رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من القاهرة حتى التجنييد بالجيش الإسرائيلي..رحلة الخداع

صورة تخيليه
صورة تخيليه

تتناول تلك الحلقة قصة سفر "يعقوبيان" بهويته الجديدة، ورحلة التمويه من القاهرة للأسكندرية، ومنها إلى إيطاليا ثم الاستقرار في البرازيل حتى هجرته لتل أبيب وتجنييده بالجيش الإسرائيلي.

ننتقل الآن للتفاصيل..
فى مارس 1961 سافر "يعقوبيان" بحراً بهويته الجديدة من الإسكندرية إلى ميناء جنوا بإيطاليا، ثم صعد إلى السفينة الإسبانية (كافاسان روكى) المبحرة إلى البرازيل ليصل هناك في 26 أبريل 1961، وعلى متن السفينة تعرف "يعقوبيان" على أسرة إسرائيلية من كيبوتس «بارور حيال» غرب النقب، والتي كانت في زيارة أسرية بالبرازيل.
وفي البرازيل كان في انتظاره مشغله المصري، الذي تم إرساله من قبل المخابرات العامة المصرية خصيصاً لمتابعة سير العملية، وقد أمره الأخير بتوطيد علاقاته مع تلك الأسرة الإسرائيلية.
بحسب التعليمات، يتعين على يعقوبيان ألا يبدي شغفه بالهجرة لإسرائيل، إلا أن رب الأسرة الإسرائيلية المذكورة "إيلى أرجمان"، وهو شاب إسرائيلى، ثلاثيني، انبهر فوراً بـ "يتسحاق كوتشوك" الهارب من القاهرة.. وبدا له أن "كوتشوك" تجسيداً حياً لخروج بنى إسرائيل من مصر فى العصور القديمة، وأن بقاءه فى البرازيل هو فترة التيه التى يجب أن تنتهى بأسرع ما يمكن، وقد زاد تعاطفه، عندما بدأ "يعقوبيان" اليتيم يبكى أمه المتوفاة وتعرضه للاضطهاد والتعذيب فى مصر، فحاول "أرجمان" إقناعه بالهجرة لإسرائيل وانتهز فرصة احتفال اليهود على متن السفينة بالعيد الثالث عشر لإقامة "إسرائيل"، وأخذ يلحّ على الجاسوس المصرى بانفعال وحماس شديد لكى يسافر معه إلى "إسرائيل"، بينما أخذ يعقوبيان أو كوتشوك حسبما عرف نفسه له يتمنع ويتهرب من الموافقة.
لم يتوقف أرجمان عن جهوده لإقناع ابن جلدته الضال بالهجرة لإسرائيل بل ورتب له الاتصالات مع المؤسسات الصهيونية التي تعمل على تهجير اليهود من البرازيل لإسرائيل.
فور الوصول إلى البرازيل ودعت أسرة "أرجمان" صديقها الجديد بانفعال شديد، واستمرت اللقاءات بينهم طوال الشهرين اللذين مكثت فيهما عائلة "أرجمان" بريو دى جانيرو.
بعد مغادرة عائلة "أرجمان" البرازيل، التقى "يعقوبيان" بشخص يدعى "سالم عزيز السعيد"، الذى عرف فى ريودى جانيرو بأنه الملحق التجارى المصرى، لكنه فى الحقيقة كان ضابط المخابرات بالسفارة.
