إعلان "الذمة المالية" لرئيس مصر ضرورة قومية
فجأة وبعد دام ثلاثين عاما سمع الشعب المصري عن تقديم الرئيس السابق محمد حسني مبارك إقراراً بذمته المالية في نهاية مدة خدمته لجهاز الكسب غير المشروع قدمه الممثل القانوني له
مع نفي كامل من جانبه عن كل ما تردد عن مفردات ثروة الرئيس وأسرته في الصحف .. وأيا كان ما قدمه الرئيس في إقرار ذمته المالية الأول كان أو الأخير إلا أن هذا لم يشفع له لدي النائب العام الذي طلب تجميد أرصدة الرئيس السابق حسني مبارك وزوجته سوزان صالح ثابت ونجليها علاء وجمال مبارك وزوجتيهما هايدي راسخ وخديجة الجمال!!ما بين إقرار الذمة المالية وما بين قرار النائب العام نتساءل عن الآلية أو الشرعية التي يمكن بها بعد ذلك معرفة ثروات رئيس الجمهورية وهل إقرار الذمة المالية الذي يقدم لجهاز الكسب غير المشروع كاف في المرحلة القادمة حتي لا نقع في نفس ما نحن فيه من نهب أموال المصريين؟!
لم تكن هذه المرة الأولي التي نسمع فيها عن تقديم حسني مبارك الرئيس السابق إقراراً بذمته المالية وإن كانت هذه المرة تختلف تماما عن تلك!!
المرة الأولي التي سمعنا فيها عن تقديم الرئيس السابق لإقرار الذمة المالية وفي سابقة كانت تعد الأولي من نوعها في تاريخ مؤسسة الرئاسة المصرية عندما أعلنت مصادر بالحزب الوطني الديمقراطي الحزب الحاكم السابق في مايو من عام 2008 أن الرئيس محمد حسني مبارك رئيس الحزب قدم إقرار الذمة المالية الخاص به كرئيس للحزب وأن جميع قيادات الحزب وأعضاء الأمانة العامة والمكتب التنفيذي تقدموا أيضا بإقراراتهم المالية إلي جهاز الكسب غير المشروع ولكن تلك المصادر لم تكشف عن قيمة ما قدمه الرئيس مبارك من ممتلكات أو أرصدة في البنوك أو ما يحصل عليه من أموال أو مزايا من منصبه الرئاسي أو الحزبي.
وصرح وقتها صفوت الشريف الأمين العام السابق للحزب الوطني بأن »جهاز الكسب غير المشروع« قد خاطب الأمين العام للحزب إعمالاً لقانون الأحزاب لتقديم إقرارات الذمة المالية لجميع أعضاء المكتب السياسي والأمانة العامة وهو ما يؤكد أن الإقرار الذي قدمه الرئيس مبارك هو إقرار عن ذمته المالية في موقعه الحزبي فقط.
وأكد وقتها الشريف أنه تم عرض الأمر علي هيئة مكتب الحزب وعلي رئيس لجنة الشئون القانونية والقيم المستشار محمد دكروري الذي أقر بأنه من حق الجهاز طبقا لتعديلات قانون الأحزاب أن يطلب إقرارات الذمة المالية لجميع قيادات الحزب وأوضح أنه تم إرسال خطاب إلي رئيس الجهاز مرفقا به جميع إقرارات الذمة المالية بدءاً من رئيس الحزب حتي جميع الأعضاء، كما تم إخطار رئيس جهاز الكسب غير المشروع بأن بعض أعضاء الهيئة العليا قد تقدموا في وقت سابق بإقرار الذمة المالية بحكم وظيفتهم في التوقيت المحدد بالقانون، واضاف صفوت الشريف وقتها أنه تلقي خطابا آخر من جهاز الكسب غير المشروع بصفته رئيسا للجنة الأحزاب بطلب إخطار جميع الأحزاب بتقديم الإقرارات المالية لهيئاتها العليا بالاضافة إلي خطاب ثالث يطلب فيه رئيس الجهاز إقرارات الذمة للعاملين بالأحزاب الذين ينطبق عليهم القانون مشيراً إلي أنه تم إخطار جميع الأحزاب السياسية بذلك وإرسال صورة من خطابي جهاز الكسب غير المشروع إليها فيما كلف الحزب الوطني وقتها د. زكريا عزمي الأمين العام المساعد بتحديد الفئات التي ينطبق عليها القانون في الحزب الوطني.
وقتها علق المهتمون بهذا الشأن أن هذه حيلة من الحزب الوطني لإجبار كل الأحزاب رؤسائها بتقديم كشف بثرواتهم حتي يعلمها الحزب الوطني نفسه وتكون قرائن منهم علي الأحزاب الأخري.
المرة الثانية التي قدم فيها الرئيس مبارك إقراراً بذمته المالية كانت بعد أن أصبح رئيسا سابقا وبعد، إجبار الشعب المصري له علي التنحي وبعد أن كثرت الأقلام بمحاكمة الرئيس المخلوع وأسرته عن تضخم ثروته في مصر وبعض دول العالم وهو الإقرار الذي أكد فيه ممثله القانوني أنه كان يواظب علي تقديم الإقرارات بشكل منتظم منذ توليه وحتي تنحيه وأن الأجهزة الرقابية كانت تفحص تلك الإقرارات ولم يحاسبه أحد قبل ذلك !!
ليس ذلك فقط بل إن الممثل القانوني للرئيس السابق نفس تماما كل ما من ظنه أشيع وكتب عن ثروة الرئيس وزوجته وأبنائه وزوجات أبنائه.
