رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أسرار البنزين والسولار.. في «بئر» وزارة البترول!

بوابة الوفد الإلكترونية

الأزمة لم تنته بعد، مازالت قائمة، واجهناها بحلول مؤقتة مثل كل مرة، لتختفي الطوابير المتراكمة أمام محطات البنزين والسولار، وتتحرك المركبات والمقطورات والسيارات في اتجاه العمل،

لكن الأزمة مازالت في «المغارة» العميقة داخل وزارة البترول، نائمة مثل البركان الذي يستعد للاستيقاظ بألهبة النار التي يمكن أن تلتهم أشياء كثيرة في طريقها.
خلال الأزمة الأخيرة للبنزين والسولار - منذ عدة أسابيع - قال مسئولون كبار في الحكومة ووزارة البترول وهيئتها المسئولة عن الطاقة: الأزمة مفتعلة.. السوق السوداء هي المسئولة.. لا توجد أزمة أصلاً!
كان يقُال هذا الكلام ويذاع في أجهزة الراديو المشغلة في كل السيارات المتراكمة أمام المحطات في موجة غير عادية من الاستفزاز للرأي العام الذي لا يعرف شيئاً عن أسباب هذه الأزمة حتي الآن.
حاولنا مناقشة الأسباب لنكتشف أن هناك أسراراً تم دفنها في بئر عميقة داخل وزارة البترول، تؤكد أن هناك قرارات داعمة لاشتعال أزمة البنزين والسولار في مصر بطريقة متكررة.. ويخفي المسئولون عن الوزارة هذه الأسباب والقوي المحركة عن الرأي العام الذي يستحق أن يعرف أين بداية الأزمة.. وما هي تفاصيلها؟
التهريب والاستيراد وسوء الإدارة.. مثلث العجز البترول

مشكلات عديدة يواجهها قطاع البترول في إطار توفير البنزين والسولار أهمها التهريب والاستيراد وسوء الإدارة، تعالوا نناقش الأزمة.
خلال السنوات العشر الماضية بلغ استهلاك المصريين من المنتجات البترولية والغاز 489 مليون طن قيمتها بالسعر العالمي في حدود 152 مليار دولار، وكمية الاستهلاك المحلي من المنتجات البترولية والغازات قفزت من 37.6 مليون طن عام 1999/2000 إلي حوالي 62.8 مليون طن، أي زيادة في حدود 76٪ قام قطاع البترول بتوفيرها من الإنتاج المحلي لمعامل التكرير والشركات الاستثمارية، وأيضاً الاستيراد من الخارج، ولذلك ارتفع حجم الدعم أيضاً، حيث بلغ خلال العقد السابق حوالي 305 مليار جنيه من الموارد الذاتية للقطاع، وقد بلغت قيمة دعم المنتجات البترولية والغاز في 2008/2009 وحدة إلي 52.7 مليار جنيه مقابل 5.3 مليار جنيه في عام 1999/2000 أي زيادة تقدر بعشرة أضعاف، وذلك وفقاً لبيانات مجلة الهلال البترولي في يوليو 2010.
ومن المتوقع أن يصل الاحتياطي المتبقي من الزيت الخام والمتكثفات والغازات إلي حوالي 20 مليار برميل مكافئ في عام 2012/2013 وفقاً لنفس المصدر.
والتحصينات التي تحكم منظومة الإنتاج والتوزيع.. تشريعاً وممارسة.. لا تدع مجالاً للتهريب سواء للسولار أو البنزين والمنتجات البترولية عموماً، إلا إذا كان هناك تواطؤ صريح يخترق عمل هذه المنظومة، وهي تبدأ بما يعرف بوحدات الإنتاج التي يحكمها تشريع يجرم التوقف عن ممارسة الإنتاج علي الوجه المعتاد والمحدد سلفاً الذي يرتبط بقدرات التشغيل، وثاني خطوات المنظومة يتمثل في تنقل الوسائل المنتجة من وحدات الإنتاج عبر وحدات النقل بموجب أذون شحن محرر بها طريق معين وحجم الرسالة واسم السائق ورقم السيارة والجهة المرسل لها لتفريغ الحمولة، يلي ذلك النقل إلي وحدات البيع التي تتعامل مع المستهلكين مباشرة وهي محطات البترول المستقبلة للرسائل التي تحكم بعقود مبرمة مع الوحدات الإنتاجية.. يقابل ذلك أحكام المرسوم بقانون 95 لسنة 45 تم تعديلها بعدة تشريعات نص عليها القانون 109 لسنة 1980 حيث حرم حيازة سلع مدعمة تموينية.. ورغم ذلك فالأزمة مستمرة والسولار يتم تهريبه عبر البر والبحر.