وبناء على تعليمات الأخير انتقل "يعقوبيان" للإقامة فى "سان باولو"، وحصل من السلطات المحلية على بطاقة برازيلية سليمة تفيد خانة الديانة فيها بأنه "يهودى"، وبعد نجاحه عاد إلى العاصمة والتحق بالعمل فى استديو تصوير.
بعد انتهاء إجراءات هجرته بواسطة مندوبي الوكالة اليهودية، هاجر يعقوبيان إلى إسرائيل 1961، بعدما أعطاه المندوب المصري "سالم" التعليمات الأخيرة التى سيقوم بها فى "إسرائيل" لتثبيت أقدامه واجتياز كافة الاختبارات والشكوك التي ستثار حوله في عش الدبابير.
كانت أهم التعليمات أن يعمل ببطء، وبالتدريج، وأن يندمج فى المجتمع أولا، ولا يبدأ مهامه قبل تلقى الأوامر.
كان الهدف الرئيسي ليعقوبيان أن يلتحق بسلاح المدرعات الإسرائيلي، حيث أنه في سن التجنييد، وعندما تم رفض طلبه تقدم يعقوبيان بطلب للالتحاق بالخدمة النظامية أو العمل كمصور بمخابرات قيادة المنطقة المركزية.  
عند وصوله لإسرائيل اتصل "يعقوبيان" بصديقه "إيلى أرجمان"، وجرى اللقاء بينهما فى "الكيبوتس" كأنهما صديقان منذ الطفولة.
اقترح "أرجمان" استضافته فى "الكيبوتس" الذي يعيش فيه هو وأسرته بالنقب، فوافق الرجل بعد تردد.
بناء على توصيات "أرجمان" رتبت له "الوكالة اليهودية" حجرة معيشة مشتركة، ومدرسة لتعلم العبرية، فى كيبوتس "دوروت" المجاور، لكن "كاوتشوك" لم يستمر طويلاً، واشتكى من أنه لا يستطيع أن ينام مع شخص لا يعرفه فى نفس الغرفة.
طلب الانتقال إلى مقر سكن آخر لكن فى نفس المنطقة بهدف البقاء بالقرب من قطاع غزة حتى يتمكنوا من إنقاذه فى أوقات الطوارئ.
مرة أخرى تدخل "إيلى أرجمان" واستغل نفوذه لدى الوكالة حتى عثروا لـ"عقوبيان" على مسكن ومدرسة فى كيبوتس "نجفا"، وهناك اكتسب ثقة كل من حوله، حتى إن سكرتير الكيبوتس "تسفى لوبلينير" قال إنه "كان يعمل بإخلاص، وكان يدرس العبرية فى الصباح الباكر، ثم يقضى بقية النهار فى العمل بالمزرعة الجماعية".
صار محبوبا من كل زملائه فى المستعمرة، الذين أشفقوا عليه بعد أن انتشرت قصة يتمه ووفاة أمه، وقد ساعده فى الاندماج إتقانه خمس لغات حية، زادوا بعد تكليفه بالمهمة إلى سبع حيث أتقن البرتغالية فى البرازيل، والعبرية تعلمها فى مصر، لكنه لم يعترف بذلك أبدا.
"يهوديت هارئيل" مدرسته فى معهد تعليم العبرية كانت تظنه عازفا عن التعليم، وكل همه تصوير بنات الكيبوتس بكاميرته المتطورة بمعايير هذه الفترة.
كان يحمل دائما الكاميرا فى حقيبته، وإلى جوارها صور مهزوزة، تخلق انطباعا بأنه مصور هاوٍ وليس محترفا.
فى "الكيبوتس" الجديد، وقعت فى غرامه فتاة فى الـ 17 من عمرها، مات

