رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ملاحظات "مكي" على التعديلات الدستورية

أرسل المستشار احمد مكي، نائب رئيس محكمة النقض مذكرة إلى مجلس القضاء الأعلى علق فيها على التعديلات الدستورية الأخيرة والخاصة بشروط الترشح للرئاسة والاشراف القضائي على الانتخابات

كذلك إسناد الفصل في عضوية البرلمان للمحكمة الدستورية العليا والتي شكلت بقرار من السلطة التنفيذية.

وأعلن مكي في المذكرة تهيئة نفسه لترك منصبه خلال الفترة المقبلة، مشددا على أن مدة التسعين يوما لن تكفى لإنجاز كل الطعون التي ستطرح أمام محكمة النقض.

وقال مكي في مذكرته:

بسم الله الرحمن الرحيم

ملاحظات مقدمة لمجلس القضاء الأعلى

بشأن مشروع التعديلات الدستورية المتعلقة بالقضاء

لا أجد عبارات تكفي للتعبير عن تقديري للجهد المشكور الذي بذلته لجنة إعداد مشروع التعديلات الدستورية وأعضاؤها ورئيسها الجليل – الذي أدين له بالكثير- وإني على ثقة أن صدورهم ستتسع لقبول رأي مغاير حتى لو كان خاطئا.

فقد تضمن المشروع للمادة 76 بالفقرات الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة النص على تشكيل لجنة للاشراف على الانتخابات الرئاسية يرأسها رئيس المحكمة الدستورية وبيان أعضائها - وكلهم كانوا أقدم منه قبل أن ينعم عليه بهذا المنصب-, كما تضمن بياناً لبعض إجراءات عمل اللجنة، وكان الأولى أن يترك هذا الأمر للقانون المنظم للانتخابات الرئاسية، أسوة بما اتبعه المشروع فى المادة 88 منه بشأن لجنة الإشراف على الانتخابات البرلمانية, كذلك نصت المادة 93 من المشروع على اختصاص المحكمة الدستورية بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب.

وقد يكون من المفيد أن أعرض على مجلسنا الموقر الملاحظات التالية:

أولاً:- كان على رأس قوانين مذبحة القضاء الخمسة الصادرة بتاريخ 31/8/1969 القانون 81 لسنة 1969 بإنشاء المحكمة العليا, وهى كيان جديد تنفرد السلطة التنفيذية بتشكيله ليسلب جهات القضاء الطبيعي ولاية الفصل في دستورية القوانين التي يطبقها وفي تفسيرها وفض التنازع بينها، ولقد كان هذا العدوان محل استنكار جميع فقهاء القانون في مصر، وحين صدر القرار بتشكيل المحكمة العليا انعقدت الجمعية العامة لمحكمة النقض بتاريخ 2/12/1974 لتتحدث عن نفسها فتقول إنها "صاحبة الولاية العامة الشاملة، وهي وحدها المحكمة العليا الأصيلة، ذات التاريخ الشامخ والإشراف على سائر المحاكم بمختلف درجاتها، ويضطلع بأداء رسالتها قضاة من أئمة رجال القضاء والقانون وأوسعهم علماً وأعظمهم خبرة، قوامون على مراقبة صحة تطبيق القانون وتقرير المبادئ القانونية وتثبيت أحكام المحاكم". وحين أعد مشروع قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979 لتخلف تلك المحكمة تداعى فقهاء القانون في مصر في مؤتمر حاشد في رحاب نادي القضاة بتاريخ 29/3/1979 واجتمعت كلمتهم مع القضاة وعلى رأسهم الراحلون العظام أحمد جنينة، محمد وجدي عبد الصمد، ويحيى الرفاعي على استنكار إنشاء المحكمة الدستورية العليا حتى أن المرحوم الدكتور محمد عصفور/ قال في وصفها أثناء هذا المؤتمر "إنها عدوان على القانون وكرامة القضاء واستقلاله، ولإضفاء الشرعية على تصرفات شاذة ومنكرة بلغت في كثير من الأحيان حد أخطر الجرائم التي يعاقب عليها القانون لولا أنها صادرة من سلطة الدولة". وانتهوا إلى ضرورة إلغاء هذه المحكمة و الفصل الخامس من الدستور.

