رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يوميات الانتفاضة الشعبية التي‮ ‬هزت عرش الرئيس

"‬الأحداث التي‮ ‬شهدتها مصر‮ ‬يومي‮ ‬18‮ ‬و‮ ‬19‮ ‬يناير عام‮ ‬1977‮ ‬تركت تأثيرات متعددة علي الرئيس السادات،‮ ‬وظلت تداعياتها السلبية ماثلة أمام عينيه طوال السنوات الأربع المتبقية من فترة حكمه،‮

‬ورغم أن الرئيس السادات أسبغ‮" ‬وصف انتفاضة الحرامية‮ " ‬علي تلك الأحداث إلا إنه كان مقتنعا من داخله أنها كانت انتفاضة شعبية أججتها القرارات الاقتصادية التي‮ ‬أدت إلي رفع أسعار العديد من السلع الأساسية والغذائية،‮ ‬ما دفعه إلي طرح مبادرته الشهيرة بالتوجه للقدس ـ بعد وقوع تلك الأحداث بأشهر قليلة ـ لوضع حد للصراع مع إسرائيل،‮ ‬لمحاولة إزاحة الأعباء الجسيمة عن كاهل الاقتصاد المصري‮ ‬الذي أن أنهكته العديد من الحروب المتتالية،‮ ‬وتراجع دعم ومساعدات الدول العربية الغنية‮.‬

تلك الأحداث أيضا أسهمت بقدر كبير في‮ ‬زيادة قناعة الرئيس السادات بأن مكمن الخطورة علي أركان حكمه‮ ‬يتركز في‮ ‬التنظيمات والجماعات اليسارية،‮ ‬فواصل النهج الذي اختطه منذ أن تولي مسئولية الحكم في البلاد بعد وفاة الرئيس عبد الناصر،‮ ‬ووجه بزيادة دعم وتقوية الجماعات والتنظيمات الإسلامية،‮ ‬اعتقادا منه بانها ستكون هي‮ "‬البعبع‮" ‬الذي‮ ‬يمكن ان‮ ‬يحد من خطورة خصومه السياسيين،‮ ‬ولكنه لم‮ ‬يلبث أن ووجه برفض تام من كافة القوي السياسية،‮ ‬بما فيها الجماعات الإسلامية،‮ ‬بعد أن وقع اتفاقية السلام مع الإسرائيلين،‮ ‬أكثر من هذا فقد تقدمت الجماعات الإسلامية صفوف المعارضين والمناوئين للسادات وانتهت فترة حكمه نهاية درامية‮ ‬يوم‮ ‬6‮ ‬أكتوبر‮ ‬1981‮ ‬باغتياله علي أيدي عناصر منتمية لتنظيمي الجماعة الإسلامية والجهاد‮". ‬

