رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«التسريبات».. جريمة مكتملة الأركان

بوابة الوفد الإلكترونية

تعد ظاهرة التسريبات إحدى الظواهر السياسية، التى لها تاريخ طويل على مستوى العالم عموماً والمنطقة العربية خصوصاً، فى كشف وثائق أو اجتماعات يفترض أن تبقى سرية، لاحتوائها على أسرار بالغة الخطورة،

وقد يستغلها الخصوم السياسيون فى محاربة خصومهم أو إفشال مخططاتهم، عبر نشر مقاطع فيديو وتسجيلات صوتية للإساءة والنيل من مكانتهم وإحداث البلبلة والتشويش داخل المجتمع، وتطور الأمر حتى أصبحت «التسريبات» جزءاً من عملية صناعة وتشكيل الرأى العام، فى ظل وجود آليات وبرامج تليفزيونية قائمة لذلك الهدف.

ومنذ شهرين خرجت علينا إحدى القنوات الفضائية المعروفة بعدائها الشديد لمصر بأحد التسريبات التى تهدف إحداث وقيعة بين النظام المصرى الحالى ودول أخرى صديقة، وبعيداً عن صحة التسريبات من عدمه فإنه من المؤكد أن الهدف هو إرباك العلاقة بين مصر والدول الشقيقة التى تكن للنظام المصرى كل التقدير والاحترام وتقف مساندة وداعمة له فى أحلك الظروف التى تمر بها البلاد، تقديراً منها لمكانة مصر إقليمياً وعالمياً.

كما أن التاريخ حافل بهذه الوقائع، بداية من عهد «عبدالناصر» من استخدام تلك الوسيلة من قبل الأجهزة السيادية بالدولة، كما استخدمها «السادات» وقام بالتسجيل لمسئولين كبار فى الدولة ليطيح بهم وذلك فى عام 1971، وهى قضية مراكز القوى التى تعد أشهر الوقائع السياسية التى شهدتها حقبة السبعينات، ومروراً بعهد «مبارك» الذى شاهد اغتيالاً لبعض الشخصيات البارزة.

كما أثبتت التجارب السابقة أن الدول تستخدم التسريبات لأغراض اقتصادية أو سياسية لجس نبض الرأى العام حول قضية ما، أو لتهيئة الرأى العام، وأحياناً أخرى لخداعه أو ترويعه أو تحييده.

ولم يقف عند المستويين المحلى أو الإقليمى، ولكن ظاهرة التسريبات تعد من الظواهر العالمية التى طالت المفاوضات الفلسطينية الأمريكية وبنك «HSBC» وتسريب اتفاقيتى «سايكس بيكو» لتقسيم الدولة العربية و«وعد بلفور» الذى يقضى بإقامة دولة يهودية على أرض عربية (فلسطين، وحتى أكبر دول العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية طالتها التسريبات، ويكفى هنا الإشارة إلى أن الرئيس السابق «ريتشارد نيكسون» تنحى عن منصبه بعد اتهامه فى قضية التنصت على خصومه فى مقر الحزب الديمقراطى والمعروفة باسم «ووترجيت» التى كانت فى عام 1972، حيث كشفت التحقيقات عن تورط «نيكسون» بدفع مبالغ مالية لعملائه من حملته لزرع ميكروفونات دقيقة فى مقر الحزب الديمقراطى، واكتشفت المحكمة وجود 154 ساعة من التسجيلات مما دفع «ريتشارد نيكسون» التنحى من منصبه عام 1974، وأصبحت كلمة «جيت» رمزاً للفضائح السياسية فى العالم. أما فى العهد الحديث فإن قضية تسريبات «إدوارد سنودن» تمثل أكبر قضية تسريبات لتأخذ شهرة عالمية لم تنلها قضية من قبل، حيث قام «سنودن» الموظف السابق فى وكالة الاستخبارات الأمريكية بتسريب برنامج التجسس المراقبة السرية «بريسيم» إلى (صحيفتى الجارديان البريطانية والواشنطن بوست الأمريكية) واتُهم «سنودن» قضائياً بتهمة إفشاء معلومات سرية وتعريض الولايات المتحدة للخطر ليغادر «سنودن» أمريكا هارباً إلى هونج كونج، وبناءً على ذلك طالبت الولايات المتحدة حكومة هونج كونج بتسليمه.. لكنها ردت بأن: «سنودن» غادر هونج كونج بطريقة شرعية إلى بلد ثالث وهو (روسيا)، وصل «سنودن» إلى روسيا في 23 من يونية وهبط في مطار شيريمتيفو الدولي، واعتبر «سنودن» هارباً من العدالة أمام السلطات الأمريكية التي تتهمه بالتجسس وسرقة ممتلكات حكومية، ليصبح «إدوارد سنودن» مطارداً دولياً وتصبح الولايات المتحدة الأمريكية فى حالة حرج شديد وبالغ الصعوبة أمام حلفائها وخصومها فى آن واحد.

