عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«العمولات» الباب الخلفى لفساد الرئيس القادم

بوابة الوفد الإلكترونية

يعتبر رجل الأعمال الهارب حسين سالم بمثابة الصندوق الأسود للنظام القديم، لديه جميع أوراق اللعبة السياسية والاقتصادية معاً، لذلك فكلامه يعد وثيقة يجب أن نأخذها مأخذ الجد،

ومن هنا فالجملة التى وردت على لسانه فى أحد الحوارات الصحفية من قبل «أن نظام العمولات الرسمية سيجعل من رئيس جمهورية مصر القادم رجل أعمال خلال 3 أشهر». يجب ألا تمر مرور الكرام، خاصة أننا على وشك انتخابات رئاسية يحارب البعض من أجل خوضها، ويبذلون الغالى والنفيس للفوز بها، وإذا علمنا أن أحد المرشحين أنفق حتى الآن ما يقرب من 50 مليون جنيه على دعايته، فلابد أن نتساءل: لماذا يدفع هؤلاء كل هذه المبالغ الطائلة؟ وكيف سيتم تعويضها؟ وإذا كانت هناك دول تمول هذه الحملات فهناك أهداف شخصية تدفع البعض إلى خوض الانتخابات، وهناك من يدفع من جيبه الخاص ليخوضها، لذلك فعلينا أن نفتح ملف هذه العمولات الرسمية التى صنعت من مبارك ونجليه مليارديرات.
وفقاً للقانون المصرى فلا يوجد شيء اسمه عمولات رسمية، ولكن هذه الأمور معروفة فى الأوساط الاقتصادية فى العالم كله، حتى إن الدكتور حمدى حسن عضو مجلس الشعب سابقاً تقدم عام 2005 بطلب إحاطة لرئيس الوزراء وقتها - أحمد نظيف - ووزير النقل حول عمولات ورشاوى لمسئولين مصريين حصلوا عليها من شركة «Thatesse» الفرنسية لقبول أنظمة تشغيل غير مطابقة للمواصفات فى مشروع مترو الأنفاق، بالإضافة إلى لشراء مستلزمات أعلى من أسعارها العالمية، وذكر حمدى حسن فى طلبه أن رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركى تفاوض مع نفس الشركة لإنشاء مترو أنفاق فى تركيا، ووصل معهم لأقل سعر، ثم طلب منهم عمولته، فرفضت الشركة بحجة أنه لم يترك لهم مجالاً لهذا، فهدد بإلغاء العقد، فرضخت الشركة ووافقت على منحه نسبة كعمولة تطلب منهم خصمها من المبلغ الإجمالى لتكلفة المشروع!!
وفى حين كان هذا موقف أردوغان سيذكر التاريخ أن الرئيس مبارك كان يحصل على 5٪ من قيمة أى صفقة سلاح تدخل البلاد باعتباره وسيطاً رغم أنه يقوم بتسليح جيش بلاده التى يحكمها، والتى خدم فيها كفرد من أفراد القوات المسلحة، فى حين حصل جمال ابنه على 2.5٪ من صفقة إمداد إسرائيل بالغاز الطبيعى والتى كانت تقدر قيمتها 2.5 مليار دولار، وهو ما كشفته إحدى الوثائق المنسوبة لجهاز أمن الدولة سابقاً والمؤرخة فى 5 يناير 2005 وموجهة من المقدم (ح. ص) إلى اللواء حبيب العادلى تحت بند سرى جداً، وتحكى الوثيقة قصة اللقاء بين حسين سالم رجل الأعمال الهارب وسامح فهمى وزير البترول الأسبق، وشالوم كوهين المرشح لتولى منصب السفير بالقاهرة آنذاك، وإسحق مزارعى مبعوث التفاوض الإسرائيلى، وناقش المجتمعون صفقة تصدير الغاز لإسرائيل، وعمولة الأطراف المشتركة، حيث وافقت إسرائيل على منح جمال (2.5٪) وحسين سالم (1٪) ومثلها لسامح فهمى بعد أن كان جمال يطلب 10٪ وحسين سالم 5٪ وسامح فهمى 2.5٪.
