء ومشاريع استثمارية أخرى.
وكان لبعض الوزارات نصيب في لحم بحيرة مريوط وتم ردم مئات الأفدنة لإنشاء طرق مثل طريق محور التعمير الذي التهم مساحات شاسعة من البحيرة، تحت سمع وبصر المسئولين عن حماية البحيرة بالهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية بوزارة الزراعة.
وتتوالى عمليات التعدى لتنخفض مساحة البحيرة من 60 الف فدان إلى 15 ألف فدان فقط وإذا استمر الحال فستختفي البحيرة تماما خلال العشرين عاما المقبلة.
بؤس مريوط لم يتوقف فقط علي التهام أراضيها وإنما امتد أيضا إلي الأسماك والصيادين.. «علي سليم» - صياد - بالبحيرة يقول: تركت العمل بمهنة الصيد منذ حولي ثلاث سنوات بعد أن قضيت معظم عمري فى الصيد بالبحيرة.
وأضاف ضاق الرزق بالبحيرة وكثر عدد الصيادين حتي بلغ عشرة آلاف صياد في الوقت التي تم ردم ثلثي البحيرة أي حوالي 45 ألف فدان علي أيدي الحكومة ورجال الأعمال.
ويضيف أبو سعدة العبد «صياد»: شركات البترول تلقي بمخلفات مصانعها بالبحيرة مما تسبب في قتل الأسماك فبعد أن كنا نصطاد أفضل أنواع الأسماك مثل: البوري والبياض والقراميط والبلطي الخنيني والأحناش الآن لا نجد إلا الزريعة التي تعانى سكرات الموت بسبب التلوث ولا نستطيع بيعها لسببين.. الأول لأنها أسماك هزيلة.. والثاني لأنها كلها جاز من مخلفات الشركات.
ويشاركه الرأي حسن محمدين - صياد - الذي أكد أن التلوث لم يصب الأسماك فقط بل أصاب الصيادين أيضا فمعظم الصيادين مصابون بأمراض جلدية وأمراض صدرية نتيجة التلوث الناتج عن صرف مخلفات شركات البترول وصرف منطقة «عبد القادر» التى تصيب كل مخلفاتها فى قلب البحيرة.
ويضيف «حسن»: أنا من الذين أصيبوا بأمراض جلدية مما أثر علي يدي فأصبحت ألزم الفراش بالأسابيع ولا أستطيع أن أمسك شيئا بيدي الآن.
ويقول الحاج أبو عبده – صياد - إن إنشاء شركة الإسكندرية للبترول في البحيرة جاء دمارا علي البحيرة وخرابا لبيوت الصيادين فالشركة تصرف مخلفاتها فى البحيرة وبعدها زاد التلوث ومات السمك حيث إن شركة البترول بتسحب المياه الحلوة من البحيرة وتغسل بها الماكينات وبعد ذلك تعيدها مرة ثانية للبحيرة مخلوطة بالكيروسين ونحن نصطاد السمك المشبع برائحة المواد البترولية الذي لا يجد من يشتريه وكان من الطبيعي أن يقضي صرف مخلفات المصنع في البحيرة علي الأسماك الموجودة بداخلها، الأمر الذي جعل الصيد فيها صعبًا.
وأضاف: قام رجل أعمال بردم حوض 3000 وكان أنقى الأحواض بالبحيرة لبناء مصنع البتروجاز وعندما وقفت أمام عمال الردم قال لي أحدهم «روح اشتكي إحنا معنا أمر من المحافظ وأحسن لك تسكت».
وقال عبد لله محمد «صياد» إن بحيرة مريوط مهددة بالفناء بسبب الحالة السيئة التي وصلت إليها، وما تعانيه من مشكلات بيئية خطيرة تهدد استمرارها نتيجة ردم أجزاء كبيرة منها، وإلقاء المخلفات بها باستمرار، حيث تلقي يوميا مئات الآلاف من الأمتار المكعبة من مياه الصرف الصحي والصناعي والزراعي وعشرات الأطنان من المعادن الثقيلة والشحوم والزيوت والقمامة ومخلفات الهدم والبناء التي عجزت مياه البحيرة عن استيعابها مما أدي إلي تقلص مساحتها وعدم صلاحية أسماكها للاستخدام الآدمي!!
واستنكر « عبد العال عبد الله «صياد - 70 عاما» حال البحيرة وقال بلهجة لم تخل من مرارة: «بحيرة؟!.. بحيرة إيه.. البحيرة كانت زمان دلوقتي ما بقاش فيه سمك.. مصانع البترول بتصرف فيها... ده غير مية المجاري، والسمك في الآخر بيطلع ميت.
والتقط منعم الشحات «صياد» إننى أصطاد السمك المشبع برائحة الجاز، وعندما أبيعه لا أجد من يشتريه منى «وحتي لو اشتراه أحد بيرجعه علي طول بعدما يشم ريحة الجاز فيه». كان من الطبيعي أن تقضي مخلفات المصنع في البحيرة علي الأسماك الموجودة بداخلها، الأمر الذي جعلنا كصيادين الصيد فيها صعبا للغاية، وهو ما جعلنا نستخدام وسائل محظورة لصيد السمك، ومبررنا الوحيد «ما فيش سمك في البحيرة»، حتي إن موظفي الثروة السمكية يتغاضون عن مخالفات الصيادين لأنهم يعلمون بهذا «بتاع الثروة السمكية بيشوفني وأنا باصطاد بالضبشة والشبك الضيق ويعمل نفسه مش شايفني عشان عارف أن البحيرة ما فيهاش سمك».
أما خليفة محمد «42 سنة» فيقول: إنهم كثيرا ما يشاهدون الزريعة الصغيرة عائمة علي «وش الميه» بسبب مخلفات مصانع البترول «بناخد السمك الميت وننشفه ونبيعه علفا للبط».


