رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

انتصارات الثورات المضادة في العالم!

صفحات التاريخ الإنساني مليئة بالثورات والأحداث الدامية التي غيرت وجه الشعوب في لحظات حاسمة وفارقة، بالقضاء علي أنظمة الحكم المستبدة والفاسدة، فلا توجد دولة لها

موقع علي خريطة العالم إلا وشهدت أراضيها عبر الأزمنة المختلفة فصولاً من التمرد علي أساليب القهر، أو ثورة ضد الظلم والديكتاتورية، فضلاً عن الانتفاضات والانقلابات، لكن الكثير من هذه الثورات تتعرض في بواكيرها، إلي ثورات مضادة تقضي عليها وتقفز علي السلطة، وتبدد طموحات الشعوب في الاستقرار، تارة بإعادة الأنظمة الإقطاعية إلي السلطة مثلما حدث في إيران، بعد القضاء علي ثورة «مصدق» التي أزاحت الحكم الإمبراطوري، لكن نجاح الثورة المضادة أعاد حكم الشاه وعائلته مرة أخري عام 1951، أو عن طريق إشاعة الفوضي، بإعادة نظام الحكم الديكتاتوري والقضاء علي الديمقراطية مثلما حدث في ثورة شيلي، التي تخلصت من الحكم الطبقي، وجاء بنظام ديمقراطي عبر صناديق الانتخاب، فتولي فيه السلطة سلفادور أليندي لكن سرعان ما تم القضاء عليه بثورة مضادة، وتولي الجنرال بينوشيه حكم شيلي لمدة 17 عاماً بمعاونة أمريكا.
نجاح الثورات المضادة في العديد من البلدان، يدفع إلي الخوف علي الثورة المصرية، من أن تتعرض للانهيار نتيجة السباق علي المكاسب أو بتدبير من قوي النظام البائد.
الثورة المصرية في خطر، ومحاولات الالتفاف عليها تتعاظم بصورة لافتة للأنظار، هذه ليست دعوة للصراخ، إنما محاولة للتعبير عن المخاوف من تداعيات الأحداث المتفرقة التي تقود إلي ثورة مضادة، قادرة علي إعادة النظام السابق بجبروته واستبداده، حتي وإن اختلفت أسماء عناصره، أو تجيء بقوة أخري، أكثر ديكتاتورية منه، فلم تعد للثورة بوصلة توجه أحداثها أو رأس يدير أزماتها ويحدد ملامحها، والذين صنعوا مشاهدها الأولي جري إبعادهم من معادلة صراع القوي والحركات السياسية الناشئة، وصاروا تائهين بين المطالب البريئة التي حركت حماس المصريين، والسعي وراء بريق الشهرة والبورباجندا الإعلامية، وما بين هذا وذاك وقفت الثورة في مفترق طرق عشوائية عاجزة وغير قادرة علي تحديد اتجاه مسارها، ولم يكن غريباً وسط هذه الأجواء الضبابية أن تلوح في الأفق نذر الثورة المضادة، التي بدأت مشاهدها تتبلور علي استحياء وفي نطاق ضيق، من تحريض علي الاحتجاجات إلي تنظيم الوقفات وتعالي وتيرة المطالب، وسرعة ما راحت تتنامي بصورة مخيفة، تبعث علي القلق، وتحرض علي خروج علامات الاستفهام العفوية من الصدور التي ضاقت لتضرب بجذورها في عمق المشاهد الملتهبة، بغرض البحث عن أسباب ما يجري من عبث علي أرض الواقع، ومدي ارتباطه بعناصر غامضة تسعي لإثارة الفوضي من صناعة الفتنة الطائفية، والتحريض علي استمرارها، إلي أعمال البلطجة، والاعتصامات الفئوية والإضرابات العمالية وصولاً إلي رواج تجارة السلاح، كل هذه الأمور وغيرها تسير بالثورة إلي الاتجاه المعاكس، الذي يقضي علي الثورة قبل اكتمال نضجها، وهنا تكمن المخاوف باعتبار أن تاريخ الثورات في العديد من بلدان العالم، مليء بالأحداث التي دهست تحت أقدامها الثورات الأصلية، وحل محلها الثورات المضادة، والنماذج ليست مجهولة في صفحات التاريخ، بداية من الثورة الفرنسية مروراً بإيران ثم تشيلي والكثير من البلدان الأخري، وخاصة أن أسباب وظروف اندلاع الثورات لا تختلف كثيراً من بلد لآخر، رغم اختلاف الثقافات، فالشعوب المكبوتة التي تسعي للتغيير تفجر ثوراتها لتحقيق العدالة، والتخلص من الظلم الاجتماعي والتفاوت الطبقي، والاستبداد السياسي، وإزاحة رموز الحكم