في الساعة الحادية عشرة والنصف صباح‮ ‬يوم‮ ‬18‮ ‬يناير‮ ‬1977،‭ ‬كان الرئيس السادات جالسا في حديقة استراحة الخزان في أسوان‮ ‬يدلي بحديث لإحدي الصحف العربية،‮ ‬لاحظ أن الصحفية التي كانت تجري الحوار معه شردت عما‮ ‬يقول وراحت تتطلع بعينيها إلي شيء ما في خلفية المشهد،‮ ‬استغرب السادات بشدة،‮ ‬فأحست الصحفية بأنها مطالبة بأن تبرر تصرفها،‮ ‬فقالت للسادات‮: ‬إنها تري دخانا‮ ‬يتصاعد من المدينة التي تبدو بعيدة هناك عند مدي النظر،‮ ‬التفت الرئيس السادات إلي حيث تشير الصحفية،‮ ‬فشاهد أعمدة دخان تتصاعد في الهواء،‮ ‬ولكنه لم‮ ‬يلبث‮ ‬غير قليل حتي جاءه أحد ضباط الحراسة علي عجل حاملا ورقة قدمها له فقرأها السادات مقطب الجبين،‮ ‬ثم أنهي لقاءه مع الصحفية اللبنانية قبل أن‮ ‬يكمل حواره معها‮ ‬،‮ ‬و علي مدي اليوم تواصل تطور الأحداث وسرعان ما بدأت الأنباء تتوالي عن تكرار حدوث التجمعات والتظاهرات في عدد من المحافظات،‮ ‬وخلال المظاهرات ترددت الشعارات التي تنادي بسقوط القرارات الاقتصادية،‮ ‬التي صدرت قبل ساعات،‮ ‬وتهاجم الحكومة ثم بدأت المظاهرات في التحول إلي الاعتداء علي المنشآت العامة والخاصة،‮ ‬واستمرت أعمال التظاهر والتخريب في القاهرة والإسكندرية حتي ساعة متأخرة من المساء بشكل‮ ‬غير مسبوق‮ ‬وفي اليوم التالي‮ ‬19‮ ‬يناير تواصلت المظاهرات بالأسلوب نفسه منذ الصباح الباكر حيث بدأت من مراكز التكتلات الجماهيرية في مدينتي القاهرة والاسكندرية ثم اتسع نطاقها إلي‮ ‬9‮ ‬محافظات أخري في الوجهين البحري والقبلي وعند منتصف النهار قام اللواء أحمد رشدي مدير أمن القاهرة بإجراء اتصال تليفوني بوزير الداخلية ليبلغه بأن القاهرة تحترق وأنه‮ ‬يعتبر هذا الاتصال بمثابة آخر استغاثة منه‮! ‬

وبدا واضحا أن قوات الأمن‮ ‬ـ ليس في القاهرة والاسكندرية فقط وإنما في المحافظات الأخري التي اشتعلت فيها الأحداث ـ عاجزة عن التصدي للموقف أو الحيلولة دون امتداد التظاهرات والأعمال التخريبية إلي محافظات جديدة‮ ‬وباتت الحاجة ضرورية لنزول القوات المسلحة للسيطرة علي الموقف‮.‬

وفي مساء ذات اليوم‮ ‬19‮ ‬يناير تقرر أن‮ ‬يعود الرئيس السادات بالطائرة من أسوان وعندما وصل إلي مطار القاهرة لم تكن القوات المسلحة قد انتهت من نشر قواتها في أنحاء العاصمة،‮ ‬ولم‮ ‬يكن ميعاد سريان قرار حظر التجوال قد بدأ بعد،‮ ‬وتقرر تعديل خط سير الرئيس خلال عودته إلي منزله بالجيزة تلافيا للمرور في قلب العاصمة التي كانت لا تزال كثير من مرافقها العامة والخاصة مشتعلة وتعج بالتجمعات والمظاهرات،‮ ‬وقاد أفراد من الأجهزة الأمنية ركب الرئيس عبر طرق جانبية إلي أن وصل إلي منزله بالجيزة بسلام‮.‬

‮***‬

شرارة الأحداث اشتعلت في الساعات الأولي من صباح‮ ‬يوم‮ ‬18‮ ‬يناير،‮ ‬فبينما كان وزير الداخلية مجتمعا مع عدد من قيادات الأمن وصلته أنباء بأن عمال مصانع حلوان‮ ‬يتحركون في مسيرة بدأت في الثامنة صباحاً‮ ‬متجهين إلي مجلس الشعب للاجتماع بأعضاء المجلس،‮ ‬وبعدها سرعان ما بدأت الأنباء تتوالي عن تكرار حدوث التجمعات والتظاهرات في عدد من المحافظات،‮ ‬ثم بدأت البلاغات تتوالي عن تجمع أعداد كبيرة من الطلبة في جامعتي عين شمس والقاهرة وتجمع عدد كبير من عمال الترسانات البحرية ويعتزمون القيام بمسيرة صوب منطقة المنشية،‮ ‬ثم توالت الإخطارات بعد ذلك عن تعاطف جماهير الشارع مع المظاهرات وانضمامهم إليها‮ ‬،‮ ‬وخلال المظاهرات ترددت الشعارات التي تنادي بسقوط القرارات الاقتصادية وتهاجم الحكومة ثم بدأت المظاهرات تتجه إلي الاعتداء علي المنشآت العامة والخاصة،‮ ‬واستمرت أعمال التظاهر والتخريب في القاهرة والإسكندرية حتي ساعة متأخرة من الليل بشكل‮ ‬غير مسبوق‮.‬