عنها أبوها فى إحدى هجمات الجيش المصرى على القوات الإسرائيلية عام 48، وقد اعترض أفراد عائلتها على هذه العلاقة، حتى عندما أعلنا رغبتهما فى الزواج.
فى عام 1962، تحدث مع مسؤلي "الكيبوتس" بخصوص مستقبله، فى البداية أخبرهم بأنه يفكر فى عضوية الكيبوتس، ثم أوضح أنه ينوى فتح أستديو، وفى النهاية نال إعجابهم بقرار التجنيد فى صفوف الجيش.
قبل الانخراط فى الجيش، توجه "كوتشوك" إلى الوكالة اليهودية وطلب معونة مالية للحصول على سكن، فقدمت له الوكالة 30 شيكل ووجهته لشركة "عميدار" الإسكان، حيث وقع عقد إيجار شقة مشتركة مع مهاجر يهودى من المغرب.
حصل الاثنان على الشقة رقم 1/689 بمدينة عسقلان، التى لا تبعد عن الحدود مع غزة سوى سبعة كيلو مترات، وتفصلها عن القطاع بعض الحقول والتلال الرملية.
فى نوفمبر 1962، تجند "كوتشوك" بالجيش الإسرائيلي، واقترحوا عليه فى البداية الانضمام لدورة تأهيل الضباط  لكن وفقا لنصيحة المخابرات، طلب الانضمام لسلاح المدرعات ولكن لحسن الحظ أصبح عضواً فى سلاح آخر، أنهى دورة التدريب الخاصة بسلاح النقل فى "بيت نبالا" بالقرب من مطار اللد، وهناك واصل هواية التصوير، لم تفارقه الكاميرا. صور الجنود.. الأسلحة.. الدبابات، الطائرات، الصواريخ، السيارات المدرعة، أجهزة الرادار، حتى المبانى والمعدات. كان يصور زملاءه للذكرى، وفى الخلفية آليات الجيش الإسرائيلى، ومدافعه. وفى نهاية التدريب حدث ما لم يكن متوقعا لدى أكثر المتفائلين فى القاهرة، حيث طُلب "يعقوبيان" للعمل سائقاً ومساعدا شخصياً لضابط كبير فى "الجيش الإسرائيلى"، وهو العقيد "شماعيا بيكنيشتاين" أحد قادة "الهاجاناه" قبيل إعلان إقامة "إسرائيل".
وفرت هذه الوظيفة لـ«يعقوبيان» الذى حظى بثقة رئيسه سريعا، الاطلاع على معلومات سرية، وحساسة للغاية، ساعدت القاهرة كثيرا فى فهم طبيعة العمل والتسليح فى الجيش الإسرائيلى.
تمكن من تصوير بن جوريون، وهو يتسلم بنفسه طائرات الميراج الفرنسية فى مطار عسكرى سرى بتل أبيب.
وكان طرفا ثالثا فى اللقاءات التى يعقدها العميد بيكنيشتاين مع وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه ديان.
كان الحظ حليفا ليعقوبيان، عندما حصل على مصدر جديد للمعلومات، بعد التحاق صديقته بالجيش، وكانت ثرثارة تزوره دائما فى حجرته، وتبدأ فى حديث لا يتوقف عن وحدتها العسكرية بسلاح المدفعية، وكل ما دار فيها من لقاءات تحضرها بسبب عملها فى مكتب قائد الوحدة.
بعد عام كامل من تدفق المعلومات بدأ النهر ينضب شيئا فشيئا، العقيد "بيكنيشتاين" سيتقاعد قريبا، و"ياعيل" الثرثارة على وشك إنهاء خدمتها العسكرية.
صدر القرار من القاهرة، يُلزم يعقوبيان بإنهاء مهمته فى الجيش، والاستعداد لمهام أخرى داخل المجتمع الإسرائيلى.
التحق "يعقوبيان" بوظيفة مصور فى أستديو "مونى".. أكبر أستديوهات حيفا، وواصل هوايته فى التصوير وكان يتباهى بأن كاميراته تلتقط الصور من مسافات بعيدة.
تطورت وسائل الاتصال بينه وبين المخابرات المصرية فى هذه الفترة، كان يغلق على نفسه باب حجرته، ويدير إبرة الراديو على محطة "صوت العرب" لتلقي التعليمات التى ترسلها قيادته عبر البث الإذاعى، ونصوص متفق عليها فى نشرات الأخبار.

الحلقة الرابعه والأخيرة
عبد الناصر ينقذ "يعقوبيان" ويعيده لأرض الوطن
مصر لا تتخلى عن رجالها