التي تحتكر الثروة والسلطة، وجميع هذه الأسباب هي التي حركت حماس المصريين في ثورة يناير، التي أعقبها بعض الأحداث التي لا تختلف عن التي جرت في الثورات الأخري، وجميعها يشير إلي وجود قوي منظمة تعمل في الخفاء، وتحفز علي القيام بأعمال تبدو في ظاهرها عشوائية، وناتجة عن مطالب اجتماعية، وثورية وتهدف إلي تحقيق العدالة، بالضبط مثلما حدث عقب انفجار الثورة الفرنسية والانقلاب علي ثورة مصدق في إيران، وأعادت الثورة المضادة الشاه مرة أخري، إلي عرش الإمبراطورية في عام 1951، وهي ذات الظروف التي أحاطت بثورة سلفادور أليندي في تشيلي، الذي قاد البلاد في أجواء ديمقراطية وسرعان ما نجحت الثورة المضادة التي أطاحت بحكمه، وهي التي قادها من قلب السلطة الجنرال «ينبوشيه» الذي حكم بالحديد والنار، وكان أكثر قسوة وديكتاتورية عن الأنظمة التي سبقته، هذا التشابه الذي يصل إلي حد التطابق، يذهب إلي أن كل الثورات المنتصرة علي حكامها في العالم، تعاني وجود ثورة مضادة، تخرج من رحم الأحداث العشوائية، يخطط لها أعوان وأتباع الحكام المستبدين من الذين استفادوا، وحققوا المنافع من المال العام ومقدرات الشعوب، والقراءة المتأنية للثورات العربية تشير إلي أن المجتمعات التي ثارت علي أنظمة الحكم الاستبدادية، تعج بأنصار هذه الأنظمة البائدة، وهؤلاء يتربصون في انتظار اللحظة الملائمة، للانقضاض علي الثورة، والعودة مرة أخري علي المسرح العام، ولديهم العديد من الوسائل، لتحقيق هذه الطموحات والأهداف، في مقدمتها استغلال الأخطاء الجسيمة التي ترتكبها بعض القوي، التي تريد احتكار الثورة، وتوجيه مسار الدولة فضلاً عن الأخطاء الميدانية والسياسية، والمطالبة بإصدار قوانين لا تخدم سوي المصالح الضيقة، مثل تفعيل الدوائر الانتخابية لخدمة الأحزاب الصغيرة التي نشأت من بعض الحركات، الأمر الذي صار يمثل نوعاً من ديكتاتورية الأقلية الصاخبة ضد أغلبية صامتة، لا تملك من أمرها شيئاً، جري عزلها مبكراً عن الواقع، فأصبحت في موقف المتلقي، والمطالب بالتنفيذ، كما أنه لا يمكن إغفال، أن بعض التصرفات التي تغلف المطالب الثورية، إن لم تطبق بصورة جيدة ستأتي بردود أفعال عكسية تفتح الباب واسعاً، أمام احتمالات الثورة المضادة، وفي مقدمتها عدم وضع المعايير لبعض المفاهيم، مثل العدالة، فيتم المناداة بها علي الهوي والمزاج، الذي يخدم بعض الأفراد والتيارات وإهدار هذا المفهوم، إذا تعلق الأمر بالخصوم، ناهيك عن بعض الأساليب الأخري، مثل التطرف الفكري والعقائدي وإدخاله في إطار اللعبة السياسية، وهي من أكثر الأمور التي تجعل الثورات فريسة للوقوع في تناقض صارخ مع شعوبها وتحرض علي اندلاع الثورات المضادة، وقراءة ما يجري علي أرض الواقع، تذهب إلي تنامي المخاوف، باعتباره لا ينفصل بأي حال من الأحوال، عند الممارسات الفوضوية، التي ستدفع إلي انتهاز الفرص، وقلب الطاولة علي كل المتصارعين من القوي والحركات علي اقتسام كعكة الثورة، التي بدا للداني والقاصي أنها فقدت مكتسباتها في أيامها الأولي، خاصة أن الأيام المقبلة ستشهد امتحاناً عسيراً لبعض القوي، علي خلفية الحديث عن التمويل الأجنبي، والتحقيق في بعض الأمور المتعلقة بتلقي مبالغ مالية، في النهاية لا تصب إلا في مصلحة الدول الداعمة، الأمر الذي يجعل الثورة في المحك الحقيقي، حينما لا تفيد أية مناورات من محترفي السياسة، لأن نجاح الثورة يعتمد في المقام الأول علي الانتصار، والتغلب علي الثورة المضادة، سواء كانت بتدبير من رجال العهد البائد، أو بفعل التصرفات الفوضوية التي تنشأ من بعض الحركات والقوي الراغبة في عدم الاستقرار وتحقيق الثورة لأهدافها.
