عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فن الثورة وتاريخها

ذلك الحب الفاصل بين التأريخ والإبداع كما وصفه وحدده أرسطو بدأ يتلاشى ويختفي حيث إن التأريخ الذي يلتزم بالحقائق والوقائع الزمنية والمكانية للشخصيات وأسمائها الحقيقية ومكانتها من الحدث، والمواقف التاريخية دائماً ما تكتب من وجهة نظر وتوجه تاريخي لمرحلة ما بعد الأحداث ولهذا فإن التاريخ الحقيقي لا يجب أن يكتب إلا بعد مرور خمسين إلي مائة عام حتي تكون هناك موضوعية وحيادية في العرض والتأريخ.

لكن الإبداع الفني والدرامي ما هو إلا إعادة صياغة للواقع وللحدث كل كاتب ومبدع من منظوره وموقفه الذاتي وقناعاته الشخصية وخلفيته الاجتماعية والتاريخية من الأحداث ومن هنا نجد أن ثورة يوليو مثلاً قد صورت ما قبل 25 بصورة مشوهة وأساءت إلي أسرة محمد علي وتمادت في تجريح كل خديو وسلطان وملك لدرجة أن من درس التاريخ في الستينيات والسبعينيات كان يري أن مصر الحديثة ولدت مع الضباط الأحرار وأن عصور الظلام الدامس سادت القرن التاسع عشر حتي منتصف القرن العشرين وإذا بالتاريخ الحقيقي تعاد كتابته مرة أخرى من خلال الفن والدراما والمؤرخين والكتاب والعلماء الذين يعيدون الأمور إلي نصابها لنكتشف أن «محمد علي باشا» لم تكن كل إنجازاته مذبحة المماليك في القلعة ولكنه من بني مصر الحديثة هو وأبناؤه وأحفاده الذين نقلوا مصر إلي عصر من التنوير الثقافي والتعليمي وأيضاً العسكري والتكنولوجي من مياه وكهرباء وشوارع وسدود وزراعات حديثة ومدارس للطب والهندسة والعلوم والإنسانيات وكذلك مدارس للفتيات وطباعة وصحف وترجمة ومسرح وأوبرا وسينما وبرلمان ودستور وجامعة وجمعيات علمية وروح ثورة جسدها كبار العلماء والكتاب والمفكرين والسياسيين.

ولأن ثورة 52 يناير 1102 مازالت في طور التكوين الثوري وتحديد الملامح للمرحلة القادمة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً فإن الإعلام والصحافة مقروءة ومكتوبة لا تقدم الصورة الكاملة لهذه الثورة لأسباب مختلفة لكن ما يقدمه الفن والدراما الجديدة يعبر إلي حد كبير عن التناقض والتضارب الذي يعتري المجتمع المصري قبل الثورة حتي لحظة انفجارها البشري وتداعياتها التي مازالت تؤرق الشارع والمواطن والثائر كل علي حدة، ففي هذا العام قدمت الدراما التليفزيونية عدة أعمال معبرة عن الثورة، أولها «رجل من هذا الزمان» عن قصة الدكتور العالم «علي مشرفة» للمخرجة إنعام محمد علي والكاتب السيد عيد وهي قصة وتاريخ المجتمع المصري وقت ثورة 91 وما تلاها وهي ثورة شعبية سياسية تشبه إلي حد كبير بدايات ثورة يناير وتؤكد أن مصر بلد شهد التطور والتقدم والعلم والديمقراطية في ظل شعب يحب وطنه ويخلص له بالعمل لا بالأغاني والشعارات والاعتصامات والفيس بوك.

وهناك ثلاثة أعمال درامية حديثة ترصد المجتمع المصري عبر ثلاثة مستويات شعبية واجتماعية، الأول شارع عبدالعزيز للكاتب «أسامة نور الدين» والمخرج «أحمد يسري» والذي يحكي عن طبقة التجار الصغار والمهربين والسريحة وكذلك التجار

المحتكرين لسوق السلع المضروبة والفاسدة والمهربة كل هذا من خلال شارع وشاب يحمل ذات الاسم وما يدور من صراعات إنسانية واقتصادية وتخريب للمجتمع وللتجارة بدعوي لقمة العيش والمكسب السريع ولا وجود لأي مفاهيم عن القيم أو الحلال والحرام أو الصح والخطأ أو الضمير ولكأن الشارع المصري الشعبي هو نتاج الحكم الظالم والتجار الكبار ورجال الأعمال والاحتكار والبورصة والاستيراد ودخول نواب مجلس الشعب البيزنس وتسخيرهم الصغار لخدمة مصالحهم المالية والسياسية، وهذا العمل وإن كان تعبيراً عن واقع وتاريخ، إلا أن دور الفن والدراما لا يجب أن يكون مجرد رصد للأحداث أو التعليق علي الوقائع كما لو كنا في برامج إخبارية أو توك شو.

العمل الثاني هو مسلسل «المواطن إكس» عن قصة «خالد سعيد» للمؤلف محمد ناير والمخرج المتميز عثمان أبو لبن، وهذا المسلسل الجدلي يتميز بالصورة والإضاءة وسرعة الحركة وإن كان الحوار والقصة ما هي إلا إعادة تدوير لحدث واقعي أثار غضب الشباب ومجموعات الفيس بوك، وهذا العمل يرصد حياة شباب الطبقة الوسطي وعلاقتهم بأبناء الطبقة الحاكمة والثرية من خلال اجتماعهم في الجامعة ثم جلسات السمر وتعاطي الخمر والمخدرات وسباقات الخيل والدراجات وهو مجتمع متناقض ومتلاطم وثورة الأصدقاء لا تعتني بفكرة التعاطي أو الاتجار في المخدرات ولا حتي الأعمال القانونية الملتوية والعمل من الباطن والفساد السياسي والاجتماعي والأخلاقى وإنما الثورة الشبابية في العمل هي ضد التعذيب والشرطة وإساءة استخدام السلطة ومن هنا فإن العمل الدرامي يتبني قضية المواطن إكس أو الشاب القتيل حسام قاسم من منظور الضحية المجتمعية أكثر منه من منظور الشريك أو المتهم وهذا هو حال معظم الشخصيات الشبابية التي يقدمها المسلسل التي تبرر كل الانحراف والسقوط كنتاج طبيعي لمناخ مجتمعي سياسي اقتصادي فاسد ومنحل في كل القطاعات ومراكز المسئولية.. وللحديث بقية عن فن الثورة وتاريخها.