وفي اليوم التالي‮ ‬19‮ ‬يناير تواصلت المظاهرات بالأسلوب نفسه منذ الصباح الباكر حيث بدأت في القاهرة والاسكندرية ثم اتسع نطاقها إلي‮ ‬9‮ ‬محافظات أخري في الوجهين البحري والقبلي‮ ‬،‮ ‬وعند منتصف النهار قام اللواء أحمد رشدي مدير أمن القاهرة بإجراء اتصال تليفوني بوزير الداخلية ليبلغه بأن القاهرة تحترق وأنه‮ ‬يعتبر هذا الاتصال بمثابة آخر استغاثة منه،‮ ‬فقد تجاوزت المظاهرات وأعمال الشغب والتخريب قدرات قوات الشرطة بكثير،‮ ‬وبدا واضحا أن قوات الأمن‮ ‬ـ ليس في القاهرة والاسكندرية فقط وإنما في المحافظات الأخري التي اشتعلت فيها الأحداث ـ لا تستطيع التصدي للموقف أو الحيلولة دون امتداد التظاهرات والأعمال التخريبية إلي محافظات جديدة‮ .‬

‮***‬

عندما اكتشف رئيس الوزراء ممدوح سالم أن قوات الشرطة لاتستطيع السيطرة علي الموقف،‮ ‬وفوجيء برفض وزير الداخلية اللواء سيد فهمي إصدار الأمر لقوات الشرطة بإطلاق الرصاص الحي علي المتظاهرين كتوجيهات الرئيس السادات،‮ ‬اتصل رئيس الوزراء بوزير الدفاع محمد عبد الغني الجمسي،‮ ‬وطلب إليه اشتراك الجيش في السيطرة علي الموقف،‮ ‬رفض الجمسي مشيرا إلي ان قرار نزول قوات الجيش لابد أن‮ ‬يصدر من القائد الأعلي للقوات المسلحة وليس من وزير الدفاع ولا من مجلس الوزراء كله مجتمعا فاتصل رئيس الوزراء ممدوح سالم برئيس الجمهورية‮ ‬يطلب إليه إصدار الأمر إلي الجمسي بإنزال الجيش إلي الشوارع،‮ ‬وفوجئ الرئيس السادات عندما اتصل بالجمسي بأنه علي استعداد بالطبع لإطاعة الأمر ولكنه‮ ‬يرجو أن‮ ‬يصدر الرئيس قرارا بإلغاء الزيادات التي طرأت علي الأسعار لأنه لايستطيع أن‮ ‬يضمن موقف القوات إزاء الشعب إذا جري نزولها إلي الشوارع لحفظ الأمن في ظل تلك القرارات ولم‮ ‬يكن لدي الرئيس السادات وقت ليفكر،‮ ‬وقد وافق علي عجل لأن الموقف كان‮ ‬يتطور بسرعة‮.‬

‮***‬

عادت القاهرة إلي حالتها الطبيعية في صباح اليوم التالي‮ ‬20‮ ‬يناير حيث عقد الرئيس السادات اجتماعين لمجلس الأمن القومي الأول في منزله بالجيزة والثاني باستراحة القناطر وشرح سيد فهمي الموقف كاملا‮ ‬وقال له الرئيس‮: ‬معلهش‮ ‬ياسيد انت خدت حموة العملية كلها‮!‬،‮ ‬وتحدث الفريق الجمسي وأثني علي دور الشرطة،‮ ‬وتحدث كمال حسن علي رئيس المخابرات‮ .‬