ما يجري من وقائع وأعمال عشوائية في مصر الآن لا يختلف كثيراً عن التي حدثت في بلدان أخري، ثارت شعوبها علي حكامها، وسرعان ما اعتلت الثورة المضادة المشهد السياسي في تلك البلدان، فقد أفرد التاريخ صفحات ووقفات حول ما جري في ثورة تشيلي، فكان سلفادور لنيدي قد وصل إلي السلطة، كرئيس اشتراكي، عبر انتخابات ديمقراطية علي خلفية إزاحة نظام قمعي وديكتاتوري، وفي 11 سبتمبر 1973، نفذت مجموعة عسكرية بقيادة

الجنرال أوجستو بنيوشيه انقلاباً مسلحاً ضد الرئيس المنتخب، وكانت هذه المجموعة من أعضاء حكومة سلفادور النيدي، لجأ إليها لضبط البلاد ومنع الاضطرابات.
أما بداية الثورة الأم في تلك الدولة التي تحفل مكانة متميزة في أمريكا اللاتينية، قد جاءت علي خلفية الإرهاصات التي جرت منذ عام 1964 وحتي عام 1970، وكانت الإضرابات العالية قد وصلت إلي مدي غير مسبوق، في أي دولة في العالم لأنها بلغت 5259 إضراباً عام 1969، وفي إطار الفوضي العارمة، شهدت البلاد موجة من احتلال الأراضي نفذها الفلاحون المعدمون، وبدأ فقراء المدن من العاطلين وأصحاب المهن الهامشية في تنظيم أنفسهم كجماعات من أجل حقوقهم في السكن والخدمات الأساسية، وفشلت الحكومة في وقف نزيف الفوضي التي اجتاحت البلاد، وتقرر إيصال الحكومة المسيحية الديمقراطية، التي كان يقودها إدوارد فراي ولم يتوقف الصراع داخل الدولة بين الطبقات، وجرت في عام 1970 الانتخابات الرئاسية، التي فاز فيها سلفادور النيدي، وعلي الرغم من الطابع المعتدل الذي اتبعه النظام الجديد، والبدء في إصلاحات سياسية واقتصادية، إلا أن الثورة المضادة المتمثلة في البرجوازية وطبقة الأغنياء رأت في هذه الإصلاحات، تهديداً خطيراً لمصالحها، فجري شن هجوم منظم ضد العمال، وحكومة الوحدة الشعبية، وشمل هذا الهجوم العديد من الأساليب، منها سحب رءوس الأموال وتعطيل الاستثمارات وتعمد تخزين السلع الأساسية والضرورية للمواطنين، بغرض خلق اختناقات اقتصادية شديدة، وإنفاق الأموال علي تنظيم مظاهرات واحتجاجات ضد السلطة والنظام الحاكم، وتمويل حملات عنيفة في البرلمان المنتخب، ضد الإصلاحات وقرارات التأميم التي لجأ إليها سلفادور النيدي.
