رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عندما تمسك القردة بمخالب القطط؟!

الأصل في القرود أنها حيوانات مشاكسة تجيد الجري والقفز والهرب والمناورة والمراوغة. كما تعشق الانتقال السريع الخاطف بين فروع الأشجار ثم تتوقف متلذذة بانتزاع الثمار التي تقضم قطعة منها ثم تقذف الآخرين بها خاصة لو كانوا من بني البشر

. ومن المعروف عنها كذلك أنها تتقن فن التقليد المضحك والمحاكاة الخبيثة. وعلى العكس مما يظنه البعض عن كونها أليفة أو مستأنسة; فإن منها ما هو في شراسة الذئب وخبث الثعالب. ولذلك فهي تمسك بمخالب القطط – حسبما تحكي القصة المعروفة – كي تلتقط حبات « أبو فروة « الساخنة من فوق جمرات الفحم فتظفر بها وتترك القطط البلهاء محترقة الأصابع جائعة ولكنها متوحشة!

هكذا يمكن قراءة وقائع الأحداث الأخيرة: مظاهرة أساسية في ميدان التحرير وصل عدد المحتشدين لها مائة ألف شخص يزيدون أو ينقصون. شعارها هو «جمعة تصحيح المسار» ومطالبها واضحة معلنة كتبت على اللافتات وعلت بها الأصوات وكان مقدّرا لها أن تمر بسلام بعد ما اتسم به ميدان التحرير من التزام وما أبدته وزارة الداخلية من حكمة لا تتناقض مع ما أفصحت عنه في بيانها اللاحق بشأن تلك الأحداث.. لكن انحرافا مفاجئا في المسار الأساسي قد أصاب المظاهرة فجعلها تنشق إلى ثلاثة مسارات أو أربعة جديدة أولها في اتجاه مبنى التلفزيون وثانيها إلى دار القضاء العالي بينما توجهت جموع المسار الثالث إلى وزارة الداخلية فأحرقت غرفة الأدلة الجنائية كما وقف بعض أفرادها «يتبول» – في وقاحة بشعة - على السور الحديدي لها كما أثبتت بعض الصور. بينما انتقل المسار الأخير إلى كوبري الجامعة قاصدا سفارة العدو كي تتحول المظاهرة العادية إلى هيجان؛ والوقفة العاقلة المنضبطة في ميدان التحرير وأمام دار القضاء العالي إلى وقفات شرسة وجاهلة. ناقمة وغوغائية كل مهمتها أن تلوث أصابع الثوار ببصمات جريمة لم يرتكبوها ومؤامرة لم تخطر لهم على بال (مع استثناء بعض السذج وحسني النية والغافلين ومن دفعتهم مشاعر الوطنية وزج بهم الحماس وكراهية إسرائيل إلى المشاركة دون تفكير. علاوة على من استغلت همومهم أو جروحهم وبطالتهم وجوعهم فانضموا إلى الحشد الملتهب كي يستخدموا كوقود جماعي للحريق)!..

وبينما تركزت المطالب الأساسية لوقفة ميدان التحرير في ضرورة « إعادة النظر في قانون الانتخابات ووقف إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية « واتسمت بكونها مطالب سياسية واضحة لا ينكر أن تأجيلها كان ولا يزال دائما باعثا على القلق وربما مهددا بانفجار؛ فقد تم تكريس الوقفة الجديدة المفاجئة لإعلان الغضب على إسرائيل وتحقيق انتصار صارخ معلن باقتحام سفارتها وبعثرة بعض أوراقها ورفع شعارات الدفع إلى التصدي الحاسم لجرائمها الأخيرة في حق مصر وجنودها وضباطها الشهداء. وهي مطالب كان يمكن صياغتها والإعلان عنها بشكل آخر مختلف تماما عما حدث ولم يتوقعه الكثيرون وفي مقدمتهم أصحاب مظاهرة تصحيح المسار أنفسهم!