وفي مؤتمر العدالة الأول المعقود في أبريل 1986 اتفقت كلمة الحضور على ضرورة العمل على توحيد جهات القضاء كافة سواء كان منازعة إدارية أو جنائية أو مدنية في كيان واحد مستقل, تنبثق منه محكمة عليا واحدة، كما نصت بتوصية صريحة على "إسناد الرقابة على دستورية القوانين واللوائح إلي إحدى هيئات محكمة النقض المنصوص عليها بالمادة الرابعة من قانون السلطة القضائية بحسب الأحوال وإعادة سائر اختصاصات المحكمة الدستورية إلي القضاء، وهو ما يستتبع إلغاء الفصل الخامس من الدستور، وقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، إذ لا مبرر لقيام هذه المحكمة في دولة موحدة"

وقد اتسعت المداولات أثناء مؤتمر العدالة الأول فاستقر الرأي على أنه لا سبيل لتعزيز مكانة القضاء في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية إلا أن يكون وحدة واحدة تضم القضاء الاداري والعادي, وأن تصبح دائرة توحيد المبادئ في مجلس الدولة هيئة عامة للمواد الإدارية, كما اتفقت كلمتهم أنه لاسبيل لتوفير ضمانات لتشكيل محكمة دستورية مستقلة طالما أن قرار تعيين رئيسها وأعضائها يصدر من السلطة التنفيذية, إذ تنتقى من ترضى عنه من شيوخ تحددت مواقفهم وميولهم طوال سنوات خدمتهم السابقة في الجهات المختلفة، فى حين أن مسيرة القضاء العادى تبدأ باختيار خريج حديث من الحقوق لم تكتشف السلطة التنفيذية مواقفه بعد, وأن أعضاء المحاكم العليا في القضاء الإداري أو العادي مختارون من جمعياتهم العمومية بحسب تقدير زملائهم لهم وليس تقدير السلطة التنفيذية، وأفاض المشاركون في مؤتمر العدالة في الحديت عن أن التعيين في المحكمة الدستورية بما يصاحبه من امتيازات مالية ومخالفة لقواعد الأقدمية كثيراً ما يكون انعاماً من السلطة التنفيذية لمن أدى لها خدمات ومن تتصور أنه يكون مأمون الجانب.

ولئن كانت المحكمة الدستورية كمؤسسة بطريقة تشكيلها وطبيعته محل نظر, إلا أن كل ذلك لا ينفي أن هناك مواقف جديرة بالاحترام اتخذتها المحكمة الدستورية مثلما كان زمان الراحل المستشار/ عوض المر والمستشار/ ولي الدين جلال أطال الله بقاءه وغيرهما ولا يزال فيها رجال يقبضون على استقلالهم كالقابض على الجمر.

ثانياً:- أسندت المادة 93 من المشروع الاختصاص في الفصل في الطعون الانتخابية للمحكمة الدستورية فهماً منها أن النص القائم كان يعطي هذه الولاية لمجلس الشعب وهو رأي محل نظر، ذلك أن الفهم الصحيح للنص منذ ورد في دستور 1956 ـــ فى ضوء ما صاحبه من مناقشات وما جرى عليه العمل منذ هذا التاريخ ـــ أن رأي محكمة النقض في الطعن الذي حققته هو القول الفاصل في النزاع وهو ملزم لمجلس الشعب، ولكن نظرا لأن ظروف البلاد السياسية فى ذلك الزمان كانت لا تسمح بتنفيذ الحكم فور صدوره لأنه يترتب عليه إجراء الانتخابات خلال ستين يوما لذلك رؤى أن يعلق تنفيذ الحكم على صدور قرار من مجلس الشعب بأغلبية الثلثين, فقرار المجلس لا يعدو أن يكون قرارا تنفيذيا، وظل المجلس يعلن أنه ملتزم بقرار محكمة النقض سواء نفذه أو امتنع عن تنفيذه حتى يوم 13/6/1989 حين طلب منه وزير الداخلية تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية العليا الصادرة بتاريخ 29/4/1989 و