ورغم زيادة الاستثمارات البترولية والاكتشافات والتحصينات والقوانين وزيادة فاتورة الدعم، لا تزال أزمة الوقود مستمرة، ودون أسباب واضحة، فالبعض يراها مفتعلة وآخرون يرجعونها للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد بعد 25 يناير.
الدكتور تامر أبوبكر - رئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات - يرجح الأزمة إلي عدم توفير اعتمادات مالية لاستيراد المنتجات البترولية من الخارج، حيث تستورد مصر نحو 20٪ من احتياجاتها من الخارج وثلثي احتياجاتها من السولار.. وأكد أن العجز المالي لم يقتصر علي الكميات التي تستوردها مصر بل امتد إلي المنتج المحلي وهو ما يؤثر لنقص المعروض من البنزين والسولار.. كما حذر رئيس لجنة الطاقة من غياب الرقابة علي المنافذ البحرية مما يؤدي لزيادة معدلات التهريب إلي تركيا ولبنان من خلال إضافة بعض المذيبات في كونترات للبنزين والسولار، ويتم حينئذ تهريب لتر البنزين مقابل 1.5 يورو بما يعادل 2.5 إلي 3 جنيهات مصرية للتر البنزين 90 و92 الذي يبلغ سعره 175 و185 قرشاً من محطات الوقود، ومما يتطلب توجيه الدعم بشكل نقدي ومباشر إلي مستحقيه من وجهة نظر رئيس لجنة الطاقة باتخاذ الصناعات.
هناك تفسير آخر للأزمة وحقيقة كشفها آخر اجتماع عقد لشعبة المواد البترولية بغرفة الجيزة التجارية في يوم 3 من الشهر الجاري من أن هناك 3 شركات حكومية تابعة لوزارة البترول تحتكر المواد البترولية.. وأشار إلي قيام الجمعية التعاونية للبترول بتوفير المازوت ومشتقات البترول الأخري للشركات التابعة لها محطات «الوطنية» و«موبيل» و«التعاونية» وهي لها الأولوية في الحصول علي المواد البترولية.. وأشار إلي ادعاء الجمعية التعاونية بتوافر المواد البترولية لديها، علي حين لا يتوافر لديها أسطول للنقل بالسيارات ورغم توافر 148 وكيلاً لتوزيع المواد البترولية في مصر.
وفي نفس الاجتماع أشار بعض أصحاب المحطات إلي النقص الحاد في المواد البترولية التي يتم توزيعها في المحطات من قبل الشركة الحكومية فانخفضت الكميات التي يتم ضخها من البنزين 92 يومياً من 150 ألف لتر إلي 8600 لتر، ومن 200 ألف لتر إلي 6600 لتر بنزين 80.. وبلغ الانخفاض في حجم السولار 50٪ ويضاف لذلك استئثار المحطات الحكومية بنصيب الأسد من الحصص.


خدعة «بترولية» في الموازنة العامة!
أكدت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن 60٪ من الدعم لا يذهب لمستحقيه وأن دعم الطاقة يكلف الدولة سنوياً 90 مليار جنيه حتي نوفمبر 2011.
وأشارت الإحصاءات التي أعدها الجهاز إلي أن أسعار الطاقة يجب تحريكها، لأن انخفاضها يشجع علي زيادة سوء الاستهلاك، وأن أفضل النظم وأكثرها فاعلية هو الدعم النقدي رغم صعوبة تنفيذه، كما أوضحت تقارير جهاز الإحصاء أن الدعم النقدي يحتاج إلي جهاز قوي لتنفيذه وإلي مواطن لديه ثقافة ووعي بمشكلات سوء استهلاك السلع والأزمات الاقتصادية التي قد تنشأ عن سوء الاستهلاك مع زيادة معدلات الفقر في المجتمع المصري.