وأكد خبراء وأساتذة القانون أن التسريبات تعد ضمن المخالفات التى تنتهك القواعد والأعراف المهنية المنظمة للصحافة على المستويين العالمى والمحلى، وفقاً لقانون 96 لعام 1969، وفقاً لميثاق الشرف الصحفى، ولكن فى ظل عدم وجود معايير واضحة للترويج الإعلامى والنتيجة هى المزيد من الأخطاء المهنية، فالبعض يرى التسريبات تدخلاً فى إطار التفوق الإعلامى أى تندرج تحت مسمى «الشهوة الإعلامية» لبعض مقدمى البرامج للحصول على انفرادات لإثبات تفوقهم الإعلامى الزائف، والبعض الآخر يراها اعتداء على حقوق الآخرين وحريتهم الشخصية وليس لها علاقة بالمهنية والحرفية الإعلامية الصحيحة.

لا شك أن أخطر ما يتعرض له إنسان هو الاعتداء على حرمة حياته الخاصة وأسرارها سواء كان بالتنصت على المكالمات التليفونية أو تسجيلها وكذلك التقاط الصور ونشرها ويعد عصفاً بنص دستوري يصون ويحمى الحياة الخاصة لكل إنسان.

فنص المادة 57 من دستور 2014 اتسع فى ضماناته ليشمل المراسلات البريدية والبرقية الإلكترونية (الإيميلات)، وكذلك المحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصالات وكفل سريتها، كما نص أيضاً على عدم جواز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي ولمدة محددة.

كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطن فى استخدام وسائل الاتصال العامة.. ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها بشكل تعسفي.

«الوفد» فتح هذا الملف، ورصد آراء خبراء الإعلام والقانون وحقوق الإنسان حول هذه الظاهرة.

وفى هذا السياق، يحدثنا الدكتور محمود السقا، أستاذ ورئيس قسم فلسفة القانون بجامعة القاهرة وعضو نقابة المحامين، قائلاً: إنه فى ظل غيبة التشريع.. فإننا نعيش حالة فوضى وارتجال يتبعه الجميع.. ولكن عندما تكتمل خارطة الطريق بالاستحقاق الثالث وهو انتخابات مجلس الشعب.. سيصلح الكثير من هذه العشوائيات التى نراها جهاراً نهاراً، عن طريق إصدار التشريعات لتحاسب كل من يتجاوز القانون.

وأضاف: إن ظاهرة التسجيلات لأشخاص دون علمهم، ثم القيام بتسريب هذا التسجيل ونشره على أى من الوسائل الإعلامية.. تعرض فاعلة للمساءلة القانونية. مشيراً إلى أن الجهة الوحيدة التى يمكن من خلالها إجراء أى تسجيل لشخص ما هى النيابة العامة، ولكن أيضاً تحت مظلة قانونية وقواعد وإجراءات معروفة لدى رجال القانون، للسماح بالتسجيل أو رفض الطلب من أساسه طبقاً للقواعد القانونية.

وتابع الدكتور «السقا» هذا من الناحية القانونية، والآن دعنى أقول لك إنه أيضاً من الناحية الدينية، فإن هذا الفعل محرم فقد نهى الله سبحانه

وتعالى فى كتابه العزيز (ولا يسترقون السمع)، فعملية سرقة السمع وإفشاء ما به من أسرار جريمة أخرى يحاسب الله سبحانه وتعالى صاحبها.

واختتم الدكتور «السقا» حديثه بمطالبة الدولة بسرعة إجراء انتخابات مجلس الشعب.. لأنه يقضى على الكثير من المهاترات والفوضى التى نشهدها الآن فى مناحى كثيرة من حياتنا.

 

زعزعة العلاقات الدولية

وشكك الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الصحافة والإعلام جامعة القاهرة: فى صحة التسريبات الأخيرة التى طالت الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، والتى تخص دولاً خليجية شقيقة.