وطالب الدكتور محمود رجب التركي أستاذ الإرشاد السمكي  وعضو لجنة تنمية بحيرة مريوط ورئيس الجمعية العربية لحماية وتنمية الثروة المائية بالإسكندرية بإعادة فتح ملف

بحيرة مريوط.. وقال: تقدمـت ببلاغات للنائب العام ضد محافظ الإسكندرية السابق اللواء عادل لبيب يتضمن وقائع الفساد والتدمير الذي تعرضت له البحيرة. كشف البلاغ الذي يحمل رقم 7338 لعام 2010 أن المحافظ السابق قام بتضليل الرأي العام حول مصادر التلوث الصناعي للبحيرة وعدم تطبيق القوانين البيئية والمنظمة لحماية البحيرة والتغاضي عن تنفيذ الأحكام الخاصة بحمايتها  وتشجيع ردم مساحات كبيرة منها لتحويلها إلي مولات تجارية ومنتجعات سياحية لكبار المستثمرين.
وأكد الدكتور «التركي» أن المحافظ السابق خصص جزءا من حوض الـ 6 آلاف فدان من البحيرة أمام محطة التنقية الغربية لشركة الموانئ النهرية والخاصة بأحد الوزراء التابعين للنظام السابق.
وقال: كشفت التحقيقات تمكن رجل أعمال مصري من ردم 20 فدانا من أجود أحواض بحيرة مريوط مقابل 42 ألف جنيه فقط وأقام عليها مصنعا لتعبئة البوتاجاز. وحصل رجل أعمال آخر على قطعة الأرض من مسئولين سابقين كبار بمحافظة الاسكندرية. كما أن محافظ الاسكندرية السابق أصر على استمرار عمليات الردم رغم صدور حكم القضاء الاداري بوقف الردم والانشاءات الخاصة بمصنع البوتاجاز.

جريمة نظيف
وكشف تقرير رسمي حديث صادر عن وزارة البيئة، عن اقتطاع 870 فداناً من بحيرة مريوط بأمر مباشر من الدكتور أحمد نظيف، رئيس الوزراء، لإنشاء مشروعات مختلفة، منها 500 فدان لإنشاء مدينة رياضية، و200 فدان للقطاع السابع من الطريق الدولي الساحلي، و310 أفدنة للحديقة الدولية، و40 فداناً لتوسعات مشروع الصرف الصحي بالإسكندرية. كما كشف التقرير عن صرف 12 مليون متر مكعب يوميا من مخلفات الصرف الصناعي و الصحي علي البحيرة بنسبة 60% صرف زراعي و 10٪ صرف صناعي غير معالج و 22% من ترعة النوبارية. كما أكد التقرير وجود نقص حاد في تركيز الأوكسجين الذائب في الحوض الرئيسي بسبب الزيادة الكبيرة في المواد العضوية التي تم إلقاؤها مما أدي إلي تصاعد غاز كبريتيد الهيدروجين ذي الرائحة الكريهة . كما حذر التقرير من زيادة كثافة البوص الذي سيؤدي إلي اختفاء الجسم المائي للبحيرة و تحويلها تدريجيا الي أرض. بالإضافة إلي وجود حموضة شديدة في مياه الحوض وارتفاع نسبة العناصر الثقيلة كالنحاس والزنك والرصاص والنيكل وارتفاع نسبة الأمونيا المتأينة وانعدام نسبة الأوكسجين في المياه مما أدي إلي انعدام الحياة المائية لأي كائن وارتفاع نسبة مشتقات الفينول نتيجة المخلفات البترولية. هذه العوامل التي أدت إلي تراجع الإنتاج السمكي للبحيرة بسبب هلاك سلالات الأسماك بسبب التلوث من 6500 طن عام 2000 إلي أقل من 5000 عام 2010.
يؤكد الدكتور عبدالعزيز نور - أستاذ تغذية الأسماك بكلية الزراعة جامعة الاسكندرية - أن انقاذ ما تبقى من بحيرة مريوط يتطلب، لابد أولا من فصل بحيرة مريوط تماما عن أي جهة تنفيذية حتي لا يصبح لأي من الجهات الحق في الردم والتعدي علي البحيرة أو منح تراخيص ردم وبناء كما حدث علي مدي السنوات الماضية، هذا بالاضافة إلي عمل مصرف دائم حول البحيرة لحمايتها من التلوث والتعديات مع وضع خطة بيئية للتعامل مع البحيرة لتنقيتها ذاتيا مع ضرورة فتح مصارف ومسارات لتجديد المياه هذا الي جانب اعادة استزراع الأنواع السمكية المفقودة نتيجة وجود خلل وعدم توازن بيئي مثل ثعابين السمك والبلطي النيلي واسماك النيل التي كانت موجودة بالبحيرة في السابق.
ويضيف قائلا: يتطلب الأمر أيضا استخدام الاسماك الصديقة للبيئة وهي مجموعة متكاملة من المبروك الفضي للقضاء علي الطحالب ومبروك الرأس الكبير للقضاء علي الهوائم الحيوانية، ومبروك الحشائش للقضاء علي الحشائش والمبروك الأسود للقضاء علي القواقع الحاملة لمسببات الاصابة بالبلهارسيا والدودة الكبدية والمبروك العادي لتنقية البقايا الراكدة في قاع البحيرة. ويواصل لقد أكدت احدي الدراسات أن البحيرة في حاجة الي 18 حفارا لتطهيرها وهذا لم ولن يتوافر حتي الآن لانقاذ هذه البحيرة المظلومة دائما.