ولكن النائب العام عبدالمجيد محمود لم ينتظر وطلب علي الفور من وزير الخارجية أحمد أبو الغيط مخاطبة الدول الأجنبية بالطرق الدبلوماسية المقررة لتجميد الحسابات والأرصدة الخاصة بالرئيس السابق محمد حسني مبارك وزوجته ونجليه وزوجتيهما.
وصرح مصدر قضائي بأنه سبق للنيابة العامة أن تلقت عدداً من البلاغات تتضمن تضخم ثروة الرئيس السابق وأفراد عائلته وأن هذه الثروة مودعة خارج البلاد. وقد باشر مكتب النائب العام التحقيقات فور تلقي تلك البلاغات بسؤال مقدميها فيها تضمنه، وقدم البعض منهم في هذا المجال ، أوراقا تستلزم التحقيق للتأكد من صحتها بشأن تضخم هذه الثروة، واضاف المصدر انه بناء علي تصديق مصر علي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تنص أحكامها علي حق طلب المساعدة القانونية من الدول الأطراف في الاتفاقية باتخاذ الإجراءات التحفظية واسترداد الموجودات
وأشار المصدر القضائي أنه تم اخطار إدارة الكسب غير المشروع بتلك البلاغات والتحقيقات لاتخاذ اللازم في ضوء أحكام القانون رقم 62 لسنة 75 في شأن الكسب غير المشروع باعتبارها الجهة المختصة بتحقيق الشكاوي المتعلقة بالكسب غير المشروع.
وإذا كان قرار النائب العام هذا قد أثلح صدور المصريين وأشاع الأمل في نفوسهم من إمكانية استعادة أموالهم المنهوبة إلا أن صحيفة واشنطن بوست وصفت طلب المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام بتجميد ارصدة الرئيس السابق وافراد عائلته بأنها محاولة لأسترضاء المصريين الغاضبين الذين يطلبون محاكمة مبارك وكشف حقيقة ثروته.
وأشارت الصحفية في تقرير لها نشرته إلي أن ثروة الرئيس السابق غير واضحة المعالم رغم قرار الحكومة السويسرية تجميد اصوله وممتلكاته في سويسرا والمقدرة بعشرات الملايين من الفرنكات وأعلنت وزارة الخارجية أنها أحالت طلبات النيابة المصرية بإجراء حجز علي أرصدة وعقارات الرئيس السابق وأفراد أسرته إلي سفارات مصر بالدول التي تضم الأرصدة لهؤلاء.
وفي الواقع فإن قرار النائب العام الذي صدر عشية تقديم الرئيس السابق لإقرار ذمته المالية الختامي لم يكن وليد اللحظة بل إن كثرة الأحاديث والبلاغات ومانشر بالصحف العالمية والمصرية عن ثروة هذا الرئيس قد أثارت ضغينة كل الشعب المصري ويكفي إن صحيفة الجارديان البريطانية التي تتمتع بمصداقية عالمية كبيرة أعلنت وقالت أن ثروة مبارك واسرته تتراوح ما بين 40 و70 مليار دولار، هذا في الوقت الذي أكدت فيه صحيفة »ذاض« الإنجليزية أن مبارك جمع ثروة تقدر بنحو 25 مليار جنيه استرليني.
في الوقت الذي أكدت الصحف العالمية علي هذه الثروة الهائلة للرئيس السابق فإن الدراسة المتخصصة التي أعدها عبدالفتاح الجبالي رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام وتضمنت مفردات رواتب العاملين بالدرجات الوظيفية المختلفة في العام المالي 2007 ـ 2008 بالجنيه المصري.
أوضحت الدراسة أن الأجر الأساسي لرئيس الجمهورية طبقا للقانون 47 لسنة 1978 يبلغ 1000 جنيه ويحصل علي 200٪ علاوات منضمة ليصل راتبه إلي 3000 جنيه شهريا إلي جانب علاوات خاصة غير منضمة 65٪ بما يعادل 650 جنيها وعلاوة ، أول مايو 2008 التي بلغت 30٪ من الأساسي أي 33 جنيها ليصل إجمالي العلاوات الخاصة غير المنضمة إلي 980 جنيها يضاف إليها حوافز ثابتة 750 جنيها و10 جنيهات علاوات اجتماعية ومثلها منحة عيد العمال وبدلات يحصل الرئيس علي مكافآت وبدلات ليصل إجمالي الأجر المتغير إلي 1750 جنيهاً بإضافته إلي الثابت يصبح جملة ما يتقاضاه رئيس الجمهورية حسب القانون 4750 جنيها.. وإذا كان هذا هو مرتب الرئيس وليس له عمل آخر لأنه كان قائد القوات الجوية وبعدها نائب رئيس الجمهورية فإن اقرار ذمته المالية عند توليه المسئولية في عام 1981 يؤكد عدم امتلاكه لأي من تلك المليارات التي نسمع عنها وإذا كان ممثله القانوني أكد أن قرارات الذمة المالية كانت تقدم بشكل منتظم ويتم فحصها فإذا كان ذلك كذلك فمن أين له هذا ؟!
وإقرار الذمة المالية الحالي وجهاز الكسب غير المشروع وقانون من أين لك هذا هل يصلح في العهد الجديد بعد ثورة 25 يناير ؟ وكيف يمكن محاسبة الرئيس بعد ذلك وسؤاله عن ثروته قبل ان تعرفها من الجرائد العالمية والحكومات الأجنبية ؟!!