بند دعم المنتجات البترولية والغاز الطبيعي في الموازنة العامة بدأ من العام المالي 2005/2006 فقط ولم يكن مدرجاً بالموازنة قبل هذا التاريخ، نظراً لتحمل الهيئة العامة للبترول الفارق بين إنتاج هذه المنتجات وأسعار بيعها الفعلية في السوق لكونها هيئة اقتصادية.. وبالرجوع لقرار مجلس الشعب الوارد بالحساب الختامي الصادر من وزارة المالية عن العام المالي 2009/2010 بشأن فتح اعتماد إضافي بالموازنة العامة للسنة المالية 2009/2010 بقيمة 32.8 مليار جنيه لمواجهة المتطلبات الإضافية لدعم هذه المنتجات.. نجد أنه تتم معالجته بصورة محاسبية دفترية تجعل عبء تمويل هذا الدعم في الموازنة صفراً.. والحقيقة كما يؤكدها المحللون الاقتصاديون ومنهم الدكتور عبدالمنعم لطفي أستاذ المالية العامة بجامعة القاهرة في كتابه «المالية العامة الحديثة وآثارها الاقتصادية مع التطبيق علي مصر» أنها معالجة أدت لحدوث مشاكل مالية واقتصادية عديدة، يأتي علي رأسها ازدياد الأعباء التمويلية علي الموازنة العامة بصورة غير مباشرة ومن ثم اتساع العجز النقدي في الموازنة، وتخفي مشاكل مالية تعاني منها الهيئة العامة للبترول، فنجد حتي الربع الأخير من العام المالي 2010/2011 لم يكن يوجد تحويل لأي مبالغ نقدية من الموازنة العامة للهيئة العامة للبترول، حيث كانت الهيئة تقوم بسداد العجز الناجم عن الفوارق بين الأسعار التي تبيع بها الهيئة المنتجات البترولية والغاز الطبيعي وبين تكاليف شرائها أو إنتاجها، وهو مبلغ الدعم، الذي وصل في مشروع موازنة 2011/2012 إلي 95 مليار جنيه من إيراداتها الناتجة عن بيع المنتجات الأخري، وبهذا الأسلوب لا تتحمل الموازنة العامة حالياً عبء تمويل دعم تلك المنتجات، مما اضطر الهيئة للاستدانة بالحصول علي تسهيلات ائتمانية معظمها قصيرة الأجل لتمويل سداد عمليات شراء تلك المنتجات وتنامي حجم ما تتحمله الهيئة من 45.1 مليار جنيه في يونيو 2003 حتي وصل إلي 133.4 مليار في يونيو 2009، وهكذا تتحول الخسارة الفعلية التي تحققها الهيئة التي وصلت لـ 20.1 مليار جنيه في يونيو 2009 إلي أرباح دفترية قدرها 32.6 مليار بما يجمل من موازنة الهيئة ويخفي وراءه مشكلات عديدة تسببها هذه الإعانة الدفترية ومن ثم التطور الحتمي لكل هذه التشوهات «الخفية» في صورة عدم تحميل الموازنة العامة لعبء دعم تلك المنتجات وعدم إدراك لحجم خطورة الوضع، ومن العام المالي 2010/2012 بدأت هيئة البترول تعاني من عجز في السيولة النقدية ولعزوف البنوك عن إقراضها، نظراً لتخطيها السقف الائتماني الخاص بها لديهم ومن ثم تدهور جدارتها الائتمانية لعجزها عن سداد مستحقاتها للغير وللبنوك، مما اضطر الموازنة العامة للتدخل بتخصيص مبالغ نقدية تخول لهيئة البترول سداد التزاماتها تجاه موردي المنتجات البترولية حتي لا تحدث اضطرابات داخلية وأزمات للمواطنين وجعل وزارة المالية تخصص مبلغ 16 مليار جنيه تحت باب حيازة الأصول المالية - غير مدرج بجانب المصروفات بالموازنة في مشروع موازنة 2011/2012 - تخصص منها 11.5 مليار لمواجهة هذا النقص في السيولة لدي هيئة البترول، حدث هذا ولأول مرة في تاريخ الموازنة العامة من خلال الإعلان عن بدء نقل العبء إلي الموازنة العامة للدولة، وهو ما ينذر بتفاقم الأمر إذا استمر دعم هذه المنتجات بهذه الصورة الضخمة.. ويعني انتقال عبء تمويل هذا الدعم إلي الموازنة العامة بالرغم من المعالجة المحاسبية.. طبعاً هذا بخلاف المشكلات الاقتصادية لذات التسوية المحاسبية التي تتمثل في إهدار تلك الموارد ومخاطر وأعباء تتحملها الأجيال القادمة.