وتعد العمولات هى الباب الخلفى للرشاوي، ويحصل عليها رئيس الجمهورية وكبار موظفى الدولة بحكم مناصبهم، وهى كالسرطان ينتشر فى جميع مناحى الاقتصاد وتشير التقارير إلى أن قيمة العمولات فى قطاعات التشييد والبناء والمقاولات والاستيراد والتصدير تقدر بـ 20 مليار دولار سنوياً، بل إنها صارت عرفاً يجرى العمل به فى كثير من المجالات حتى إن فضيحة مصنع أجريوم بدمياط مازالت تفوح منها رائحة العمولات، حيث إن السفارة الكندية أرسلت للحكومة المصرية خطاباً تطالبها فيه برد مبلغ 400 مليون دولار أنفقتها الشركة على شكل عمولات وتراخيص منها 25 مليون دولار تم دفعها لجهات سيادية بالدولة للتنازل عن أرض المشروع.
وإذا كان هذا يحدث فى الأوساط الصغري، فما بالنا بعمولات رئيس الجمهورية، فالمشروعات الكبرى هو المسئول عنها، وصفقات السلاح، واستيراد السلع الاستراتيجية، وكلها صفقات تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، فبموجب تفويض من مجلس الشعب تم تفويض رئيس الجمهورية فى عقد صفقات تسليح الجيش، وهو ما استغله مبارك لعقد صفقات سلاح لصالح مصر ولغيرها من الدول، حتى أصبح واحداً من أكبر الوسطاء فى هذا المجال لدى شركات السلاح العالمية مثل يونيتد ديفينس، ورايثون، ونورثروب، ولوكهيد مارتن، وروكويل، وتونيتد فيكنو لوجيز، وأباتشى، وايروسباسيال، وجازيل وغيرها، ويحصل على عمولة تقدر بـ 5٪ من قيمة كل صفقة يتم عقدها، وهو ما دفع محامى أسرة الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق إلى التقدم ببلاغ للنيابة ضد مبارك بتورطه فى مقتل المحجوب لكشفه تورط مبارك وحسين سالم وصفوت الشريف فى عقد صفقات سلاح والحصول على عمولة من ورائها، وهو التحقيق الذى حفظته النيابة العسكرية فى شهر مارس الماضى فيما يخص مبارك، بينما مازال الشريف وسالم متورطين فى القضية، كما قررت أسرة المحجوب التقدم ببلاغ آخر ضد مبارك لتورطه فى مثل هذه الصفقات المشبوهة.
يذكر أن مبارك وحسين سالم قاما بتكوين شركة تحت اسم «اتيكو» لنقل الأسلحة بالتعاون مع اثنين من الضباط السابقين بالمخابرات المركزية الأمريكية وفقاً لما ذكرته محطة سى بى إس نيوز الأمريكية، وحصل مبارك على مليارات الدولارات كعمولات عن عشرات من الصفقات منذ نهاية السبعينيات وحتى تنحيه عن السلطة.
من ناحية أخرى كشفت المعلومات تورط مبارك ونجله جمال فى العمل كوكلاء بعمولة لشركات الطيران العالمية خاصة «بوينج وإيرباص» الأمر الذى أدى إلى إجبار شركة مصر للطيران على شراء طائرات حديثة تفوق طاقة الشركة من هاتين الشركتين ليضمن نجل الرئيس الحصول على عمولته منها، كذلك يحصل رئيس الجمهورية على عمولات ضخمة على واردات مصر من السلع التموينية والسيارات والأدوية، وهو نفس المجال الذى شاركه فيه نجلاه جمال وعلاء وجمعا ثروة طائلة من ورائه، ولعل القصة الشهيرة التى ترددت حينما شكى وجيه أباظة رجل الأعمال الشهير لمبارك يشكو له من العمولات الباهظة التى يطلبها جمال وعلاء مقابل دخول السيارات البيجو إلى

مصر، فقال له مبارك جملته الشهيرة «علاء زى ابنك يا وجيه» هى خير دليل على الفساد الذى عاش فيه الرئيس السابق وأسرته بسبب العمولات، والذى وصل بهم جميعاً إلى السجون الآن.
هذه العمولات صنعت من مبارك رجل أعمال، حرص على تدعيم أمثاله من رجال الأعمال على حساب أبناء الشعب المصرى، وحذرنا أحد شركائه - حسين سالم فى حواره - من أن هذا النظام لو ظل معمولاً به سيصنع من رئيس الجمهورية القادم رجل أعمال سيبيع ما تبقى من مصر لخدمة مصالحه الشخصية.
