رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صفر الإعلام المصرى!

كاميرا قناة الجزيرة مباشر مصر تقدم بثاً حياً من أمام السفارة الإسرائيلية فى القاهرة.. متسمرة كما غيرى أمامها.. ينتابنى بعض القلق من حدوث أى شىء غير متوقع, فى لحظة ملتهبة..

وكثير من الترقب لما سوف تسفر عنه الهتافات التى تعلو فتصل عنان السماء.. لم يكن مشهد حرق العلم – الذى تكرر مئات المرات فى مناسبات عدة - كافياً ولا مرضياً للآلاف المتجمهرين أمام السفارة.. أو فى منازلهم أمام شاشات التليفزيون.. وفجأة.. تلتقط الكاميرا تسلق أحد الأشخاص العمارة المجاورة لبناية السفارة.. وفى أقل من دقيقة كان فوق سطح البناية ينزع علم إسرائيل.. ويستبدله بالعلم المصرى.. وسط تعالى هتافات وصراخ المتجمهرين فى الأسفل.. عقدت المفاجأة لسانى.. ظللت شاخصة إلى الشاشة التى نقلت بعد دقائق, صورة لأحد الشباب ملقى على الأرض.. البعض يلقى على وجهه الماء.. وسريعا ما بث «الفيسبوكيون» على صفحات الموقع الشهير اسم الشاب.. «مصطفى كامل».. تقطع الكاميرا لتنتقل إلى لقطة أخرى تظهر – بغير وضوح – سيارة إسعاف تتحرك وسط الجموع ليعلن المذيع – أو المذيعة لا أتذكر – فى الاستديو, أن سيارة الإسعاف تنقل الآن الشاب الذى أنزل العلم واسمه «أحمد الشحات».. فى نفس اللحظة.. يحمل الفيس بوك «غيار سريع».. «تصحيح يا جماعة.. البطل الذى أنزل العلم اسمه أحمد الشحات وليس مصطفى كامل».. وهنا بدأت القصة التى تعرفونها جميعا.. باحتفالات وتكريمات لا تنقطع للشاب..

وأنا أتابع الواقعة.. كنت قد أخذت الوضع ثابتا أمام التليفزيون.. مثل كل المصريين.. وشعور طاغ بالسعادة الجارفة يغرقنى.. فلا تخرج الكلمات من فمى.. فجيلى تربى على هذا الحلم.. حلم اختفاء العلم الإسرائيلى من سماء القاهرة.. جيلى خرج فى تظاهرات تهتف باسم سليمان خاطر.. ثم تندد بقتله فى محبسه فيما بعد.. ثم تبجل اسمه فى صمت لاحقا.. كانت لحظة لو أقسم لى بشر أنى سأراها فى يوم من الأيام, ما صدقته.. لكن.. فى ذات اللحظة الذى يغرقنى طوفان تلك المشاعر.. طرقت ذهنى مجموعة من الأسئلة الملحة.. الواحد يتلو الآخر.. ما النتيجة القانونية لما حدث؟.. ما المساءلة التى سوف تقع على مصر جراء ذلك؟.. ودبلوماسيا ما الإجراء الذى سوف تتخذه إسرائيل, وبماذا سترد مصر؟.. ماذا لو فعل الإسرائيليون بالمثل وأنزلوا العلم المصرى من سفارتنا فى تل أبيب أو فى أى مكان آخر؟.. هل حدث أمر مشابه لذلك فى أى مكان آخر؟.. وغيرها من الأسئلة التى لم أجد لها إجابات, لا فى الصحف المصرية فى الأيام التالية.. ولا على شاشات الفضائيات أيضا.. وتلك سقطة جديدة للإعلام المصرى.. تضاف إلى سلسلة مهازله المتصاعدة فترة ما بعد ثورة 25 يناير!!

لعب الإعلام المصرى – صحافة وفضائيات – دور المزايد على مواقع التواصل الاجتماعى.. هى التى تحدد خارطة العمل.. وهو يسير وراءها.. هى تحدد لغة الخطاب.. وهو ينحو نحوها, بل وينقل عنها كمصدر للمعلومات.. وهو خطأ مهنى فادح يستوجب المساءلة, بل والعقاب.. هى تحدد منهاج عمل المرحلة.. وهو يقوم بالتطبيق معصوب العينين.. بلا فكر أو رؤية أو وجهة نظر.. أو حتى وازع من المهنية.. الاستثناء فى هذا قليل للغاية يكاد يعد على أصابع اليد الواحدة.. استوت فى ذلك الصحف التى انطلقت

بعد الثورة, بالصحف التى كانت قبلها ووجدت أن أيسر الطرق هو مغازلتها.. وحتى المؤسسات الصحفية الحكومية التى رأت فى ذلك منجاة لها من سمعة سيئة التصقت بها فيما قبل.. فكانت محاولة رديئة من صانعى قرارها – الذين ينتمون فى معظمهم لماضٍ كريه - لغسل أيديهم من هذا الماضى بمحاولات تستوجب محاسبتهم على إهدار قيمة تلك المؤسسات.. التى تربعوا على قمتها يمارسون منهج إقصاء كل موهوب, على غرار سابقيهم.

سقط الإعلام المصرى – إلا قليلا – فى أداء دوره المهنى.. فلم يجب على أسئلة ضرورية خاصة بأمر إنزال العلم.. فانبرت الفضائيات ببرامجها للتوك شو فى التهليل والتهليل المضاعف, دونما عقل.. وصار وجه البطل – المزيف حتى الآن – قاسماً مشتركاً فى كل تلك البرامج.. إن لم يكن بشخصه, فبصوته عبر الهاتف.. حتى ظهر الفاعل الحقيقى لفعل إنزال العلم.. ليتحول الأمر إلى هجوم وهجوم مضاد بين الطرفين.. ليتم إقحام سمعة الثورة والثوار بلا مبرر فى الأمر.. فنسمع من يقول على لسان الدكتور صفوت حجازى.. إنه يعلم بالحقيقة من البداية لكنه قرر التكتم حفاظا على سمعة الثوار!!.. مال سمعة الثوار يا دكتور بأمر كهذا؟.. ومال الثورة بمسألة إنزال العلم.. التى تم تحوير رمزيتها كصورة معبرة عما يجيش فى نفوس المصريين.. إلى قضية فى حد ذاتها وهدف سعت إليه الثورة؟..

هذا الأداء الإعلامى المتردى الذى بات يمثل خطورة جمة على الوضع فى مصر الآن.. يجب أن يتوقف لإعادة التقييم والمراجعة.. إما من داخل المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام نفسها – وهذا أمر أشك فى حدوثه – أو من الخارج من جهة محاسبة تخضع لها وسائل الإعلام تلك.. وهذا أيضا أمر صعب.. لأننا ببساطة لا نملك تلك الجهة فى المرحلة الراهنة.. وإما بحملات مقاطعة منظمة من الواعين فى تلك الامة.. ربما يكون هذا ناجعا فى الوقت الحالى.. فقد تفيق تلك الكيانات الإعلامية التى تخشى المقاطعة.. بنفس القدر الذى تسعى به لمغازلة القوى المختلفة.. أما ترك الحبل على جراره بهذا الشكل.. فهو ينبئ بكارثة تتلوث فيها أيادى الإعلام عن عمد.. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.

E_embaby@hotmail.com