ورغم أهمية «الدعم» وما تتحمله الدولة فهو لا يذهب لمستحقيه، حيث أكدت دراسة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء صدرت في نوفمبر 2011 أن 60٪ من الدعم لا يذهب لمستحقيه وأن دعم الطاقة يكلف الدولة سنوياً 90 مليار جنيه، في حين أن دعم الخبز حوالي 19 مليار جنيه، وأشارت الإحصاءات إلي أن أسعار الطاقة يجب تحريكها.

الحل.. ممكن
وهناك حلول مقترحة - من قبل بعض خبراء الاقتصاد للوضع الراهن - ففي دراسة للدكتور عبدالمنعم لطفي أستاذ المالية العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة يتبين إمكانية تحقيق وفرات ملموسة برفع أسعار البنزين الممتاز «90 و92 و95» بما يعادل 6 مليارات جنيه وهو مبلغ الدعم لعدد من الأنواع.
كما تشير الدراسة إلي أن التقديرات المبدئية تمكننا من تحقيق وفر مماثل في استهلاك المنتجات البترولية الموجه لقمائن الطوب قدره نحو 5 مليارات جنيه، وتنتهي الدراسة لضرورة تدخل من وزارة في الهيئة العامة للبترول لفض تلك العلاقة التشابكية ودراسة الأمر باستفاضة لعلاج تلك الاختلالات المالية لدي الهيئة حيث إنها بدأت في الانتقال الفعلي للموازنة العامة للدولة.

تحذير.. وتوصية
حذرت دراسة للباحث شريف عبدالودود بإحدي شركات الخدمات البترولية من إلغاء الدعم مباشرة، وفضلت تنفيذ برنامج لترشيد وإعادة هيكلة الدعم في ظل مناخ اقتصادي مناسب ولا سيما خلال فترات النمو المرتفع وانخفاض أسعار البترول العالمية حتي لا يؤثر بالسلب علي الاقتصاد، خاصة معدلات التضخم والنمو الحقيقي لإجمالي الناتج المحلي، مع الوضع في الاعتبار النواحي الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، خاصة الشرائح محدودة الدخل والقطاع الصناعي.
وتبنت الدراسة التوسع في استخدامات الغاز الطبيعي، بجانب ترشيد الدعم، حيث يمثل الغاز 75٪ من احتياطي الثروة البترولية، ويعد أرخص أنواع الطاقة، فسعر طن السولار في السوق العالمي - وفقاً للدراسة - يصل إلي 381.23 دولار للطن، بينما يباع في السوق المحلي بـ 112.74 دولار، وسعر طن المازوت 155 دولاراً مقابل 49 دولاراً، وسعر طن البوتاجاز 350 دولاراً مقابل 32.26 دولار في السوق المحلي، وسعر طن البنزين 440 دولاراً مقابل 187.90 دولار، وسعر طن الغاز الطبيعي 1.25 دولار مقابل دولار واحد في السوق المحلي.. وفي هذا السياق أوضحت الدراسة أن التحول من السولار إلي الغاز الطبيعي يوفر 6.5 دولار في كل مليون وحدة حرارية بريطانية، ومن المازوت 2.52 دولار، ومن البوتاجاز 6.62 دولار، ومن البنزين 5.41 دولار.