وكان كمال حسن علي قد تقدم بتقرير إلي الرئيس السادات قبل أحداث‮ ‬يناير بحوالي الشهر‮ ‬يحذر فيه من تحركات شيوعية متوقعة‮ ‬يمكن أن تستثمر أي قرار مفاجئ وجرت اجتماعات بين المخابرات ومباحث أمن الدولة ونوقش التحرك الشيوعي المتوقع واستقر الرأي علي ضرورة اتخاذ إجراءات وقائية باعتقال عدد من الشيوعيين ورفع تقرير بذلك إلي الرئيس السادات،‮ ‬ورفض السادات إجراء هذه الاعتقالات وفهم رجال المخابرات والداخلية أن هناك موقفا سياسيا مع الاتحاد السوفيتي،‮ ‬يمنع اتخاذ هذا الإجراء وكان القرار‮ "‬عدم ضرب الاتجاهات اليسارية‮" ‬ولم تعرف قيادات الأمن السبب السياسي وراء ذلك‮.‬

‮***‬

وقعت أحداث‮ ‬18‮ ‬و19‮ ‬يناير خلال التشكيل الثاني‮ ‬لوزارة ممدوح سالم في شهر إبريل عام‮ ‬1975‮ ‬وعُين فيه اللواء سيد فهمي وزيرا للداخلية،‮ ‬وفي إحدي جلسات مجلس الوزراء تحدث الدكتور عبد المنعم القيسوني رئيس المجموعة الاقتصادية عن ضرورة رفع الدعم علي بعض السلع استجابة لقرار من البنك الدولي بعدم إقراضنا‮ ‬200‮ ‬مليون جنيه ما لم‮ ‬يتم رفع الدعم وقال القيسوني إن المركب تميل الآن

من الناحية الاقتصادية ويمكن أن تغرق وإنه لامهرب من اتخاذ القرار وحدد القيسوني السلع التي‮ ‬يقترح رفع الدعم عنها ومنها سلع تموينية،‮ ‬وفي جلسة أخري ردد القيسوني نفس الكلام وأضاف أن المشكلة ذاتها تتكرر مع الدول العربية بعد أن قررت عدم دفع أية مساعدات إلا بعد استشارة خبراء من البنك الدولي‮.. ‬اعترضت الدكتورة عائشة راتب وزيرة الشئون الاجتماعية علي ما‮ ‬يطرحه الدكتور القيسوني‮ ‬،‮ ‬وقال سيد فهمي وزير الداخلية‮: ‬إن الوزارة أُلفت لكي تثبت الأسعار،‮ ‬فكيف‮ ‬يفاجأ الناس بعد شهرين برفع الأسعار وقال إن هذا‮ ‬يؤثر علي الوضع الأمني‮.‬

بعد ذلك عقد السادات اجتماعاً،‮ ‬تحدث فيه الدكتور حامد السايح وزير الاقتصاد والاستثمارات حينئذ،‮ ‬وقال إن رفع الأسعار إجراء لامهرب منه وهو لازم اليوم قبل الغد وأي تأخير في رفع الأسعار‮ ‬يمكن أن‮ ‬يعرضنا لكارثة اقتصادية،‮ ‬وقال السادات‮: ‬إذا كان هذا هو الرأي الفني،‮ ‬وإذا كان التأخير‮ ‬يعرضنا لكارثة،‮ ‬فإنني موافق،‮ ‬وفي أعقاب إعطاء الرئيس السادات الضوء الأخضر للمضي في خطة رفع الأسعار التي أوصي بها الدكتور القيسوني ووزراء المجموعة الاقتصادية،‮ ‬بدأت الأمور تتصاعد بصورة درامية‮.‬