ثم عاد وقال: إن هناك اتجاهاً لتيار سياسى معين يوظف كل الوسائل الإعلامية التى لديه بهدف الاغتيال المعنوى لكل القيادات المصرية. موضحاً أنه عندما نحلل تسريب ما، نبدأ أولاً فى بحث ما هو الموضوع وما هو الهدف وما هو التوقيت ولماذا هذا التوقيت.. فإذا طبقنا هذا نجد أن الموضوع متعلق بعلاقات مصر مع دول الخليج وهى علاقات جيدة جداً ومتعمقة ووصلت لمرحلة التعاون الاستراتيجى أيضاً التوقيت يشير إلى الفراغ وعملية ترتيب البيت فى السعودية وخروج «قطر» من الاتفاقيات بشأن العلاقات مع مصر. أما الهدف فهو «دق إسفين» بين العلاقة المصرية الخليجية.

وأكد الدكتور «علم الدين» أن مثل هذه التسريبات لم تعد كمجهود صحفى ولكن هو مجهود أجهزة بارعة فى التنصيت وتركيب الأصوات ومحاولة لخلق واقع جديد من خلال هذه التسجيلات.

وأشار إلى أن بعض الصحفيين العرب مازالوا يعتمدون على العلاقات ومقالات الرأى ويفتقدوا صحافة المعلومات والمصادر المختلفة والتدقيق وفى هذه القضية التى نحن بصددها أحب أن أشير إلى نقطة مهمة جداً وهى أن هناك فى عالم الصحافة والإعلام نظرية تسمى الاقتصاد السياسى لوسائل الإعلام بمعنى آخر «فتش عن التمويل» وفتش عن مراكز القوى لتستطيع أن تقرأ المحتوى للمادة الإعلامية المقدمة لك. مؤكداً على أنه ليس كل التسريبات فى الصحافة الغربية أو الإعلام الغربى عاماً صحيحة.

فيما وصف الدكتور محرز غالى، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة: هذه التسريبات بأنها اختراق للخصوصية وتعدى على حقوق الآخرين، وعلى المتلقى أن يتأكد من المعلومات التى تحتويها تلك التسريبات وذلك من خلال مصدرها هل هو مصدر موثوق به؟ أم تم من خلال إعداد هذه التسريبات من جهة معروفة بإثارة الشبوهات وتريد إثارة الرأى العام حول قضية تتناولها تلك التسريبات.

وأضاف: أن العمل الصحفى أو الإعلامى عموماً له ضوابط معينة، حتى لو أن المصدر صرح لنا بمعلومات وطلب عدم إذاعتها أى (خارج النشر) فيجب الالتزام بذلك طبقاً لميثاق الشرق الصحفى الذى يجب أن يلتزم به كل من ينتمى إلى العائلة الصحفية، وعلى الصحفى أو مقدم البرامج أن يراعى هذه الأمور، ولا ينجرف وراء أهوائه الصحيفة من أجل تحقيق هدف ما، أو سبق صحفى على حساب حقوق وحريات الغير.

وأكد: أن مثل هذه التصرفات إذا صدرت من أفراد فى المجال الصحفى فإنها تسيء إلى المجموع، لأنها تمثل تحايلاً وطريقة غير مشروعة لتناول المواد الإعلامية.. فيجب علينا جميعاً حماية المهنة من هؤلاء الذين يسيئون لها ولمن ينتمى إليها.

وعن التداعيات السلبية لهذه التسريبات يقول: إن التسجيلات حتى لو ثبت صحتها فإنها تشكل شكلاً من أشكال الضغط على من تخصه هذه التسريبات، كما أن الكثير استخدموها فى المجال السياسى للضغط على السلطة لتحقيق مكاسب أو أهداف لحساب جهات أخرى قد تكون هذه الجهات منظمات أو مؤسسات وفى بعض الأحيان دولاً، كما أن هذه التسريبات والناتجة عن تسجيلات لبعض الناس تسبب نوعاً من البلبلة وعدم الأمان عند الناس وتولد لديهم الشعور بأنهم مراقبون ومن السهل التنصت عليهم، فى أى وقت وفى أى مكان، وهذا ينشئ مناخاً غير صحى «ودى أمور» المفروض أن نراعيها للحفاظ على أعراف وتقاليد المهنة والعمل على زيادة ثقة المتلقى فى وسائل الإعلام، حتى نقضى على حالة الشك والريبة التى وصل إليها الجمهور المتلقى المصرى.