وكشفت الدراسة أن الدعم الاستهلاكي يعد أخطر أنواع الدعم لأنه يمثل عبئاً علي الموازنة العامة للدولة، فكان يمكن للحكومة إدراكه وتداركه ولكنها أبقت عليه لأسباب سياسية، خاصة بعد أحداث عام 77 ليرتفع عبء الدعم من 390 مليون جنيه في أوائل السبعينيات إلي مليارات الجنيهات.
وأوضحت أن الدعم بصورته الحالية يتصف بعدم كفاءة توظيف الموارد وسوء التوزيع، حيث تستأثر الطبقة المتوسطة بنسبة 56٪، يليها الشرائح العليا بنسبة 30٪، ثم الشريحة المنخفضة

بنسبة 14٪، كما يمثل الغاز الطبيعي 5٪ من إجمالي استهلاك الطاقة في مصر، منها 63٪ تتجه إلي محطات الكهرباء و20٪ للقطاعات الصناعية وتستحوذ شركات الأسمدة والأسمنت علي النسبة الأكبر منها، وتقدر نسبة الاستهلاك المنزلي بـ 10٪ والسيارات بـ 3.5٪ ويتوقع زيادتها للمنازل بعد توصيل الغاز إلي 6 ملايين منزل خلال السنوات الست القادمة، كما يقدر حجم استهلاك السولار بنسبة 20٪ يستحوذ منها قطاع النقل علي 50٪ والباقي يستخدم في قطاعي السياحة والزراعة، ويقدر حجم استهلاك المازوت بنسبة 16٪ تستأثر المصانع علي 80٪ منها، ويقدر حجم استهلاك البوتاجاز بنسبة 7.5٪ والبنزين 6٪.
ولذلك طالبت الدراسة بضرورة ترشيد الدعم الحكومي للطاقة بخفض العجز في الموازنة العامة للدولة وترشيد الاستهلاك وإعادة توزيعه بين الشرائح وحماية الأسر الفقيرة من زيادة أسعار الطاقة من خلال آلية تعويض ملائمة والحد من التأثير السلبي علي المركز التنافسي للصناعات التصديرية وتحسين كفاءة استخدام الطاقة وترشيد استهلاكها وتقليل التأثير السلبي علي البيئة.
وخلصت الدراسة إلي ضرورة وضع استراتيجية شاملة للطاقة طويلة المدي لا تقل عن 15 عاماً وتفعيل الحوار حول أولويات الدعم بين الحكومة والأحزاب المختلفة ومنظمات المجتمع المدني لترشيد الدعم واستثمار الوفر في الصحة والتعليم والخدمات ذات الأهمية القصوي.


فاتورة دعم الطاقة تذهب إلي جيوب اللصوص

عندما تحدث أزمة بنزين أو سولار، لا تري أمامك سوي المشهد السطحي.. طوابير ومعارك وتظاهرات تقطع الطرق بسبب «الوقود» بأنواعه المختلفة.. هذا المنتج الذي يعاني «الندرة» أحياناً.. ويواجه الاختفاء «غير المبرر» غالباً!
أزمة الوقود التي اندلعت عدة مرات خلال هذا العام، رغم أننا في بداياته، أرجعتها الحكومة إلي هيمنة «السوق السوداء» وسيطرة المافيا علي حجم المعروض من السولار والبنزين بمختلف أنواعه.. ورغم تساقط عدد كبير من لصوص الوقود وضبط آلاف الأطنان قبل طرحها في السوق، وضخ ما يزيد علي حاجة السوق بنسبة 20٪ - وفقاً لتصريحات مسئولي وزارة البترول - وما يجري من تنسيق مع وزارتي التموين والداخلية لتتبع شحنات الوقود وعدم تهريبها، من خلال قيام وزارة البترول بإبلاغ كل من الوزارتين ببيان الشحنات وموعد وأماكن تحركها حتي تتم متابعتها بدقة وقطع سبل التهريب سواء كان للسوق المحلية أو خارج البلاد، رغم ذلك كله الأزمة تختفي لتعود من جديد.. ونحن الآن في انتظار حالة ندرة جديدة تلتهم الدعم الذي يدخل جيوب اللصوص.