ويرى الدكتور محمد النجار أستاذ الاقتصاد بجامعة بنها أن نظام العمولات هو جزء من منظومة الفساد سواء كانت رسمية أو غير رسمية فهى رشوة مقنعة، وجريمة ولا يليق بأى رئيس دولة أن يحصل على هذه العمولات، فحتى صفقات السلاح يجب أن تكون تحت مراقبة مجلس الشعب حتى لا يحدث أى تلاعب من ورائها.
وأضاف: هذه العمولات تقع تحت بند التربح من الوظيفة العامة، وكيف يمكن لرئيس جمهورية يحصل على عمولات، كما أن رئيس الجمهورية يتم تفويضه من مجلس الشعب لتسليح الجيش، ومن ثم فهو يمارس مهمة وظيفته فكيف يحصل على عمولة لقيامه بمثل هذه المهمة.
ويلتقط الدكتور حمدى عبدالعظيم أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية أطراف الحديث، مشيراً إلى أن العمولات لا تمنح لرئيس الجمهورية أو غيره بموجب الوظيفة، ولكنها تعطى للسمسار أو الوسيط، وفى صفقات السلاح والغاز والصفقات التجارية الكبرى تكون العمولة بالملايين وأحياناً بالمليارات، وتوضع فى حساباتهم فى بنوك خارج الدولة حتى لا يتعرض الرئيس للمساءلة بموجب قانون من أين لك هذا.
وكشف الدكتور حمدى من جانب آخر من جوانب التحايل للحصول على هذه الصفقات وهى أن بعض رؤساء الدول - ومنهم مبارك - كانوا يقومون بعمليات وساطة فى بيع السلاح بين الدول، ويحصل على نسبة 5٪ من قيمة الصفقة ويتم ذلك عن طريق شركات وهمية مسجلة على الورق لكن ليس لها أى كيانات فى أى دولة.
ويطالب الدكتور حمدى بضرورة وجود نصوص واضحة فى القانون هذا النوع من الوساطة خاصة فى تجارة السلاح، وتمنع حصول الرئيس على عمولة عن تسليح بلاده، فهذه الأموال يجب أن تدخل فى خزينة الدولة، مع ضرورة تجريم العمولات على كافة المستويات، ويتساوى فى ذلك جميع الموظفين العموميين بمن فيهم رئيس الدولة.
ويشير رزق أحمد رزق نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للمالية العامة والتشريع إلى أن القانون المصرى لا يعترف بالعمولات، ولكنها عرف سار فى كثير من الجهات يصرف على هيئة تبرعات من شركة أو جهة معينة لصالح الهيئة أو المؤسسة، ولكن القانون لا يعترف بها، فحينما يصل الأمر للقضاء تصبح جناية يحاكم عليها المتورطون فيها مثل قضية اللوحات المعدنية المتهم فيها العادلى وبطرس غالي، وقضية رشوة شركة مرسيدس وغيرها.
وتساءل هل يستطيع رئيس الجمهورية أو غيره إثبات هذه العمولات فى إقرارات الذمة المالية، أو يحاسبون عليها ضرائبيا؟! لذلك يجب أن يعلم الجميع أن هذه العمولات غير مقننة والحصول عليها يعد جريمة.
ومن هنا يلتقط أحمد عودة المحامى وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد أطراف الحديث مشيراً إلى أنه لا يفترض على أى موظف عمومى أو أى مسئول أن يتقاضى عمولات أو فوائد تحت أى مسمي، وهذا العرف السائد فى بعض المعاملات حتى على مستوى الدول وفى الصفقات الخاصة بالسلاح والذخيرة خطأ قانوناً، وعلى رئيس الجمهورية أن يربأ بنفسه عن هذه الشبهات وإذا حصل عليها يودعها خزينة الدولة، وأى محاولة للالتفات على هذا المبدأ يعد تسترا على الرشوة، فهذه العمولات تعد رشوة، وأى حديث عن عمولات رسمية يعد تسترا على جريمة الرشوة، وقانون العقوبات يمنع على  الموظف العام أن يأخذ أى هدية أو عطية من أى جهة، ولا يحقق أى منافع من خلال عمله وإلا يقع تحت طائلة القانون.