التى تلزمه بتعديل نتيجة الانتخابات بالقائمة التى أعلنها, والتى يترتب عليها استبدال ثمانين عضوا من حزبى الوفد والعمل والمستقلين بآخرين من حزب الأغلبية , وهو ما يترتب عليه أن يفقد الحزب الوطنى أغلبيته ــ فكان أن أعلن رئيس مجلس الشعب فى هذا الوقت صراحة أن أحكام القضاء لا تلزم المجلس وأن المجلس سيد قراره, ثم درج بعض أعضاء المجلس على ترديد هذه المقولة, حتى تخيل الناس أنها صحيحة , في حين أن رئيس مجلس الشعب التالى طوال السنوات العشرين يعلن جهراً وسراً أن أحكام محكمة النقض في شأن الطعون ملزمة للمجلس, ولكنه لا يستطيع تنفيذها لأنه لم يتمكن من أن يقنع أغلبية الثلثين بإبطال العضوية تنفيذا لها !! ومن ثم فاختصاص محكمة النقض بالفصل في الطعون الانتخابية أمر مسلم به بغير خلاف ورأيها في الطعن الانتخابي حكم ملزم والمحاكم تقضي على أساسه بالتعويض إلتزاما بحجية رأى محكمة النقض الفاصل فى النزاع بإعتباره حكما, حتى لو امتنع مجلس الشعب عن تنفيذه.

وقد كان إسناد مهمة الفصل في صحة الطعون الانتخابية محل إلحاح الأمة على لسان نوابها منذ 1924, وأسند فعلاً الي محكمة النقض في دستور 1930 بنص صريح, وحين عاد دستور 1923 حرص مجلس النواب بالإجماع ونداء بالاسم على إصدار القانون رقم 141 لسنة 1951 بإسناد الفصل في الطعون الانتخابية وصحة العضوية الي محكمة النقض، وكل ذلك مثبت فى مضابط مجلس النواب, و كل ذلك كان محل اعتبار المشرع عند إصدار دستور 1956 وما تلاه, ولكنه أراد أن يميز بين الفصل فى الطعن وتنفيذ الحكم على النحو السالف ذكره وكل ذلك سبق لى تسجيله في بحث تكرر نشره منذ عام 1990.

ثالثاً:- ليس باعثي على كتابة هذه الملاحظات حرصى على بقاء اختصاص محكمة النقض بالفصل فى الطعون الانتخابية ـ فأنا أتهيأ لمغادرة موقعى ـ و أنا مشفق عليها مما تنوء بحمله, ولكن دهشتى من أن ينزع الاختصاص من محكمة لها قدرها مكونة من 400 قاض اختارتهم الجمعية العامة للمحكمة, ليؤول إلى محكمة عدد أعضائها 19 عضوا!! أتى رئيسها من خارجها!! بقرار من السلطة التنفيذية!! ليرأس من هو أقدم منه على خلاف كل التقاليد!! وهكذا نقل المشروع الاختصاص بالفصل فى الطعون من محكمة طبيعية إلى محكمة أقل ما يقال فيها إن السلطة التنفيذية تختار أعضاءها فتغدق عليهم مزايا وعطايا مالية تحقق من خلالها أغراضها حتى بلغ الأمر أنها استعملتها فى الرد على قرار جمعية عمومية لمجلس الدولة.

لن تكفى مدة التسعين يوما لإنجاز كل الطعون, وستعجل المحكمة الدستورية الفصل فيها وستتباطأ فى الفصل فى البعض حسب الملاءمات, كشأنها فى العديد من الطعون بعدم الدستورية, المهيأة للفصل فى موضوعها, و التى تقبع فى الأدراج انتظارا للوقت المناسب, ولا سبيل لعلاج هذا الأمر إلا أن تصبح هى ذاتها جزءا من نسيج القضاء الطبيعى بشقيه المحاكم و مجلس الدولة, فبسند اختصاصها إلى هيئتى محكمة النقض و دائرة توحيد المبادئ فى مجلس الدولة, إن لم نتمكن من دمج فرعى القضاء, أما الفصل فى الطعون الانتخابية فليسند إلى محاكم حقيقية سواء أكانت محكمة النقض أو محاكم الاستئناف أو مجلس الدولة فلا يستقيم أن نحاول أن نحسن لمجلس الشعب بالإساءة إلى استقلال القضاء ولا أن نستبدل الأقل استقلالا بالذى هو خير.

لذلك

آمل أن يتخذ المجلس الإجراء الذى يراه مناسبا لإعادة الأمر إلى نصابه.

والحمد لله رب العالمين,,,,,

بتاريخ 2/3/2011 أحمد مكى