رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إيران: تقشف من اجل الحصار

بوابة الوفد الإلكترونية

ليس الغموض وحده مايثير زائر تلك المدينة الهادئة، فثمة حزن دفين بين ساكنيها وكأنهم مازالوا حزانى على أئمتهم.

السواد يكسو الشوارع عبر رايات تترحم على آل البيت، وجداريات شهداء الحرب تجبرك على احترام قاطنى المدينة الذين لم ينسوا شباب دافعوا عن بلدهم قبل أكثر من ثلاثين عاماً.
محملة بتخوفات الأسرة والأصدقاء من البلد الشيعى وباضطراب من ألوان ملابسى «الفاقعة» وسط قتامة ملابس نساء المدينة، وصلت مطار الإمام الخمينى الذى لم يمر على إنشائه سوى خمس سنوات، ويبعد عن العاصمة خمسين كيلو متراً.
إلى «طهران» التى تعنى بالفارسية «نهاية الوادى» سلكت طريق «قم»، على جانبيه تبدو حياة هادئة ...صحراء تتبعها زراعات ثم يبدو مشروع «التشجير» الذى يهدف إلى زراعة أشجار من حرم الإمام الخمينى إلى حرم السيدة المعصومة «السيدة فاطمة بنت موسى بن الإمام جعفر الصادق».
فى الطريق توجد أيضاً أكبر مدينة سينمائية بالدولة على مساحة 10آلاف متر تم فيها تصوير مسلسل «يوسف الصديق» الذى أحدث ضجة خلال عرضه على الشاشات المصرية، إلى جانب أكبر دار للمسنين بالدولة، واسمها «دار العجزة».
توجد أجهزة لرصد المخالفات المرورية كل خمس كيلو مترات بالطريق الذى يبلغ طوله ألف كيلو متر، لذا لا مجال للسرعة الكبيرة بين قائدى السيارات.
اشتراكية الثورة الإسلامية
على مشارف طهران التى يبلغ تعداد سكانها 16مليون ونصف مليون مواطن، تبدو البنايات منخفضة العلو، حسبت أن الأمر ينحصر فى مداخل المدينة لكن اكتشفت أن معظم بنايات العاصمة بنفس الانخفاض، باستثناء المنشآت التجارية والادارية.
المدينة هادئة لدرجة الحذر رغم ازدحامها، بسيطة للحد أن تتخيلها على حافة الفقر.
العدالة الاجتماعية تتجسد فى شوارع طهران فلا مجال للسيارات الفارهة فأغلب المركبات صناعة ايرانية ماركة «بيجو405»، وقليلا ما يصادفك ماركات أخرى.
لم أستطع تمييز الفقير من الغنى فى عاصمة الجمهورية الاسلامية عن طريق الملابس، فبساطة ما يرتديه الناس تصعب الأمر، ونفس الشىء فى المسكن فلا غلو فى البنايات فمعظمها يتسم ببساطة المعمار ولا وجود للمتسولين فى شوارع العاصمة، حيث تحظر بلدية طهران التسول وتعتبره «إجراماً» وفى المقابل توفر راتباً شهرياً لكافة المتسولين.
وتلتزم الحكومة الإيرانية بتوفير سكن قريب للمسئولين بها لضمان عدم تأخرهم عن أعمالهم، كما يذهب أغلب الوزراء بالدراجات إلى مكاتبهم لتشجيع المواطنين على استخدامها.
ولجأت الحكومة إلى مواجهة التضخم  عبر دعم السلع وتخصيص منحة شهرية لجميع المواطنين الذين يحصلون على أقل من 4ملايين تومان «عملة إيران» ويمثلون 90%من الشعب الايرانى.

 