‮***‬

في‮ ‬يوم‮ ‬12‮ ‬يناير‮ ‬1977‮ ‬عقد ممدوح سالم رئيس مجلس الوزراء،‮ ‬بصفته رئيسا لحزب مصر‮ "‬الحزب الحاكم‮"‬،‮ ‬اجتماعا مع أعضاء الهيئة البرلمانية للحزب،‮ ‬شرح لهم الموقف وأوضح كل الظروف الاقتصادية المحيطة بالقرارات المرتقبة لرفع أسعار بعض السلع الغذائية‮.‬

في‮ ‬يوم‮ ‬13‮ ‬يناير كان ممدوح سالم رئيس الوزراء‮ ‬يعلن القرارات الاقتصادية‮ ‬في مجلس الشعب وإذا بأعضاء حزب مصر‮ (‬الحزب الحاكم‮) ‬يهاجمون قرارات رئيس الوزراء فشعر بأنه‮ ‬يواجه التطورات بمفرده،‮ ‬وفسر رد فعل نواب الشعب بأنهم فضلوا مخاطبة ود الرأي العام والناخبين في‮ ‬دوائرهم الانتخابية علي الالتزام الحزبي،‮ ‬فلم‮ ‬يجد أمامه سوي وزير الداخلية،‮ ‬الذي استشعر بما لديه من خبرات أمنيه أن البلاد مقبلة علي حالة من عدم الاستقرار فشاطره نفس الهواجس واتفقا علي اتخاذ احتياطات أمنية للحيلولة دون وقوع ما‮ ‬يخشيانه‮.‬

‮***‬

في اعقاب وقوع حوادث‮ ‬18‮ ‬و‮ ‬19‮ ‬يناير قرر الرئيس السادات إقالة اللواء سيد فهمي وزير الداخلية واسناد مهمة تولي وزارة الداخلية مرة أخري إلي ممدوح سالم ـ‮ ‬بجانب رئاسته لمجلس الوزراء‮ ‬ـ‮ .. ‬وفي اجتماعه الأول مع قيادات وزارة الداخلية،‮ ‬شن ممدوح سالم هجوما حادا علي أجهزة الداخلية ووزيرها ـ المقال ـ سيد فهمي،‮ ‬متهما إياه بالتقصير في‮ ‬مواجهة الانتفاضة التي أسفرت عن مصادمات دامية وخسائر شديدة في الممتلكات العامة والخاصة،‮ ‬وقال إن أجهزة وزارة الداخلية فشلت فشلا ذريعا في مواجهة تلك الأحداث ـ سواء بعدم توقعها قبل حدوثها،‮ ‬أو بعدم القدرة علي مواجهتها عقب وقوعها ولم تتمكن من تطويق المظاهرات التي نشبت في العديد من عواصم محافظات الجمهورية وعلي رأسها العاصمة واجهة البلادـ‮.‬

اللواء حسن أبو باشا ـ رئيس جهاز مباحث أمن الدولة آنذاك ـ كان من بين حاضري ذلك الاجتماع والاتهامات التي وجهت لأجهزة الأمن بالتقصير كانت في‮ ‬غالبيتها موجهة له هو شخصيا وللجهاز الذي‮ ‬يرأسه،‮ ‬أبو باشا لم‮ ‬يشأ أن‮ ‬يراجع ممدوح سالم ـ رئيس الوزراء ووزير الداخلية ـ فيما‮ ‬يقول علي الملأ أمام باقي قيادات الداخلية،‮ ‬وآثر أن‮ ‬يفاتحه في الأمر ولكن علي انفراد‮!‬

في المساء أجري أبو باشا اتصالا بمكتب ممدوح سالم برئاسة مجلس الوزراء طالبا موعدا عاجلا للقاء،‮ ‬بسرعة شديدة تم إبلاغ‮ ‬رئيس الوزراء فطلب إبلاغ‮ ‬أبو باشا للحضور فورا‮.‬