ما الذي حدث إذن فحوّل الحجارة – التي تظهر دائما في أمثال هذه الأحداث – إلى صفوف أفراد الأمن المركزي والشرطة العسكرية فاستهدفتهم وركّزت عليهم وجعلتهم فجأة هم الأعداء رغم أنهم لم يبادروا بإطلاق رصاصة واحدة ولم يتخلوا عن ممارسة الحد الأقصى من ضبط النفس في مواجهة تجاوزات شرسة وانفلات غوغائي بدا وكأنهم قد خرجوا من أجله وتظاهروا للانتقام به. ثم ليتوجهوا إلى مديرية أمن الجيزة في محاولة غير مبررة لاقتحامها - وكأنها امتداد لسفارة العدو أو ملحق تابع لها – مع ما رافق ذلك من إحراق لعربتي شرطة وإصابات لضباط وجنود حاولوا التدخل لمنعهم مثلما أحرقت غرفة الأدلة الجنائية بوزارة الداخلية وضمن فعل متجانس متزامن موحد لا بد وأن يلفت النظر وأن يسترعي الاهتمام. ثم بعد ذلك يوجّه البعض اللوم إلى قوات الشرطة لأنها تصدت للهجوم وأحبطت محاولة الاقتحام!

ثم من الذي حشر بينهم أطفالا ومراهقين عرّوا صدورهم واندفعوا في جرأة غريبة إلى التحطيم والتكسير دون

خوف وبلا أي مبالاة؛ ثم دفع بموجة جديدة منهم مع مطلع الصباح التالي كي تدعم الفريق الأول أو تحل محله وتواصل أعمال الشغب من جديد؟!.. ومن هم راكبو الموتوسيكلات والدراجات النارية من الغوغاء والرعاع الذين اخترقوا الصفوف وأثاروا الفزع في جرأة ليس لها ضابط ووقاحة لم يردعها أحد!.. من الذي نظمّهم إذن ودفع بهم ودفع لهم وحشر بينهم وجوها جاهلة تتشنج في صراخها وتخلط في شعاراتها بين النّقمة - التي لا ينكرها أحد - على إسرائيل وبين مطالب مشروعة لشباب يحلمون بفرصة عمل وأرباب عائلات تعيش تحت خط الفقر ومرضى ومشردين؟.. من الذي خلط بين كل تلك الأوراق والمطالب ووضع بعضها على ألسنة من لا يعرفونها أصلا ولا يهتمون بها؟

بالطبع ليس سوى أولئك الذين لا يريدون استقرارا لهذا البلد سواء كانوا قردة أو ضباعا أو وحوشا خارجيين أو داخليين من بينهم – وبكل تأكيد – من صمّموا على تعطيل إجراء الانتخابات القادمة ومن يريدون تعطيل محاكمة الرئيس المخلوع وأعوانه. ومنهم من يريدون المحافظة على ما كسبوه أو ما سرقوه قبل أن تقوم الثورة. كما أن من بينهم من يريدون وقف حال السياحة إما عن إيمان بتكفيرها وإما عن إرادة متعمدة لتحويلها إلى إسرائيل كبديل. من بينهم كذلك من يريدون تشويه صورة مصر عالميا بالتحذير - المؤكّد بالصور والمؤيد بالوقائع – للدول الأجنبية كي تحجم وتتراجع عن فتح سفارتها في بلد لا يأمن فيه الأجنبي حتى ولو كان دبلوماسيا على حياته. ومنهم بالطبع من يخشى من نجاح الثورة كي لا تمتد فتطول بلاده « الشقيقة « المجاورة. وقد اعترف وزير الداخلية وأقر بوجود دخلاء وأياد أجنبية استخدمت حشود العاطلين والغوغاء والمضللين كمخالب قطط كي تصب الزيت على النار وتكوّم فيها ما تقدر على جمعه من حطب الحريق ثم تلقي في لهيبها المشتعل ضحايا جدد وصل عددهم إلى ألف وتسعة وأربعين مصابا بينهم اثنان وأربعون مجندا وأربعة ضباط وتسعة عشر فردا من البلطجية ومثيري الشغب!... وليس لكل ذلك من علاج ناجع سوى تحقيق إصلاحات «جدّية» ملحّة ومطلوبة ولا يختلف عليها أحد لكن قد يختلف على تفسير دوافع تأجيلها الكثيرون.

*******

فجأة فارقنا المبدع الكبير خيري شلبي وكنا نستأنس برأيه وشفافيته و قد تحققت أمانيه فرأى الثورة وظل متفائلا بها. ومن قبله رحل عنا روائي كبير آخر يظل ما كتبه وما دافع عنه وما صارع من أجل تحقيقه قيمة تضاف دائمة إلى اسمه. إنه الأديب محمد عبد السلام العمري فسلاما لهما في عليين!

sm_abutaleb@hotmail.com