كل هذه الأساليب التي مارسها أنصار الثورة المضادة تضييق الخناق علي النظام وعلي خلفية ذلك، كان من الطبيعي أن تحدث الفجوة بين الحكومة والعمال والفئات الغفيرة، وبدأت الحكومة في الدفاع عن نفسها، وهنا وجدت المعارضة اليمينية داخل البرلمان والحياة السياسية، الفرص سانحة أمامها، والوقت مناسباً، لإسقاط الحكومة، وكانت أولي الخطوات تنفيذ إضراب مهني واسع «الأطباء ـ المحامين ـ المهندسين ـ القضاة» وعمت الفوضي تشيلي، وأجبر سلفادور النيدي علي أن يستعين بالجنرالات داخل وزارته، وإعلان حالة الطوارئ، وقاد «بنيوشيه» أحد هؤلاء الجنرالات الذين انضموا للحكومة في الأسبوع الأول من سبتمبر 1973، انقلاباً دموياً بعد 3 أيام فقط من دخوله الوزارة، وكان ذلك بدعم من المخابرات الأمريكية، ومارس بنيوشيه كل أساليب البطش بشعبه 17 سنة، لكنه اضطر في النهاية إلي تسليم السلطة لحكومة مدنية عام 1995، وصك في هذا التاريخ ميدالية تذكارية صاغ عليها عبارة «لقد أنجزت الرسالة»، ولكن المخابرات الأمريكية لم تستطع حمايته من الملاحقة القضائية الدولية نتيجة للجرائم والمذابح التي نفذها في شعب تشيلي.
ما جري في تشيلي، لا يختلف كثيرا عن الأحداث التي وقعت في إيران، فالثورة التي اندلعت للقضاء علي حكم الشاه وأسرته جاءت بـ«مصدق» حاكمة للدولة.. لكن المستفيدين من حكم الشاه، وبدعم من بريطانيا وأمريكا، نشطت عناصر الثورة المضادة في إيران وتمكنت من الإطاحة بنظام وحكم «مصدق» وإعادة النظام الامبراطوري وعائلة «بهلوي» مرة أخري عام 1951، وكذلك أم الثورات، الثورة الفرنسية، التي جري الانقضاض عليها في ثورة مضادة ثم استعادت الثورة الأولي عافيتها وانتصرت مرة أخري بعد مجازر ودماء وقتل.
لم تكن مثل هذه الثورات هي فقط التي جري الانقلاب عليها بفعل أخطاء الثوار، أو القوي التي استحوزت علي مكاسب الثورة، أوبقايا الأنظمة البائدة، وهو الأمر الذي دفع لأن نقلب في الثورات خوفاً علي ثورة المصريين لأن بعض القوي لم تعد قادرة علي فهم عجلة التاريخ.
فهي لاتعود الي الوراء خاصة أن الثورة المصرية هي بمثابة الجسر الذي عبر به الجميع الي سقوط رأس النظام لكن المتابع لما يجري علي مسرح الأحداث لا يمكنه الابتعادعن بعض الحقائق وهي أن المعادلة أصبحت واضحة، وأطرافها من غير اللاعبين في الثورة، وقطاعات عريضة من الرأي العام وسكان العشوائيات لديهم التطلع في تحقيق مكاسب تأتي عن طريق العدالة بمفهومها القانوني، وليس الفضفاض، وكلها أمور تدفع الي المخاوف من الارتداد عن الثورة بثورة مضادة تدفع بالبلاد الي مزيد من الفوضي خاصة أن البلطجة وتجارة السلاح، بلغا حدا غير مسبوق ولم يعد سرا أن الانتخابات البرلمانية القادمة ستأتي في ظل ظروف تحفز الي مزيد من الفوضي والشائعات المغرضة مظاهر الفوضي التي تجتاح المجتمع الآن لا تبتعد عن الإضرابات التي تقودها فئات مهنية مهمة، وكذلك ابتكار أساليب لتحفيز الشعب ضد المجلس العسكري عن طريق نشر ملصقات مفادها، ترشيح المشير حسين طنطاوي.. إثارة المزيد من الفوضي وتوقف الحياة، وارتفاع الأسعار، والمطالب الفئوية.. بالضبط مثلماحدث في إيران وتشيلي والمثير أن الحديث عن الدعم والتمويل الأجنبي صار من الأمور التي تصل الي حد التشكيك في الانتماء وصارت معه الثورة أو الثورة المضادة مجرد وجهات نظر تقبل النقاش بين الأطراف المتصارعة والأخري التي تجلس علي هامش الأحداث.