بنية تحتية ضخمة
رغم الحصار الاقتصادى، إلا أن الحكومة الايرانية نجحت فى إنشاء بنية تحتية ضخمة بالعاصمة بصفة خاصة والدولة بشكل عام، فهناك مترو الانفاق الذى بدأ إنشاؤه على مراحل عام 1995بطول 2500متر وبعمق 70متراً تحت الارض، ويستقله يوميا ثلاثة ملايين ونصف مليون مواطن من سكان طهران.
وتعد ايران رابع دولة على مستوى العالم فى مجال صناعة أجهزة وآلات حفر وبناء مترو الانفاق.
الزحام أهم ما تعانى منه طهران، حيث يبلغ عدد السيارات بالعاصمة أكثر من أربعة ملايين سيارة وخمسة ملايين دراجة نارية رغم أن المدينة لا تستوعب أكثر 900 ألف مركبة، لذا فكثير من الطرق والأنفاق والكبارى أنشأتها الدولة لحل المشكلة، كما لجأت لتخصيص حارات خاصة لسير أتوبيسات النقل العام وتوجد بالمدينة شبكة صرف صحى ضخمة وعشرات المستشفيات وآلاف المدارس.
كما توجد أكبر حديقة بالعاصمة كانت قاعدة جوية واشترتها البلدية لتحولها فى أربعة شهور فقط إلى منطقة خضراء على مساحة 250 ألف متر مربع.

تقشف الحصار
التقشف يبدو واضحا فى سلوكيات المواطنين العاديين قبل الحكومة الايرانية، حيث بساطة الملابس والطراز المعمارى لمساكنهم والمركبات الخاصة بهم، إلى جانب تدبيرهم فى استهلاك الكهرباء والمياه يؤكد إدراكهم الكامل لمأزق الحصار الاقتصادى الذى فرضته عليهم الدول الرافضة لبرنامج دولتهم النووى.
ومظاهر الرفاهية تكاد تكون معدومة فى عاصمة دولة تعد الخامسة من حيث إنتاج البترول، فلا مبالغة فى إنارة الشوارع أوالاهتمام بالميادين أومعمار البنايات الحكومية، حتى اعلانات الطرق تبدو بسيطة.
ويتعايش الإيرانيون مع الحصار عبر النجاح فى تصنيع مستلزماتهم فأغلب ما فى سوق الجمهورية الاسلامية صناعة محلية بداية من السيارات والأجهزة الكهربائية والطبية، انتهاء بأدوات المطبخ وفرشاة الأسنان.
ورغم بساطة المدينة، إلا أن رئيس بلدية طهران الدكتور محمد قاليباق نجح فى الحصول على لقب خامس أفضل رئيس بلدية على مستوى العالم لعام2011والثانى على مستوى قارة آسيا، وهو الشخصية المرشحة بقوة لخلافة الرئيس الايرانى أحمدى نجاد لشعبيته الكبيرة داخل العاصمة، ويؤكد ذلك أن نجاد كان أيضا رئيساً لبلدية طهران، وكانت له شعبية كبيرة فى العاصمة التى بها أكبر كتلة تصويتية فى الانتخابات الرئاسية.

مجتمع غامض
تحديداً، لم أعرف سر الربتسامة الغائبة عن الوجه الإيرانى، وهل له علاقة بمسألة التقشف الاقتصادى أم لسبب دينى فعادة ما يوصف الشيعة بـ«البكائيين» حداداً على آل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام..
حديث الإيرانيين يبدو قليلاً ومتوجساً من الغرباء، ولا مجال مع الايرانيين للنقاش حول رضاهم عن النظام الحاكم وحجم الحريات.
حاولت كثيرا فتح نقاش حول الوضع السياسى الداخلى مع مواطنين لكنهم رفضوا، لكن الغريب حقا تلك المتابعة الجيدة للشأن المصرى من جانب المواطن الايرانى، فقد صدمت عندما وجدت بائع فستق يسألنى بـ«عربية ضعيفة» عن

مرشح جماعة الاخوان المسلمين المستبعد خيرت الشاطر، وعن مصير عمر سليمان بعد اكتشاف خطأ فى توكيلات ترشحه للرئاسة.
ولدى المجتمع الايرانى ايمان عميق بأن الثورة المصرية اسلامية، ويؤكد ذلك تصريحات المسئولين الذين التقيتهم، فالدكتور على أكبر ولاياتى المستشار السياسى والدولى للامام خامنئى وصف ثورة 25يناير بالصحوة الاسلامية، معتبراً نتيجة استفتاء 19مارس موافقة شعبية على الدستور الاسلامى لمصر، كذلك أرجع الدكتور حسين شريعتمداري أحد قادة التيار الأصولي الثوري نجاح ثورة 25يناير إلى التيارات الاسلامية، خاصة جماعة الاخوان المسلمين.
ويحمل المواطن الايرانى شحنة كراهية عميقة للولايات المتحدة الامريكية،  وبسهولة يدرك الغريب ذلك من عبارة «سنسحق أمريكا تحت اقدامنا» المنتشرة على الأسوار والبنايات، خاصة على جدار مبنى السفارة الامريكية بشارع طالقانى الذى تحول إلى متحف بعد الثورة الإسلامية.
كذلك تحول مبنى السفارة الاسرائيلية بعد الثورة إلى مقر للسفارة الفلسطينية، وأطلق اسم ميدان فلسطين على أحد أهم ميادين العاصمة.