معارك محطات التموين للبنزين ومطالبات أصحابها بالحماية من البلطجية وإضراب السائقين عن العمل واندلاع اشتباكات بين القائمين علي المحطات وبين الجمهور من ناحية، وبين المواطنين أنفسهم من ناحية أخري، ونشوب حرائق هنا وهناك، وآخرها حريق شركة النصر للبترول بمدينة السويس، جميعها تطرح العديد من التساؤلات: هل أزمة البترول والسولار حقيقية أم مفتعلة؟.. أم أنها استمرار لسياسة الإلهاء التي يستخدمها القائمون علي حكم البلاد؟.. أم أنها مؤامرة لدعم مخطط الفوضي؟.. خاصة إذا عرفنا أن أزمة البنزين والسولار تسببت في رفع فاتورة الدعم بزيادة تصل إلي 25 مليار جنيه في الموازنة الحالية بعد حصول وزارة البترول علي ما يقرب من 20 مليار جنيه من وزارة المالية لتأمين احتياجاتها من السولار والبنزين خلال الأشهر الثلاثة المتبقية من العام المالي الحالي!
ووفقاً للبيانات الرسمية فإن فاتورة دعم المنتجات البترولية في الموازنة الحالية بلغت 95 مليار جنيه، ووفقاً لبيانات وزارة البترول يبلغ الاستهلاك المحلي من البنزين 5.2 مليون طن سنوياً، يستحوذ البنزين من صنف «80» علي ما يقرب من نصفه - أي 2.7 مليون طن - يليه بنزين «92» بإجمالي 1.5 مليون طن، بينما يبلغ استهلاك بنزين «90» مليون طن، و«95» نحو 400 ألف طن وفقاً لأرقام موازنة 2011/2012.
ومع ارتفاع أسعار البترول عالمياً خلال الفترة الماضية ليتخطي سعر برميل خام برنت حاجز الـ 123 دولاراً، وبسبب تصاعد التوتر بين دول الغرب وإيران والسعي لفرض عقوبات اقتصادية عليها وما تشير إليه بعض التقارير الأمريكية من هبوط للمخزونات البترولية لديها، ومع استمرار وزارة البترول المصرية في ضخ المواد البترولية بنفس المعدل المعتاد واستمرار عمليات التهريب للبنزين والسولار.. فمن المتوقع أن تتعدي فاتورة الدعم في موازنة العام المالي المقبل الـ 150 مليار جنيه، بعد أن كانت 120ملياراً في التقديرات الأولية، وقد يطغي دعم المواد البترولية علي غيره من البنود الأخري والأكثر أهمية في الموازنة، خاصة أن هذا الدعم لا يصل لمستحقيه الفعليين، والدليل أنه لم تحدث أي انفراجة في الأزمة رغم الكميات الإضافية من البنزين والسولار، التي بلغت تكلفتها 80 مليون جنيه يومياً - كما جاء علي لسان عبدالله غراب وزير البترول - وبالتالي تتحمل الدولة تكلفة التهريب واستفادة الشركات الكبري في السوق المصري «بحسب بعض الآراء».
نفس الكلام بالنسبة للسولار، فمصر تستورد 12 ألف طن يومياً لتعويض الفارق بين الإنتاج والاستهلاك، حيث تنتج مصر 22 ألف طن من السولار يومياً وتستهلك 34 ألف طن، ووفقاً لتصريحات المهندس هاني ضاحي الرئيس التنفيذي لهيئة البترول وتعاملاً مع الأزمة، فقد تمت زيادة كميات السولار بالأسواق لـ 47 مليون لتر يومياً بزيادة تبلغ نسبتها 15٪ عن المعدلات الطبيعية، وأنه يجري توريد 80 ألف طن سنوياً مستورد من الخارج طبقاً لخطط الاستيراد، وتصل هذه الكميات تباعاً إلي موانئ الإسكندرية والسويس، كما تم ضخ كميات إضافية من البنزين لمواجهة الاستهلاك المحلي الذي ارتفع إلي 22 مليون لتر يومياً بزيادة نسبتها 20٪ عن المعدلات الطبيعية.
ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في فبراير 2012 فقد ارتفعت قيمة الواردات من منتجات البترول من 3573.2 مليون جنيه إلي 3595.9 مليون جنيه، أي بنسبة ارتفاع قدرها 0.6٪، كما ارتفعت قيمة واردات البترول الخام من 729 مليون جنيه إلي 1038.4 مليون جنيه بنسبة ارتفاع قدرها 42.4٪.
ورغم ارتفاع قيمة دعم المنتجات البترولية من 41.9 مليار جنيه عام 2005/2006 إلي 60.3 مليار جنيه عام 2007/2008 بزيادة قدرها 43.9٪ ووصولها لـ 95 مليار جنيه حالياً، وتوقع رفعها لـ 150 ملياراً مع الموازنة الجديدة.. الأزمة مستمرة وتداعياتها تتفاقم.

تداعيات الأزمة
وتداعيات اختفاء البنزين والسولار تعدت الاشتباكات بين أصحاب المحطات والمواطنين، لرفع السائقين في عدد من مناطق الجيزة والقاهرة والمحافظات تسعيرة التوصيل بحجة ارتفاع أسعار البنزين والسولار التي يحصلون عليها من السوق السوداء.. حيث ارتفعت التعريفة بين الجيزة والقاهرة من نصف جنيه إلي 75 قرشاً وداخل المحافظة الواحدة، كما ارتفعت التعريفة بين الجيزة والبدرشين من جنيه إلي 150 قرشاً ومن بنها إلي القاهرة من 4 جنيهات إلي 6 جنيهات ومن المنوفية للقاهرة من 5 جنيهات إلي 6 جنيهات «علي سبيل المثال وليس الحصر».
كما شهدت أسعار كافة السلع الغذائية ارتفاعاً ملحوظاً.. بسبب تكاليف النقل ونقص السولار والبنزين حيث ارتفعت أسعار الطيور بما يعادل 5 إلي 10 جنيهات زيادة للكيلو وكذلك الأسماك ما بين 5 و15 جنيهاً للكيلو ولكل أنواع الخضراوات فقد تعدي سعر كيلو الطماطم الـ 5 جنيهات في بعض المناطق وكذلك منتجات الألبان والفواكه والحبوب والبقوليات بسب نقص السولار وارتفاع أسعاره في السوق السوداء بالنسبة لوسائل نقل هذه السلع بكافة أشكاله.
كما امتدت الأزمة وبالنسبة للسولار بالذات من البر إلي البحر فقد شاهدنا احتجاز 250 سائحاً في الغردقة من جنسيات مختلفة بسبب عجز سفينتهم عن التزود بالوقود واستكمال رحلتهم إلي ميناء شرم الشيخ وتوقف اللنشات السياحية والمعديات في الأقصر وانتقلت الأزمة وزادت حدتها في معظم المدن الساحلية الشاطئية، خاصة مع احتفالات شم النسيم وعيد القيامة المجيد.
ولأن السولار.. أصبح عصب كل وسائل النقل مقارنة بالبنزين فقد توقفت قمائن الطوب عن العمل وكذلك معظم المخابز وطلمبات الري والجرارات.. فتأثرت الزراعة وحظائر الأبقار، كذلك الإنتاج السمكي.. فهو وسيلة تحرك كل وسائل الصيد من مراكب وغيرها سواء الصيد في البحيرات الداخلية من بحيرة السد العالي أو البحيرات الخمس الشمالية «البردويل والمنزلة والبرلس وإدكو ومريوط»، خلاف أهميته في مراكب الصيد لخارج المياه الإقليمية أو في أعالي البحار علي طول البحر الأحمر شرقاً وجنوبه أمام سواحل الصومال وعلي طول امتداد سواحل البحر المتوسط حتي تونس وبالتالي فالنقص الحادث في السولار انعكس علي حجم كميات الأسماك التي يتم صيدها وأصبحت الصفيحة بـ 50 جنيهاً بعد أن كانت بـ 20 جنيهاً، مما أثر بالسلب علي أسعار الأسماك.