ظن ممدوح سالم أن اللواء أبو باشا لديه معلومات أو أنباء هامة تتعلق بالوضع الأمني أو أية تطورات مرتبطة،‮ ‬فعاجل أبو باشا‮ "‬متلهفا‮": ‬خير‮ ‬ياحسن،‮ ‬فيه حاجة؟‮! ‬

رد أبو باشا‮ (‬بهدوء‮) : ‬لايافندم مفيش حاجة،‮ ‬أنا بس حبيت أناقش سيادتك في بعض الملاحظات اللي قولتها النهارده الصبح في الاجتماع‮.‬

قال ممدوح سالم‮ (‬باهتمام‮): ‬خير‮.. ‬قول‮.‬

قال أبو باشا‮ (‬بود‮): ‬سيادتك وجهت اتهامات لأجهزة الأمن،‮ ‬بالفشل في مواجهة ما حدث،‮ ‬ولكن سيادتك تعلم أن الحقيقة‮ ‬غير ذلك،‮ ‬وتعلم أن وزير الداخلية السابق ومعه جهاز الأمن تنبأ بوقوع هذه الأحداث وطلب اتخاذ عدة إجراءات تلافيا لما سوف‮ ‬يحدث وتعلم انه لم‮ ‬يأخذ بنصائح وتحذيرات اللواء سيد فهمي ـ وزير الداخلية السابق ـ وأجهزته‮.‬

أضاف أبو باشا‮: ‬من هنا اسمح لي سيادتك،‮ ‬فقد تحاملت علي الوزير السابق وجهاز الأمن وحملتهم باتهامات عديدة هم أبرياء منها،‮ ‬واسمح لي سيادتك أنت تعلم هذه الحقيقة‮!.‬

وهنا سكت حسن أبو باشا عن الكلام،‮ ‬فقد أحس أنه قال كل ما عنده،‮ ‬وأحس أيضا أن ممدوح سالم لم‮ ‬يعد‮ ‬يقو علي الاستماع أكثر من ذلك،‮ ‬ومرت لحظات عديدة لم‮ ‬يعلق خلالها ممدوح سالم بكلمة واحدة‮ ‬،‮ ‬وسرح مع نفسه وكأنه كان‮ ‬يسترجع تفاصيل ما حدث وسرت لحظة صمت ليست بالقصيرة،‮ ‬إلي أن تكلم ممدوح سالم بمعاناة شديدة وقال بلهجة‮ ‬غلفها الكثير من الهم والغم‮: "‬ياحسن اللي حصل ده كان كبير قوي،‮ ‬أنا كان لازم أستقيل‮"‬،‮ ‬وسكت ممدوح سالم بعد أن قال هذه العبارة،‮ ‬وكان‮ ‬يبدو وأنه‮ ‬يريد أن‮ ‬يختفي أو‮ ‬يتواري خجلا‮.‬

وهنا أدرك حسن أبو باشا ما لم‮ ‬يرد أن‮ ‬ينطق به ممدوح سالم أيقن أنه‮ ‬يريد أن‮ ‬يقول إنه كان مطلوبا‮ "‬كبش فداء‮" ‬يتحمل تبعات كل ما حدث،‮ ‬ولم‮ ‬يكن هناك سوي‮ "‬اللواء سيد فهمي‮" ‬وزير الداخلية لكي‮ ‬يكون هو‮ "‬كبش الفداء‮" ‬الذي‮ ‬يفدي رئيس النظام ورئيس وزرائه وكافة رموزه المسئولين وقد كان‮!‬

مراجع‮:‬

كتاب عواصف الحرب والسلام لمحمد حسنين هيكل

كتاب السادات والأسطورة لموسي صبري

ملف قضية‮ ‬18و19‮ ‬يناير‮ ‬1977‭.‬