الخمينى القائد الملهم
صوره التى تستقبل الزائر بكافة مطارات ايران وتكسو الميادين وداخل المنازل والمؤسسات العامة، وكذلك اسمه المطلق على عشرات الشوارع، تؤكد مدى احترام الايرانيين له لدرجة التقديس.
يرى الايرانيون فى الامام الخمينى قائد الثورة الاسلامية بمثابة الملهم لهم، وتوجيهاته هى المحرك الاساسى لحياتهم، لذا يعد قبره الذى يجاور مراقد شهداء الثورة الاسلامية بمدينة الرى إحدى ضواحى طهران، مزاراً مهما لهم.
ورفض الخمينى قبل وفاته منذ 22عاماً أن يشيد له مرقد بتكاليف كبيرة من جانب الحكومة، ولجأ الايرانيون إلى جمع تبرعات لهذا الأمر؛ لذلك لم يتم الانتهاء من بناء المرقد حتى الآن.

إعلام مقيد
لا يختلف الإعلام عن باقى مؤسسات الدولة الممجدة للثورة الإسلامية، ويكفى أن رئيس تحرير مؤسسة كيهان أقدم وأكبر المؤسسات الصحفية بإيران هو أحد قادة التيار الأصولى الثورى.
وتوجد 8 قنوات محلية فقط بالجمهورية الاسلامية تبث من مدينة الاعلام بطهران، وتعد قناة العالم من أهم القنوات الاخبارية.
ويبرز تقييد حرية التعبير فى منع السلطات الايرانية مواقع التواصل الاجتماعى التى تسمى بالاعلام البديل «فيس بوك» و«تويتر»، وكذلك موقع الفيديوهات العالمى «يوتيوب»، إلى جانب بعض المواقع الاخبارية.

شهداء أحياء
صورهم المرسومة على جدران البنايات وأسوار الشوارع يدلل على احترامهم لشهدائهم الذين سقطوا خلال الثورة الاسلامية وفى الحرب الايرانية العراقية، إلى جانب ضحايا العمليات الارهابية لمنظمة خلق التى أعقبت نجاح ثورة الايرانيين عام 1979.
مئات الشوارع وآلاف المدارس تسمى بأسماء الشهداء تخليداً لذكراهم، وتم تخصيص مراقد خاصة لشهداء الثورة بمدينة الرى فى ضواحى طهران، يزورها الايرانيون باستمرار. 

أصفهان حديقة الفولاذ
أشجار الصنوبر والرايات السوداء المكتوب عليها «فاطمة الزهراء..السلام عليك أيتها الصديقة الشريفة»، تنتشر بشوارع محافظة أصفهان التى تبعد 350كيلو عن العاصمة طهران.
أهم مايميز المدينة الرقعات الخضراء الواسعة فكل مواطن له 30متراً من الخضرة فى المدينة التى يبلغ تعداد سكانها مليونين ونصف مليونين مواطن.
وتعتبر أصفهان التى كانت عاصمة للدولة الايرانية قبل 317عاماً ويوجد بها قصور من عهد الدولة الصفوية، مركزاً للصناعة الايرانية، فيها أكبر مصانع الفولاذ والحديد فى الشرق الأوسط ويسمى مجمع «مباركة».
يؤكد الدكتور أحمد النجار مسئول العلاقات الدولية بمجمع «مباركة»، أن المجمع ينتج 7ملايين طن من الفولاذ سنوياً، ومن المقرر زيادة الكمية إلى الضعف العام المقبل، لافتاً إلى تصدير 20%من الانتاج وتخصيص الباقى للسوق المحلى بأسعار مدعمة.
وأوضح «النجار» أن المجمع يقع على مساحة 35ألف كيلو متر مربع وتحيطه الجبال وقواعد جوية لحمايته، وأضاف أن الدولة استغرفت 12عاما فى بنائه، حيث تم افتتاحه عام 1992.