عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جمعة التاسع من سبتمبر: جمعة إستنزاف ما تبقى من زخم الثورة

بعيدا عن حالة الفزع المُفرط و عن العبارات البائسة من نوعية: "آدي الثورة و اللي عملته في البلد"، "بقى هما دول شباب الثورة؟"، (للأسف، لم يحظَ كل شباب مصر بفرصة العمل في جوجل!)، "كفاية بقى، قرفتونا"، "خربتوا البلد"؛ بعيدا عن كل هذا السُخف أعلق على أحداث جمعة التاسع من سبتمبر؛
لا يمكن إنكار حقيقة أن ما حدث عند السفارة الإسرائيلية و أمام مبنى وزارة الداخلية هو حالة من حالات "الهطل الجماعي" قد تبدو العبارة جارحة بعض الشيء و لكني سأفسرها في السطور القادمة؛
 
و لنبدأ من الحدث الأكثر "هطلا" و هو إقتحام السفارة الإسرائيلية، إن إستدعاء مسألة العلاقات المصرية-الإسرائيلية في اخر جُمعات الثورة، جمعة تصحيح المسار، هو تصرف لا محل له من الإعراب بالمرة. كيف سيساعد إقتحام سفارة مهجورة في أحد شوارع الجيزة على تصحيح مسار الثورة؟!  لقد تم الحشد لهذة الجمعة للمطالبة بأهداف محورية محددة كتعديل قانون مجلس الشعب و إستقلال القضاء و تحديد دور العسكر؛ ولكن للأسف لم يتبقَ في المشهد أي من تلك المطالب بحلول الساعات الأولى من فجر السبت، إنما سيطر على المشهد صورة دموية عنيفة فارغة المعنى مسلوبة المضمون؛ و القيام بعمل فارغ المعنى هو شكل من أشكال "الهطل".
 
 و إذا عرجنا علي الأسباب سنجد على رأسها الفشل الديناصوري للدبلوماسية المصرية الكسيحة. لقد شنت دولة ما هجوما سافرا على حدود دولة مجاورة لها مما أسفر عن سقوط ستة قتلى، نحن أمام أسهل مهمة دبلوماسية في التاريخ. فأنت الأن سيد الموقف تستطيع أن تستدعي سفيرك للتشاور، تلوح بإمكانية تخفيض التمثيل الدبلوماسي إلي أن تصل إلى التهديد بطرد السفير؛ كلها إجراءات حازمة و أكثر رجاحة و فاعلية من تسلق الأبنية و حرق الأعلام. لو كانت مصر قد اتخذت أي إجراء من الإجراءات السابقة، لكان بإمكاننا أن نستخدمه كورقة ضغط على إسرائيل لإجبارها على قبول تعديل إتفاقية الغاز الكارثية إلى جانب بعض بنود إتفاقية السلام، و لكن كعادة الخارجية المصرية؛ لا حياة لمن تنادي.
 
 
 
 و يعود كل هذا التخبط الدبلوماسي إلي إعتقاد من يحكمون مصر منذ 59 عاما أن عدم إتخاذ تلك الإجراءات سيهدىء الأجواء و لكن تحققت النتيجة العكسية و ازدادت الأمور إشتعالا. أما عن ثاني أسباب إقتحام السفارة؛ فهو ما أسميه "فائض الطاقة" الذي يتمتع به الشباب المصري تحديدا العاطل –بالإكراه- و لابد لذلك الفائض أن يتم تفريغه إما في تشجيع ملتهب في المدرجات أو في تحطيم الجدران الأسمنتية أو في أي شيء آخر منقوص الهدف.
 
 
 
أما بخصوص التعدي على المنشأت الأمنية و على رأسها مبنى وزارة الداخلية؛ لقد تعلمنا منذ صغرنا أنك تحصد ما تزرع؛ فحينما تزرع الظلم تحصد الكراهية، حينما تزرع البلطجة تحصد الإجرام، حينما تسب و تعذب سيصفك الناس بصفات مثل: "فاشل الثانوية" و "الغراب المعشش"، فلا داعي للإستغراب.
 
 لقد ساءني بشدة منظر مجموعة من الشباب و هم يتبولون على أحد بوابات وزارة الداخلية، تصرف بذيء و ساذج لكنه مُفسَر و قابل
للإستمرار طالما لم يدرك ضابط الشرطة أن وظيفته هي حماية و إحترام المواطن سواء كان هذا المواطن مهندسا أو محاسبا أو أحد شباب "ألتراس أهلاوي".
 
و ها نحن ذا قد فرغنا من أكثر الجُمَع إرتباكا بلا أي مكتسبات، بل أوجدنا ذريعة للعسكر بمد حالة الطوارىء بما يحمله ذلك من تقييد و انتقاص للحريات، و قد بدأت البشائر بغلق قناة "الجزيرة مباشر مصر" و عدم بث المحاكمات و البقية تأتي. و لكن الأخطر هو خسارة المزيد من الجمهور المصري المنتمي لما أطلق عليه "حركة عدم الإنحياز". خاصة بعد ترك حركات الإسلام المُسيّس لميادين التحرير و توجههم لميادين الصناديق.
 
و أنا أُرجع كل تلك الأحداث، التي تُميَّع الثورة و تستنزف زخمها، إلى ما يتسم به الجنرالات من بطء و عدم وضوح للنوايا و غياب رؤية سياسية كالتي يتمتع بها سياسيين كأردوغان و غيره. ذلك بالإضافة إلى إفتقار الثورة المصرية منذ بدايتها لأهم سمة من سمات الثورات و هي وجود نظام موازي مستعد لتولي السلطة فور إنتصار الثورة. لكني ما زلت مؤمنا بقدرة الثورة على تدارك تلك العوائق في أقرب وقت ممكن.
 
وفي تعليق شبه منفصل؛ أود أن أُبدي إشمئزازي و إحتقاري لكل من يردد نغمة "مين دول؟"، "مش دول اللي كانوا في التحرير"، "بقي دي أشكال؟ شوف شكله عامل إزاي، ده أكيد بلطجي"؛ أحب أن أقول لمرددي تلك الجمل الفظّة المتغطرسة أن هؤلاء هم من كانوا وقود الثورة الحقيقي، فهم من تصدوا لوحشية الشرطة و بأسها و هم من بقوا في الميدان حينما غادر معظم الثوار. قد لا يشبهون طلبة ال  Business Administrationفي الAUC، لكن هذا ليس ذنبهم إنما ذنب نظام الدكتاتور المخلوع الذي ساهم بشدة في توسيع الفجوة بين الطبقات حتى انقسم المجتمع في أغلبه إلي فئتين؛ فئة من يملكون كل شيء و فئة من لا يملكون أي شيء. و لنتذكر دائما أننا لم نختر إلى أي طبقة إجتماعية ننتمي.
 
فادي محمد
 
طالب جامعي